سرت وترهونة كأنّها "مقبرة جماعية".. العثور على جثث ضحايا الحرب في ليبيا لا يزال متواصلا

أعلنت الهيئة الليبية للبحث والتعرّف على المفقودين في مارس/آذار الماضي أن عدد المفقودين المسجلين لديها بلغ 3650 شخصا من مدن مختلفة، منهم 350 مفقودا من ترهونة التي قيل إنها تحولت إلى "مقبرة جماعية"، في حين تتحدث المصادر الرسمية عن 66 مفقودا من أبناء سرت.

واجهة مدرسة ابن خلدون بمدينة سرت حيث عثر على 12 جثة يرجح أنها تعود لعناصر من تنظيم الدولة الإسلامية (الجزيرة)

سرت- قبل أيام، عثر عمال في إحدى شركات الإنشاءات على رفات 12 جثة مجهولة الهوية أثناء حفريات وسط مدينة سِرت شمالي ليبيا، ويُعتقد أنها لعناصر من تنظيم الدولة الإسلامية ممن قُتلوا خلال معارك تحرير المدينة من التنظيم عامي 2015 و2016.

يقول المتحدث باسم المجلس البلدي لسرت محمد الأميل إن الجثث عُثر عليها متحللة في مقبرة جماعية داخل موقع مشروع بناء مدرسة ابن خلدون. وتأخذ الجهات الرسمية عينات من حمضها النووي للتعرف على هوية أصحابها، قبل أن يُعاد دفنها وفق الإجراءات القانونية.

وحسب الأميل، فإن الكثير من الأُسر هنا ما زالت تبحث عن أبنائها، حيث سجلت المدينة قرابة 66 مفقودا، وفق تصريح أهاليهم في وقفة للمطالبة للكشف عن مصيرهم.

ورغم مرور 6 أعوام على تحرير سرت من عناصر تنظيم الدولة، فإن مسلسل العثور على جثت القتلى وضحايا الحرب، التي شهدتها المدينة منذ الإطاحة بحكم معمر القذافي وحتى عام 2016، لا يزال متواصلاً.

وكانت المدينة المطلّة على البحر المتوسط، المرحلة الأخيرة في ثورة الإطاحة بحكم معمر القذافي عام 2011. ثم شيئا فشيئا تحصّن فيها تنظيم الدولة. وبحلول أغسطس/آب 2015 صارت أكبر معقل له خارج العراق وسوريا.

وفي مايو/أيار 2016 انطلقت عملية عسكرية سُميت "البنيان المرصوص" ضد التنظيم، حيث حققت القوات الحكومية تقدما سريعا في بدايتها مع سيطرتها على المرافق الرئيسية في سرت.

أحد فصول المدرسة التي عثر فيها على جثث متحللة مجهولة الهوية (الجزيرة)

توقعات باكتشافات أخرى

يقول عضو المركز الإعلامي السابق لعملية "البنيان المرصوص" عبد الوهاب الحداد إن عناصر التنظيم كانوا يدفنون قتلاهم في كل مكان خلال الحرب، منها المنازل التي حوصروا فيها. ويتوقع الحداد أن يستمر اكتشاف الجثث لوقت طويل، خاصة في مناطق الجيزة البحرية، آخر معقل تحصنوا به في سرت.

وتحتفظ ثلاجات الموتى في مدينة مصراتة أيضا بمئات الجثث لعناصر من التنظيم، بعد أن سقطوا في المعركة داخل سرت شرقا.

واختار المنتمون للتنظيمات الإسلامية المتشددة مدينة سرت مقرا لهم بعد أن خرجت المدنية من حرب التحرير في أكتوبر/تشرين الأول 2011 منهكة ونزح أغلب سكانها عنها، إلى أن تمكنت قوات حكومة الوفاق الوطني من استعادة السيطرة عليها في ديسمبر/كانون الأول 2016 بعد 8 أشهر من المعارك الدامية.

وأعلنت الهيئة الليبية العامة للبحث والتعرف على المفقودين في مارس/آذار الماضي أن عدد المفقودين المسجلين لديها بلغ 3650 شخصًا من مدن مختلفة، منهم 350 مفقودا من ترهونة.

الأحياء المدمرة في مدينة سرت
الأحياء المدمرة في مدينة سرت شمالي ليبيا (الجزيرة)

بحاجة لدعم دولي

يقول عضو المجلس الرئاسي موسـى الكوني إن المجلس الرئاسي اقترح إنشاء محكمة خاصة بجرائم ترهونة في الجنوب الشرقي للبلاد، والتي "تحولت إلى ما يشبه مقبرة جماعية" على حد وصفه، مضيفا أنه لا بد من الاستعانة بالمجتمع الدولي لأن وتيرة عمل الجهات المحلية في الدولة "بطيئة جدا".

وسبق أن اتهمت جهات رسمية ليبية مليشيات تابعة للواء حفتر بارتكاب مجازر جماعية في ترهونة، وطالبت بتحقيق دولي وتقديم المسؤولين للعدالة.

يقول المحلل السياسي علاء فاروق إنه رغم تشكيل لجان لمتابعة ملف المقابر الجماعية وحصرها والتعرف على الجثث، فإن تعاطي الحكومة "ضعيف جدا".

وحسب فاروق، كان يمكن للحكومة طرح الملف في أروقة المحكمة الجنائية الدولية لتشكيل سجل جديد لإدانة المتورطين فيه ومحاكمتهم دوليا، أو على الأقل إحراجهم. ولكن لا يزال التعاطي الحكومي معه "ضعيفا ومترديا".

وفي حين وصف المقابر الجماعية بالجرائم، قال المحلل إن "مرتكبيها الأصليين أو المخططين لها ينجحون كل مرة في الإفلات من العقاب"، وذلك لضعف التوثيق الرسمي وتقديم الأدلة لتورطهم "وعلى رأسهم اللواء المتقاعد حفتر ورجاله الأوائل الذين عندما ضاق عليهم الخناق قدموا قرابين، أو ضحّوا بقادة أصغر لغسل أيديهم من الجرائم".

أولياء الدم يريدون الثأر

ومن المقرر أن تستجوب المحكمة الفدرالية اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث بلّغ محاميه المحكمة باستعداده لذلك عبر الدائرة المرئية المغلقة، في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

وجاء هذا البلاغ بعد محاولات متعددة لإلغاء الاستجواب، كما اشتكى محامو الضحايا من المماطلة واستنزاف مواردهم جراء هذه المماطلات.

ويرى المحلل فاروق أن حضور حفتر للاستجواب سيشجع أهالي المعثور عليهم في المقابر الجماعية على تحريك قضايا محلية ودولية ضده، ربما تقود إلى إدانته أو حتى حرمانه من الترشح في الانتخابات.

لكنه يستدرك قائلا إن "الجنرال العسكري ينجح في كل مرة من الإفلات من العقاب نظرا لتواطؤ دول كبرى وبعض الفاعلين الإقليميين معه".

ومع الكشف عن هويات القتلى في المقابر الجماعية، تظهر محاولات للانتقام وأخذ الثأر في عدة مناطق. وهو ما حوّل أغلب أهالي ترهونة إلى "أولياء للدم". ويتوقع المراقبون أن تعيق هذه الأزمة ملف المصالحة الذي يجب أن يسير بالتوازي مع ملف العدالة الانتقالية.

المصدر : الجزيرة