الجزيرة نت تحاور أول عربية تقود مؤسسة "وورلد برس فوتو" العالمية للصور

الخوري: التركيز الكبير على القصص يجعل المشاهد يتعاطف.. فلا يهم إذا كانت القصة من اليمن أو الهند أو أي مكان، فالمشاهد يشعر أنها إنسانية ولا يهم أين حدثت.

اللبنانية جمانة الزين الخوري / تصوير عمر امام / حصلت على اذن باستخدام الصورة
الخوري: نبدأ خلال أسابيع بإعادة تخيل وإعادة التفكير بمؤسسة "وورلد برس فوتو" (الجزيرة)

اختارت مؤسسة "وورلد برس فوتو" (world press photo) الهولندية، والتي تعد الأرفع والأكثر شهرة في مجال الصور الفوتوغرافية للمصورين التابعين أو المتعاملين مع مؤسسات إعلامية، اللبنانية جمانة الزين الخوري، لتكون المرأة العربية الأولى التي تتولى إدارة هذه المؤسسة العريقة.

وتسلمت الخوري منصبها في إدارة المؤسسة في فبراير/شباط الماضي، قبل أشهر من الموعد السنوي للجائزة السنوية التي تمنحها المؤسسة لصور العام الصحفية، وتتوزع على عدة فئات.

وتعد المؤسسة -التي تتخذ من العاصمة الهولندية أمستردام مقراً- الأقدم في العالم على صعيد تشجيع وإبراز نتاجات المصورين الصحفيين الذين يعملون بمؤسسات صحافية متنوعة، إذ بدأت المؤسسة نشاطها عام 1955.

كما تعتبر الجوائز السنوية التي تقدمها الأكثر قيمة على صعيد مسابقات الصور للمحترفين عالميا، حيث يتبارى للحصول عليها مصورون من كل أنحاء العالم، وقد وصل عدد الصور المتنافسة هذا العام إلى حوالي 73 ألف صورة.

وتنظم المؤسسة معرضا سنويا كل عام بالصور الفائزة في المسابقة، والذي ينطلق من أمستردام، قبل أن يتجول في عدة بلدان، كما تصدر كتابا ورقيا بالصور الفائزة ويطبع 6 لغات.

وعلاوة على الجوائز السنوية، تنظم "وورلد برس فوتو" ورش عمل ومحاضرات، كما تتعاون مع مؤسسات حقوق إنسان متنوعة.

وحظيت الصور التي تتناول قضايا من الدول العربية باهتمام دائم من مسابقة المؤسسة، وبالخصوص صور ثورات الربيع العربي.

وتاليا الحوار مع الخوري:

  • هل كنت تتابعين أنشطة "وورلد برس فوتو" (world press photo) وكيف تلقيت خبر تعيينك مديرة لواحدة من أعرق مؤسسات الصور الفوتوغرافية بالعالم؟

أكيد كنت أعرف "وورلد برس فوتو" من قبل، لأني كنت أعمل في المؤسسة التي تمنح جوائز الأمير كلاوس، والتي نشاطها أيضا على صعيد العالم، وبعض المصورين الفوتوغرافيين الذين كنا ندعمهم في مؤسسة كلاوس هم نفسهم المصورون الذين يتعاملون مع مؤسسة "وورلد برس فوتو". وتنوع القصص والناس الذين تتعامل معهم "وورلد برس فوتو" أمر مهم لي.

أما كيف عرفت بالوظيفة الجديدة.. لقد وصل الإعلان عنها إلى بريدي الإلكتروني بالحقيقة.

لم أكن أخطط للانتقال من عملي، إذ كنت أفكر بالبقاء سنة واحدة أو سنة ونصف السنة، لكن الفرصة كانت عظيمة لذلك قررت المحاولة، وقدمت على الوظيفة وحصلت عليها، وهو أمر أنا فخورة به جدا.

الصورة الفائزة بصورة العام لهذا العام وهي من أجواء الوباء/ الصورة للمصور الدنماركي مادس نيسن
الصورة الفائزة بصورة العام من أجواء الوباء بعدسة الدانماركي مادس نيسن (وورلد برس فوتو)

  • لا تكاد الصور عن العالم العربي وبالخصوص التي توثق أحداث الربيع العربي تغيب عن مسابقات المؤسسة بالعقد الاخير، هل تعتقدين أنها ساهمت بإثارة الفضول أو التفهم لما يحدث في منطقتنا؟

نعم هذا أكيد.. بصورة واحدة يمكن أن تُفهم قصة شخص ما والسياق الذي أخذت به هذه الصورة. في هذه السنة بالنسبة للعالم العربي كان عندنا: انفجار بيروت، والحرب اليمنية، وسلسلة "حبيبي" عن الفلسطينيين. وفي كل هذه الصور والقصص هناك بالطبع الأمور الفظيعة، لكن هذه الصور تفعل ذلك بصورة متفردة وإنسانية.

