كيف تحضّر نفسك لجلسة العلاج النفسي الأولى؟ وماذا تتوقّع منها؟

تعاني من مشكلة نفسية، ووجدتَ الطبيب أو المعالج المناسب، حان وقت الذهاب إليه، كل شيء واضح، لكن… حسنا، يبدو الأمر أصعب مما توقّعت، فالقلق والخوف يستولي عليك في هذه التجربة الجديدة. كيف تهيّئ نفسك لجلسات قد تُسأل فيها عن أعمق أسرارك وأهم أحداث حياتك؟ وماذا سيفعل الطبيب النفسي أصلا لكي يشفيك؟ كيف يمكن لكلام المعالج بحد ذاته أن يكون علاجا؟ يبدو الأمر ضبابيّا ومشتّتا، أليس كذلك؟ ما حقوقك الأساسية في العيادات النفسية؟ وماذا يمكن لك أن تتوقع في جلستك الأولى مع الطبيب أو المعالج؟

 

أسئلة كثيرة تجوب عقول الكثيرين عند اتخاذهم قرار الذهاب إلى الطبيب أو المعالج النفسي. فهل اتخذوا القرار الصائب؟ وكيف لهم أن يعرفوا ملامح ما ينتظرهم في الجلسات ليهيّئوا أنفسهم وتوقعاتهم له؟

 

في هذا المقال، نشرح بعض الأسس التي يمكن أن تعين الإنسان على معرفة ما ينتظره في جلسات العلاج النفسي وكيف يمكن أن يهيّئ نفسه وتوقعاته لتكون التجربة أكثر سلاسة وفائدة.

ما يجب أن تعرفه عن جلسة العلاج النفسي

إنّ من أهم ما يمكن الحديث عنه قبل الذهاب لأي طبيب أيّا كان تخصصه، هي الحقوق الأساسية التي يتمتّع بها المريض والتي تشكّل حجر أساس للمقابلة الرسمية مع المتخصص. في العلاج النفسي، تزداد أهمية الوعي بهذه الحقوق لاعتبارات كثيرة، وفي الرسم التوضيحي أدناه تجدّ أهمّ هذه الحقوق.

هذه ليست حقوق المرضى الوحيدة، لكنها الأكثر حضورا وشيوعا، والتي يترتّب عليها الكثير من الأشياء لدى المضيّ في العملية العلاجية. وهناك بعض الاستثناءات لهذه الحقوق، لكنها قليلة وتُطبّق في حالات معيّنة مثل الطوارئ أو وجود خطر على حياة المريض أو شخص آخر أو فقدان الأهلية لدى المريض.

 

لا تخجل أبدا من حرصك على تحقّق هذه الشروط، وتأكد أنها حقوق تعكس أخلاقيات الطب الأساسية، ومتّفق عليها في جميع أنحاء العالم في الممارسة الطبية بشكل عام والطبية النفسية بشكل خاص.

 

تشكّل الجلسات الأولى أساسا مهمّا للعملية العلاجية، فهي التي تحدّد شكل العلاقة بين الطبيب/المعالج والمريض، وهي التي تكوّن الانطباعات الشخصية الأولية والانفعالات المبدئية التي توجّه العملية ككلّ.

 

سيحرص المتخصّص في الجلسة الأولى على الترحيب بك ومعرفة التفاصيل العامة عن سبب قدومك وشكواك العامّة، وسيسألك عن بعض الأعراض المهمّة وعن تاريخك المرضي (العُضويّ والنفسي)، وكذلك سيستفسر عن بعض المعلومات المتعلقة بشخصيتك وعلاقاتك مع الآخرين من حولك. ولا بدّ له أيضا من أن يفحص حالتك المزاجية وسلوكك العام ووظائفك الإدراكية وطريقة كلامك وتفكيرك. هذا كلّه ليضمن تشخيصا صحيحا للحالة، فهي أهم خطوة؛ بسبب ما ينبني عليها لاحقا من خطة علاجية كاملة.

 

وتعتمد فترة العلاج على التقييم المبدئي للحالة الذي سيمنح الطبيب/المعالج قدرة على التنبؤ بالمدة المتوقعة، إلّا أنه لا يستطيع الجزم بها إلا في الجلسات اللاحقة ولدى مراقبة تحسّنك من عدمه. تختلف الدراسات في تقدير عدد الجلسات التي تتنبّأ بتغيير إيجابي ملحوظ في حالة المريض، لأنّ ذلك يعتمد أيضا على المرض الذي يتمّ علاجه، إلّا أن معظمها تقول بأن التغيير الملحوظ على الأعراض وسلوك المريض يكون بعد 12-20 جلسة تقريبا (على مدى 3-6 أشهر تقريبا)، ويقول معالجون آخرون (خصوصا روّاد مدرسة التحليل النفسي) أنّ التغيير الحقيقي والعميق في الشخصية يبدأ بعد 30-40 جلسة على مدى سنة على الأقل، خصوصا في الحالات الأكثر صعوبة، كاضطرابات الشخصية والمشكلات طويلة الأمد.

