شريفة العمادي: الأسرة العربية مقبلة على تحديات كبرى

المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي ترى أن الأسرة في الغرب ليست نموذجا إيجابيا وأن وباء كورونا كشف عيوبها الخطيرة

ترفض العمادي فصل قضايا الأسرة كما في الغرب (الجزيرة)
الدكتورة شريفة العمادي: نستعد لعقد مؤتمر دولي هذا الشهر يناقش تحديات الزواج في الوطن العربي (الجزيرة)

ترى المديرة التنفيذية لمعهد الدوحة الدولي للأسرة شريفة العمادي أن الأسرة العربية مقبلة على تحديات كبرى تستدعي تضافر جهود المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني ومختلف الفاعلين من أجل حمايتها وتعزيز استقرارها، وكذلك توسيع دائرة النقاش المجتمعي حول كثير من القضايا المستجدة.

وقالت العمادي في حوار مع الجزيرة نت، إن معهد الدوحة الدولي للأسرة -عضو مؤسسة قطر- خلص في عدد من الدراسات والأبحاث التي أجراها خلال السنوات الماضية إلى أن مؤسسة الزواج في الوطن العربي تتأثر بشكل مباشر بالإكراهات الاقتصادية والاجتماعية، وبشكل غير مباشر بالعادات والتقاليد والقيم غير المفيدة.

وتؤكد العمادي الحاصلة على درجة الدكتوراه في مجال العلاج الأسري من جامعة مانشستر متروبوليتان في بريطانيا، وجائزة التميز العلمي لفئة الدكتوراه في عام 2009، على ارتفاع الوعي في المجتمع القطري بقضايا الزواج وتجنب أسباب الطلاق، رغم النجاح المحدود لبرامج التوعية ما قبل الزواج.

وفيما يلي نص الحوار:

  • كيف تعرف الدكتورة شريفة العمادي نفسها في كلمات، بدءا بسنوات الطفولة والدراسة؟

رأيت النور في منطقة وسط الدوحة قرب حي مشيرب، عشت طفولتي بتفاصيلها الكاملة والجميلة وسط أسرة ممتدة، درست في مداس قطر، وكبر بداخلي طموح جارف لتحقيق حلم والدي الذي كان يناديني دائما بالدكتورة، بحكم ميلي للتحليل أكثر من الحفظ.

أعترف أني كنت محبوبة بين صديقاتي ومدرساتي، ونلت أكثر من مرة صفة عريفة اجتماعية، بحكم انخراطي في حل مشاكل صديقاتي في فصول الدراسة، أحرص على علاقاتي الاجتماعية، ومحبة الناس والأسرة، وعنيدة جدا في تحقيق أهدافي.

  • بين علم النفس السريري والإرشاد الأسري، أين تجدين نفسك أكثر؟

أنا مرخصة في علم النفس السريري (الإكلينيكي)، رغم أن دراستي للماجستير والدكتوراه كانت في الإرشاد النفسي والأسري الذي يعنى بعلاج المشاكل النفسية والانحرافات السلوكية لدى الناس الطبيعيين، وليس المرضية كالأمراض العقلية، ولأن هذا التخصص نادر ومطلوب في قطر، فقد حرصت على أن أكون إضافة في هذا التخصص في بلدي.

 

العمادي ترى أن النقاش المجتمعي الهادف يساهم في تعزيز الأسرة (الجزيرة)
العمادي ترى أن النقاش المجتمعي الهادف يساهم في تعزيز استقرار الأسرة (الجزيرة)
  • تديرين معهد الدوحة الدولي للأسرة، أين يتجلى دور المعهد؟  وماذا أنجز؟

مسؤولية المعهد تنصب حول دراسة واقع الأسرة العربية وتشخيص مشاكلها والتحديات التي تواجهها وإصدار التوصيات اللازمة التي تدعم الأسرة، ثم رفعها إلى صناع القرار، وبحكم أنني عالجت حالات كثيرة، فقد وقفت عند اختلالات كبرى تتهدد مؤسسة الأسرة، في ظل غياب بعض البروتوكولات والسياسات اللازمة التي تضمن استقرارها واستمرارها.

