مهنة شاقة ومضنية.. هكذا تجمع قرويات عراقيات الملح من البرك لكسب الرزق

عمل القرويات في هذا المجال بدأ منذ 15 عاما، وهو مصدر رزقهن اليومي، إذ لم يظهرن أي ملل أو جزع رغم عدم جنيهن أي فوائد كبيرة من هذا العمل، في ظل التعب الذي ينهكهن وسط أكوام الأملاح.

نساء الملح
أم نبأ تقول إنها مضطرة للعمل في جمع الملح لتأمين قوتها اليومي (الجزيرة)

بغداد- أم ثابت قروية عراقية مسنة واجهت صعوبة الحياة وعدم توفر سبل العيش الكريم، مما اضطرها للعمل في جمع الملح من البرك المنتشرة على جوانب مسار الطرق الخارجية الرئيسية المتجهة من بغداد نحو المدن الجنوبية.

ويرصد المسافر على هذه الطرق أم ثابت وغيرها من القرويات وهن يغطسن أقدامهن بين أوحال المستنقعات التي خلفتها الأمطار، حيث يرشحن الملح ويجمعنه على شكل أكوام بيضاء.

نساء الملح
القرويات يبحثن عن الملح في البقع المائية المنتشرة على الطريق الرابط بين بغداد والمدن الجنوبية (الجزيرة)

على جوانب الطرق

تقول أم ثابت للجزيرة نت إن البحث عن بقعة مائية على مسار الطرق لإيجاد الملح ليس سهلا ويتطلب بذل جهود كبيرة للحصول على الكمية الكافية من الملح.

وتضيف "يتم العثور على الأملاح تحت المياه الراكدة المنتشرة على جانبي الطريق الدولي ليبدأ مشوار تجهيزه للحصول على أموال زهيدة قد تبلغ 10 آلاف دينار (لا يتجاوز 7 دولارات) في اليوم الواحد فقط"، مشيرة إلى أن القرويات العاملات في هذا المجال يواجهن خطورة الإصابة بأمراض متعددة نتيجة حجم الأملاح التي تستقر في أقدامهن.

وتلفت إلى أن "الأراضي الملحية مملوكة لأناس من المناطق نفسها، ولكنهم يسمحون لنا بالعمل فيها لتجميع الأملاح تعاطفا معنا نتيجة لظروفنا الصعبة".

نساء الملح
القرويات يجمعن الأملاح بطريقة استثنائية ومن ثم ينتقلن لمرحلة التصفية ثم التعبئة في أكياس فارغة (الجزيرة)

بداية القصة

بدأت قصة عمل هؤلاء القرويات في هذا المجال منذ 15 عاما، وهو مصدر رزقهن اليومي يتحملن ظروفه دون ملل أو جزع، ودون جني أي فوائد كبيرة من هذا العمل في ظل الإرهاق والتعب الذي ينهكهن وسط أكوام الأملاح.

وبين الظروف المعيشية الصعبة وتداعيات الوضع الراهن في العراق، تقدم القرويات على تجهيز الأملاح بأيديهن فقط وكأنهن يدرن معملا مصغرا، فهن يجمعن الأملاح بطريقة استثنائية، ومن ثم ينتقلن لمرحلة التصفية حتى تتم التعبئة بأكياس الطحين الفارغة.

وتقول أم حسن -وهي قروية أخرى تعمل في هذا المجال- للجزيرة نت إن "الأملاح التي تجمع تبلغ يوميا ما يقارب 20 إلى 30 كيسا، ويباع الكيس الواحد بألف دينار فقط (بحدود 75 سنتا)، أما الزبائن الذين يشترون هذه الأكياس فيأتون من مختلف مدن العراق، ويشترون ما يقارب 100 كيس بقيمة 75 دولارا ولربما أكثر من ذلك.

نساء الملح
كيس الملح الذي تجمعه القرويات يباع في المعمل بأقل من 4 دولارات (الجزيرة)

وتشير إلى أن كيس الملح المتجمع من المستنقعات يرسل إلى معامل خاصة، تقوم بدورها بتنقيته وتصفيته حتى يباع بخمسة آلاف دينار (بحدود 3.75 دولارات)، وتضيف أن الملح يبدأ بالتجمع بداية الأشهر الأولى من كل عام مع هطول كميات الأمطار الغزيرة بسبب نسبة المياه الراكدة على جانبي الطريق الدولي بين بغداد وبقية المدن الجنوبية الأخرى.

وتروي أم ثابت قصة ذهابهن للأطباء لعلاج أقدامهن والتشققات الخطيرة فيها، دون الكشف عن مكان عملهن بسبب الخجل، لكنها تشير إلى أن هذا العمل شرف لهن، فضلا عن أن موقع العمل قريب إلى مساكنهن ولا يكلفهن الذهاب إليها أي مبالغ.

من جهتها تحدثت أم نبأ للجزيرة نت عن أن راتب الرعاية الاجتماعية الذي تمنحه الحكومة لهن لا يتجاوز 75 ألف دينار (بحدود 51 دولارا)، ولديها عدة أطفال، وهذا المبلغ لا يكفي لتأمين قوتها اليومي، حسب تعبيرها.

وتشكو أم نبأ عدم الإنصاف في توزيع الرواتب، فبينما يتقاضى البعض ملايين الدنانير، هناك عوائل لا تمنح سوى 150 ألف دينار (نحو 100 دولار) كراتب شهري، وبعضها الآخر بلا راتب ولا تملك حتى قيمة شراء رغيف الخبز. وتطالب الجهات المعنية بالاهتمام بهن وبشريحة الفقراء، وتوفير الحياة الكريمة لهم.

المصدر : الجزيرة