الابتسامة رأس مالها رغم كثرة همومها ومتاعبها.. قصة أم علي بائعة السمك العراقية

لاتقرأ ولاتكتب ولكنها قيادية من طراز خاص.. بائعة السمك تقرير
أم علي لديها ولدان أحدهما معاق والآخر معتقل (الجزيرة)

أكافح من أجل عملي بعد وفاة زوجي الذي كان يعمل في الكشك ذاته، كما أعتمد على نفسي، ولا يمكنني الاعتماد على ولدي وحده في العمل، لذلك لدي إصرار رغم أني لا أعرف القراءة والكتابة، هكذا تصف بائعة السمك أم علي معاناتها وطريقة كسب قوتها.

تقول أم علي (56 عاما) إن بيتها بعيد عن مكان عملها وتستقبل زبائنها دوما بابتسامة وترحيب خاص، فهم رأس مالها الذي تعتمد عليه.

وتتابع "توفي زوجي منذ زمن، واضطررت للعمل حتى أعتمد على نفسي وأعيل عائلتي، لدي ولدان في العشرينيات، أحدهما معاق والآخر معتقل ظلما، وأقضي أكثر من 12 ساعة يوميا في بيع السمك".

وتقول "تزوج ولدي المعاق، وكنت أنتظر أن أجد الراحة، لكني وجدت المشاكل وسوء المعاملة من زوجته، وبذلك أصبحت أنزعج من بيتي، ووقتي أقضيه في السوق، ولدي معارف يهونون علي صعوبات الحياة، وتمنيت أن تكون لدي بنت ترعاني عند الكبر، إلا أن الله لم يرد لي ذلك".

وتواصل أم علي حديثها "أقضي معظم وقتي في السوق لتوفير لقمة عيش كريمة، وأذهب لرؤية ولدي المعتقل بين فترة وأخرى، وأعود حاملة الألم والحزن معي"، مشيرة إلى أنها تترك أحد العاملين في السوق بمحلها عند ذهابها لزيارة ابنها، وتؤكد أنها تحمل هما كبيرا للأيام التي تغيب فيها حرصا على زبائنها الذين يفتقدونها عندما لا يجدونها.

لدى أم علي منذ سنوات كشك صغير لبيع السمك في منطقة باب المعظم الشعبية وسط بغداد، وهي امرأة عراقية مميزة تستعمل صوتها لاستقطاب الزبائن، تعمل بمجاملة واحترام عالٍ مع كل من يزورها، ويعجب الجميع بتعاملها وأسلوبها المميز في كسب الزبائن الذين يقصدونها من أماكن بعيدة، ورغم أنها بائعة سمك فإنها تحرص على نظافتها وزينتها.

بائع السمك زياد محمد - المسقوف
زياد محمد يرى أن القوة والإرادة وراء نجاح أم علي في عملها (الجزيرة)

نزيهة ومصدر ثقة

تقول مدرسة اللغة العربية هناء أحمد في حديثها للجزيرة نت إنها "تقصد أم علي من مكان بعيد كونها امرأة من طراز خاص عصامية وقوية وذات خلق رفيع، تؤدي عملها بإخلاص فتنظف السمك وتقطعه كما أريد ولا تطلب أجورا إضافية، ولهذا أحب التعامل معها".

وتشير إلى أن "أم علي كريمة تضيفنا كلما ذهبنا لها مع ابنتي بالماء والشاي، ويعجبنا الحديث معها رغم بساطتها، واعتدت على الشراء منها منذ سنوات لنظافتها وأمانتها في عملها، فهي لا تغش وهذا مما تتميز به عن البائعين الآخرين، فضلا عن أنها تولي اهتماما خاصا بزبائنها بتقديم الضيافة رغم بساطتها، وهذا كله يجعلها محط ثقة لنا".

أما بائع السمك زياد محمد الذي يمتلك محلا مجاورا فيشير إلى أن "أم علي شأنها شأن الكثيرات من النساء القويات اللاتي دخلن سوق العمل بسبب ظروفهن وتكافح منذ سنوات لإثبات وجودها بنجاحها في السوق، وتصارع من أجل الحفاظ على زبائنها رغم ظروفها المادية الصعبة بالكشك المتواضع، إلا أن القوة والإرادة وراء نجاحها".

ويتابع "أم علي تحمل مسؤولية العائلة على الرغم من صعوبات الوجود في الأسواق الشعبية، فهي مثال مميز للنساء المكافحات في السوق ونفتخر بها جميعا، ورغم ظرفها المادي الصعب فإنها قدمت لي يد العون والمساعدة عدة مرات، وأنا شخصيا تعلمت منها الصبر وتحمل أجواء العمل المتذبذبة وغير المستقرة وتقبلها بصدر رحب لأجل كسب قوت يومي بالحلال".

الشمري ترى أن المهارات القيادية تكتسب من المحيط الخاص بالعمل (الجزيرة)

بيئة مشجعة

وتشير الباحثة المتخصصة في الإعلام الحديث خلود صالح الشمري إلى "أن المرأة دخلت سوق العمل الحر ونجحت فيه رغم صعوبته حتى إن كانت غير متعلمة، لأن أغلب المهارات القيادية تكون مكتسبة من المحيط الخاص بالعمل، لافتة إلى أن مهاراتها تتطور بشكل مستمر وتفوق مهاراتها مهارات الرجل القائد بحسب ما أثبتت الكثير من الدراسات".

وأضافت الشمري أن الظروف القاسية التي عاشتها النساء بعد الأزمات التي مرت بالعراق وتحملهن مسؤوليات إعالة العائلات جعلتهن يمارسن عدة أدوار في آن واحد، فأوصلن أنفسهن دون مساعدة من أحد إلى الاستقلالية المادية، وبعضهن ساعدن في بناء وضع اقتصادي متميز وأصبحن يغدقن كرمهن على الآخرين فربين الأولاد والأحفاد، وكن بمثابة الأم والأب ونموذجا في الحياة  والتميز.

أما الباحث المتخصص في مهارات القيادة والعلاقات العامة محمد عبد كاظم فيشير إلى أن "المرأة يمكن لها النجاح إذا كانت شخصيتها قوية ولديها طموح، مع تقبل المنظومة المجتمعية والدينية ذلك".

وأشار إلى أن للمرأة سمات تميزت بها منذ أيام الحرب العراقية الإيرانية ثم حرب الخليج ثم الحصار والغزو الأميركي للبلاد عام 2003، إذ خلفت آثارا متعددة تسببت في تحمل المرأة المسؤولية وإدارة العائلة وإعالتها والحرص على تربية أبنائها وتعليمهم.

وأوضح كاظم أن بائعات السمك نساء قويات بسبب نشأتهن في بيئة تشجع على العمل، ويؤكد أنه عندما تواجه المرأة صعوبات الحياة تكون شخصيتها قوية وشجاعة باعتبار أن بيئة الأسواق الشعبية متنوعة وتتيح التعامل مع شخصيات مختلفة فيتصرفن "بحنكة ولباقة وإيجابية لكسب رزقهن، رافضات الإسفاف والتحرش بقوة، ولا علاقة لمهارتهن بالتعليم أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي الذي ينتمين له".

المصدر : الجزيرة