مشاهد مؤلمة.. كيف نبقى على اطّلاع بما يجري دون أن نصاب بالانهيار وفقدان التركيز؟

ارهاق التعاطف
(الجزيرة)

منذ بداية الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، يتابع الناس من كثب ما يجري من أحداث وقصف وعدوان. وسواء أقرَّرت أن تذهب بنفسك لصفحات الأخبار أم لا، فإنك ستجد الجميع يتداول أخبار الحرب وعدد الشهداء والمناظر المهولة للشهداء الذين ارتقوا من شدة القصف والدمار. ولأن التعاليم الدينية تجعل المسلمين كالجسد الواحد، يهمّ أحدهم ما يهمّ الآخر، ويبتئس القريب لما يُؤذي البعيد، فإن الانعزال عن متابعة الأخبار بالمطلق وعدم الاكتراث يتناقض أخلاقيا مع مسؤوليات المسلم تجاه أخيه، وإن لم تجمع بين المتابع وبين مَن يرزح تحت العدوان أي رابطة عضوية كالدم أو القبيلة، لكنّ علاقة الأُخوّة الإيمانية بين المؤمنين تُمثِّل رابطة استثنائية تجمع بين مجموعات بشرية مختلفة حتى وإن تباعدت جغرافيًّا ومكانيًّا.

 

لا شك أن التعاطف ومراعاة مشاعر الآخرين من أسمى المشاعر الإنسانية، بل جزء من الإرث الجيني للبشرية، فهو ذلك الشعور الذي يجعلك تكسر أنانيتك وتؤمن بأنك مسؤول تجاه الآخر، وأن للآخر حقوقا عليك ينبغي إيفاؤها وتلبيتها بحسب الاستطاعة، فالتعاطف مع الآخر يُعَدُّ جوهر الإنسان -كما يرى شيلر-، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك القدرة على استخلاص ماهيته من الوجود، وهذا ما جعله مخلوقا فريدا له استقلاله الذاتي من جهة، واتصاله بجانبه الاجتماعي واندماجه في المجتمع من جهة ثانية. ولكن التعاطف غير المنضبط الذي لا يتبعه تخطيط عقلاني وسلوك حكيم غالبا ما يقود صاحبه نحو الاستنزاف العاطفي والتبلّد أو الإرهاق الشعوري الذي يتسبّب بدوره في فقدان التركيز، والتعطّل عن وظائف الحياة اليومية. هل يمكن أن يكون التعاطف عبئا على صاحبه؟ بالطبع! وهذا ما يُطلق عليه علماء النفس "إرهاق التعاطف" (Compassion Fatigue).

 

في هذا التقرير نضع بين أيديكم توصيات علمية قائمة على نصائح خبراء الصحة النفسية، فيما يتعلّق بمتابعة أخبار الحروب، دون أن نغفل في الوقت نفسه سياقنا الثقافي وانتماءاتنا القيمية والدينية، بحيث نقدّم مقاربة متوازنة بين الاهتمام الأخلاقي والتعاطف المسؤول مع إخوتنا في غزة، وبين الأساليب والتصرفات السليمة التي يمكننا اتباعها كي نحافظ على تركيزنا وأدائنا بالقدر المعقول.

 

ما ينبغي أن تعرفه عن التعاطف

لا يأتي التعاطف شعورا منفردا، بل يترافق التعاطف مع الشعور بالأسى والحزن، وأحيانا الإرهاق والألم بفعل الأحداث المأساوية التي يتابعها المرء
لا يأتي التعاطف شعورا منفردا، بل يترافق التعاطف مع الشعور بالأسى والحزن، وأحيانا الإرهاق والألم بفعل الأحداث المأساوية التي يتابعها المرء (الصورة: شترستوك)

قديما، قبل استحداث وسائل التواصل الاجتماعي، وفيما يخصّ ثقافتنا العربية، وقبل التوسّع العمراني والانتقال إلى المدن الحديثة، كانت المجتمعات والقبائل العربية شديدة التواصل فيما بينها، وكان كل جار يعرف حق جاره، يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، بل ويسانده إذا لزم الأمر. لاحقا، ومع نشوء المدن الحديثة واتّساع العمران وتعزيز الثقافة الفردانية، أصبح كل فرد منغمسا في شؤونه الخاصة، إلى الحد الذي بلغ بالفرد أن يجهل حتى مَن يسكن إلى جواره. هذا التحوُّل الاجتماعي لم يهيمن على جميع الأفراد والمجتمعات بالطريقة نفسها، وذلك لأن طبيعتنا العربية مجبولة على المروءة والشهامة، والثقافة الإسلامية للمسلمين تُملي عليهم الاهتمام بالمستضعفين ومناصرتهم ودعمهم وإغاثة الملهوفين، لذا فإن أيّ حدث يمسّ جسم الأمّة سرعان ما يتحوّل إلى طاقة تعاطف وغضب بلا تردد.

