حق "الكد والسعاية" يثير جدلا في مصر.. من يحق لها اقتسام ثروة زوجها؟

تنتشر في مصر ظاهرة "المرأة المعيلة"، وهي المرأة التي تتولى رعاية شؤون أسرتها ماديا، من دون وجود دعم من الزوج أو الأب أو الأخ.

الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف (وكالة الأنباء الأوروبية)

فتح الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الحديث حول ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية"، لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها، خاصة مع ظروف العصر الحديث، الذي خرجت فيه المرأة لسوق العمل، وشاركت زوجها في تحمل أعباء الحياة المادية.

جاء ذلك في أعقاب استقبال الطيب لفضيلة الشيخ عبد اللطيف بن عبد العزيز الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، بمقر مشيخة الأزهر الشريف، أول أمس الثلاثاء، لمناقشة حقوق المرأة في الإسلام؛ وبناء عليه وجه المجلس القومي لحقوق المرأة شكره للشيخ أحمد الطيب على إحيائه التراث الإسلامي الحامي لكرامة المرأة المسلمة.

ووجهت مايا مرسي رئيسة المجلس القومي لحقوق المرأة في مصر -عبر موقع "فيسبوك"- شكرها وتقديرها لمحاولات الأزهر مواكبة المستجدات العصرية، وصون حقوق المرأة العاملة.

حقوق بانتظار التشريع

شرح أسامة الحديدي المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية -عبر مداخلة هاتفية من خلال برنامج "مساء دي إم سي" (مساء dmc)- مبدأ الكد والسعاية، وهو حق عند مساهمة المرأة في تنمية الثروة وزيادة المال للعائلة، كمساهمتها في بناء بيت للأسرة، أو مشروع استثماري تسبب في زيادة ثروة الزوج.

وأشار الحديدي إلى غياب الاعتراف بذلك الحق، ففي أغلب الخلافات الأسرية يجحد الرجل وينكر حق المرأة، التي لم تبخل عليه بمالها وجهدها، لكن جاء إحياء الفتوى للإشارة لضرورة إقامة ذمم مالية مستقلة داخل الأسرة، بمعزل عن أسس الأسرة من الود والسكن والرحمة، لكن من خلال النظر للحقوق والواجبات التي لا يجب التغافل عنها.

وأضاف الحديدي أن مشاركة المرأة في ذلك المبدأ يأتي من خلال العمل، أو بمشاركتها بميراثها، أو مالها الخاص الذي اكتسبته قبل أو بعد الزواج، ليقوم بمشروع أو غيره، أو اتفقت معه على خلط مالهما طوال سنوات الزواج، ويقدر هذا الجهد أو المال كـ"ذمة مالية مستقلة للزوجة"، ومنفصل عن حقها في الميراث في زوجها عند وفاته، ولا يجوز اعتبار ميراثها فيه تعويضا عما قدمته.

ويمكن للمرأة -إذا استطاعت- إثبات ما منحته للزوج من مال، بشكل أو بآخر، أو اعترف الزوج بذلك الجميل والعرفان، وإذا لم تستطع إثباته، فعليه أن يقدر لها حسن عشرتها ومعاونتها له ماديا أو معنويا، إذا كانت المرأة غير عاملة، واقتصر دعمها له على رعاية الأسرة، وتهيئة المناخ المثالي له للعمل.

لكن في تصريح بصحيفة "الأهرام" للدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية، أكد أن حق "الكد والسعاية" يطبق فقط عند مشاركة المرأة -جهدا ومالا- في الزراعة والصناعة والتجارة، لكنه لا يطبق نظير أعمالها المنزلية، لأن الشريعة الإسلامية خصصت لها حقا في المهر والنفقة مقابل تلك الأعمال.

النساء ينفقن على أسرهن

لا يزال المبدأ يحتاج إثبات من الزوجة، أو اعترافا من الزوج، وعند غياب هاتين الحالتين، ستستمر حاجة النساء لما يثبت أحقيتهن، وهو ما لا تكفي فتوة لإقراره، لكن أبدى النواب المصريون استعدادهم لسن قانون، للفصل في تلك الخلافات، وإقرار الحق قانونيا، ووضع آليات التعويض، وطرق التقدير، لتجنب الخلاف مع الزوج أو الورثة.

وتأتي أهمية إحياء الفتوى في خضم استعداد البرلمان المصري لإصدار قانون الأحوال الشخصية محدث، والذي بدأ العمل عليه منذ عام 2017، وتعطل إصداره حتى اليوم بسبب موجة من الغضب تبعت تسريب مقترحات تقيد حقوق المرأة.