تظهر صورة اليمن أُم وابنها يحاولان صيد السمك، حتى يتمكنان من الأكل، لأن زوج المرأة توفي، وهناك مشكلة كبيرة في الطعام اليوم.

أما انفجار بيروت، فالصورة تظهر رجلا تبدو عليه ملامح القوة، وفي نفس الوقت يمكن رؤية الانهيار في وجهه، وهذا يعكس حال لبنان، حالي وحال الكثير من اللبنانيين.

السنة الماضية مثلا كانت هناك صورة من الاحتجاجات الجزائرية، وكانت ذاتية.

أتصور أن التركيز الكبير على القصص يجعل المشاهد يتعاطف ويفهم القصص. ولا يعود لو كانت من اليمن أو الهند أو أي مكان آخر من العالم، فالمشاهد يشعر أن هذه قصة إنسانية ولا يهم أين حدثت.

  • بعض الدول العربية المشتعلة كانت -وبعضها لا تزال- مغلقة أمام المصورين والإعلام المحترف وتعتمد على ما يعرف بصحافة المواطن، هل هذا انعكس على الصور الفوتوغرافية التي تصل لكم أو التي تتابعونها؟

هذا أمر أريد التركيز عليه بقوة في المستقبل. بدأت العمل في فبراير/شباط الماضي، وسوف نبدأ خلال أسابيع بإعادة تخيل والتفكير بمؤسسة "وورلد برس فوتو". اسمنا "صورة العالم الإعلامية" وعندما نفكك اسم المؤسسة، نريد أن نطرح أسئلة عما يعني العالم لنا، ومن خلال أي عيون نريد أن نراه؟

والسؤال الآخر ماذا يعني الإعلام؟ مثلا في هولندا، هناك تعريفات واضحة للإعلام، لكن في أميركا لم يعد الأمر بهذا الوضوح كما كان من قبل.

في العالم العربي، الإعلام السائد هو الرسمي، والذي لا يريده الكثيرون هناك. أما الإعلام الحقيقي غير الرسمي فهو الذي يذهب في الشوارع ويصور ويضع صوره في وسائل التواصل.

يجب أن نفهم هذه التغييرات في شروط المسابقة التي نضعها، وهذا أمر غير واضح اليوم، لكي تدخل المسابقة في الوقت الحاضر عليك أن تكون حامل بطاقة صحفية، أو رسالة من رئيس تحريرك يقول إنك مصور فوتوغرافي.

من اليمن ام وابنها يصيدون السمك/ الصورة للمصور الارجنتيني بابلو توسكو
من اليمن أم وابنها بعدسة الأرجنتيني بابلو توسكو (وورلد برس فوتو)

في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه، والذي حولنا جميعا إلى مصورين، كيف ترين دور المؤسسات التقليدية التي تهتم بالتصوير الفوتوغرافي؟

لا أعرف إذا كان بإمكاني الرد على سؤالك، لكني سأجرب، عندي 3 أولاد، أعمارهم 15، 13، 10 سنوات، الطريقة التي يشاهدون فيها الصور الفوتوغرافية تختلف كثيرا عن طريقتي. قرأت مؤخرا أن معدل الوقت الذي يقضيه شخص ما لمشاهدة صورة على الإنترنت هو 3 أرباع الثانية فقط. لذلك الطريقة التي نتلقى بها الصور والطريقة التي نصنع بها الصور تختلف كثيرا عن الماضي.

عندما كنت موجودة في نقاشات لجنة التحكيم للمسابقة الأخيرة، سمعت كثيرا عن التوازن الذي يجب أن يتحقق بين الصنعة أو المهارة في صناعة الصورة، والقصة التي تقولها الأخيرة. بالطبع الخبرة أو المهارة التي تصنع بها الصور مهمة كثيرا في قدرتها على التأثير. على الجانب الآخر نحن نعيش في عصر كل واحد منا عنده كاميرا في تلفونه ويمكن أن يصنع صورا عظيمة.

في الحقيقة، لا أعرف ما الذي يمكننا القيام به على وجه التحديد، لكننا نناقش داخليًا إذا كان علينا التفكير في وجود فئة في المسابقة لأشخاص ليسوا محترفين في مجال الإعلام لنشر صورهم، لأن القصة هي ما يهم هنا.

