كيف نقدم المساعدة النفسية للناجين من الزلازل؟

في منطقة غير متوقّعة هذه المرّة، استيقظ النّاس على خبر وقوع زلزال في دولة المغرب مساء الجمعة 9 سبتمبر وبشدّة بلغت 7.2 درجات على مقياس ريختر، حيث يقع المغرب ضمن حدود أحد الصفائح التكتونية التي تفصل بين شمال أفريقيا وأوروبا، الأمر الذي يتسبّب بوقوع الزلازل والهزّات الأرض بين الحين والآخر. لا يزال النّاس في حالة صدمة، خصوصًا وأنّ أرقام الضحايا لا تنفكّ بالتزايد ساعة تلو الأخرى، إذ حتّى اليوم الثاني من وقوع الزلزال ارتفع عدد ضحايا الزلزال عن الألفيّ قتيل ومثلهم من المُصابين والجَرحى، وهو ما يورث في نفوس المنكوبين الحزن والأسى والخوف، وكذلك الحال لدى كُلّ مَن يُتابع أخبار الزلزال عن قُرب. فكيف نتعامل نفسيًا مع فاجعة الزلزال؟ وما الذي يشعر به منكوبو الكوارث الطبيعية؟ وكيف يمكن لنا تقديم المساعدة والدعم النفسي والاجتماعي لهم؟ نسعى في هذا المقال للإجابة عن هذه التساؤلات وفق ما يقوله لنا علم نفس الكوارث والأزمات.

 

تحدث الزلازل نتيجة لحركة ألواح الغلاف الصخري المحيط بالأرض، ولا أحد يمكنه التنبؤ بالزلازل، لا أحد، قد يمنحنا علماء الجيولوجيا تصوّرات عامة عن المناطق المعرّضة للخطر، لكن لا إشارة واضحة ومؤكدة عن موعد وقوع أي زلزال أو مكانه. لكن ثمة طرق يمكن الاستدلال بها على أن شيئا خطيرا سيحدث قد يقع في مكان ما، منها أجهزة رصد الزلازل التي تقيس أي اهتزاز في سطح القشرة الأرضية طوال الوقت، حتى إن كان اهتزازا ناتجا عن حركة القطارات أو الشاحنات، ومن خلال هذا الرصد يمكن ملاحظة تغيرات قد تُشير إلى احتمالية وقوع هزة أرضية. من الاستدلالات الأخرى ظهور المنحدرات أو الشقوق أو التصدعات في جزء من القشرة الأرضية في أي مكان، أو اختلاف منسوب المياه في الآبار أو الخلجان، وأيضا تصاعد بعض الغازات مثل غاز الرادون في المناجم والمحاجر تحديدا.

 

في الأيام الأخيرة، انقلب العالم رأسا على عقب، تركنا جميعا، القريبين من موقع الكارثة أو البعيدين عنه، في حالة من الذهول والفزع بأن العالم معلق على طرف إبرة، نهاره شمسه مشرقة وليله أنقاض وعمليات إنقاذ وقياس لنبض الحياة. كل الصور التي تصلنا، كل المعطيات التي بين أيدينا تؤكد لنا أن العالم مكان يضج بالفجيعة، يتسرّب منا شعورنا بالأمان، نكتشف كم نعيش حياة واهية أينما كنا، الأرض تقرر ونحن نخضع لها رغما عنا، نفقد المقدرة على المحاولة، محاولة الفهم أو الاستيعاب أو تقبل أن ثمة أمورا لا سلطة لأي أحد عليها، نكتشف أن أحداثا كهذه تسلب من ثقتنا بأن الحياة معنى، تسلب منا أي إمكانية للتحلي بالصبر أو نظرةٍ إيجابية لما ينطوي عليه المستقبل.

كيف يساعد المختصون النفسيون؟

نأمل أن التبرعات المادية قد وصلت لكلّ محتاجيها، وأن يخفف مرور الزمن وطأة الفجيعة، لكن في هذا الدليل المبسط نحاول محاولة متواضعة أن نشرح كيف نقدّم المساعدة النفسية للناجين، وكيف يلعب المختصون النفسيون دورا جوهريا في استعادة المرونة النفسية، أمر يبدو مستحيلا لكن مطلوب في الوقت نفسه خلال هذا الظرف العصيب.