 

بحسب علم النفس لا يأتي التعاطف شعورا منفردا، بل يترافق التعاطف مع الشعور بالأسى والحزن، وأحيانا الإرهاق والألم بفعل الأحداث المأساوية التي يتابعها المرء، خاصة إذا ما تبع الشعور بالشفقة والعطف حالة عجز بفعل موانع تَحُول دون تقديم المساعدة. فدائما ما تكون لديه الرغبة المُلِحّة في مساعدة الآخرين وتخليصهم من معاناتهم، لكن لا تتيح الحياة لنا دائما إمكانية تقديم المساعدة المباشرة لهم، الأمر الذي يجعل الشعور بالتعاطف عبئا لا يمكن تصريفه بمساراته الصحيحة والطبيعية.

 

عرفت البشرية الألم والإرهاق المترافق مع حالة التعاطف والشفقة منذ وقت مُبكِّر، إذ يخبرنا المُؤرخ صموئيل موين أن إرهاق التعاطف أو إعياء الرحمة قديم قِدم الرحمة نفسها بوصفها ممارسة بشرية، ولكنّ المصطلح الذي نعرفه اليوم صاغته المؤرخة كارلا جويونسون لأول مرة عام 1992، وعرَّفه عالِم النفس تشارلز فيجلي بأنه "حالة من الإرهاق والخلل الناتجة عن التعرض لفترات طويلة من إجهاد التعاطف"، كما يمكن فهم إرهاق التعاطف بوصفه أحد أعراض "اضطراب الصدمة الثانوية" (STSD).

 

ويمكننا القول إن التعريف الأشمل لإعياء التعاطف هو أنه حالة من الإرهاق العاطفي والجسدي الناتج عن التعرّض المطول للصدمات أو مراقبة الأفراد المصابين بالصدمات لفترة طويلة. وتحدث هذه الظاهرة النفسية نتيجة لاستنزاف قدرة المرء على العطاء الشعوري، مما يؤدي إلى صعوبة قيام المرء بمهامه ووظائف حياته اليومية. لذلك من الشائع أن يحدث إعياء الرحمة أو إرهاق التعاطف مع مقدّمي الرعاية الصحية والعاملين بالوظائف التي تتطلّب التعامل مع أشخاص مصابين بصدمات نفسية أو حوادث جسمانية شديدة، وبالتالي فإنهم يتعرّضون بانتظام للصدمات أو بيئات عالية التوتر، كالعاملين في الطوارئ وخدمة المجتمع وتقديم الرعاية النفسية الطارئة وكذلك وظائف الدفاع المدني، كل هؤلاء أكثر عُرضة للإصابة بإعياء التعاطف.

ارهاق-التعاطف
(الجزيرة)

لماذا يحدث إرهاق التعاطف؟

لكي نفهم إرهاق التعاطف، ينبغي ابتداءً أن نفهم لماذا يحدث التعاطف نفسه في المقام الأول، وسنتناول ثلاثة تفسيرات أساسية لتشريح التعاطف، وهي التفسير النفسي، والتفسير الاجتماعي، والتفسير العصبي بحسب ما يخبرنا به علم الأعصاب.

