شعار قسم مدونات

طالبان.. الحدود أولا ومعابرها

سيطرة طالبان على المعابر والحدود أكسبتها سيادة تجاه الدول المجاورة (الجزيرة)

ظهر لكل متابع للتطورات الأفغانية الأخيرة أن الإستراتيجية العسكرية والسياسية الطالبانية تقضي بالسيطرة على الحدود والمعابر، مع عدم الانشغال بالداخل؛ تفاديا لأخطاء ارتكبتها الحركة الطالبانية عام 1995-1997 حين ركزت في إستراتيجيتها على إسقاط المدن والبلدات، وتجاهلت أهمية المعابر والحدود، والتي تمثل في العادة السيادة الحقيقية للدول، وبقدر سيطرة الجماعات أو الفصائل والأحزاب على حدودها ومعابرها بقدر سيادتها أمام شعبها وأمام العالم كله.

ربما استوعبت طالبان أيضا الدرس السوري، حين أصرت على الخلاص من السيطرة المبكرة على كل المعابر الأفغانية باتجاه الدول المجاورة تحاشيا لتدخلات الدول ومليشياتها الطائفية والعرقية كما حصل في سوريا، وبالتالي فالسيطرة المبكرة على معبر شير خان بندر في قندوز أكسب الحركة زخما سياديا وماليا حين وفر الملايين من الدولارات شهريا لخزينتها، لأنه يعد شريان الشمال الاقتصادي الأفغاني نحو طاجكستان، ليتبعه سقوط معبر إسلام قلعة بأيدي الحركة، ثم معبرين آخرين باتجاه إيران، وهو ما يعني قطع الاتصالات بين إيران والحكومة الأفغانية الموالية لها، وأرفقت طالبان ذلك بالسيطرة على معبر "تورغندي" نحو تركمانستان وكذلك "سبين بولداك" في قندهار المطل على باكستان، وهو ما أشار إلى أن عشرات الملايين من الدولارات شهريا بدأت تنهال على خزينة الدولة الطالبانية من وراء هذه المعابر التي تطل من خلالها أفغانستان على العالم الخارجي في ظل افتقارها إلى ميناء بحري لكونها دولة محبوسة كما هو معروف في الجغرافيا السياسية.

إن سيطرة طالبان على المعابر والحدود أكسبتها سيادة تجاه الدول المجاورة، وفرض على الأخيرة طريقة جديدة للتعاطي والتعامل معها، بالإضافة إلى أنه حرم بعض الدول المجاورة التي قد تفكر مستقبلا في تدخلات خارجية بأفغانستان، وتحديدا إيران، حيث إن مجلة "إنتلجنس ريبورت" (intelligence report) كشفت أخيرا عن مفاوضات أمنية تجريها إيران مع الطرف الباكستاني من أجل إعادة توطين بين 5 و7 آلاف مقاتل شيعي باكستاني من جماعة "زينبيون"؛ وذلك إثر تراجع القتال في سوريا، وعودتهم المنتظرة منها، ولكن بعض المصادر الخاصة كشفت أن ذلك يعود إلى فقدان طهران الأمل بإدخال وتسريب هؤلاء المقاتلين إلى الأراضي الأفغانية من الجانب الإيراني، وذلك إثر سيطرة طالبان على المعابر المؤدية إليها، فلجأت إلى إدخالهم بشكل شرعي إلى باكستان على أمل تسريبهم وتهريبهم لاحقا من الطرف الباكستاني للقتال ضد مقاتلي طالبان أفغانستان.

بالطبع، إن الطرف الباكستاني لم يجب على الطلب الإيراني حتى الآن، ولكن طهران تحرص على عدم توتير علاقاتها مع طالبان عبر تهريب هؤلاء بشكل مباشر من أراضيها، ولذا فهي ترسلهم إلى باكستان ليتسللوا عبر الأراضي الباكستانية وهو ما يخلق شكوكا وفتنة بين القوات الباكستانية والقوات الطالبانية لاحقا في حال حصول هذا التسلل.

طالبان التي كانت واضحة تماما في إستراتيجيتها منذ بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان حين ركزت على الحدود والمعابر؛ ركزت بالمقابل على الشمال الأفغاني والمناطق البعيدة عن باكستان؛ كي لا تتهم بأن عملياتها العسكرية مدعومة باكستانيا، بالإضافة إلى التأكيد على أنها جماعة ليست بشتونية عنصرية محصورة في مناطق البشتون، والدليل سيطرتها على مناطق ومدن وبلدات شاسعة في الشمال الأفغاني، وكان من بينها قندوز الطاجيكية وتخار؛ حيث معقل الطاجيك ومعقل المعارضة الشمالية سابقا، بالإضافة إلى "جوزجان" معقل المليشيات الأوزبكية بزعامة الجنرال عبد الرشيد دوستم، وامتدت السيطرة إلى هلمند ونيمروز وسمنجان وغيرها من البلدات والمناطق التي لا يشكل البشتون في كثير منها أغلبية.

كل ما تأمله اليوم القوات الأفغانية الحكومية ومن خلفها قوات التحالف الدولي أن يقع مأزق عسكري بعيد المدى في أفغانستان، تُجبر من خلاله طالبان على التنازل أمام القوات الأفغانية الحكومية فتعود إلى المفاوضات التي تتمناها الحكومة، ولكن يبدو أن هذا الرهان لا يوجد ما يبرره في ظل الاندفاعة الطالبانية القوية، يصاحبه انهيار واضح لقوات الحكومة الأفغانية، وقد بدا ذلك من حالة الانهيار العسكري، والاغتيالات التي تستهدف كوادر سلاح الجو الأفغاني بحيث وصل عدد من اغتيل حتى الآن إلى 8 طيارين، وهروب أكثر من 19 طيارا من الخدمة العسكرية بحسب تقرير لمجلة "تايمز" (Times) البريطانية.

والواضح أن واشنطن تخلت عن الحكومة الأفغانية، وليس بمقدورها أن تواصل القصف الجوي البعيد؛ نظرا لكلفته، وثانيا لقلة تأثيره وفاعليته في ظل الانهيار العسكري الأفغاني وتقدم طالبان، لا سيما وقد كشف أن القصف الجوي لم يعرقل أو يؤخر تقدم طالبان فضلا عن أن يوقفه، ولذا فإن كلفة هذا القصف على أميركا أكثر من فائدته؛ بحيث برزت ضخامة الأضرار الهامشية التي تطال المدنيين ومؤسساتهم من جرائهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.