 

نظرا إلى أن الأطباء النفسيين مدربون بشكل خاص لمساعدة الناس على التعامل مع التوتر والقلق والمشاعر القوية، فبإمكانهم مساعدة الناجين من الكوارث والمتطوعين والمنقذين على استيعاب المشاعر التي تضرب بهم كالغضب واليأس والحزن والذنب. لا يقدم الطبيب النفسي علاجا في قلب الكارثة، بل يساعد الناجين على تعزيز قوتهم الداخلية وقدرتهم على الصمود للتكيف مع الأمر، يستمع إلى أحزانهم على فَقداهم ومخاوفهم من الحاضر والمستقبل. أيضا يساعد الطبيب أو المعالجُ النفسي الناجيَ على إدارة ظروف معيشته المؤقتة والتأقلم مع الملاجئ التي لا تمت بصلةٍ لحياته السابقة الطبيعية.

 

نظرا إلى أن المعالج قد يكون من خارج المنطقة التي حلّت بها الكارثة، بإمكانه تسهيل التواصل وتوفير المعلومات عن الموارد المتاحة وأماكن الوصول إلى الاحتياجات من الملابس والرعاية الطبية المطلوبة. أيضا يعرف على نطاق واسع الاحتياجات النفسية للناجين، ويتمتع بقدر واسع من المعرفة والفهم لما يمرون به، لذا يمكنه المطالبة باسمهم لما يحتاجون إليه وقد تغفل عنه المنظمات التطوعية التي تحاول المساعدة. يساعد المتخصصون أيضا الناجين في تعزيز مهارات المرونة للنجاة من الوضع الحالي، ومساعدتهم على تقبّل التغيير وحقيقة أنهم سيعيشون في حالة من التقلّب لفترة من الوقت، يعمل المختص مع الناجين لوضع خطط معقولة لتخطي الأمر أولا ثم بدء رحلة التعافي.

ما الذي يمرّ به الناجون بعد النجاة من الكوارث؟

  • فيض من المشاعر الكثيفة والمباغتة. من الطبيعي أن يشعر الناجي بالقلق والتوتر والحزن الشديد، لكنه قد يمر أيضا -حتى بعد مرور فترةٍ بعد الكارثة- بتغيّراتٍ حادة في مزاجه والانفعال السريع.
  • يتغيّر سلوكه وأفكاره تغيرا ملحوظا، يخزن عقله ذكريات الحدث وتتكرر كل حينٍ بنفس الوضوح، فتظهر أعراض جسدية مثل التعرق أو تسارع نبضات القلب. قد يتشوش دماغه فيجد مشقة في التركيز أو اتخاذ القرارات، حتى البسيط منها.
  • يتغيّر نمط النوم وتناول الطعام، قد يُفرط البعض في كليهما، أو يعاني البعض من فقدان الشهية والحرمان من النوم.
  • التحسس من البيئة المحيطة، مثل صفارات الإنذار أو الأصوات العالية أو الروائح النفاذة الحارقة، لأنها قد تُثير ذكريات الكارثة ومعايشتها لحظة بلحظة من جديد، وربما تأتي هذه المحفزات مصحوبة بمخاوف جديدة.
  • إحدى الاستجابات هي توتر العلاقات الشخصية، قد تتضاعف الخلافات بين أطراف الأسرة أو يتعمّق الصراع، وقد يحدث العكس أيضا مثل الانسحاب والانعزال التام عن الحياة.
  • يُسبب الإجهاد الناتج عن الكوارث أعراضا جسدية قد تتطلب الرعاية الطبية لتحجيمها، مثل الغثيان والصداع وآلام الصدر، وفي حال كان الناجي يُعاني من مرضٍ ما قبل الكارثة قد تتفاقم أعراضه وسط كل الهلع المحيط به.

كيف نُقدّم الدعم النفسي للناجين من الكوارث الطبيعية؟

  • أولا: ساعده على تقليل متابعة الأخبار

الأخبار في متناول يده على الدوام على مدار 24 ساعة عبر جميع المنصات. متابعة أعداد الضحايا أو أخبار المفقودين لن تزيده إلا قلقا وهلعا، وستجعله يسترجع الحدث مرارا وتكرارا. حاول منعه من الوصول إلى الأخبار ومساعدته على الانخراط في أنشطة الحياة الطبيعية وروتينها.

 

  • ثانيا: هَيِّئ له الظروف للحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة

قد يواجه الناجي صعوبة في النوم عقب وقوع الكارثة، أو قد ينام نوما متقطعا، لذا حاول ألا تدعه يذهب إلى سريره إلا وهو مستعد للنوم، ونَحِّ عنه أي أجهزة إلكترونية قد تزعج نومه، جنّبه شرب المنبهات قبل النوم بساعة على الأقل، إذا عجز عن النوم فحاول أن تتحدث معه عما يدور في ذهنه.