  • من خلال عملك السابق والحالي، هل هناك ظواهر تستحق التوقف في عالم التصوير الفوتوغرافي، أو الاتجاهات التي تتوقعينها مستقبلا؟

منذ أن بدأت عملي هنا قبل 3 أشهر، تكلمت مع حوالي مئة شخص من كل أنحاء العالم. وأخطط للحديث مع عدد مماثل الفترة القادمة، في حديثي مع هؤلاء أسأل السؤالين التاليين: كيف ترونا كمؤسسة؟ وما هي آفاق صحافة الصور الفوتوغرافية وإلى أين تتجه؟

بقي في بالي من تلك المحادثات ما قاله لي شخصان: الأول ذكر أنه عندما بدأ عصر صحافة الصور، كان يتوقع الإعلام حينذاك أن يكون الصحافي محايدا وموضوعيا على قدر الإمكان، وأن يُظهر الحقائق كما هي، أي المصور هو الشخص الذي يقوم بالضغط على زر التقاط الصورة، وهذه هي كل مهمته.

الشي الآخر، والذي لمسته من المسابقة الأخيرة، هو الجانب الإنساني، والتركيز على قصة شخص واحد، وهذا شيء أنا أعرفه شخصيا، لأني عندما أُعَرِّف بعملي في مؤسسة "وورلد برس فوتو" أو في وظيفتي السابقة، لا أقوم أبدا بالكلام عن رؤية المؤسسة التي أعمل بها، أركز دائما على قصة إنسانية.

الأمر الآخر المهم، والذي ذكره لي أحد الأشخاص الذين تحدثت معهم، هو أننا يجب أن نعرف إلى أي اتجاه تسير صحافة الصور الفوتوغرافية في 5 أو 10 سنوات القادمة.

بالحقيقة لا أعرف ما هي الأمور التي يجب أن تحدث، لكني أعرف بشكل مؤكد أن عرض الصور مهم كثيرا، ومن الذي يقوم/تقوم برواية القصة، وأهمية أن يعرف/تعرف الأخير بالموضوع من كل جوانبه، وكما يجب أن يكون/تكون له رؤية في القضية التي يصورها، والطريقة التي يصور/تصور بها، والاحترام الذي يجب أن يحمله/تحمله للقصة التي يصورها.

  • كيف تختارون لجنة التحكيم كل سنة؟ هل لكم ضوابط معينة مثلا؟

المهم في اختيار اللجنة أننا نقوم باختيارها بأنفسنا، إذ لا يوجد مثلا تقديم معين للاشتراك في لجنة التحكيم، أي أنه شأن وعلميات داخلية في المؤسسة.

المهم في لجنة التحكيم أنها تمثل بشكل جيد كل أطياف العمل التصويري، مثلا أن تكون متنوعة على صعيد التوزيع الجغرافي، وعلى صعيد تمثيل الرجال والنساء المتساوي فيها، وبالطبع المجالات الاحترافية.

من انفجار بيروت وهي احدى الصور الفائزة / الصورة للمصور الإيطالي لورينزو توجنولي
انفجار بيروت إحدى الصور الفائزة بعدسة الإيطالي لورينزو توجنولي (وورلد برس فوتو)

  • وصلكم هذه السنة على صعيد الصور الفوتوغرافية وحدها حوالي 74 ألف صورة، ما مدى صعوبة مهمة الفرز؟

مهمة فرز الصور صعبة كثيرا، والذي زاد من صعوبتها هذا العام كورونا، فكل شيء تم عن طريق الإنترنت، وهذا كان مشكلة كبيرة، ذلك أن أعضاء اللجنة كانوا متوزعين على أكثر من بلد، وجمعهم في وقت واحد كان مهمة عسيرة كثيرا أحيانا.

هناك فئات في المسابقة، وعدنا لجان تحكيم خاصة تشاهد كل الصور المنافسة في كل فئة، وتختار بعضها للمنافسة في المرحلة القادمة من المسابقة، وعندها تبدأ اللجان التي اخترناها للتحكيم بين الصور كل حسب فئته.

لذلك لا أحد يشاهد 74 ألف صورة، ما عدا اللجنة التي تحقق في خلو الصور من التلاعب الإلكتروني بكل أنواعه.

  • بالنسبة إلى الصور التي تشترك بالمسابقة، كيف تتحققون بأنه لم يتلاعب بها إلكترونيا؟

تعرفت مؤخرا لأول مرة على مفهوم جديد اسمه "التحقيق في الصور" أي ما يشبه التحقيق الجنائي لكن بالصور الفوتوغرافية.. أتمنى أن تعمل (منصة) نتفليكس برنامجا عنه. الأخلاق المهنية الإلكترونية في الصور مهمة لنا كثيرا، كل صورة تدخل المسابقة يتم التحقيق فيها للتأكد أنه لم يتم التلاعب بها.

  • هل يمكن أن تحدثينا عن خطط "وورلد برس فوتو" للأعوام القريبة القادمة؟

الأمر المؤكد عن المؤسسة الفترة القادمة أنه ستكون لها إستراتيجية مختلفة، نحن نحتاج أن نعيد التفكير بما نقوم به، لأنه لو لم نفعل ذلك سنكون أقل تأثيرا وفعالية بعد 5 سنوات.

المصدر : الجزيرة