 

يُعَدُّ التعاطف ركيزة أساسية في الذكاء العاطفي، ومَدخَلا إدراكيا كي يتعرّف الناس على طيف المشاعر المختلفة الذي يملكونه في ذواتهم، إذ ركّزت بعض الاكتشافات المبكّرة المتعلقة بموضوع التعاطف على فكرة مفادها أن الشعور بما يشعر به الآخرون يتيح للإنسان إمكانية اختبار مجموعة متنوعة من التجارب العاطفية. ويقول الفيلسوف آدم سميث إن التعاطف يسمح لنا بتجربة أشياء قد لا نكون قادرين على الشعور بها بشكل كامل بغياب التعاطف. لذلك، يتضمّن الشعور بالتعاطف أيضا التعاطف مع كل الأشخاص، سواء كانوا شخصيات حقيقية أو شخصيات خيالية. فالشعور بالتعاطف مع الشخصيات الخيالية على سبيل المثال يسمح للناس بخوض مجموعة متنوعة من التجارب العاطفية والأدبية والأحاسيس الجمالية التي يستحيل أن تحدث دون وجود تلك الشخصيات.

 

ثمّة تفسيرات اجتماعية للتعاطف بطبيعة الحال، إذ أشار الفيلسوف وعالِم الاجتماع هربرت سبنسر إلى أن التعاطف هو بمنزلة وظيفة تكيُّفية ويساعد في بقاء الأنواع، إذ يحفّز ظهور سلوكيات مساعدة الآخرين والإيثار وتقديم المَعونة، الأمر الذي ينعكس إيجابا على العلاقات الاجتماعية وتقويتها، فالبشر مخلوقات اجتماعية بطبيعتها، والأشياء التي تُحسِّن علاقاتنا مع الآخرين تفيدنا نحن أيضا بالضرورة.

 

كما يُعطينا علم الأعصاب أيضا نظرة على النشاط الدماغي والعمليات الإدراكية والمعرفية أثناء حدوث التعاطف، إذ أظهرت الدراسات أن مناطق معينة من الدماغ تلعب دورا أساسيا في طريقة الشعور بالتعاطف، بما في ذلك القشرة الحزامية الأمامية والفصّ الجُزيري. كما تشير الأبحاث العلمية إلى وجود استعدادات بيولوجية ومكوّنات عصبية أساسية مهمة للشعور بالتعاطف، وتحديدا ما يُسمّى بالخلايا العصبية المرآتية (mirror neurons)، التي يلعب تحفيزها في الدماغ دورا في القدرة على عكس وتقليد الاستجابات العاطفية التي قد يشعر بها الناس. وتشير أبحاث التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أيضا وبشكلٍ أكثر دقّة إلى أن "التلفيف الجبهي السفلي" يلعب دورا مهما في الشعور بالتعاطف، حيث إنّ الأشخاص الذين أُصيبوا بأضرار في هذه المنطقة من الدماغ غالبا ما يواجهون صعوبة في التعرّف على المشاعر التي تعكسها تعابير وجوه الآخرين.

 

إذا فهمنا أسباب حدوث التعاطف نفسه، فلماذا نُصاب بإعياء التعاطف إذن؟

يمكن لأي شخص لديه اتصال وجداني مع صدمة شخص آخر أن يتعرّض إلى تفاعل تلقائي مع التجربة المؤلمة للشخص الآخر من خلال عملية تُسمّى الصدمة غير المباشرة.
يمكن لأي شخص لديه اتصال وجداني مع صدمة شخص آخر أن يتعرّض إلى تفاعل تلقائي مع التجربة المؤلمة للشخص الآخر من خلال عملية تُسمّى الصدمة غير المباشرة. (الصورة: شترستوك)

يخبرنا تشارلز فيجلي، الأخصّائي في علم النفس والمعالج النفسي المختصّ بالصدمات، عن أثر التعامل مع المراجعين والعملاء الذين تعرّضوا للصدمات النفسية، حين يقول: "لم نتعرّض بشكلٍ مباشر لواقعة الصدمة، لكنّنا نسمع القصة تُروى بالحدّة نفسها، أو نسمع قصصا مماثلة في كثير من الأحيان، إن التعاطف هدية ولعنة في الوقت نفسه، إذ يعرّضنا التعاطف للمعاناة. نحن نشعر بمشاعر عملائنا، نختبر مخاوفهم، نحلم بأحلامهم. في النهاية، نفقد بريقنا من التفاؤل والفُكاهة والأمل. نحن نتعب. نحن لسنا مرضى، لكننا لسنا أنفسنا".

