وحيدة في حفل زفافها.. معاناة فتيات اضطررن لترك مصر

الغُربة رغم قسوتها، ألقت في طريقهن فتى الأحلام فاضطررن للزواج دون أهل ولا أصدقاء ولا طرب الزغاريد.. هذا الاضطرار كان أملا في شخص يحمل معهن مرارة الغربة

بعض المصريات اضطررن إلى الاحتفال بالزفاف وحيدات بعيدا عن الأهل (بيكسابي)

القاهرة- فرحة بالاسم فقط، ليلة كأي ليلة، لكن في الأوراق الرسمية هي ليلة العمر أما في حقيقتها فهي ليلة ألم العمر، هذا ما تعانيه عروس اضطرتها ظروفها إلى الزفاف بمفردها، فلا فرحت ولا رأت الفرح في عيون أهلها.

الغُربة رغم قسوتها، ألقت في طريقهن فتى الأحلام فاضطررن للزواج دون أهل ولا أصدقاء ولا طرب الزغاريد.. هذا الاضطرار كان أملا في شخص يحمل معهن مرارة الغربة.

آيات محمد، اسم مستعار لفتاة عشرينية، تقول "أدرج اسمي في ملفات أمن الدولة بعد تخرجي لكوني عملت بالصحافة، وبعد 2013 ومع موجة الاعتقالات للصحفيين والمعارضين، وجدت أنه ليس أمامي سوى ترك مصر، وشجعني أهلي على هذه الخطوة، لأنهم شعروا بالخوف عليّ من موجة الاعتقالات التي كانت وما زالت تطال الجميع، فجهزت أوراقي للسفر".

تضيف آيات للجزيرة نت "لم أعتد البعد عن عائلتي حتى أثناء دراستي الجامعية كنت بجانب أهلي، لا أتذكر أنني بعدت عنهم يوما، كانت فكرة السفر غير متوقعة، السفر كان أول تجربة للوحدة وأن أعيش بمفردي، ولذلك ساءت حالتي النفسية لمجرد الإقدام على هذه الخطوة، فعندما أعددت للسفر كنت أتهرب كثيرًا من أعين أهلي، كنت مخطوبة قبل السفر وخطيبي كان خارج مصر أيضا، كان من الصعب حضور أهلي لمشاركتي سعادتي في حفل زفافي، فلم يكن هناك مفر من الزواج من دونهم، لأنني كنت أريد الاستقرار وأن يشاركني شخص وحدتي، ليساندني في غربتي".

وتابعت آيات "اليوم الذي سبق ليلة الزفاف قضيته في بكاء، لا أستطيع وصف هذا الشعور، اخترت فستان الزفاف وحدي، وارتديته وحيدة دون مساعدة أمي وصديقاتي، تحدثت مع أهلي عبر مكالمات الفيديو وبكينا كثيرا، شقيقتي الصغيرة انهارت لم تكن تتخيل يوما أنها لن تحضر زفافي".

تقول آيات، "ليلة الزفاف كنت ابتسم ابتسامة مصطنعة، في تلك اللحظة علمت أن اليتم ليس معناه فقدان والديك فقط، فهناك وجه آخر لليتم أن يكون والداك على قيد الحياة وليسا معك، هناك أشخاص يمنعونكم من اللقاء والتشارك في أسعد لحظات حياتكم. بعد انتهاء العرس، ذهبت إلى البيت اتصلت بأمي وبكينا وسألتها ما الجرم الذي ارتكبته لكي نتألم هكذا، وإلى الآن عندما أنظر إلى صور زفافي أبكي فهناك في أعين تلك العروس حزن وافتقاد، كنت أريد زفافا طبيعيا فقط، ومع كل حفل زفاف أحضره يتجدد الوجع والحزن وأبكي وأشفق على كل فتاة تتزوج بعيدا عن عائلتها".

معرض "هب السعد" للأعراس.. إليك نصائح مهمة لاختيار فستان زفافك
مشاركة الأهل والصديقات في اختيار فستان الزفاف حلم كل فتاة، لكن البعض يحرمن من تحقيق هذا الحلم (الجزيرة)

الهروب والاحتجاز في مطار "إنشون"

بدأت حكاية زينب عبد الغني منذ أن تم إلقاء القبض عليها، على خلفية نشاط سياسي. تقول زينب "تعرضت للتعذيب على يد السلطات المصرية، وبعد أن خرجت بإخلاء سبيل أحيلت القضية للمحاكمة وصدر ضدي حكم بالسجن عامين".

وأضافت زينب "فكرت في السفر فورا لخطيبي المقيم في كوريا الجنوبية، فقد ترك مصر لأنه يواجه حكما على خلفية نشاطه السياسي، في البداية رفضت أسرتي فكرة السفر لأنه كان من الصعب أن أبتعد عنهم، فليس من الطبيعي أن تبتعد ابنتهم دون العلم متى سيرونها مرة أخرى لكنهم وافقوا في النهاية".

