بعزيمة وتحدٍ.. أول طالبة أردنية من فئة الصم تحصل على الدكتوراه

تعمل إسلام الجدوع على تقديم التوعية لذوي الإعاقة السمعية بحقوقهم وواجباتهم، وتعديل المفاهيم والسلوكيات الخاطئة لديهم، وإزالة العقبات التي تواجههم وتوفير الأدوات والمهارات التي تساعدهم في الحصول على حياة طيبة.

اسلام متحدثة للجزيرة نت بلغة الإشارة. الجزيرة . الجامعة الأردنية شمال عمال
الشابة الأردنية إسلام الجدوع من فئة الصم، أم وموظفة وطالبة طموحة (الجزيرة)

عمّان- بجد ومثابرة وعزيمة وإصرار استطاعت الثلاثينية الأردنية إسلام الجدوع الحصول على درجة الدكتوراه من الجامعة الأردنية بتخصص التربية الخاصة رغم إصابتها بالإعاقة السمعية، فلا مستحيل مع الإرادة.

إعاقة لم تشكل نهاية الحياة لإسلام، بل تمكنت من التغلب عليها وتطويعها لتحقيق أهدافها وطموحاتها، لتنطلق في مرحلة جديد من التوعية لذوي الإعاقة ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم والتكيف مع مجتمعاتهم، وتوعية المجتمع بحقوق ذوي الإعاقة في حياة كريمة أسوة بأقرانهم.

وتعتبر الدكتورة الجدوع أول أردنية تحصل على هذه الدرجة العلمية من ذوي الإعاقة السمعية، وتؤكد في حديثها للجزيرة نت على أنها تسعى لتحقق طموحاتها في تعديل سلوكيات ومفاهيم التعامل مع ذوي الإعاقة السمعية.

الجدوع بعد مناقشتها رسالة الدكتوراة مع الأساتذة. الجزيرة . الجامعة الأردنية شمال عمال
الجدوع بعد مناقشتها رسالة الدكتوراه مع الأساتذة المشرفين على رسالتها في الجامعة الأردنية (الجزيرة)

مثابرة بوجه التحديات

درست الجدوع المراحل الدراسية الأساسية والثانوية في مدرسة خاصة بالصم، تبعد عن سكنها نحو 40 كيلومترا ذهابا وإيابا، كانت تغادر للمدرسة بالحافلات معتمدة على نفسها، ترافقها في رحلتها شقيقتها المصابة بالإعاقة السمعية أيضا.

شكل النجاح في الثانوية العامة أول وأكبر التحديات في حياتها، فكان التفوق في تلك المرحلة بشرى لها ولعائلتها، وبعد ذلك شرعت في دراسة التربية الخاصة في الجامعة الأردنية، وبعزيمة ومثابرة استمرت بالدراسة بتفوق حتى أنهت متطلبات الحصول على درجة الدكتوراه، مسجلة لها مكانا بين الخريجين المتميزين.

ويواجه ذوو الإعاقة السمعية تحديات متعددة -تقول الجدوع- أبرزها نظرة المجتمع التي تشعرهم بأنهم يعانون من النقص، و"للأسف يدفع ذلك العديد من ذوي الإعاقة للعزلة والابتعاد عن الناس، والعزوف عن الدراسة والعمل".

كما ترفض المؤسسات توظيف ذوي الإعاقة السمعية، وتحول دون حصولهم على فرص عمل أسوة بأبناء جيلهم بحجة الإعاقة، بينما يتمتع ذوي الإعاقة بقدرات مميزة ولديهم مواهب وطموحات مثلثهم مثل بقية أقرانهم، ويستطيعون قيادة السيارة وإدارة العمل وتولي الوظائف العليا، وفقا للجدوع.

اسلام وعائلتها بعد مناقشة الرسالة. الجزيرة . الجامعة الأردنية شمال عمال
إسلام وأفراد عائلتها وزوجها وأطفالها بعد مناقشة الرسالة (الجزيرة)

دراسة وعائلة وعمل

رغم أنها أم لطفلين، فإنها استطاعت التنسيق بين العمل والدراسة الجامعية والعائلة والأطفال، وساهم في نجاحها والداها وإخوتها وزوجها، وشكلت والدتها المعلمة والمربية لها.

