كيف أصبح اللعب متعة وعلاج للاضطرابات السلوكية للأطفال؟

يوفر العلاج باللعب تأثيرات علاجية كبيرة لمجموعة من المشكلات، بما في ذلك المشكلات السلوكية والاكتئاب والقلق.

دمى الحيوانات أحد أدوات جلسات علاج الأطفال باللعب (بيكسلز)

قبل عقود قريبة، لم يكن أحد يعتقد أن اللعب يمكن أن يصبح وسيلة لعلاج اضطرابات السلوك لدى الأطفال، سواء كانوا الأطفال النموذجيين (Typical Children) أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما الآن أصبح العلاج باللعب شكلا من أشكال الاستشارة أو العلاج النفسي الذي يستخدم اللعب لتقييم أو علاج التحديات النفسية والاجتماعية.

وعلى الرغم من إمكانية استخدام العلاج باللعب مع البالغين، فإنه أكثر شيوعا مع الأطفال.

وبينما يبدو العلاج باللعب كأنه مجرد قضاء ساعات من اللهو والمرح، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن العلاج باللعب فعال لدى الأطفال الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية والاضطرابات السلوكية.

كيف يعبر الطفل عن مشاعره باللعب؟

لا يستطيع الجميع التعبير عن احتياجاتهم ومشكلاتهم بالكلمات، وقد يصبح اللعب وسيلة الصغار في التعبير عن حزنهم أو غضبهم. وبعض الأطفال يستخدمون الألعاب لا إراديا في وصف المشكلات التي يعانون منها، كالتمثيل أو الرسم أو استخدام الدمى للتعبير عن مشاعرهم الغاضبة، وربما أيضا يخلقون شخصيات خيالية تشاركهم أفكارهم.

تشجيع الأطفال على اللعب

قضاء الطفل لساعات في اللعب أمر غير مزعج في رأي المختصين، بل يتطلب من الأبوين تشجيع الطفل عليه لفهم ما يدور بداخل عقله ولا يستطيع التعبير عنه بكلمات.

وينبغي على الأبوين احترام تلك المشاعر، وتشجيع الطفل على وصف ما يعاني منه بالتعبير عما يريد ولو بأن يعكسه على دميته، كأن يقول الطفل إن الدمية حزينة لأن والديها تشاجرا معا، أو لأن والدتها لم تسمح لها بالخروج.

يمكن أيضا أن تُستخدم الدمى وسيلةً لتعليم الأطفال السلوكيات العامة والمهارات اليومية، كأن تستخدم دمية الدب وسيلةً لتعليم الطفل كيفية استخدام الحمام والتخلص من الحفاضات، أو ضرورة تناول الخضروات، ومن ثم يستطيع الطفل محاكاة ذلك لاحقا.

في المقابل، غالبا ما يستخدم العلاج باللعب لمساعدة الأطفال على معالجة أحداث الحياة المجهدة مثل الانتقال لبيت جديد، والاستشفاء، وعلاج الصدمات بعد التعرض للاعتداء الجسدي والجنسي، والعنف المنزلي، والكوارث الطبيعية والحروب.

ومن بين المشكلات الأكثر شيوعا التي يتم تناولها في العلاج باللعب، اضطراب نقص التركيز وفرط الحركة، ونوبات الغضب، واضطراب طيف التوحد، والاكتئاب، وطلاق الوالدين، وصدمات الفقد (وفاة الوالدين أو المقربين)، والإعاقات الجسدية المستجدة.

قضاء الطفل ساعات في اللعب أمر غير مزعج في رأي المختصين، بل على الأبوين تشجيع أبنائهم عليه (بيكسلز)

أنواع الألعاب

يمتلك العديد من المعالجين باللعب غرفة مخصصة للعلاج باللعب مليئة بالعناصر التي تساعد في العملية العلاجية. وتتضمن بعض ألعاب العلاج الشائعة ما يلي: الشخصيات الكرتونية، دمى الحيوانات، الدمى (العرائس)، الألعاب الموسيقية، أدوات الرسم، أدوات التشكيل كالصلصال، وألعاب الرمل، والسيارات.

أنواع جلسات العلاج باللعب

وبحسب الكاتبة إيمي مورن في مقال لموقع "فيري ول فاميلي" (VeryWellFamily)، يأتي العلاج باللعب في شكلين أساسيين:

النهج غير التوجيهي: ويقصد به عدم توجيه الطفل للعب، وإنما مراقبته والسماح له باختيار اللعبة المناسبة دون تدخل من قبل المعالج.

