رغم أخطارها ومحاولات الحكومة الحد منها.. لماذا تتزايد الولادات القيصرية في مصر؟

نسب الولادات القيصرية في مصر بلغت نحو 72% وفقا لإحصاءات رسمية (شترستوك)

القاهرة- لا تزال مصر تحتل مرتبة متقدمة عالميا في عدد الولادات القيصرية على الرغم من الجهود الكبيرة والمتواصلة التي تقول الحكومة إنها بذلتها خلال السنوات الماضية للحد من الظاهرة، وهو أمر يعزوه متخصصون بالدرجة الأولى إلى سهولة هذه العمليات قياسا بالولادة الطبيعية، سواء للأم أو للطبيب على حد سواء.

الطبيب عمرو فرغلي قال إن الموضوع يعود بالأساس إلى رغبة الأم في الولادة السريعة وغير المؤلمة، فضلا عن رغبة الطبيب في توفير الوقت والجهد والحصول على مقابل مالي أكبر، لكنه وصف الأمر في النهاية بأنه يدخل في إطار التجارة والاستثمار بشكل كبير.

وفي حديثه للجزيرة نت قال فرغلي إن الأرقام التي أعلنتها الحكومة لا تعكس حجم الولادات القيصرية الحقيقية في مصر، لأن المستشفيات والمراكز الصحية لا تقدم البيانات الحقيقية لأسباب كثيرة، بينها الضرائب مثلا.

وأكد أن الواقع يشير إلى أن نسب الولادة الطبيعية لا تتجاوز حالة واحدة من كل 10 حالات، أي أن الولادات القيصرية تصل إلى نحو 90%.

رغبة الأم في الولادة السريعة وغير المؤلمة أحد أسباب زيادة العمليات القيصرية في مصر (شترستوك)

ويشير الطبيب المصري إلى أن هذه العمليات تنطوي على أخطار كبيرة على الأم والطفل، لأنها عملية جراحية في نهاية الأمر، مضيفا "عندما يتم فتح بطن الأم فإنها تكون عرضة لأخطار ما بعد الجراحة، فضلا عن تعرضها لأخطار تمزق الرحم من دون قصد، وهذا يعني استئصاله فورا".

أما الجنين فولادته قبل الموعد الطبيعي تجعله عرضة للكثير من المشكلات الصحية، لذلك نجد أن أغلبية هؤلاء الأطفال يتم وضعهم في الحاضنات بعد الولادة مباشرة بسبب مرض الصفراء أو قلة الوزن، وهذا جانب آخر من جوانب التجارة، حسب المتحدث نفسه.

وأعرب فرغلي عن قناعته بأن المسؤولية عن هذه الأرقام تقع على عاتق الجميع بدون استثناء "لأن الأمهات غالبا ما يحاولن تجنب آلام الولادة الطبيعية، والأطباء وأصحاب المستشفيات يبحثون طبعا عن أكبر ربح مقابل أقل مجهود، فيما الرقابة الحكومية ليست قوية بالشكل اللازم، لأن هناك الكثير من المراكز الطبية الخاصة التي تعمل دون ترخيص أساسا ولا يعاقبها أحد".

وأشار إلى أن أحد أسباب زيادة العمليات القيصرية هو أن الأطباء أصبحوا يبالغون في أسعار الولادة الطبيعية حتى أصبحت قريبة جدا من أسعار القيصرية، مما يدفع النساء إلى تفضيل الأخيرة توفيرا للوقت والجهد.

رغم مخاطرها ومحاولات الحكومة الحد منها.. لماذا تتزايد الولادات القيصرية في مصر؟
مبالغة الأطباء في أسعار الولادة الطبيعية حتى أصبحت قريبة جدا من أسعار القيصرية تدفع لتفضيل الأخيرة (رويترز)

أرقام كبيرة

ووفقا لما نقلته صحيفة "الشروق" المصرية عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد بلغت نسبة الولادات القيصرية التي أجريت خلال السنوات الخمس الأخيرة 72.2% عام 2021، في مقابل 51.8% عام 2014.

وأظهرت نتائج المسح الصحي النهائي للأسرة المصرية للعام 2021 -والتي أعلنها الجهاز- أن النسبة الأقل لهذه الولادات كانت في محافظات مطروح 39.3% (غرب) وبني سويف 61.5% (وسط) وقنا 63.3% (جنوب)، فيما جاءت النسب الأعلى في محافظات بورسعيد 91.3% (شرق) وكفر الشيخ 88.4% (شمال) والغربية 84.3% (شمال).

وبلغ معدل الولادات القيصرية في المنشآت الصحية الحكومية 63%، فيما وصل إلى 81% في المنشآت الصحية الخاصة.

وبلغـت نسبة الأمهات اللواتي حصلن على رعاية حمل منتظمة (4 زيارات فأكثر للمولود الأخير) 89.9% عام 2021، وكانت أعلى نسب لها في محافظات الإسكندرية ودمياط وبورسعيد (شمال) بنسبة 97.2% و96.6% و95.7% على التوالي، فيما سجلت محافظات مطروح وأسيوط والمنيا (جنوب) أقل نسب، وهي 75.7% و83.6% و83.8% على التوالي.