 

يمكن لأي شخص لديه اتصال وجداني مع صدمة شخص آخر أن يتعرّض إلى تفاعل تلقائي مع التجربة المؤلمة للشخص الآخر من خلال عملية تُسمّى الصدمة غير المباشرة أو الإجهاد الثانوي، الأمر الذي يُحدِث أعراضا نفسية لدى الشخص المتعاطف كما لو أن معاناة الشخص الآخر قد حدثت للشخص المُتعاطف بشكلٍ مباشر، وهكذا كلّما تعرّض شخص ما لألم شخص آخر وتعاطف معه وجدانيا وشعوريا، زاد احتمال شعوره باليأس والعجز والإحباط.

 

أدّى وجود وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها وسرعة وصول الأخبار ومتابعة الأحداث في لحظة حدوثها نفسها إلى فقدان معظم المُشاهدين والقرّاء القدرة على إدارة المشاعر والانفعالات وضبطها، الأمر الذي يجعلهم يشعرون كما لو أنهم في حالة انهيار دائم لالتحامهم لا شعوريا مع صاحب الكارثة والضحايا بشكلٍ متزامن.

 

تلعب الضغوطات المتعدّدة في حياتنا دورا أساسيا في قدراتنا على التعاطف. يملك معظمنا نحن البشر كمية محدودة من الطاقة للقيام بالمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقنا على المستوى اليومي، بالتالي إذا كان هناك أحداث ساخنة تتابعها طوال الوقت، فإن هذا سيتسبّب بعد فترة في عدم القدرة على الإنتاجية بكفاءة، الأمر الذي سيعقبه حالة نفسية من عدم الرضا والشعور بالذنب والتقصير، ممّا سيؤدّي في المحصّلة إلى الوقوع في إرهاق التعاطف.

 

كيف أحمي نفسي من الوقوع في إرهاق التعاطف؟

تكمن الخطوة الأولى لعلاج إرهاق التعاطف في تجنّب حدوثه بالأساس، وذلك عبر تعميق فهمك لنفسك، وإدراكك لقدراتك التعاطفية
تكمن الخطوة الأولى لعلاج إرهاق التعاطف في تجنّب حدوثه بالأساس، وذلك عبر تعميق فهمك لنفسك، وإدراكك لقدراتك التعاطفية. (الصورة: شترستوك)

الشعور بالآخرين هو حالة وجدانية وحالة عاطفية، والناس تختلف تماما في تفاعلها مع الأحداث؛ فهناك المتبلّدون، وهناك مَن يتأثّر بشدّة لدرجة تؤثّر على حياته، ويحثّنا ديننا الحنيف على الوسطية في كل شيء، فلا إفراط ولا تفريط، فلا ينبغي أن نترك مشاعرنا تؤثّر علينا للدرجة التي تعوقنا عن فعل الصواب وتقديم المعونة الحقيقية. لذلك يحذر علماء النفس من الوقوع في براثن التعاطف التي تقودك إلى حالة من الاحتراق والشعور بالعجز والقهر.

 

لا شك أن التشريع الإسلامي جاء واضحا بَيِّنًا حول علاقة المسلمين ببعضهم بعضا، مع وجوب التوادّ والتراحم والتعاطف فيما بينهم، كما جاء في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: "مَثَلُ المؤمنين في تَوادِّهِم وتَراحُمِهِم وتَعاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكى منه عُضوٌ تَداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمّى"، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا". من هنا ينبغي التوازن بين التعاطف وبين عدم الوقوع في فخّ العجز وفقدان الفاعلية نتيجة الإفراط في التعاطف.

 

تكمن الخطوة الأولى لعلاج إرهاق التعاطف في تجنّب حدوثه بالأساس، وذلك عبر تعميق فهمك لنفسك، وإدراكك لقدراتك التعاطفية وما يمكنه تثبيطك واستنزافك في مقابل ما يمكنه تحفيزك وتنشيطك، وتحديدك للظروف التي تدفعك للعمل والإنجاز بأفضل كفاءة ممكنة. وإليك بعض الخطوات والنصائح الأساسية لتفادي الجانب السلبي من التعاطف وتعظيم الجانب الإيجابي فيه:

 

  • أولا: أدرِك حدودك وحدود تأثيرك بالأحداث
أدرِك حدودك وحدود تأثيرك بالأحداث
(الصورة: شترستوك)