وفي قطر، رسخ المعهد موقعه كمؤسسة مناصرة لقضايا الأسرة وامتد عمله إلى المنطقة العربية، من أجل إفادة واضعي السياسات المتعلقة بالأسرة بالدراسات المتخصصة التي ينجزها خبراء وباحثون في مجالات الأسرة، فمثلا شارك المعهد في وضع صياغة مقترح تأسيس اللجنة الوطنية للمرأة والطفل وكبار السن في قطر، وهو حاضر في اجتماعات محكمة الأسرة، وله صفة اقتراحية لصياغة سياسات توفق بين عمل المرأة والأسرة، وداعم للبرامج التوعوية التي تحمي مؤسسة الأسرة.

  • هل يستفيد صناع القرار في قطر والوطن العربي من تقارير المعهد؟

هذا حاصل فعلا، فقد أعد المعهد سلسلة دراسات في الوطن العربي أفادت صناع القرار في البلدان التي أجريت فيها، إما بشكل مفرد أو بالتعاون مع جامعة الدول العربية، فمثلا أصدرنا في عام 2020 تقرير حالة الزواج في الوطن العربي، وشخص فيه المعهد المشاكل والتحديات الكبرى التي تواجه الأسرة العربية، مع تضمينه التوصيات المطلوبة لتفعيلها حسب بيئة كل بلد.

وفي العراق، أفاد المعهد المسؤولين عن الشأن الأسري والاجتماعي بدراسة عن مسببات الطلاق، ولقيت توصياته طريقها إلى التنفيذ، إضافة إلى نقل الخبرات اللازمة لتأسيس مركز الإرشاد الزواجي، المختص في حل المشاكل الأسرية، انطلاقا من خبرة مركز "وفاق" في قطر.

كما نعكف حاليا على إنجاز دراسة متخصصة في جميع الدول العربية، حول سبل مواجهة المشاكل التي تهدد الزواج خلال السنوات الخمس الأولى، وفي هذه الدراسة سيتطرق الخبراء والباحثون في مجالات الأسرة إلى الحلول الممكنة، لتجاوز المشاكل وتمتين التماسك الأسري وحفظ الاستقرار.

  • تستعدون لعقد مؤتمر دولي هذا الشهر يناقش تحديات الزواج في الوطن العربي، لماذا عقد هذا المؤتمر الآن؟ وهل الأمر مرتبط بتقارير المعهد السابقة التي دقت ناقوس الخطر؟

في التقرير الذي أصدرناه العام الماضي عن حالة الزواج في الوطن العربي والذي بسطنا فيه كافة المشاكل التي تتهدد الأسرة، وقفنا عند حلول وتوصيات عامة رفعت إلى المسؤولين، لكن تعذر خلق نقاش مجتمعي حولها، إلا أننا اليوم نريد أن نعطي الكلمة للشباب ليناقش بكل حرية وصراحة ما جاء في التقرير.

نحن نريد سماع صوت جيل مختلف، يروي تجاربه من منظور محلي يتأثر بالتقلبات الاقتصادية والحروب، والتحديات التي فرضها وباء كورونا على العالم، نحن نرى أن هناك تحديات استجدت، ونريد الخروج بتوصيات تلائم الواقع، وتتطلع إلى المستقبل.

  • هل وضع الأسرة العربية على ما يرام؟ وما الذي يتهددها؟

عموما، وضع الأسرة العربية جيد، لكنها تمر بتحديات جمة تختلف من بلد عربي إلى آخر، فمشاكل المغرب العربي ليست كمشاكل المشرق، وأيضا في الدول التي فيها حروب وموجات نزوح وصراعات، ولهذا حرصنا على أن إنجاز الدراسات المتعلقة بالأسرة من طرف خبراء وباحثين ومتخصصين محليين، وللوقوف على تلك التحديات، أجرينا جلسات في 3 مناطق من الوطن العربي، فاخترنا المغرب نموذجا لسماع تحديات الزواج في دول المغرب العربي، والأردن نموذجا لدول المشرق، وقطر نموذجا لدول الخليج.