 

  • ثالثا: شجّعه على العودة لروتين حياته بالتدريج

ليس في الأمور الكبيرة مثل العمل والدراسة، بل في أصغر الأمور مثل مواعيد النوم ومواعيد تناول الطعام. سيُفيده إضافة أي نشاط ممتع أو ممارسة أي هواية يُحبها ويتطلع لفعلها لتُشتته عن الواقع، أيضا يحبذ إضافة أي نشاط حركي أو رياضي إن أمكن.

نظرا إلى أن كارثة كالزلزال تدمر شبكات الدعم المحيطة بالناجين، فإن التواصل حتى مع شخص واحد قد يُحدث فرقا في نفسيتهم ويعيد لهم شيئا من شعورهم بالأمان. (غيتي)
  • رابعا: انصحه بتجنب اتخاذ أي قرارات مهمة

ساعده على الامتناع عن اتخاذ أي قرارات حياتية مهمة وفيصلية، مثل السفر خارج البلاد أو تغيير وظيفته، لأنها تتطلب جهدا للتكيّف معها، وهو أمر شاق في أعقاب أي كارثة. ذكِّره أن مهمته الأساسية حاليا هي النجاة، نفسيا وجسديا، أن يستعيد جزءا من نظام حياته واتزان مشاعره، ومن المهم تسهيل هذه المهمة على نفسه قدر المستطاع.

 

  • خامسا: ساعده على استيعاب التغيرات وتقبّل الواقع

كما رأينا، تدمر الكوارث المنازل والمدارس وأماكن العمل والعبادة وتشل حياة سكان تلك المناطق لفترات طويلة، أَظهِر تعاطفك مع ما يمرّ به الناجون الذين فقدوا عائلاتهم وأحباءهم أو هم شخصيا تعرّضوا لإصابات جسدية ونفسية ستستمر معهم مدى الحياة. امنحه مساحة آمنة يشارك فيها أفكاره ومشاعره، أو ساعده على البحث عن الطريقة الأنسب للتنفيس عن غضبه وحزنه لأن كبت تلك المشاعر لن يجعلها سوى أكثر حدة.

 

  • سادسا: وفّر له معلومات عن أماكن المساعدة

نظرا إلى أن كارثة كهذه تدمر شبكات الدعم المحيطة بالناجين، فإن التواصل حتى مع شخص واحد قد يُحدث فرقا في نفسيتهم ويعيد لهم شيئا من شعورهم بالأمان. في حال كنت موجودا في مكان بعيد عمن تحاول مساعدته، حاول جمع معلومات عن الأماكن التي توجد فيها المساعدة وتصل لها التبرعات أو مجموعات الدعم أو المختصين الذين يعرضون تقديم الاستشارات المجانية، لأنه حتى مع توفر المساعدة قد لا يعرف طرق الوصول إليها من أثر الصدمة والانشغال بالفزع المحيط به.

 

  • سابعا: انصحه بمراجعة طبيب أو أخصائي نفسي للمساعدة

قد تشكّل تجربة وقوع الكارثة الطبيعية لأحدهم صدمة نفسية على المستوى العميق، ليس بالضرورة أن تظهر أعراض الصدمة النفسية خلال الأيام الأولى، قد يعاني الناجي بمرور الوقت من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل استرجاع قهري لصور الكارثة في ذهنه، أو قد تأتيه الكوابيس، وقد يظلّ لأشهر لاحقة سريع الانفعال وشديد الخوف، بالإضافة إلى أعراض أخرى مثل التبوّل الّلاإرادي أو الأفكار الاقتحامية والشعور المستمر بعدم الأمان. لذلك من الجيّد أن تأخذ بيده لمراجعة أخصائي نفسي للتحقّق من عدم وجود أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو الشعور بالفقد أو العجز عن التكيف أو خوض رحلة علاجية في حال وجودها.

____________________________________________

المصادر

  1. Coping Tips for Traumatic Events and Disasters,  (SAMHSA) U.S. Department of Health & Human Services, 2022
  2. What psychologists do on disaster relief operations? American Psychological Association, 2014
  3. How to Cope With Natural Disasters? Matthew Tull, Verywell Mind, 2020
المصدر : الجزيرة