الطلاق الصامت في العراق.. ظاهرة تهدد كيان الأسرة

هذا الصباح-كيف نواجه ظاهرة الطلاق المبكر؟
الطلاق الصامت ظاهرة انتشرت على نطاق أوسع في فترة الحظر المنزلي (مواقع التواصل)

بغداد – مع اشتداد ضغوط الحياة اليومية يواجه الأزواج اختبارات معقدة تهدد مستقبل العلاقة بينهما، وبينما يلجأ بعضهم إلى خيار الطلاق واستكمال الإجراءات القانونية المترتبة على ذلك، يختار آخرون حل الطلاق الصامت.

ويشكل الطلاق الصامت نهاية غير رسمية للعلاقة الزوجية، حيث يظل عقد الزواج ساري المفعول أمام الجميع لكنه مُنته بين ركنيه الرئيسين.

وفي العراق انتشرت هذه الظاهرة على نطاق أوسع في فترة الحظر المنزلي الذي فرض جراء تفشي كورونا، فخلّف تبعات على الهيكل التنظيمي للأسرة.

غرباء تحت سقف واحد

تقول ربة البيت هند السعيدي (اسم مستعار) إنها تزوجت بعد قصة حب مع أحد زملائها خلال الدراسة الجامعية، وبعد التخرج من الجامعة تقدم لخطبتها ثم تزوجا.

وأضافت للجزيرة نت "عشنا أجمل أيام ورُزقنا بـ3 بنات، غير أنه بعد مرور 10سنوات بدأت جذوة الحب بالأفول حتى أصبح الكلام بيننا لا يتعدى الأمور المتعلقة بالمنزل، وتدريجيا اختفت لغة الحوار، وتلاشت المشاعر، فصرنا غرباء تحت سقف واحد".

في ظل كل ذلك، تقول هند إنها فكرت في الانفصال لكن حرصها على بناتها إضافة إلى نظرة المجتمع إلى المطلقة حالا دون ذلك، ثم حاولت إصلاح الأمر مع زوجها ومعرفة السبب ولكن دون جدوى، معتبرة أن زوجها يعيش عالما خاصا به، وهو ما جعلها ترتمي في أحضان الاكتئاب والقلق، غير أنها استدركت بالقول "مع ذلك لدي أمل أن تعود الأمور إلى مجراها الصحيح".

المحامي والناشط المدني رياض المدن حذر من آثار كارثية على الزوجين والأبناء بسبب الطلاق الصامت (الجزيرة نت)

وعن الطلاق الصامت، قال المحامي والناشط المدني رياض المدن إنه صورة من أسوأ صور العلاقات الزوجية لأنه يكشف عن حالة انفصال بين الزوجين لم تأخذ صفتها الرسمية بعد.

وأضاف أن الباحثين يرون أن هذه الحالة ليست بالجديدة فهي موجودة في المجتمعات البشرية بشكلها الحديث إلا أن الجديد في الأمر هو تحوّل هذه الحالة إلى ظاهرة واتساعها خصوصا في السنوات الأخيرة على نحو يهدد المجتمع ويهدم العلاقات الأسرية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أعرب المدن عن خشيته من تسبّب ظاهرة الطلاق الصامت بآثار كارثية على الزوجين والأبناء.

وفي الوقت الذي توثق فيه محاكم الأحوال الشخصية في العراق العديد من حالات الطلاق شهريا، تتوالد في المجتمع عشرات الآف من حالات الطلاق الصامت في الوقت ذاته لأسباب متعددة ومتشعبة، فالظواهر الاجتماعية بطبيعتها -حسب المدن- قد لا تُعزى إلى سبب محدد بل قد تتضافر كثير من العوامل لظهورها وتفاقمها، ومنها أسباب تتعلق بالزوجين وأسباب خارجية كظروف المجتمع السياسية والأمنية والاقتصادية.

وأضاف أن الانفجار التكنولوجي الذي يشهده العالم في مجال الاتصالات في أرجاء الكرة الأرضية وتحوّله إلى قرية صغيرة سمحا لأكبر مساحة احتكاك وتبادل في حياة البشرية.