تقول الجدوع والدتي سخرت كل حياتها لي ولأشقائي، من صغري علمتني الأكل والترتيب والتنقل بالحافلات، وكانت تساعدني بالدراسة وحل الواجبات المدرسية. ولم تكتف والدتها بذلك، بعد زواجها أسكنتها ببيت قريب منها، وما زالت تعتني بها وبأولادها.

تقول والدتها أم خلدون الجدوع للجزيرة نت "أنجبت إسلام بشكل سليم، لكنها أصيبت بمرض الحصبة خلال عامها الأول مما أفقدها السمع، ما جعلني أعجز عن التعامل معها، فكيف لي تربيتها وتعليمها دون سمع، لكن الله وهبني الصبر وحسن التدبير".

اسلام وزوجها وامها ووالدها . الجزيرة . الجامعة الأردنية شمال عمال
إسلام وزوجها وأمها ووالدها بعد مناقشة رسالتها في الجامعة الأردنية (الجزيرة)

تزوجت الجدوع بقريب لها من ذوي الإعاقة السمعية، وأنجبت طفلين أصحاء دون أية إعاقة، وتنتظر الثالث، وشكلت العائلة والعمل تحديات لها في حياتها الجامعية، لكن بإصرارها ومساعدة زوجها وعائلتها استطاعت أن توفق بين عملها وعائلتها ودراستها.

تقول الجدوع "زوجي كان يدعمني في دراستي ويساعدني في طباعة الأبحاث العلمية وتجهيزها، ويسخر وقته لمساعدتي في البحث بالكتب والمراجع العلمية واستخراج ما تتطلبه الأبحاث، وتساعدني أمي في رعاية الأطفال".

اسلام ووالدتها. الجزيرة . الجامعة الأردنية شمال عمال
إسلام ووالدتها التي وقفت إلى جانبها منذ صغرها (الجزيرة)

تعليم وتدريب

تعمل الجدوع حاليا في مركز تكنولوجيا المعلومات التابع لأمانة عمان، وسخرت من دراستها وسيلة لتعليم الآخرين لغة الإشارة للتواصل ومعرفة ما يحتاجه ذوو الإعاقة السمعية، وتعديل سلوكيات ومفاهيم التعامل معهم.

وتنظم دورات تدريبية بلغة الإشارة لأبناء المجتمع المحلي وموظفي أمانة عمان وأفراد الدفاع المدني وغيرهم من الراغبين بتعلم لغة الإشارة من المراجعين والمهتمين بذلك.

إضافة لذلك تقدم الجدوع مجموعة من الدورات والبرامج التربوية المتخصصة في كل ما يحتاجه أصحاب الإعاقة السمعية، بهدف مساعدتهم في تلبية احتياجاتهم والتكيف مع مجتمعاتهم المحيطة وتحقيق أهدافهم، ومعرفة المواهب الكامنة لديهم واستثمارها وتحفيزها.

كما تعمل الجدوع على تقديم التوعية الضرورية واللازمة لذوي الإعاقة السمعية بحقوقهم وواجباتهم، وتعديل المفاهيم والسلوكيات الخاطئة لديهم، وإزالة العقبات التي تواجههم وتوفير الأدوات والمهارات التي تساعدهم في الحصول على حياة طيبة.

مع عميد الكلية. الجزيرة . الجامعة الأردنية شمال عمال
إسلام مع عميد كلية العلوم التربوية بالجامعة الأردنية الدكتور محمد الزبون (الجزيرة)

الجامعة وتذليل العقبات

في مبنى كلية العلوم التربوية بالجامعة الأردنية أثنى عميد الكلية الدكتور محمد الزبون على الدكتورة الجدوع، معتبرا إنجازها نجاحا لأصحاب الهمم العالية من ذوي الإعاقة السمعية، مؤكدا أن الجامعة تقدم للطلبة ما يحتاجونه من خدمات، خاصة مترجمي لغة الإشارة وما تتطلبه دراستهم.

وتابع الزبون أن أصحاب الهمم العالية يقدمون رسالة للمجتمع بأن ذوي الإعاقة لديهم قدرات ومواهب وطموحات يسعون لتحقيقها، وأنهم قادرون على ذلك، ولا تشكل الإعاقة سدا في طريقهم.

المصدر : الجزيرة