رغم صعوبة الأحداث وثقلها على قلوبنا، فإن إيماننا بوجود حكمة الله فيما تسري عليه الأمور هو البوصلة التي تُعيدنا إلى اتجاهنا الصحيح للتوازن النفسي. بطبيعة الحال أنتَ إنسان، لستَ إلها، ولا يمكنك تغيير مجرى الأمور أو منع حدوثها أو العودة بالزمن لتغيير مسارات الأقدار. حين تدرك هذا، ينبغي أن تتخلّص من الشعور بالذنب على الصعيد الشخصي حيال ما يجري من أحداث في هذا الكون. يساعدنا التسليم بأقدار الله واستيعاب حدوثها رغم إيلامها على النضج والانتقال إلى الأسئلة الأكثر فاعلية وإيجابية بدل الغرق بالأسئلة السلبية التي تجعل الإنسان أكثر تعطُّلا وتسويفا.

 

  • ثانيا: اعتنِ بنفسك كي تستطيع الاعتناء بالآخرين

غالبا ما يشعر الأشخاص المعنيّون بتطورات الأحداث بأنهم لا يملكون الوقت لأنفسهم، لذلك فإن أفضل مكان للبدء هو الاعتناء بنفسك، وذلك لأنه لا يمكنك تقديم الخدمات للآخرين بكفاءة وجودة إن كنت مُستنزَفا عاطفيا ومُجهدا على المستوى الوجداني من هول الأخبار والإغراق بالشعور بالأسى والتألّم. وفي حال كان ذلك ممكنا، خذ استراحة لبعض الوقت بعيدا عن أعمالك والتزاماتك أو حتى عائلتك، سيساعدك ذلك على الهروب من الضغط المستمر، واحرص على وجود فترات راحة يوميا ولو كانت قصيرة، إذ ستساعدك على التخلص من الأفكار والمشاعر السلبية، وتزودك بطاقة إضافية للعطاء وتقديم المساعدة بشكل أفضل. كما يجب الحصول على قسط كافٍ من النوم، مع الحرص على تناول وجبات صحية وممارسة الرياضة والتأمل.

 

  • ثالثا: ضع حدودا لرغبتك في معرفة الأخبار

إن الابتعاد عن الهاتف المحمول ووسائط التواصل الاجتماعي لفترة وجيزة قد يساعدك في الحصول على فترة من الهدوء والتفكير في صحتك وحياتك. هذا لا يعني الانعزال عن الأخبار وعدم الاكتراث بما يجري، فهذا لا يليق أساسا مع مسؤوليتك الأخلاقية تجاه الضحايا، ولا ينسجم مع تعليمات ديننا الحنيف. ما نقوله هنا إن ما عليك فعله هو أن تضع سقفا لكمية الأخبار التي تتلقّاها خلال اليوم، ولعدد المرات التي تتصفّح فيها المقاطع المرئية للكارثة أو الحرب، بحيث تقرّر أنك ستشاهد الأخبار مرتين خلال اليوم، مرة نهارا ومرة مساء، ويُفضَّل ألا تكون هذه الفترات قبل النوم مباشرة أو بعد الاستيقاظ مباشرة، كي لا تؤثّر بشكلٍ حاد على الكفاءة النفسية عند النوم أو عند العمل.

 

  • رابعا: فكِّر في تسخير إمكاناتك والموارد التي تملكها
3rd aid convoy crosses Egypt’s Rafah crossing to Gaza- - KHAN YUNIS, GAZA - OCTOBER 23: Members of Palestine Red Crescent Society organize supplies of humanitarian aid for Palestinians sent by World Health Organization (WHO), after entering Gaza through Rafah border crossing on the Egyptian border in Khan Yunis, Gaza on October 23, 2023. Two convoys of 34 aid trucks had already entered Gaza from Egypt in the past two days.
(الصورة: الأناضول)

ثمّة أشكال متعدّدة لتقديم المساعدة في حالة الكوارث والحروب، إمّا بشكلٍ مؤسّساتي عن طريق البحث عن الجهات المعنية والفرق التطوّعية والوجهات الخيرية والمنظمات المدنية، التي غالبا ما تعرض برامج ومسارات تطوّعية لتقديم المساعدة في الأزمات والحروب والكوارث، فسارِع لتخصيص جزء من وقتك للمساعدة الفعلية. يملك الأفراد أيضا خيار المساندة الفردية عبر الاستثمار بالقدرات المعرفية، فإذا كنت صاحب رؤية واضحة ووعي وفكر، فيمكنك تسخير كل هذا للدفاع عن قضيتك ودفع الرأي العام لتغيير توجهاته، عبر كتابة المحتوى الجادّ والنّوعي الذي يسهم في مساندة رأي الضحايا ويتلاءَم مع واقعة القهر أو الحرب، وتوجيه هذا الخطاب للجهات الدولية والمسؤولين والفاعلين محليا.