%63 معدل الولادات القيصرية في المنشآت الصحية الحكومية و81% في المنشآت الصحية الخاصة (شترستوك)

أما نسبة الولادات التي أجريت على يد مقدم خدمات طبية فقد بلغت 97.1% خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بـ91.5% في الفترة بين 2009 و2014.

وتصدرت محافظات دمياط والبحر الأحمر وجنوب سيناء عمليات الولادة التي تمت عبر مقدم خدمات صحية بنسبة 100% للمحافظات الثلاث، فيما سجلت محافظات الفيوم وبني سويف وقنا أقل نسب، وهي 89.3% و92.9% و94.3% على التوالي.

وبحسب التقرير ذاته، بلغت نسبة الولادة في منشأة صحية 96.5% بين الأمهات اللواتي أتممن التعليم الثانوي فما فوق، في مقابل 88% للأمهات اللواتي لم يذهبن إلى المدرسة.

وقال الدكتور حسين عبد العزيز مستشار رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مداخلة تلفزيونية إن المسح الأخير تم بصورة عشوائية، وشمل 34 ألف أسرة "وفق أقصى معايير الجودة والدقة"، حسب تعبيره.

وأوضح عبد العزيز أن "نسب الولادات القيصرية في مصر ارتفعت ووصلت إلى 70% على المستوى الإجمالي، ووصلت في بعض المحافظات إلى 80%"، معتبرا أن الأمر "يمثل نسبة عالية جدا، فمصر تحتل الترتيب الثاني عالميا في نسب الولادة القيصرية".

مصر تحتل الترتيب الثاني عالميا في نسب الولادة القيصرية (شترستوك)

جهود حكومية

في الفترة بين 20 و22 مارس/آذار الجاري نفذت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان والنقابة العامة للتمريض ورشة عمل موسعة تحت عنوان "نحو إستراتيجية القبالة في مصر وصحة وتنمية الأسرة".

وبحسب الدكتورة كوثر محمود نقيبة التمريض وعضوة مجلس الشيوخ، فقد وضعت الورشة خطة إستراتيجية وأخرى تنفيذية للمساهمة في خفض معدلات "القيصريات" وتشجيع الولادات الطبيعية وتنظيم الأسرة من خلال القابلات المؤهلات علميا وعمليا.

وقالت محمود في تصريحات صحفية إن الورشة أوصت بضرورة التعاون مع نقابات الأطباء والتمريض، وتحديد المستويات التعليمية للقبالة وتشكيل لجنة استشارية بالتعاون مع المجلس الصحي المصري، وفق خطة إعلامية موجهة إلى المجتمع بأهمية دور القابلات.

وكان وزير الصحة خالد عبد الغفار قال في سبتمبر/أيلول 2022 إن مصر أصبحت الأولى عالميا في حالات الولادة القيصرية بنسبة 80%، مشيرا إلى أن هذا الأمر غير مقبول.

ووفقا لوزير الصحة، فإن القطاع الخاص يتحكم بنحو 60% من الولادات في مصر والبالغ عددها 2.2 مليون طفل سنويا.

وسبق أن قال الناطق باسم وزارة الصحة حسام عبد الغفار إن الزيادة في نسب الولادة القيصرية "غير مبررة طبيا"، مشيرا إلى أن المعدل العالمي للولادة القيصرية يتراوح بين 20 و25%.

مقترح الولادة القيصرية وانتشارها في مصر
الولادة الطبيعية تفرض على الطبيب الانتظار لساعات طويلة فيما القيصرية لا تتجاوز نصف ساعة (غيتي)

ولا يمكن تحديد أسعار الولادات في مصر، لأنها تختلف من مدينة إلى أخرى وبين مستشفى وآخر، فتكلفة الولادة الطبيعية في جنوب البلاد مثلا تتراوح بين ألف و1500 جنيه (الدولار يساوي نحو 31 جنيها)، فيما تتراوح تكلفة القيصرية بين 3 و5 آلاف جنيه.

أما في القاهرة فإن الولادة الطبيعية تبدأ من 3500 جنيه في منطقة فيصل بالجيزة، فيما تصل إلى 10 آلاف في منطقة المهندسين، وتتراوح بين 25 و30 ألفا في بعض المستشفيات الخاصة بمناطق أخرى، حسب إحدى الممرضات.

وقالت الممرضة -التي رفضت ذكر اسمها- للجزيرة نت إن "القيصرية" تبدأ من 7 آلاف جنيه وتصل إلى 30 ألفا وربما 50 ألفا وأكثر في بعض المستشفيات.

وأشارت إلى أن الأمهات اعتدن الولادة القيصرية، وعلى الرغم من أن كثيرا من الأمهات الصغيرات يرغبن في الولادة الطبيعية فإن الأطباء يقنعوهن بالقيصرية، لأن الولادة الطبيعية تفرض على الطبيب الانتظار لساعات طويلة، فيما القيصرية لا تتجاوز نصف ساعة.

وتتراجع الأسعار بشكل كبير في المستشفيات الحكومية -التي تستحوذ على نحو 30% من الولادات- بسبب نقص الخدمات.

المصدر : الجزيرة