"القاضيات الجدد".. مجلس الدولة المصري يستقبل السيدات على منصته للمرة الأولى

قاضية مصرية (أقصى اليسار) في اليوم الأول للقاضيات على منصة مجلس الدولة (الجزيرة)

بدا يوم السبت 5 مارس/آذار يوما عاديا لأي مواطن يذهب لهيئة قضايا مجلس الدولة في مصر؛ فكما هو المعتاد يقف الحرس ينظم الدخول لساحة المحكمة التي تضم قاعات متعددة، لكن شيئا ما كان مختلفا ومتغيرا عما اعتاد عليه المحامون ومواطنون اختصموا الدولة ومؤسساتها.

الصحافة تملأ المكان، والكاميرات تستعد لتسجيل حدث ما، لكن لا دليل على زيارة شخصية مهمة أو وجود مناسبة قضائية، لم يعرف كثير من الحضور، أن يوم الخامس من مارس/آذار 2022 هو اليوم الأول لجلوس قاضيات مصريات على منصة مجلس الدولة المصري، تنفيذا للقرار الصادر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكتوبر/تشرين الأول 2021.

رأي المحامين

داخل قاعة المحكمة كانت الأمور كما تجري دائما؛ القضاة الثلاثة على المنصة، وسكرتارية الجلسة على يمين القضاة، لكن مندوب الدولة كان مختلفا هذا الصباح، فقد شغلت كرسي المفوض امرأة في العقد الثالث من عمرها كما بدت للناظرين، رغم صمتها طوال انعقاد الجلسة، التي لم يتكلم فيها سوى رئيسها، فإنها كانت محط أنظار جميع الجالسين في القاعة، ومحط أسئلة متابعي الجلسة خارجها.

فتحي العربي محام مصري (الجزيرة)

المشهد اعتاد عليه المحامون في جلسات محاكم الأسرة وبعض دوائر الجنح -حسب ما أفاد المحامي فتحي العربي في حديثه للجزيرة نت- مضيفا "مصر بها قاضيات من سنوات، وبعضهن أشد ضراوة في أحكامهن من الرجال، لنفي ما يتردد حولهن من كون المرأة تتعامل بالعواطف".

وتابع العربي "في سبيلها لنفي ذلك، تمارس مهام وظيفتها بصورة أكثر حدة من الرجال".

وأشارت عزة يوسف، محامية مصرية، إلى ما قاله العربي -ولكن بصورة أخرى- حين أكدت أن نظرها اليوم لم يفارق الشابة الجالسة على المنصة، فخورة بما استطاعت أن تصل إليه المرأة المصرية من مكاسب.

قاضية مصرية على منصة مجلس الدولة (الجزيرة)

لكن عزة لم تعترض على ما قاله زميلها في القضاء الواقف، وأكدت للجزيرة نت "دائما في كل مرة كنت أتعامل فيها مع قاضية سواء في النيابة أو هيئات المحاكم التي عملت بها المرأة منذ فترة، تكون القاضية أكثر حرصا من القاضي الرجل على استيفاء كل أركان القضية، وعدم تجاوز أي هفوة لأطراف النزاع".

وأضافت عزة أن دور القاضيات الآن ليس على منصة الحكم، لكنهن في دور مندوب الدولة أو الخصم أمام المواطن، وهو ما تتوقع أن يصبح مهمة صعبة أمام القاضيات، خاصة أنه في اليوم الأول لجلوسهن خصصت المحكمة قوائم القضايا المختصم فيها وزارة الداخلية.

تاريخ تمكين المرأة العربية في القضاء

الانتصار الذي تحتفي مصر به -في شهر المرأة العالمي لعام 2022- يعد نصرا متأخرا، إذا ما قارناه بما حققته المرأة في بلدان عربية أخرى، بعد أن منحتها الدول حق التعيين في المناصب القضائية.

ففي عام 2019، أصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة تقريرا بعنوان "المرأة في الدول العربية.. إزالة العقبات وزيادة المشاركة"، وأشارت فيه إلى أن أول قاضية عربية كانت العراقية زكية حقي عام 1959، لتلحق بها نساء المغرب ثم لبنان وتونس، ثم اليمن وسوريا والسودان وفلسطين، أما مصر فكانت أول قاضية فيها المستشارة تهاني الجبالي عام 2003، واقتصر التعيين على النيابة الإدارية فقط.

اليوم الأول لتنفيذ القرار الجمهوري بتعيين 98 قاضية بمجلس الدولة (الجزيرة)

صفية تختصم الداخلية

المنصة التي شهدت سيدتين اليوم (واحدة في جانب السكرتارية، والأخرى في جانب القضاة) كانت مشهدا مؤثرا في السيدة صفية، التي تحمل شهادة ليسانس الحقوق، لكنها لم تعمل بها يوما، واختارت أن تكون "شيف" (طاهية) في أحد الفنادق، على أن تكون محامية.

بالصدفة، كانت صفية اليوم السبت أمام القاضية على منصة مجلس الدولة -في يومها الأول- مختصمة وزارة الداخلية في قضية ورد بها اسمها عن طريق الخطأ، منذ 26 عام، وصارت قضية تشابه الأسماء تطاردها وأبناءها في كل مكان، ولا نتيجة لكل محاولاتها لإزالة خطأ البيانات القديم.

تقول صفية للجزيرة نت "اليوم ليس الأول لي في مجلس الدولة، لكنها المرة الأولى التي يحدث فيها كل هذا التأخير، ولم أعرف له سببا إلا بعد أن رأيت القاضية على المنصة، وأعادت لي ذكريات الجامعة والكلية التي رفضت العمل بشهادتها بعد التخرج، خوفا من متاعب المحاماة، لكني لم أكن أعلم أن مصر ستتغير وتصبح نساؤها قاضيات يسيرن أمور البلاد والعباد".

اليوم الأول لقاضيات مجلس الدولة (الجزيرة)

مطلب طال انتظاره

وعلى مدى سنوات، طالبت منظمات حقوقية نسوية مرارا بضرورة تعيين المرأة في الهيئات القضائية، التي لا تتولى مناصب فيها، وهي مجلس الدولة والنيابة العامة، وذلك وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين المنصوص عليه في الدستور المصري.

وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدت 98 قاضية اليمين القانونية تمهيدا لتسلمهن العمل بمجلس الدولة، بعد أسبوعين من قرار رئيس الجمهورية تعيينهن في درجتي نائب ومستشار مساعد من الفئة (ب) بمجلس الدولة، ونقلهن من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية. ويعد ذلك هو أول جلوس للمرأة قاضية على منصة محاكم مجلس الدولة منذ نشأته قبل 75 عاما.

المصدر : الجزيرة