 

  • خامسا: اطلب المساعدة عند الحاجة

يحدث أحيانا أن تخرج الأمور عن السيطرة، ففي بعض الأحيان قد يؤثر تعاطفنا مع الآخرين على علاقتنا مع العائلة والأصدقاء، وعلى وظائفنا ودراستنا، والمهام الأساسية في حياتنا. إذا قمت بكلّ الخطوات السابقة ولم تستطع تقديم الرعاية الصحية لنفسك، فالجأ إلى الطبيب النفسي أو تحدّث مع مُقدّم الرعاية النفسية الخاص بك، حيث سيساعدك المختص النفسي على رؤية الأمور بشكل أفضل، ويزودك ببعض الحلول المهمة للتغلب على إرهاق التعاطف.

 

أخيرا، إن التعاطف هو بوابة الإيثار، وهذا الفهم ضروري لتحقيق معنى أن تكون إنسانا، فالتأثيرات تمتد من تفاعلاتنا الشخصية اليومية وحتى السياسات العالمية، فبالتعاطف يمكننا معرفة مدى قوتنا في رفع المعاناة عما يشعر به الآخرون، ولكن لنكن حذرين حتى لا نصابَ بإرهاق التعاطف الذي من شأنه أن يؤثر على حياتنا ويعوق من قدرتنا على مساعدة الآخر.

 

أدوات قد تساعدك

  • أداة (1): تطبيق المرونة المحفّزة Driven Resilience 
تطبيق المرونة المُحفّزة
(الصورة: مواقع التواصل)

يُعَدُّ تطبيق المرونة المُحفّزة (Driven Resilience) من الحلول المُصمّمة وفق تقنية الذكاء الصناعي التي توفّر التدريبات عبر نموذج "PR6″، وهو نموذج يتكوّن من سداسية مفاهيمية، تعمل عبر التفاعل المستمر لتحسين الصحّة النفسية والكفاءة الاجتماعية للأفراد. قد يفيدك هذا التطبيق لتحسين مهاراتك لتجنب الوقوع في إرهاق التعاطف.

 

يبدأ التطبيق بالقياس من خلال استبانة سريعة لقياس المرونة مدّتها 3 دقائق.واستنادا إلى نتائج القياس، تبدأ دورة تدريبية شخصية ذاتية السرعة.يتم التدريب عبر مجالات المرونة الستّة، ولكلٍّ منها محادثات يومية قصيرة وفريدة من نوعها تعمل على بناء مهارات المرونة الصحية.يوفّر التطبيق أنشطة يومية تفاعلية وتقنيات مفيدة يمكن استخدامها حسب الحاجة.ويقدّم التطبيق المساعدة عند الحاجة من خلال الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

 

  • أداة (2): مقياس إجهاد التعاطف

هذه الاستبانة المُكوّنة من 66 بندا هي النسخة العلمية المحدّثة والأكثر شمولا للتقييم الذاتي للإصابة بإجهاد التعاطف، تُبنى هذه الاستبانة على بنود الإقرار الذاتي والأسئلة ذات التوجّه الإيجابي التي تهدف إلى قياس الرضا عن العطف والتّعب، وهي متوفّرة بهذه الصيغة غير المترجمة للعربية مع دليل في النهاية لاحتساب النتيجة.

————————————————————————————

المصادر

  1. Compassion Fatigue: Signs, Symptoms, and Consequences
  2. Compassion Fatigue: The Toll of Caring Too Much
  3. Compassion Satisfaction and Fatigue – CSF Test
  4. How to Prevent and Treat Compassion Fatigue + Tests
  5. Signs of compassion fatigue to watch out for
  6. What Is Compassion?
  7. قيمة التعاطف عند ماكس شيلر، سماح عبدالحكيم سيّد مصطفى. مجلّة كلّية الآداب (2020)
المصدر : الجزيرة