مرحلة وسطية

يكمل المدن حديثه بالقول إنه في الوقت الذي ينظر فيه بعض الناس إلى الطلاق الصامت على أنه مرحلة وسطية بين الزواج والطلاق كون الزوجين ما زالا يعيشان تحت سقف واحد في علاقة لا تختلف كثيرا عن علاقة الموظفين حيث تجمعهم مؤسسة ما للقيام بمهام وواجبات معينة مقابل مكاسب مادية، يذهب فريق آخر إلى اعتبار الطلاق الصامت أكثر ضررا من الرسمي، لأن الأول يجعل أحد الطرفين أو كلاهما يعيش عالقا بين واقع يرفضه ويحاول التخلص منه وحياة يتمناها ويطمح أن يعيشها.

ويرى المحامي والناشط المدني أن عددا من القيود قد تمنع أطراف الطلاق الصامت من الانتقال إلى خطوة أخرى وترسيم هذه الخطوة بمسار قانوني، من بينها المكانة الاجتماعية، والعلاقات العائلية، والأبناء، ونظرة المجتمع، والوضع النفسي، إضافة إلى الأعباء المالية التي تترتب على حالات الطلاق الفعلي من مهر ونفقة ومؤخر وغير ذلك.

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت هدى السلمان (اسم مستعار) "بيني وبين زوجي حاجز من الصمت والبرود العاطفي"، مشيرة إلى أنها بالأساس تزوجت زواجا تقليديا وأن الفارق الاجتماعي والثقافي كان واضحا منذ الأشهر الأولى للزواج.

وأضافت هدى، وهي موظفة، أنها في البداية تجاوزت الأمر، ثم مضت الحياة حتى دخلت في دوامة من المشاكل والخصام الذي ازداد بعد أن اكتشفت أن لزوجها علاقة بزميلته في العمل حتى إنها واجهته بالأمر فاعترف وبرر لها أن الأمر لا يعدو أن يكون نزوة عابرة إلا أن الأمر تكرر من جديد، فاضطرها ذلك إلى الابتعاد عنه ولم تعد لها رغبة في الاستمرار معه.

وتؤكد هدى أنها وزوجها صارا غريبين لا يلتقيان إلا على مائدة الطعام في بعض الأحيان، وفي الليل غالبا ما يسهر زوجها في الخارج ولا يعود إلى المنزل إلا متأخرا تاركا إياها مع ابنها الصغير، حتى ازداد الخلاف بينهما ووصلا إلى الطلاق الرسمي.

شيماء الزيدي نبهت إلى أن الطلاق الصامت قد يؤدي إلى اضطراب في الوظائف الحيوية لكلا الزوجين (الجزيرة نت)

تأثيرات صحية

من الناحية العلمية تقول المتخصصة في علم الاجتماع شيماء يوسف الزيدي إن الطلاق الصامت يؤثر تأثيرا مباشرا على نسبة هرمون الإستروجين في دماغ المرأة والرجل، وذلك يؤثر على الحالة النفسية والمزاجية لكليهما، فيتسبب بارتفاع في مستوى السيروتونين وهو أحد الهرمونات العصبية التي تؤثر مباشرة على الحالة المزاجية للإنسان ومن الممكن أن تقوده إلى الانتحار.

وفي حديثها للجزيرة نت، حذرت شيماء من أن هذه الظاهرة سواء أكان سببها اجتماعيا أو نفسيا قد تؤدي إلى اضطراب في الوظائف الحيوية لكلا الزوجين وقد تدفع إلى ارتكاب الجرائم، مشيرة إلى أن الحالات زادت خلال الحظر المنزلي الذي فرض لفترات طويلة في العامين الأخيرين جراء تفشي كورونا.

وتقول الزيدي إن الحظر المنزلي الذي فرض بسبب جائحة كورونا لعب دورا في تحديد العلاقة بين الزوجين حيث إن بقاءهما معا طوال الوقت أثر على نحو كبير في العلاقة، فإذا كانت أساسا جيدة يستمر الحال كذلك أما إذا كانت علاقة يشوبها الملل والضجر فكثرة البقاء في المنزل تزيد الأمر سوءا.

وأكدت أن الإحصائيات تُشير إلى تزايد حالات الانفصال العاطفي بين الزوجين الذي أدى إلى الطلاق الرسمي على نحو مضاعف، وتحديدا في الفترة ما بين شهري يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2021.

وطرحت المتخصصة بعلم الاجتماع بعض الحلول للحد من ظاهرة الطلاق الصامت وانتشارها، وذلك عبر الاعتراف بأن هناك مشكلة وتحديد أسبابها ومحاولة إيجاد حل لها. وطالبت بالمصارحة والمواجهة بدلا من أن يلجأ كثير من الأزواج إلى الصمت.

المصدر : الجزيرة