رغم ضنك العيش.. عراقية تنجح في إقناع آلاف الشباب بعدم الهجرة إلى الخارج

الناشطة سندس لطيف السيفي من محافظة البصرة جنوب العراق
سندس السيفي تخوض حوارات معمقة وطويلة مع الشباب لإقناعهم بالعدول عن الهجرة

يحزم الشاب العراقي جعفر عبد الحسن علي (36 عاما) أمتعته ويرتب وثائقه الثبوتية ويجري اتصالات مع أصدقائه لتوديعهم وإبلاغهم بعزمه الهجرة إلى خارج البلد، بسبب عدم توفر فرص العمل، وعدم القدرة على ضمان بناء مستقبل آمن له ولعائلته. وأثناء الاستعداد للسفر، يباغته اتصال هاتفي من ناشطة عراقية تطلب منه موعدا للقاء.

جعفر الذي أكمل دراسته في معهد إعداد المعلمين، يرى أنه صاحب رسالة بليغة وهي التعليم، لكنه بعد أن تخرج بات يصطف في طابور الباحثين عن العمل، ليركن شهادته فوق رفوف مكتبته، دون أن يتوقف عن مزاولة هوايته الأخرى التي يحبها وهي تحكيم مباريات كرة القدم في أفضل مباريات الدوري العراقي الممتاز، لكنه يرى في الهجرة سبيلا لتحقيق أحلامه وطموحاته.

ذهب جعفر ليتناول كوب القهوة مع الناشطة سندس لطيف السيفي في أحد مقاهي مدينة البصرة جنوبي البلاد، التي كرست جهودها فيه لإقناع الشباب بالعدول عن الهجرة، وهي مبادرة صعبة وتتطلب الجهد والوقت.

يقول جعفر "نجحت سندس في التأثير عليّ بأسلوبها النابع من حب الوطن، وإقناعي بالبقاء في البلد والعمل من خلال تخصصي على تنمية وتطوير المجتمع".

وحصل جعفر على فرصة عمل في وزارة الكهرباء، لكن ذلك لا يلبي طموحه، فبادر بتأسيس مشروع إنشاء معمل للأثاث المنزلي، في خطوة اعتبرها نقطة تحول في حياته.

الشاب العراقي جعفر عبد الحسن علي الذي كان ينوي الهجرة إلى خارج البلد
الشاب جعفر قال إن الناشطة سندس السيفي نجحت في التأثير على أفكاره وإقناعه بالبقاء لخدمة البلد (الجزيرة)

إقناع مباشر

جعفر ليس الشاب الوحيد الذي استطاعت الناشطة سندس إقناعه بعدم الهجرة في مدينة البصرة التي تقيم بها وفي المحافظات العراقية الأخرى، بل سبق لها أن تمكنت من إقناع عدد كبير منهم بالعدول عن هذه الفكرة، وبعضهم كانوا قد حجزوا تذاكر السفر أو اتفقوا مع مهربين للوصول إلى دول أوروبية، لكنها تمكنت من تغيير آرائهم بفضل خبرتها الطويلة في العمل مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ووسائل الإعلام.

وأسهمت الحوارات المفتوحة للناشطة سندس السيفي في إقناع الشباب والبقاء على تواصل معهم ومع عائلاتهم للوقوف على احتياجاتهم وتوفير فرص عمل لهم، بالتنسيق مع الدوائر الخدمية وبعض منظمات المجتمع المدني.

تقول سندس إنها تبذل جهودا مضنية في إقامة الندوات والمؤتمرات للتوعية وطرح مفاهيم صحيحة للمواطنة، رغم تدهور حالتها الصحية والأزمات التي تحيط بالبلد والعروض المغرية التي يتلقاها الشباب من أجل الهجرة.

وتفتتح الناشطة حوارات مطولة مع الشباب والعوائل وتمنحهم مساحة للتعبير عن آرائهم وإيصالها إلى المسؤولين والجهات المعنية لحل المشاكل التي تعاني منها هذه الشريحة.

وتقول "بالتسامح والأخوة ساعدت الأسر وبالأخص الشباب وأقنعتهم بالبقاء في وطنهم، لأن الخروج يعرضهم للذلة والإهانة.. لا يجدون الراحة والأمان إلا في بلدهم الأم.. لقد واجهت في بادئ الأمر صعوبة في إقناعهم والتخلص من فكرة الهجرة، وتحملت الكثير من الصعاب، ولكني حققت إنجازا عظيما بإقناع آلاف الشباب بعدم الهجرة في نهاية المطاف".

احمد حميد
أحمد حميد قال إن الناشطة سندس تزرع روح الألفة والمحبة بين كافة المكونات في المجتمع (الجزيرة)

أبرز العقبات

وتواجه الناشطات تحديات جسيمة خلال العمل المجتمعي، وعلى مستوى المطالبات في حقوق الإنسان، وبعضهن تعرضن للاغتيال والتصفية والتهديد والابتزاز والخطف. تقول سندس "لقد تعرضت الكثير من الناشطات العراقيات للعنف على كافة الأصعدة، كالتهديد والإهانة والإساءة والتشهير بهن، والنظر إلى المرأة بمنظار ضيق لا يليق بمكانتها".

يقول الشاب أحمد حميد الذي يشارك سندس في نشاطها التوعوي، إن لزميلته "دورا مهما في التصدي لحملات الهجرة خارج البلاد من خلال تذليل العقبات وزرع روح الألفة والمحبة، خصوصا لعوائل طائفة المندائية التي كانت على تواصل مستمر معهم، ونجحت في تثقيف الناس في وقت كانت الهجرة هدف كل شاب، واستطاعت إقناعهم بعدم السفر أو اللجوء إلى أوروبا، حيث شاركنا في نشاطات مختلفة فتحت آفاق تعاون مجتمعي بين مختلف الشرائح".

أما الباحثة الاجتماعية كفاية وحيد سلمان فتشير إلى تعدد أسباب الهجرة، فالظروف الاقتصادية والسياسية والمخاطر الأمنية تسهم في إشاعة ثقافة الهجرة بين الشباب، وتؤكد أن معالجة قضية الهجرة والتصدي لها يتم من خلال معالجة الوضع الأمني وفتح فرص العمل أمام الشباب وتنمية الاقتصاد.

لم تقف سندس عند تثقيف الشباب فحسب، بل كان لأفراد العوائل المسيحية والمندائية جزء من هدف التثقيف، خاصة لأولئك الذين لم يتخذوا قرارا نهائيا بالهجرة بعد، وأثرت كلماتها النابعة من الشعور الإنساني بقناعاتهم.

عدل جعفر عن نيته السفر إلى أوروبا بجهود الناشطة سندس السيفي الشخصية وبدون أي أن تتلقى أي دعم، ويفتخر مع صديقه أحمد حميد بمنجزها الإنساني وقدرتها على إقناع أبناء بلدها بعدم الهجرة، وتوفير فرص عمل وتأسيس مشاريع صغيرة للبعض منهم لضمان مستقبلهم.

المصدر : الجزيرة