ويمكن عرض أكثر من لعبة على الطفل (لعبتين أو 3) ولا داعي لتشتيت انتباهه بأكثر من لعبة، وفور اختيار لعبة محددة تسحب الألعاب الأخرى.

وهذا النهج هو نوع من العلاج النفسي الديناميكي. والفرضية الأساسية هي أنه عندما يُسمح للأطفال بالقيام بذلك سيجدون حلولا لمشاكلهم.

الجلسة بأكملها عادة ما تكون غير منظمة؛ فقد يراقب المعالج الطفل بهدوء أو قد يعلق على ما يفعله، وقد يشارك المعالج في المسرحية إذا دعاه الطفل للقيام بذلك، ولكن في النهاية يُترك الخيار للطفل.

النهج التوجيهي: في بعض الحالات، قد يستخدم المعالجون إستراتيجيات توجيهية، أي قد يكون لكل جلسة موضوع أو هدف محدد يجب تحقيقه. قد يقال للطفل "اليوم سنلعب بالدمى، وستكون هذه دميتك"، أو قد يختار المعالج لعبة معينة للعبها.

وقد يشارك المعالج أيضا في المسرحية لتوجيه القصة؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان الطفل يستخدم الدمى لتصوير طفل يتعرض للتنمر، فقد يتدخل المعالج لمساعدة الدمية على إيجاد طرق للوقوف في وجه المتنمر.

وعادة ما تكون العائلات جزءا مهما من علاج الطفل، ومع ذلك، يتم تحديد مستوى المشاركة من قبل المعالج.

في بعض الأحيان، قد يحضر الآباء الجلسات مع طفل، وإذا كان الهدف هو العمل على قضايا الأسرة فقد يشارك الوالدان بشكل مباشر في العلاج باللعب. وفي ظروف أخرى، قد يحضر الطفل الجلسات بمفرده، وعادة ما يتواصل المعالج بعد ذلك مع القائمين على الرعاية حول أهداف العلاج والتقدم.

مدة الجلسة

تختلف مدة جلسات العلاج باللعب حسب أهداف العلاج واحتياجات الطفل وقدراته. وتستغرق معظم الجلسات ما بين 30 و50 دقيقة، ويمكن تحديد المواعيد في أي مكان من مرة في الشهر إلى مرتين في الأسبوع.

وفي المتوسط​، 20 جلسة علاج باللعب ضرورية لحل المشكلات، لكن بعض الأطفال يتحسنون بشكل أسرع، بينما قد يحتاج آخرون إلى المزيد من جلسات العلاج.

أظهر الأطفال انخفاضا في مشاكل السلوك بعد حضور جلسات العلاج باللعب بما في ذلك العدوانية وخرق القواعد (بيكسلز)

هل حقا مجدٍ؟

خلصت الدراسات إلى أن العلاج باللعب يمكن أن يكون فعالا جدا للأطفال وعائلاتهم. وفيما يلي بعض الأمثلة على الدراسات البحثية حول العلاج باللعب:

انخفاض فرط النشاط لدى الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، فقد وجدت دراسة نشرت عام 2012 في مجلة "اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه" أن الأطفال الذين تم تشخيصهم باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أظهروا انخفاضا كبيرا في فرط النشاط بعد العلاج السلوكي المعرفي.

أظهر الأطفال تحسنا، بعد 8 جلسات علاج جماعية، في انخفاض مشاكل السلوك وتحسن الأداء الأكاديمي.

في عام 2015 استعرضت دراسة 52 دراسة أخرى للعلاج باللعب، وخلصت إلى أن العلاج باللعب يوفر تأثيرات علاجية كبيرة لمجموعة من المشكلات، بما في ذلك المشكلات السلوكية والاكتئاب والقلق. وقد حضر الأطفال ما معدله 12 جلسة للعلاج.

وفحصت دراسة أجريت عام 2017 تأثير العلاج باللعب على الأطفال الذين يعانون من مخاوف سلوكية. وتراوحت أعمار الأطفال بين 6 و9 سنوات، وتلقوا 20 جلسة علاج (عبر جلستين يوميا مدة كل منهما 30 دقيقة لمدة 10 أيام). وقد أظهر الأطفال انخفاضا في مشاكل السلوك، بما في ذلك العدوانية وخرق القواعد.

إذا كنت تعتقدين أن طفلك قد يستفيد من العلاج باللعب، فتحدثي إلى طبيب الأطفال الذي يمكنه تقييم احتياجات طفلك والإحالة إلى مختص صحة عقلية ونفسية مؤهل للقيام بهذا الدور.

المصدر : مواقع إلكترونية