سواء كان حديثنا عن العلاج بالأدوية أو بالكهرباء أو حتى بتقنيات "التعديل العصبي (Neuromodulation)"، فقد أظهرت الدراسات أن معظم هذه التدخلات آمنة ومهمّة، وأنّها ليست خطيرة بحد ذاتها. (شترستوك)

يمتلك الكثير من الناس صورا نمطية ثابتة عن الطب أو العلاج النفسي، فيظنّ أحدهم أنه سيتمدّد على الأريكة ويتحدث لساعات طوال. بينما يعتقد آخر أن دواء نفسيّا سيكون في طريقه إليه مباشرة بعد الجلسة الأولى، وأن هذه الأدوية كلها تسبب الإدمان. بينما يؤمن آخرون بأن الطبيب النفسي قد يستخدم طرقا معيّنة في العلاج قد يصفونها بالخطيرة و"غير الإنسانية"، مثل العلاج بالكهرباء أو التنويم المغناطيسي.

 

والحقيقة أنّ الطب النفسي تطوّر تطوّرا كبيرا عبر السنوات، وما عادت التدخّلات العلاجية مقتصرة على شكل واحد، بل ولم يَعُد هناك تدخّلات خطيرة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فبجانب العلاج النفسي غير الدوائي (السايكوثيرابي)، وسواء كان حديثنا عن العلاج بالأدوية أو بالكهرباء أو حتى بتقنيات "التعديل العصبي (Neuromodulation)"، فقد أظهرت الدراسات أن معظم هذه التدخلات آمنة ومهمّة، وأنّها ليست خطيرة بحد ذاتها، خصوصا عندما يكون الاستخدام لفترات قصيرة من الزمن. فأعراضها الجانبية لا تتجاوز الأعراض الجانبية الموجودة في جميع الأدوية الأخرى التي تُستخدم في الطب، وقد تقلّ عنها في بعض الأحيان. إلّا أن هذا لا ينفي بطبيعة الحال ضرورة استخدامها في الزمان والمكان الصحيحين، وعدم الإفراط في الاعتماد عليها على فترات طويلة من الزمن، وهذا أمر يقدّره المتخصّص بشكل أفضل في كل حالة بالتأكيد.

 

يقدّر الطبيب أو المعالج حاجتَك من هذه التدخّلات بحسب الحالة وتقديره لاستجابتك لأيّ منها، وقد يوجّهك إلى متخصص زميل آخر لكي تحصل على رعاية مزدوجة من متخصصين في الوقت نفسه (طبيب ومعالج مثلا). وقد تستخدم طريقة واحدة غير دوائية حتّى في علاج مرض معين، على سبيل المثال أوصت هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية مؤخّرا باعتماد جلسات العلاج المعرفي السلوكي وممارسة التأمل لعلاج الاكتئاب الخفيف بدلا من الأدوية، إلا في حال تفضيل المريض الدواء على الجلسات النفسية. وهكذا، تختلف التوصيات باختلاف الأمراض وشدة الحالات وتقدير الطبيب أو المعالج.

لماذا من المهم التهيّؤ لجلسة العلاج النفسي الأولى؟

خَلُصت دراسات عديدة على مدى السنوات إلى أنّ توقّعات المريض تلعب دورا محوريا في تنبّؤ نتائج العلاج، وفي تنبّؤ رضا المريض عن هذه النتائج أيضا. (شترستوك)

حسنا، ربّما يتساءل أحدهم عن سبب الحاجة للاستعداد لزيارة الطبيب أو المعالج، فهي في نهاية الأمر كزيارة أي طبيب ولا داعي للاستعداد الخاص لها. وفي الحقيقة، تحمل وجهة النظر هذه كثيرا من الحقيقة، فالطب النفسي أصبح فرعا عن الطبّ كأيّ فرع آخر. إلا أنّ الحاجة للاستعداد والكتابة عن موضوع الاستعداد أصلا تنبع من أنّ هناك كمّا هائلا من التصوّرات الشائعة الخاطئة عن المجال النفسي ككلّ، وقد تسبّب هذه التصوّرات إشكالات كبيرة خلال العملية العلاجية، فهي تشكّل آمالا غير واقعية أحيانا عن قدرات الطبيب/المعالج، أو خوفا من العملية العلاجية، أو توقّعات بالتحسّن السريع بسبب الخلط بين العلاج النفسي وممارسات أخرى غير علمية مثل التنمية البشرية وغيرها مما يمنح الناس وهما بالتحسّن على المدى القصير. وهكذا، يجعل الاستعدادُ للجلسات الأولى بهذه المعرفة الأساسية المريضَ أكثر قربا للواقعية في آماله وتوقعاته من العلاج، بدلا من الخوف الشديد من جهة أو الإفراط في التفاؤل من جهة أخرى.

 

بالإضافة إلى ذلك، يشكّل هذا الاستعداد النفسي تدريبا جيّدا للإنسان لتقبّل طبيعة الحديث في الجلسات النفسية، فللحديث فيها خصوصية غير موجودة في أيّ حوارات إنسانية أخرى، فهي ليست كالحوار مع صديق ولا معلّم، وليست أيضا كالحوار التقني العملي واضح المعالم كما في الحديث مع المتخصصين في مجالات طبية أخرى.