وعن تفاصيل يوم السفر تحكي زينب، "بكيت كثيرا وكنت خائفة أن يلقى القبض عليّ من المطار، وبعد أن ظللت في مطار إنشون الكوري 10 أيام تحقيق لأتمكن من دخول البلاد كانت حالتي النفسية سيئة للغاية، لدرجة أنهم عندما سمحوا لي بدخول البلاد ارتديت فستان الزفاف في "دورة مياه المطار"، ووضعت مساحيق التجميل لنفسي".

"زفافي لم يكن زفافا" هكذا قالت زينب، وأضافت "جاء زوجي إلى المطار لكي يصطحبني بعد أن وافقت الحكومة على دخولي البلاد بعد أن تعرضت لضغط نفسي لمدة 10 أيام والتهديد بالترحيل، لم أستطع النوم لأن كل ما عايشته هو حالة الرعب من التهديد الذي تعرضت له بترحيلي وحزني إلى الحال التي وصلت لها دون إرادتي".

وأردفت زينب "في يوم الوضع كانت حالتي النفسية سيئة للغاية، فكنت أبكي لأنني لم أجد أحدا بجانبي إلا صديقتي الكورية، والحالة النفسية تلك نتج عنها أنني دخلت في غيبوبة وتمت إفاقتي بتنفس صناعي".

اختيار شريك حياة يحمل ذات المشاكل

سمر محمود (اسم مستعار) تركت مصر بعدما خرجت من السجن واضطرت للسفر بعد أن هُددت بالسجن للمرة الثانية، حسب وصفها، ورغم حالة الصدمة التي عاشها أهلها فإنهم شجعوها على السفر، لكي تعيش في أمان.

تقول سمر للجزيرة نت "تعرفت على خطيبي عن طريق أصدقاء لنا فهو كان في بلد آخر غير التي أقيم فيها، وقررنا الارتباط، كانت نقطة تحول كبيرة من خروج من مصر يائسة من الحياة وأراها سوداء لنور بسيط أعطاني أملا للحياة لنصفي الثاني الذي لديه نفس التفكير وذات المشاكل، الفكرة هنا تحولت من كوني أتحمل كل مشكلاتي وحدي إلى شريك نحمل سويا عبء الغربة، لم يخطر ببالي أبدا أن أتزوج دون مشاركة أهلي فرحتي، لكن زوجي كان حنونا معي وتفهم تلك النقطة لأنه هو أيضا بعيد عن أهله بسبب مشكلة سياسية وكان لا يفكر في الزواج بعيدا عنهم لكن في نهاية الأمر استطعنا تجاوز تلك النقطة".

وتابعت سمر "كل تجهيزات الزواج قمنا بها وحدنا لا أحد معنا يشاركنا تلك الفرحة وذلك التعب، وكلما اقترب يوم الزفاف أبكي لأنني وحدي بعيدا عن أهلي، أنا وخطيبي نرتب كل شيء للزفاف وحدنا، أعلم أنها ضريبة ولا بد أن تدفع، لست أنا من شعر بذلك الحزن فقط لكن زوجي أيضا فهو يفتقد عائلته وأصدقاءه، في يوم زفافنا كنا نتحدث ونبكي".

كيف تحافظ على زواجك الحظر؟
الوحدة بعيدا عن الأشخاص الذين يشاركوننا المشاعر والمناسبات الخاصة كالزواج يزيد حالة الإحساس بالغربة (بيكسابي)

الإجبار على الغربة

تقول الدكتورة عايدة سيف الدولة مديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب "إن الإجبار على الغربة في ذاتها مؤلم جدا، والوحدة بعيدا عن الأشخاص الذين يشاركوننا المشاعر والمناسبات الخاصة كالزواج يزيد حالة الإحساس بالغربة وهو شيء صعب للغاية".

وأوضح الدكتور محمود إسماعيل أخصائي الطب النفسي والأمراض العصبية والإدمان، "لا بد أن نعترف أن أفضل ما في الأمر هو معرفة الأهل بالأمر (الزواج)، ومشاركتهم الفرحة ولو عن طريق برامج التواصل الاجتماعي، كما أنه من الجيد أيضا أن تختار الفتاة شريك حياتها دون ضغوط من أحد حتى ولو كان ذلك الزواج بعيدا عن الأهل".

وأضاف إسماعيل "هناك حلول مقترحة يجب على الشباب في ظل تلك الظروف أن ينتهجوها وهي عدم رفع سقف التوقعات وعدم التطلع للحصول على الأحلام العادية خاصة في ظروف غير عادية ويجب الاستعداد نفسيا ومعرفة أن لا أحد يحصل على كل شيء، وعلى جميع الأصدقاء والأهل أن يحرصوا على تقديم الدعم النفسي بشكل مستمر لمن خاض مثل تلك التجارب".

المصدر : الجزيرة