لوفيغارو: 10 سنوات بعد القذافي.. ليبيا لا تزال تعيش عذاباتها رغم الهدوء النسبي

الكاتبة: عبد الحميد الدبيبة استطاع أن يكسب تأييدا واسعا بين الليبيين (غيتي)

أعيد فتح الطريق السريع على طول البحر الأبيض المتوسط بعد انتهاء القتال بين شرق البلاد وغربها في عام 2020، وتم اختيار حكومة واحدة، هكذا عاد الهدوء إلى ليبيا وتنفس الناس الصعداء بعد 10 سنوات سوداء اتسمت بالحروب بين الأشقاء وبالإرهاب، ولكن إلى متى؟

بهذه المقدمة، افتتحت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية تقريرا للكاتبة مارلين دوما، حاولت فيه أن ترسم صورة للأوضاع في ليبيا التي تعيش استقرارا لا يبدو نهائيا، بعد انتخاب عبد الحميد الدبيبة رئيسا وحيدا للوزراء من قبل ممثلي الحوار السياسي الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة.

ولئن كان الهدف الرسمي لهذه الحكومة الجديدة هو قيادة ليبيا إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، فإن صياغة القوانين الانتخابية والمشاكل ذات الصلة والتحديات اللوجستية، أدت إلى تقويض هذا الموعد، وعليه تم تأجيل الانتخابات التشريعية، وبقيت الانتخابات الرئاسية في موعدها، ولكن المحللين ليسوا متفائلين بشأن إجرائها.

صراع النفوذ

وفي الوقت الذي يبدو فيه المجتمع الدولي متمسكا بالانتخابات -وفق الكاتبة- بدأ المسؤولون الليبيون يتباطؤون. ويتساءل الخبير جلال حرشاوي -المتخصص بشؤون ليبيا في مركز أبحاث المبادرة العالمية- بنبرة استنكارية فيقول "حتى أولئك الذين يعلنون أنهم مؤيدون للانتخابات لا يشاركون بإخلاص في العملية. ولماذا يتسرع من لديه منصب ويتمتع بامتيازات في المخاطرة بفقدانها؟".

ومما يزيد من عدم اليقين بالسير في هذه الانتخابات ما يحدث بالجنوب، حيث لا تزال أقليتا التبو والطوارق تهددان بالمقاطعة، كما حدث في عام 2014، خاصة أن عددا من أفرادهما لا يتمتعون بالجنسية الليبية للتصويت، وهم مهتمون باضطرابات الجيران -في السودان وتشاد- أكثر من اهتمامهم بالسياسة المتبعة في طرابلس، كما تقول الكاتبة.

ومع ذلك -تقول مارلين دوما- فإن لوجود حكومة واحدة في ليبيا آثارا إيجابية، إذ سمحت لليبيين بالسفر داخل بلدهم من جديد بعد أن توقفوا عن ذلك خوفا من الاختطاف بسبب آرائهم أو أصولهم أو أموالهم، إذ أصبحوا اليوم قادرين على التنقل بين عاصمتيهم المتقاتلتين، طرابلس في الغرب، حيث كانت حكومة فايز السراج، وبنغازي في الشرق، حيث امتد تأثير اللواء المتقاعد خليفة حفتر خصوصا بعد اتفاقيات الصخيرات في عام 2016.

قوات أجنبية رادعة

وتنقل الكاتبة عن شاب ليبي  يدعى أيمن قوله "منذ عام 2014، جربت كل شيء لأتنقل بين الشرق والغرب، سلكت طرقا التفافية صغيرة لا يعرفها إلا السكان المحليون، أشرت إلى جذور أمي البنغازية، وإلى كوني من مواليد طرابلس، حسب الميليشيات المسيطرة على الحواجز. وتظاهرت بالتقوى عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على سرت" التي بقيت في قبضته من فبراير/شباط 2015 إلى ديسمبر/كانون الأول 2016، حيث هُزم على يد مليشيات مصراتة.

وقتها عاد الهدوء ولكنه لم يدم، كما تقول الكاتبة، لأن حفتر هاجم طرابلس في أبريل/نيسان 2019 بحجة إفراغ العاصمة من "الإرهابيين الإسلاميين" والإخوان المسلمين، غير أن المليشيات نفسها التي قاتلت تنظيم الدولة حملت السلاح مرة أخرى لمقاومة الرجل القوي القادم من الشرق.

في هذا الوقت، وُجِد عنصر المقاتلين الأجانب بعد أن طلبت الحكومة في طرابلس من تركيا التدخل رسميا وعندما وجد حفتر دعما غير رسمي من الكرملين وشركة فاغنر شبه العسكرية، ولم تدفع الهدنة الجديدة هذه القوات الأجنبية إلى الرحيل، إذ لا يزال -حسب جليل حرشاوي- هناك 3 آلاف روسي وألفا سوري من الموالين للأسد في صف حفتر، ويقال إن 4 آلاف سوري مناهض للأسد و700 إلى 800 ضابط تركي موجودون في طرابلس.

ويقول حرشاوي "يؤسفني القول إن وجودهم اليوم في البلاد هو الذي يضمن السلام، فهم يشكلون رادعا لليبيين من كلا الجانبين، وإن كانت الصراعات الصغيرة لا تزال تندلع في بعض الأحيان، من أجل النفوذ بين المليشيات، أو بسبب التوترات القبلية والمصالح الاقتصادية.

هدوء نسبي

في هذه الأثناء -كما تقول الكاتبة- وجد رئيس الوزراء الدبيبة حلا يساعد على الحد من العنف. ويقول حرشاوي إن "الهدوء النسبي سمح للدبيبة بالمضي قدما في مشاريع، كمحطات توليد الكهرباء ومطار طرابلس الدولي الذي دمر في قتال 2014، مستفيدا من عودة إنتاج النفط إلى 1.3 مليون برميل يوميا وارتفاع أسعار الطاقة. كما قام بزيادة رواتب المعلمين وقدم مكافأة قدرها 6 آلاف يورو لتشجيع الزواج، مما جعله يتمتع بشعبية كبيرة، ولكن برلمان طبرق (في الشرق) سحب ثقته منه واتهمه بتجاوز صلاحياته.

وختمت الكاتبة بأن هذا البرلمان -إذ إن أعضاءه في النهاية قواعد اللعبة- صوّت هو الآخر لمنح مساعدة تزيد على 8 آلاف و500 يورو لكل أسرة، في بادرة كريمة ستمكن المواطنين أخيرا من العيش بشكل لائق، إلا أن من لا يرون حتى الآن نهاية للنفق المظلم، هم المهاجرون الذين يعيشون في مراكز اعتقال مكتظة وغير صحية.

 

المصدر : لوفيغارو