ووجدنا أن قضية الزواج تواجه تحديات مختلفة، بعضها اقتصادي وآخر اجتماعي، وبعضها مرتبط بالعادات والتقاليد والقيم غير المفيدة لمؤسسة الأسرة، وتأثير بعض الأفكار القديمة والحديثة المتعلقة باعتماد المرأة على نفسها وولوجها سوق العمل.

تعترف العمادي بارتفاع الوعي بدور الأسرة وحمايتها لدى الشباب القطري (الجزيرة)
العمادي تشيد بارتفاع الوعي بدور الأسرة وحمايتها لدى الشباب القطري (الجزيرة)
  • تخصصون حيزا مهما ضمن تقارير المعهد لمعالجة قضايا الأسرة في قطر، ما المشاكل التي تعيشها الأسرة القطرية تحديدا؟

أكثر شيء اهتم به معهد الدوحة الدولي للأسرة فيما يتعلق بقضايا الأسرة في قطر، هو إعداد بحوث تدرس أسباب ارتفاع نسب الطلاق خلال السنوات الأولى من الزواج، والقضايا المرتبطة ببناء الأسرة كارتفاع تكاليف الزواج مثلا، لكن أكثر شيء اهتممنا به، هو بحث سبل تحقيق التوازن بين عمل المرأة والأسرة، وهذا البحث لم نكتف بإجرائه على مستوى قطر فقط، بل أجريناه أيضا في سلطنة عمان.

كما بحثنا قضايا أخرى مرتبطة بالحضانة، وساعات العمل المرنة، ورفع أيام إجازة الأمومة بعد الولادة ومنح أسبوع للأبوة أيضا، وكلها توصيات ناصرنا فيها هذه الحقوق، وعرضناها على الجهات الرسمية التي أخذتها بعين الاعتبار لتحديث بعض السياسات.

  • متغيرات عديدة طرأت على المجتمع القطري خلال السنوات الأخيرة، هل واكبها ارتفاع الوعي بدور الأسرة القطرية واستقرارها؟

من خلال الدراسات التي نجريها في المعهد عن واقع الأسرة القطرية، نرى أن مستوى الوعي بدور الأسرة وحمايتها لدى الشباب قد زاد عن ذي قبل، وفي إطار رؤيتنا، فإننا نتوجه بشكل أساسي لهذه الفئة لأنها مادة بناء الأسرة، إذ لم يعد مقبولا إسقاط ما عشناه نحن على واقعنا، فقد لا يصلح لجيل اليوم، بحكم التطور المجتمعي والاقتصادي السريع في قطر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تغيرت بعض أنماط اختيار الشريكين لبعضهما البعض، اليوم أصبحت بعض الجامعات مختلطة بين الجنسين، وهما يتشاركان أيضا مكان العمل، وأصبح من الممكن الاختيار من هذين الفضاءين، وهذا لم يكن في السابق.

كذلك لمسنا ارتفاع الوعي لدى المجتمع القطري بعدم المبالغة في تكاليف الزواج، والتركيز على تعاون الزوجين، وارتفاع الوعي الأسري بتربية الأبناء، تفاديا لحدوث مشاكل سلوكية أو نفسية، وإجمالا يمكن القول إن مشاركة المرأة في الحياة المجتمعية أصبح قويا، وهناك وعي مشترك بين الزوجين بتحقيق التوازن بين الاحتياجات الأسرية والمهنية، وهنا أدعو جميع المؤسسات والأفراد في قطر أن يدعموا التماسك الأسري من خلال البرامج التوعوية لضمان استقرارها.

تنتقد العمادي غياب برامج بناء الأسرة السليمة في المناهج الدراسية (الجزيرة)
العمادي: خلال أزمة كورونا رصدنا عمل الرجل والمرأة من المنزل وتحديات دراسة الأطفال عن بعد (الجزيرة)
  • هل رصدتم أي تحديات واجهتها الأسرة القطرية خلال أزمة كورونا؟

خلال هذه الأزمة أعددنا دراستين نوعيتين للوقوف على التغييرات التي قد أصابت الأسرة جراء هذا الفيروس، وخلصنا بشكل عام إلى حدوث تغييرات إيجابية، فرصدنا مثلا انخفاض معدلات العنف الأسري، وانخفاض حدة المشاكل الأسرية، رغم بعض المشاكل العالقة كابتعاد أحد أفراد الأسرة بسبب وجوده خارج البلاد مثلا خلال فترة الإغلاق الشامل.

ومن التحديات التي رصناها أيضا، تحقيق التوازن بين العمل وواجبات الأسرة، وعمل الرجل والمرأة من المنزل وتحديات دراسة الأطفال عن بعد.

  • معدلات الطلاق لا تزال مرتفعة في الوطن العربي ومن بينها قطر، ما السبب في ذلك وفق البحوث الميدانية التي أجراها معهد الدوحة الدولي للأسرة؟

أعتقد أن الأسباب كثيرة، وهناك دراسات عديدة شرحت بإسهاب الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق في البلدان العربية، أما في المجتمع القطري، فيمكن إجمالها في انعدام الحوار الإيجابي بين الزوجين مثلا، وعدم إعداد الشاب والشابة قبل الزواج بالشكل المطلوب، وهذه مسؤولية الأهل بالمقام الأول، وأيضا عدم الاستفادة من برامج مركز "وفاق" للمقبلين على الزواج، ولهذا سنحرص في مؤتمرنا المقبل على إقرار إلزامية اجتياز هذا البرنامج من قبل المقبلين على الزواج، لأنه يعدهما بشكل صحيح لمؤسسة الأسرة.

من الأسباب أيضا، غياب برامج ودروس حول بناء الأسرة السليمة في المناهج الدراسية، وهذا جهد سنعمل على تأكيده أيضا في المؤتمر، وأعتقد أن بعض الأسر تهتم بتعليم أبنائها وتحترم حريتهم في الاختيار، لكنها لا تعدهم للزواج، وبعدها يتفاجؤون بمشاكل وأعباء لا يملكون الخبرة اللازمة للتعاطي معها، وهو ما يفضي إلى الطلاق غالبا.

تأمل العمادي في سماع صوت جيل مختلف حول قضايا الزواج (الجزيرة)
العمادي:  الدراسات التي أجريناها في معهد الدوحة أثبتت التأثير الكبير الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال (الجزيرة)
  • كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على دور الأسرة في التربية؟ وهل بلغ الأمر درجة الخطر؟

كثير من الدراسات التي أجريناها في معهد الدوحة أثبتت التأثير الكبير الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، لكن إذا رجعنا إلى أسباب ذلك، نرى مثلا أن الأب والأم يمضون أحيانا وقتا طويلا في وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا يحاكي الطفل نموذجا يراه أمامه، قد يفضي به إلى التأثر بأمور غير واقعية لا داعي لشرحها.

وكمتخصصة، لا بد من ضبط الأسر لسلوكيات أطفالهم، والاهتمام بالتربية الأولية، وتحبيبهم في أشياء معينة لها تأثير إيجابي على تفكيرهم ووعيهم منذ الطفولة، مع ضرورة محاورة الطفل في كل شيء، وتعريفه إيجابيات الأشياء وسلبياتها، حتى يترسخ لديه أهمية الحوار في كل ما يطلبه.

  • ما المطلوب خلال المرحلة المقبلة لتعزيز دور الأسرة العربية وحفظها من الهزات التي قد تتعرض لها؟

أتمنى أن تهتم السياسات بالأسرة كمكون واحد، وعدم الخضوع لتوجهات المنظمات الدولية التي تركز على كل عنصر في الأسرة بعينه، فنراهم يركزون على أبحاث الطفل والمرأة وكبار السن كل حدة، فقضايا الأسرة كتلة واحدة لا تتجزأ ولا تنفصل.

الأسرة في الغرب ليست نموذجا إيجابيا، وقد كشف وباء كورونا عيوبها الخطيرة، علينا الحفاظ على الأسرة ككيان ممتد ومتماسك، ومن المهم أن نتعاطى مع قضاياها كمنظومة، وندعم كل عنصر مع مراعاة باقي العناصر، وهذه مقاربة نوعية لازمة وتقع في صلب السياسات التي نقترحها للنهوض بواقع الأسرة العربية.

المصدر : الجزيرة