شاركت بالمقاومة الشعبية ووُصفت بالإرهابية.. ذكرى رحيل حكمت أبو زيد أول وزيرة مصرية

حكمت ابو زيد .. اول وزيرة مصرية
حكمت أبو زيد أول وزيرة مصرية (مواقع التواصل)

لا يكفي لقب أول وزيرة مصرية لوصفها، فهي التي أطلق عليها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لقب "قلب الثورة الرحيم"، وأطلق عليها الصحفيون لقب "الوزير الشبح" لنشاطها الدؤوب، وربما تكون أول وزيرة تمتنع سلطات بلادها عن إصدار جواز سفرها؛ إنها الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة الشؤون الاجتماعية والتي رحلت عن عالمنا في 30 يوليو/تموز عام 2011.

نضال مبكر

حياة أبو زيد مليئة بالأحداث الصاخبة المصاحبة لمحطات تاريخية فارقة فخلال دراستها الثانوية بمنطقة حلوان جنوب القاهرة في الثلاثينيات -حيث كانت تموج التظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي- تزعمت ثورة الطالبات داخل المدرسة، وهو الأمر الذي أغضب السلطات وقتها ففصلوها، واضطرت لاستكمال تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة في الإسكندرية.

وحين شن التحالف الفرنسي الإنجليزي الإسرائيلي عدوانا على مصر عام 1956؛ انضمت أبو زيد إلى فرق المقاومة الشعبية وتدربت على حمل السلاح وسافرت إلى بورسعيد مع إنجي أفلاطون الفنانة المصرية التي تنتمي إلى رواد الحركة الفنية التشكيلية في مصر والعالم العربي، وسيزا نبراوي أول من قادت مظاهرة نسائية عام 1919 وكانت لها شهرة في الحركة الوطنية قبيل يوليو/تموز 1952.

سيدات يحملن السلاح

وقالت أبو زيد -عن تلك الفترة- "كنا نشارك في المقاومة الشعبية، وكانت جزءا من تكويننا، فبعض الفتيات يقمن بالتمريض والبعض يحمل البنادق ويتعلم استخدامها استعدادا للمعركة".

وأكدت أن المرأة وقتها دوؤبة متميزة ومتحمسة ووطنية تحب العلم والعمل وكن يعملن جميعا لخدمة المجتمع، حسب حوار لها في مجلة حواء المصرية.

ولدت حكمت أبو زيد في إحدى قرى مركز ديروط بمحافظة أسيوط في صعيد مصر عام 1916، لوالد يمتلك في مسكنه مكتبة تضم خطب الزعيم الشهير مصطفى كامل، وأعمال المناضلة الفرنسية جولييت آدم، ومؤلفات مصطفى صادق الرافعي أحد أقطاب الأدب العربي الحديث.

وبعد أن أنهت دراستها الثانوية التحقت بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) عام 1940، واختارت قسم التاريخ بكلية الآداب التي كان يتولى عمادتها الدكتور طه حسين الذي تنبأ لها بمستقبل باهر، محاولا إقناعها بالالتحاق بقسم اللغة الفرنسية لبراعتها بهذه اللغة ودراستها في مدارس أجنبية بالإسكندرية، غير أنها فضلت العلوم الاجتماعية نظرا لولعها بالمجتمع الإنساني حسب قولها.

ثم التحقت بعد التخرج بالعمل مدرّسة في مدرسة حلوان الثانوية؛ وهي مدرستها السابقة التي فصلت منها، ولم تكتف بذلك، بل سافرت إلى بلاد الإنجليز لتحصل على الماجستير من أسكتلندا عام 1950 والدكتوراه في علم النفس من جامعة لندن عام 1955، ثم عادت لمصر في نفس العام وتم تعيينها فورا في كلية البنات بجامعة عين شمس.

مخالفة عبد الناصر على الهواء

وكانت في عام 1962 على موعد مع تعيينها في "لجنة المئة" لتحضير المؤتمر القومي ومناقشة الميثاق الوطني المزمع إصداره، ولفتت أفكارها أنظار كل المشاركين، وطُلب منها كلمة في الجلسة التحضيرية التي سيحضرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فانتقدت الحضور الضعيف للمرأة في الميثاق، واعترضت بشدة على رفض عبد الناصر شخصيا لما سماه المراهقة الفكرية القائمة على الحماس الذي تراه شريكا أساسيا في البناء، وكان حوارا تلفزيونيا منقولا على الهواء، وهنا خطفت اهتمام وإعجاب الرئيس نفسه، ليختارها في نفس العام وزيرة للشؤون الاجتماعية حسبما ذكر الكاتب الصحفي عمر طاهر في كتابه "صنايعية مصر".