وتعد الأوضاع الاقتصادية التي تواجهها المرأة المصرية -قهرا- عبئا إضافيا، مما يجعل حق "الكد والسعاية" واجب التطبيق؛ وتشير إحصائيات جهاز التعبئة العامة والإحصاء لعام 2019 إلى أن إجمالي عدد الأسر المصرية بلغ 18 مليون أسـرة، منها 4.5 مليون أسرة تعولها امرأة.

وتنتشر في مصر ظاهرة "المرأة المعيلة"، وهي المرأة التي تتولى رعاية شؤون أسرتها ماديا، من دون وجود دعم من الزوج أو الأب أو الأخ؛ وقد تكون زوجة لمريض أو عاجز أو مضرب عن العمل والمساعدة، ما يضطرها للبحث عن مصدر رزق لتلبية احتياجات أسرتها، حتى إن نسبة النساء المعيلات المتزوجات تفوق نسبة المعيلات المطلقات بمقدار الضعف، وفق إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018.

وفي بحث مقدم من مجلة "دراسات في الخدمة الاجتماعية والعلوم الإنسانية" عدد يوليو/تموز 2020 الصادرة عن جامعة حلوان، يختلف وضع المرأة المعيلة عن الرجل الذي يتولى أمور أسرته المادية؛ فتواجه النساء مشكلات اقتصادية أكبر إذا خرجن لسوق العمل لأسباب قهرية، بدءا من عدم تكافؤ الفرص، وتدني الأجور، والعمالة غير المنظمة، ونقص التدريب المهني للنساء، بخلاف المشكلات الاجتماعية كالتأخر الدراسي للأبناء.

ويظهر الواقع أكثر ما تظهره الإحصاءات، عند الحديث عن الدعم المادي الذي تقدمه المرأة المصرية لأسرتها، ففي عام 2020، استحوذت النساء على النصيب الأكبر من التمويل متناهي الصغر، ووصل عدد النساء المستفيدات من تمويل مشاريعهن نحو 1.97 مليون مستفيدة.

وفي عام 2021 شكلت النساء 75% من المستفيدين من برنامج "تكافل وكرامة" لتمويل المشروعات الصغيرة، ثم أثبتت رغبتها في العمل مع إطلاق برنامج "مستورة"، والذي يهدف لتحويل المرأة المعيلة من متلقية للدعم إلى عنصر فعال يملك تمويلا، ويتلقى تدريبات مهنية للعمل الحرفي.

ردود ساخرة

أثار إحياء الفتوى اضطرابا في الرأي العام المصري، بعدما ذهب أغلب المصريين للبحث عن معنى "الكد والسعاية"؛ فيغيّب حق المرأة في ذمتها المالية الخاصة، وينكر حقها في استرداد مالها. حتى لو لم تكن السخرية من فتاوى الأزهر الشريف في مصر حدثا جديدا، فعند ارتباطها بحقوق المرأة تشغل حيزا مختلفا.

 

 

لكن اتفق العديد من الرجال والنساء على أهمية إحياء مبدأ "الكد والسعاية"، حتى استشهدوا باعتراف الغرب غير المسلم بذلك الحق، والاحتكام إليه عند الطلاق.

الكد والسعاية في التراث الإسلامي

يعود مبدأ "الكد والسعاية" في التراث الإسلامي إلى اجتهاد قام به عمر بن الخطاب، عندما جاءته امرأة تدعى حبيبة بن زريق، تستفتيه في قضية ميراث زوجها عمر بن الحارث، الذي كان يتاجر فيما تصنعه وتصلحه هي بيديها من عملها بالتطريز، واكتسب من ذلك مالا وفيرا، وعندما مات ترك مالا وعقارا، وتسلم ورثته الخزائن، لكن عندما نازعتهم في ذلك، ولجؤوا إلى عمر بن الخطاب، قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث في النصف الباقي.

وتوارث فقهاء المالكية ذلك الاجتهاد، وطبقه المغرب في حالة الطلاق أو وفاة الزوج، وجاء في بحث قدمه كمال بلحركة أستاذ العلوم القانونية والاقتصادية في جامعة ابن زهر، أن للنساء والأطفال وغيرهم من الأقارب بالمغرب حق في ثروة الزوج والأب والأخ باعتبارهم شركاء في تحقيق تلك الثروة، ويتم توزيع حقوقهم باحتساب كدهم، وسنوات عملهم في تنمية المال، فضلا عن حقهم الشرعي في الإرث.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية