في ذكراها الـ48.. كيف شاركت المرأة المصرية في حرب أكتوبر؟

المرأة المصرية شاركت في حرب أكتوبر 1973 وما سبقها من معارك خلال حرب الاستنزاف (الصحافة العربية)

القاهرة- "تقول الحكيمة إصلاح محمد من القاهرة إننا لم نكن نخشى شيئا، وفي بعض الظروف حين تقل إمدادات الدم كنا نتبرع بدمائنا للجرحى"، بهذه الكلمات سرد المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع المصري الراحل، في مذكراته التي نشرها بعنوان "بطولات حرب رمضان"، ليؤرخ لأحد أدوار المرأة خلال الحرب مع إسرائيل.

ويضيف طنطاوي واصفًا ما جرى وقتها "أطباء وهيئة تمريض مستشفى السويس الأميري الذين بقوا يذودون عن مدينتهم ويقاومون محاولات العدو الإسرائيلي لاقتحام المدينة.. رغم وجود حوالي 200 سرير في المستشفى يخدمها طاقم من 20 طبيبا و78 ممرضة، فقد ظلوا يعملون 24 ساعة يومياً أثناء المعارك وما بعدها".

والواقع أن المرأة المصرية لم تكن بمعزل عن المشاركة ضد إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وما قبلها، إذ شاركت بصورة أو بأخرى خلال حرب أكتوبر وما سبقها من معارك في حرب الاستنزاف، سواء بالدور التطوعي في المستشفيات أو خلف الجبهة من خلال الدور الحربي والعسكري.

وشاركت كذلك في جمع التبرعات، حيث وصل عدد المتطوعات في الهلال الأحمر إلى 5 آلاف متطوعة حتى 15 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب كتاب "100 عام من العطاء الإنساني" الصادر عن جمعية الهلال الأحمر المصري.

فعلى سبيل المثال، تكونت العديد من اللجان النسوية للتبرع للجيش المصري، حيث شاركت العديد من النقابات، ومن بينها لجنة نسوية تضم 60 ألف عضوة في جمع تبرعات، وشاركن برواتبهن في التبرع للجيش بعد الهزيمة ضد إسرائيل في نكسة 1967، فيما عرف باسم "دعم المجهود الحربي".

وبحسب أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنيا الدكتور صابر عبد الباقي، فإن دور المرأة برز بشكل كبير على مر العصور خلال الحروب المختلفة التي مرّت على مصر، لافتًا إلى أنه في العصر الحديث تجلى دور المرأة خلال فترة ما بعد نكسة 1967 ومرورًا بحرب الاستنزاف التي بدأها الجانب المصري منذ بداية الهزيمة.

ولفت إلى أن دور المرأة الأكبر تمثل في التطوع وحملات التبرع بالمال والدم والعمل في المستشفيات لرعاية جرحى حرب أكتوبر من المرضى والمصابين، وكل ذلك لمساعدة الجيش المصري في عملية التسليح وإعادة البناء بعد النكسة واستعدادًا للحرب.

وأضاف صابر خلال تصريحات صحفية أنه كان هناك دور توعوي آخر قامت به المرأة عبر دعم القضية المصرية دوليًا، حيث جرى تشكيل لجنة "صديقات القلم"، وهي لجنة تختص بترجمة ما يتعلق بالقضية المصرية وإبراز عدالتها على المستوى الدولي، وإرسال هذه الترجمات إلى الاتحادات والمنظمات النسائية العالمية، ردا على المفاهيم المغلوطة التي حاولت إسرائيل بثها للعالم حيال ما قامت به مصر في الحرب.

فردوس.. سلام عسكري من القائد الأعلى للقوات المسلحة

ولا تتضمن قصص السيدات أفعالًا فحسب بل تضحيات أيضًا، وهذا ما فعلته السيدة فردوس فرحات، هذه السيدة النوبية التي أبت إلا أن تربي ابنها بعد أن تركها زوجها عقب مولد الابن صبحي الشيخ، لترعاه طوال عمرها وتحاول إنقاذه من مصير الفقر الذي كان ينتظرهم.

وأبت فردوس -في سبيل تربية ابنها- الزواج حتى تخرج وأصبح طيارا مقاتلا متطوعا في الجيش المصري، رغم كونه ابنها الوحيد، ليستشهد ويكرمها القائد الأعلى للقوات المسلحة رافعا أمامها التحية العسكرية لتضحيتها الغالية، وذلك خلال وجودها في مجلس الشعب لتكريم ذكرى ابنها وتكريمها.

وتتجلى بطولة صبحي الشيخ في أنه بعد اتمام إحدى المهام خلال حرب أكتوبر بإسقاط طائرتي ميراج، أبى إلا أن يحقق المزيد باقتحام دشمة رباعية لطائرات العدو بعدما لمح 3 طائرات فانتوم إسرائيلية في سبيلها للصعود، فاقتحم صبحي الدشمة بطائرته ودمر الطائرات الثلاث ودفع حياته ثمنا لهذا.

ويسرد الراحل حمدي لطفي المعروف بعميد المحررين العسكريين، في كتابه التوثيقي لأحداث حرب أكتوبر التي عايشها خلال عمله الصحفي "العسكرية المصرية.. فوق سيناء"، قائلا "حينما جاء أحد المقاتلين ليقدم للسيدة واجب العزاء قالت له: لا تحزن أيها الضابط من أجل ولدي، لقد حقق الله أمانيه كلها منذ اعتاد الصلاة والتحدث إليه قبل أن ينام. لقد عاش وحيدًا بلا أب يستمع إلى أحلامه، وكان الله بجانبه دائمًا، فراح ينجح ويتفوق في كل مراحل دراسته، ويُشفى من أمراضه قبل أن أجمع نقود العلاج، وفي معارك 1970، قال لي صبحي إن الله رفض أن يكرمه بالشهادة، ولما قلت له: هل تتركني وحدي؟ قال مندهشا: إن الله لن يتركك، بل إنه أعظم تكريم لقصة كفاحك معي، يهديه الله لك، إذا قبلني بين عداد الشهداء".

فرحانة.. شيخة مجاهدي سيناء

ويعيدنا الحديث حول المقاومة إلى السيدة فرحانة حسين، هذه السيدة السيناوية التي لقبت بشيخة المجاهدين في سيناء، لدورها ضد إسرائيل خلال فترة ما بعد نكسة 1967 واحتلال سيناء وحتى تحريرها.

وكانت فرحانة من قبيلة الرياشات، ولها 4 أبناء، تعيش بمنزل في الشيخ زويد بشمال سيناء، إلا أنها بعد أن انتقلت للقاهرة بسبب احتلال سيناء من جيش الاحتلال قررت الانتقام من العدو، لتنضم إلى منظمة سيناء العربية التي أنشأتها الحكومة المصرية وقامت بتدريبها العسكري، فكانت تستغل عملها في تجارة القماش وانتقالاتها من وإلى قلب سيناء في زرع القنابل وتفجيرها ونقل الرسائل من وإلى رجال المقاومة.

كما نجحت في نقل معلومات حول العدو الإسرائيلي، مثل نيته بناء مطار في قرية الجورة بالشيخ زويد، حيث نقلت صور ووثائق لمعسكرات بمنطقة ياميت وخريطة مطار الجورة.

وبحسب المجموعة "73 مؤرخين"، فإن لفرحانة دور مهم مكمل لدور محاربة العدو واستنزافه قبل بداية حرب أكتوبر، لما قامت به من أعمال متميزة نالت بسببها نوط الامتياز من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل أنور السادات بعد انتهاء الحرب.

وكان تفجير قطار للعدو في مدينة العريش يحمل معدات وبضائع لجيش الاحتلال بجانب بعض الجنود والأسلحة، أول عملية لفرحانة، حيث زرعت القنبلة قبل قدوم القطار ليتفجر بالكامل، وأعقب ذلك عمليات أخرى طالت سيارات للجنود بصحراء سيناء.

المثير أنه لم يعرف أحد من أهل المجاهدة فرحانة حقيقة ما كانت تقوم به من جهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي، ففي حوار لصحيفة الأهرام الحكومية  في أغسطس/آب 2011، مع ابنها شوقي سلامة، عقّب قائلًا "كنا لا نعرف عنها شيئاً، فكنا نسكن في إمبابة بجوار بعض أفراد أسرتنا برعايتنا ونحن صغار، ويتناوبون على إعداد الطعام لنا ظناً منهم أن أمي تتاجر في القماش في سيناء، لكي تلبي احتياجاتنا بعد أن انفصلت عن والدي وأصبحت هي المسؤولة عنا، ولم نعلم بما كانت تقوم به أمي من عمليات فدائية".

الست فاطوم وفلاحة فايد.. جهاد رغم القصف

ومن فرحانة إلى الست فاطوم في محافظة السويس، التي لم تكن تملك أي إمدادات غذائية في ظل القصف والأوضاع الصعبة في مدن القناة خلال فترة حرب الاستنزاف، ولكن هذا لم يثنها عن تقديم يد المعونة إلى رجال المقاومة بالسويس، فقررت ذبح 10 دجاجات لرجال المقاومة المصرية حسبما ذكر الكاتب الصحفي مصطفى عبيد في كتابه "هوامش التاريخ.. حكايات منسية".

وذكر عبيد في فصل الكفاح المسلح للمرأة المصرية، نقلا عن الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، أن السيدة فاطوم كانت تضمد جراح المقاتلين وتنقل الذخائر رغم القصف المستعر والظروف الصعبة في مدن القناة وخلال فترة ما قبل حرب أكتوبر.

ولا تختلف قصة الست فاطوم عن السيدة المعروفة باسم "فلاحة فايد" التي كانت تقيم كذلك بمدينة فايد التابعة لمحافظة الإسماعيلية، إحدى مدن قناة السويس، إلا أنها كانت بمثابة جاسوسة ضد الاحتلال الإسرائيلي، تنقل أماكن تمركز الآليات والمجنزرات في منطقة فايد وسرابيوم قبيل حرب أكتوبر.

ومن القصص المثيرة التي رواها المشير الراحل حسين طنطاوي في كتابه "بطولات حرب أكتوبر" عن هذه السيدة، أنها لم تكفها المخاطرة بروحها، بل أخذت ابنها معها لأماكن تمركز العدو وحملته على كتفها للتمويه، والأغرب أنها قامت بعملية الاستطلاع وطلبت قنابل أو أي سلاح يدمر دبابات العدو.

المصدر : الجزيرة + الصحافة المصرية + مواقع التواصل الاجتماعي