مشاريع رائدة

ونجحت أبو زيد في نقل اهتمامات الوزارة وأنشطتها لكافة القرى والنجوع بالجمهورية بإنشاء فروع لها، وأقامت عدة مشروعات مهمة منها مشروع الأسر المنتجة، ومشروع الرائدات الريفيات ومشروع النهوض بالمرأة الريفية وساهمت بوضع قانون 1964، وهو أول قانون ينظم الجمعيات الأهلية، وكذلك تطوير العمل الاجتماعي والرعاية الأسرية من خلال توليها منصب الوزارة، كما ضمت لمهام الوزارة رعاية مؤسسة الأحداث.

وذكر طاهر في كتابه أنه حين تعرض أهل النوبة للغرق بعد تعلية خزان أسوان، كان لا بد من تهجيرهم إنقاذا لهم، فتولت أبو زيد المسؤولية، وأعدت دورات تدريبية للنوبيات في كيفية ترتيب أشيائهن قبل الهجرة حتى القطط والطيور.

وساعدتهن في جلسات مطولة على تقبل الهجرة نفسيا، وأشرفت على أن يحافظ المكان الجديد على كيان وبنيان المجتمع النوبي مضافا إليه المدرسة والمستشفى، وكانت تجربة ناجحة لدرجة جعلت ناصر يقول إن أبو زيد نجحت في تعبئة مجتمع بالكامل سياسيا واقتصاديا؛ على حد قوله.

صاروخ على الجبهة

يروي طاهر -الذي كان يزورها قبل سنوات طويلة في بيتها- أنه لفت نظره جسم معدني موجود كقطعة ديكور، فأخبرته أنه أثناء زيارة عبد الناصر للجبهة وخلال حواره مع أحد الجنود شعر بضيقه فسأله عن السبب فقال إن والدته مريضة وهو يشعر بالقلق عليها.

سجل ناصر بيانات والدة الجندي وأرسلها لأبو زيد لمتابعة حالتها، فقالت لن أتابع هذه الحالة فقط وكونت لجنة أسر المقاتلين، وتم جمع تبرعات ضخمة من كل الجهات لدعم أسر الجنود حتى يتفرغوا مطمئنين للقتال، وكانت تذهب إلى الجبهة كثيرا لتطمئنهم وتنقل لهم الدعم والرسائل، وهذا الجسم فارغ صاروخ أُطلق عليها وزملائها وهم في سيارة جيب تحملهم للجبهة، فقررت الاحتفاظ به على سبيل الذكرى.

اتهامات بالخيانة

لم تكن الوزيرة تتوقع بعد كل هذا التفاني في العمل أن القدر يخبئ لها اتهامات بالخيانة والعمالة، وأن تسمى في بعض المقالات الصحفية بالإرهابية، ثم تصادر ممتلكاتها وتمنع من إصدار جواز سفر مصري جديد بما يعني ضمنيا -حسب كلام طاهر- سحب الجنسية المصرية منها بعد أن عارضت توجه الرئيس الراحل أنور السادات للصلح مع إسرائيل.

وعاشت أبو زيد لفترة طويلة لاجئة سياسية، حتى سمح لها الرئيس السابق حسني مبارك بداية التسعينيات بالعودة لمصر وأمر وزير الداخلية باستقبالها في المطار ودخلت من صالة كبار الزوار.

نموذج لأي وزير

أكد الدكتور أشرف ياسين -أستاذ العلوم السياسية- أن حكمت أبو زيد ليست نموذجا للوزيرات المؤثرات فقط وإنما تعد نموذجا لأي وزير أيضا من حيث نشاطها وتفانيها في العمل وعقليتها المتقدة دوما لخدمة المواطنين، وابتكار حلولا لمشاكلهم.

إن الوزيرات -أمثال أبو زيد وعائشة راتب التي تولت نفس الوزارة بعدها بسنوات- كن خير مثال لما ينبغي أن يكون عليه أي وزير من المبادرة وعدم انتظار الأوامر، أو التحرك طبقا لما يعلنوه دوما دون خجل ويستبقون به أي قرار لهم؛ "تنفيذا لتعليمات السيد الرئيس"، حسب كلام ياسين للجزيرة نت.

وأشار ياسين إلى ازدياد عدد الوزيرات بالحكومات المصرية إلى أن وصلت مؤخرا إلى 8 وزيرات، وهذا شيء جيد بالطبع في طريق إشراك المرأة في الحكم والسياسية، وقال ياسين إنه يعرف وزيرات ناشطات للغاية ويبذلن كل ما يستطعن من جهد، لكن يظل هذا في إطار تنفيذ الأوامر دون محاولة التفكير خارج الصندوق، على حد تعبيره.

المصدر : مواقع إلكترونية