لماذا حجبت روسيا معلوماتها عن حجم إنتاج النفط وتصديره؟

موسكو- أثار قرار وزارة الطاقة الروسية تعليق نشر بيانات إنتاج النفط وصادراته، سواء في السوق المحلية أو إلى الخارج، تساؤلات لدى المراقبين عن الدوافع من ورائه في هذا التوقيت، لا سيما أنه من شأنه أن يلقي بظلاله على توقعات حاجة السوق العالمية من النفط، إلى جانب تأثيراته في المنهجية التي ستوضع وتُعتمد لتسعير النفط.

فقد تزامن هذا القرار مع إعلان وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولغينوف أن من وصفها بـ"البلدان ذات العقلية البنّاءة" تعكف حاليًّا على استكشاف إمكانية الدفع بالروبل، التي كان الرئيس الروسي أعلن عنها في مارس/آذار الماضي، كإجراءات عاجلة لمواجهة تنامي العقوبات المفروضة على روسيا، وتضمنت حظر استيراد النفط والغاز من روسيا ومنع التعامل مع البنك المركزي الروسي.

ونتج عن العقوبات غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية تجميد نحو نصف احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية، وشلل في حركة الأصول التابعة للبنك المركزي الروسي في الولايات المتحدة وغيرها، فضلا عن تجميد أصول الصندوق الروسي للاستثمار المباشر.

إجراء احترازي

عادة ما ينشر قسم الإيفاد المركزي لمجمع الوقود والطاقة الروسي معلومات عن عمل المجمع كل ثاني يوم من الشهر الجديد، ولكن الثاني من أبريل/نيسان الحالي لم يشهد كشفًا عن الإحصائيات.

في البداية، أُرجع ذلك إلى أسباب فنية، قبل أن يعلن القسم بعد تكتم دام يومين أنه اعتبارًا من الثامن من أبريل/نيسان سيتوقف توفير المعلومات عن إنتاج النفط الخام من قبل المنتجين، فضلًا عن بيانات إمدادات النفط للسوق المحلية، وغيرها من المؤشرات الأخرى.

ويعزو خبراء روس قرار منع نشر الإحصائيات والبيانات المتعلقة بإنتاج النفط الروسي وتصديره إلى إمكانية استخدام البلدان الغربية لها للضغط على الشركات والسوق الروسية ككل.

ويوضح الخبير الاقتصادي الروسي ألكسندر دودتشاك أن الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها الاقتصاد العالمي تشير إلى بدء مرحلة الانتقال إلى عالم جديد سيوفر لروسيا إمكانات أكبر من تلك التي كانت في السابق، بعد تحررها من الشروط التي فرضت عليها من قبل المنظومة الغربية خلال تسعينيات القرن الماضي.

ووضع الخبير الروسي قرار إيقاف نشر المعلومات عن إنتاج النفط الروسي وتصديره في سياق الرد على "الحرب الإعلامية العدوانية" ضد روسيا، وفق تعبيره، وأن هدفه وقف الضغوط التي تمارس على الأسواق الروسية والمشاركين فيها.

 الاستقرار الاقتصادي

أضاف ألكسندر دودتشاك أن روسيا لا تملك النفط فقط بل معلومات عن حجم استخراجه والجهات التي تبيعه إليها. وعليه، وفي ضوء العقوبات القاسية التي اتخذت ضدها، فقد أصبحت لا ترى نفسها ملزمة بإشراك من هو غير معني بذلك بالحصول على هذه المعلومات، لأنها قد تكون مفيدة للخصوم.

وحسب رأيه، فإن منع نشر البيانات المتعلقة بإنتاج النفط الروسي وتصديره في الظروف الحالية يصب في مصلحة الاستقرار الاقتصادي للبلاد. وخلافا لذلك، يمكن استخدامها لممارسة مزيد من الضغوط على الشركات والسوق الروسية ككل، لأن إحصاءات الصناعة حساسة جدا تجاه عمليات التلاعب، بخاصة في ظروف العقوبات.

من جانبه، أشار الباحث بمعهد دراسات الاقتصاد العالمي التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير أولينتشنكو، إلى عامل غياب الثقة الذي تأصل في العلاقات الروسية مع الغرب على ضوء الحرب مع أوكرانيا، وتجلى ذلك في قرار وزارة الطاقة الروسية.

 هل هي تصفية حسابات؟

يقول فلاديمير أولينتشنكو إن الحرب الإعلامية تصدّرت جميع الأسلحة في معركة "تصفية الحسابات" بين الجانبين، حيث يلجأ الغرب، بخاصة الولايات المتحدة، إلى توجيه الاتهامات لروسيا، عبر استخدام المعلومات المجردة. وهذا أعاد إلى الأذهان تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن في الأيام الأخيرة إذ اتهم فيها موسكو بالوقوف وراء ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة، رغم أن حجم النفط الروسي هناك لا يتجاوز 3%.

وأضاف أنه يمكن الاستفادة من البيانات الروسية في سياق الحرب الإعلامية، ومن ثم التأثير على الرأي العام العالمي وفي الغرب بشكل خاص، وعليه -يتابع المتحدث ذاته- فمن الخطأ مواصلة نشر هذه البيانات.

ولم يستبعد أولينتشنكو حضور عامل التأثير على سياسة تسعير النفط في اعتبارات وزارة الطاقة، بسبب دور هذه المعلومات في تجارة البورصات، التي عادة ما تتأثر بحساسية بالأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو ما بدا واضحًا من خلال الأحداث في أوكرانيا.

وعبّر عن اعتقاده بأن الإجراء الروسي يمكن أن يكون كذلك لتحجيم تأثير هذه المعطيات والبيانات على تغيير أسعار النفط.

وروسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية والسعودية بحجم إنتاج يفوق 10 ملايين برميل يوميا، وقبل الحرب على أوكرانيا كانت تصدّر نحو 5 ملايين برميل يوميا، أكثر من 4 ملايين برميل منها نحو أوروبا والولايات المتحدة.

كما تعدّ روسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بالعالم، وتوفر نحو 40% من إمدادات أوروبا من الغاز الطبيعي.

المصدر : الجزيرة