تخشى تداعياتها على التطبيع.. إسرائيل تراقب الأحداث في السودان بصمت

يرجح المحللون أن الصمت الإسرائيلي حيال الانقلاب في السودان مؤقت، لحين انتهاء الأحداث، إذ تخشى تل أبيب من تراجع دور البرهان والمجلس العسكري واستعادة المكوّن المدني لمقاليد الحكم، علما أن الشعب السوداني يرى بالقدس وفلسطين قضية قومية

السودان وإسرائيل هل يمضيان إلى تطبيع أمني واستخباراتي؟ (شترستوك)

القدس المحتلة- تلتزم إسرائيل الصمت حيال الانقلاب العسكري في السودان، وتمتنع عن التعليق على الأحداث التي تخشى تداعياتها على مساعي التطبيع بين البلدين، فيما تواصل، وبسرية تامة، توطيد علاقاتها الأمنية والاستخباراتية مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يرأس المرحلة الانتقالية بالخرطوم.

وسبقت قرار البرهان بحل مجلس السيادة وحكومة عبد الله حمدوك، مبادرات إسرائيلية لتعزيز العلاقات والدفع نحو التطبيع مع الخرطوم وضمن اتفاقيات "أبراهام" التي بدأتها العام الماضي، بيد أن أزمة الحكم والأوضاع الداخلية والحراك الشعبي السوداني، حال دون ذلك.

ورغم الصمت الرسمي، فإن ثمة من يؤكد من الباحثين والمحللين أن إسرائيل تخشى تطورات الأحداث بالسودان، إذ لا يستبعدون إمكانية أن تنعكس سلبا على مسار التطبيع، علما أن من يشرف ويتعامل مع العلاقات مع السودان في تل أبيب، وتحت غطاء من السرية، هو جهاز المخابرات (الموساد) ومجلس الأمن القومي.

المراقبون في إسرائيل يعتقدون أن الخلافات بين المكونين العسكري والمدني عرقلت مسار التطبيع معها (الفرنسية)

خلافات البرهان وحمدوك

وفضّلت تل أبيب عدم الاندفاع نحو تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الخرطوم بسبب أزمة الحكم والحراك الشعبي وهيمنة العسكر وغياب الدور المدني في إدارة شؤون البلاد، واختارت تأجيل مراسم توقيع اتفاقية التطبيع التي كانت مقررة خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد إلى واشنطن، قبل أسبوعين.

ووفقا للتقديرات الإسرائيلية، فإن الخلافات بين البرهان وحمدوك تسببت تأخير تطبيع العلاقات بين البلدين. بل إن البعض في تل أبيب ينظر إلى البرهان، الذي يريد علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، على أنه "العقلاني المسؤول"، مقارنة بحمدوك، الذي لا يسعى لتعزيز العلاقات بين البلدين.

تفاهمات ومصالح

يستبعد المتحدث باسم حركة "السلام الآن" في إسرائيل، آدم كلير، نجاح تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسودان. ويرى في إعلان الخرطوم، الاعتراف بإسرائيل، تحت مظلة المجلس العسكري، بمثابة التقاء مصالح بين المنظومات الأمنية والاستخباراتية، بعيدا عن موقف الشعب السوداني الذي يرفض بشكل قاطع هذا التطبيع.

ويوضح كلير للجزيرة نت أن إعلان التفاهمات حول تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم، لم يحظ بالترحاب الواسع من قبل المجتمع الإسرائيلي أيضا، وكان هامشيا في المشهد السياسي الإسرائيلي، لكنه كان وسيبقى مهما للمؤسسة الأمنية.

ويعتقد أن العلاقات بين إسرائيل والخرطوم، تواجه اختبارا حقيقيا أمام الحراك الشعبي السوداني الذي من شأنه، في حال نجاحه، أن يفشل التطبيع الأمني والاستخباراتي بين البلدين.

علاقات وتحديات

ويوضح المتحدث باسم حركة "السلام الآن" أن تل أبيب عمدت إلى تبادل الوفود والبعثات الأمنية والعسكرية مع الخرطوم بسرية تامة، بعيدا عن مسار الدبلوماسية، الذي من المفروض أن يؤسس لعلاقات التطبيع بين الدول.

ويرى كلير أن تل أبيب وخلافا لموقفها المتباهي والمندفع نحو تطبيع العلاقات مع دول خليجية وعربية مثلما انعكس في اتفاقيات "أبراهام"، امتنعت عن التهليل للتفاهمات والاعتراف المتبادل بين إسرائيل والسودان، "بسبب عدم استقرار الحكم بالخرطوم، والموقف المبدئي للشعب السوداني برفض التطبيع الكامل الذي يتجاوز القضية الفلسطينية".

ويعتقد المتحدث أن "حالة السودان تضع إسرائيل أمام جملة تحديات، إذ تطمع تل أبيب في توظيف البعد المدني لتطبيع العلاقات، وقد فشلت بذلك في الخرطوم، وانعكس هذا في رفض قبولها عضوا مراقبا بالاتحاد الأفريقي".

أمني واستخباراتي

وفي قراءة للموقف الإسرائيلي الرسمي حيال ما يحدث في السودان، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي، صالح لطفي، أن موقف تل أبيب الصامت يعكس نهجها التاريخي بالتعامل والتعاطي مع مثل هذه القضايا في العالمين العربي والإسلامي، والذي يرتكز على البُعد الأمني والاستخباراتي بعيدا عن القنوات الدبلوماسية.

ويقول لطفي، للجزيرة نت، إن صمت إسرائيل الرسمي حيال الانقلاب العسكري بالسودان، يعكس مخاوفها من تداعيات وتطورات الأحداث التي من شأنها أن تصل إلى دول عربية وأفريقية أخرى تراهن تل أبيب على تعزيز علاقاتها والتطبيع معها.

مخاوف وصمت

ويعتقد لطفي أن "إسرائيل ترقب بصمت تطورات الأحداث بالسودان، وتخشى أن تتحول الاحتجاجات إلى عصيان مدني يرافقها عودة قوى التيارات المدنية والإسلامية للمشهد السياسي. وعليه تستعين من وراء الكواليس، بدول إقليمية للحيلولة دون عودة الإسلاميين".

ويرجّح أن صمت إسرائيل وموقفها من تطبيع العلاقات رسميا مع السودان، هو مؤقت، لحين انتهاء الأحداث، إذ تخشى تل أبيب من تراجع دور البرهان والمجلس العسكري واستعادة المكوّن المدني لمقاليد الحكم".

تفكيك وتطبيع

ولا تتوقف محاولات تل أبيب عند ذلك، بل تخطته، يقول لطفي، "لتفكيك الدوائر الخمس التي تنضوي تحتها الدول العربية والإسلامية. ويتم التعامل معها من منظور أمني بعيدا عن العلاقات الدبلوماسية الرسمية"، مستشهدا بالدور الإسرائيلي لتشجيع إثيوبيا على بناء سد النهضة رغم اتفاقية السلام بين تل أبيب والقاهرة.

واستبعد لطفي تراجع تل أبيب عن التطبيع مع السودان، بل ستبقي عليه ضمن الدوائر الأمنية والعسكرية، مشيرا إلى أن تل أبيب التي عاشت هواجس الربيع العربي، التزمت الصمت حتى تم إجهاض الثورات عسكريا أو بالقوة الناعمة، لكنها تعي أن الشعوب العربية -وإن قمعت- لا تهزم وتعود مجددا للحراك الشعبي.

المصدر : الجزيرة