 

خَلُصت دراسات عديدة على مدى السنوات إلى أنّ توقّعات المريض تلعب دورا محوريا في تنبّؤ نتائج العلاج، وفي تنبّؤ رضا المريض عن هذه النتائج أيضا. وقد وصل الأمر من الأهمية إلى حدّ تطوير أدوات خاصة في العقدين الأخيرين لقياس توقعات المرضى من العلاج النفسي؛ ما يعطي المتخصص قدرة أكبر على التفاهم مع المريض على الخطة العلاجية الأنسب.

 

وقد وجد بحثٌ نُشر عام 2010 أنّ السبب الرئيسي لنجاح العلاج النفسي هو أنّه فاق توقّعات المرضى بشكل إيجابي، بينما كان السبب الرئيسي لفشله لدى بعضهم هو أنّه خيّب آمالهم التي وضعوها فيه من الأساس. ووجد بحثان حديثان (2011 و2015) أنّ وجود إيمان لدى المريض بقدرة العلاج النفسي على تغيير الحالة للأفضل كان عاملا أساسيّا في بدء المريض للعلاج وفي النتائج الإيجابية له كذلك. وإذا علمنا أن ما نسبته 20% تقريبا من المرضى لا يلتزمون بالاستمرار في القدوم للجلسات النفسية، وأن جزءا كبيرا منهم لا يفعل ذلك بسبب عدم إحساسه بالفائدة المرجوّة التي تأمّلها في البداية؛ عرفنا أهمية وجود توقّعات واقعية ومناقشتها مع المعالج منذ البداية.

كيف تهيّئ نفسك للجلسة الأولى للعلاج النفسي وما بعدها؟

  • حاول تحديد مشكلتك والجوانب التي ترغب باستكشافها أو حلّها مع المعالج

إنّ من الجيد كخطوة مبدئية وتأسيسية أن تحاول وضع شكواك ومعاناتك في كلمات واضحة. كلّما حدّدتَ مواضع الخلل والمعاناة، كانت قدرة المعالج/الطبيب على مساعدتك أكبر. ممّا يُنصح به أيضا أن تهيّئ نفسك لشرح آمالك وتوقعاتك من العملية العلاجية منذ الجلسات الأولى، وأن تناقش هذا الأمر مع المتخصص بكل وضوح، وأن تخبره بالطرق التي تعتقد أن العلاج سيساعدك فيها (قد تكون مثلا: تغيير نمط معين من السلوكات لديك، تخفيف أعراض ما،… إلخ).

جميع المرضى يبدؤون العلاج النفسي لأنهم "يعانون"، وجميعهم يريدون "التحسّن"، إلّا أن تحديد المقصود بالمعاناة والتحسن سيُسهم بشكل كبير في صياغة خطة علاجية مناسبة لك.

 

  • تذكّر طبيعة العلاج النفسي ولا تتوقّع نتائج فوريّة

في ضوء ما ذكرناه في هذا المقال، تذكّر دائما أن العملية العلاجية النفسية ليست نزهة، فهي تشتمل على بعض اللحظات الصعبة، وهي تتطلّب التزاما دون رؤية نتائج مباشرة. ستمرّ بأوقات ممتازة وأخرى سيئة، ولا بأس في ذلك، بل هذا ما يجب أن يحصل، لكنّ الالتزام طوال هذه الفترة تحديدا، والشجاعة في مواجهة الجوانب المظلمة من الذات، والصبر على ما أحطتَ وما لم تُحِط به علما؛ هو ما يُراكم الأثر الصغير شيئا فشيئا، ويمنحك النتيجة التي ترغبها في النهاية.

لدى بدء العلاج ومنذ الجلسة الأولى، ستبدأ المشاعر والأفكار تتشكّل لديك عن معالجك وعن علاقتكما خلال العملية العلاجية. من المهم جدّا أن تراقب هذه المشاعر والأفكار، وأن تكونَ صريحا جدّا بمشاركته إياها. (شترستوك)

من المهمّ أيضا أن تتذكّر أن الطبيب/المعالج سيساعدك على حل مشكلات معينة، لكنّه لن يكون المنقذ أو المخلّص في كل جوانب حياتك، فأحد أهم أهداف العلاج النفسي هو بناء أو استعادة قدرتك المستقلة على اتخاذ قراراتك بنفسك وتحمل مسؤولياتك، وتطوير مهاراتك في حل المشكلات بشكل عام.

 

  • بعد بدء العلاج، راقب مشاعرك وأفكارك ولا تخجل

لدى بدء العلاج ومنذ الجلسة الأولى، ستبدأ المشاعر والأفكار تتشكّل لديك عن معالجك وعن علاقتكما خلال العملية العلاجية. من المهم جدّا أن تراقب هذه المشاعر والأفكار، وأن تكونَ صريحا جدّا بمشاركته إياها، حتى وإن بدوتَ غير واثق من ذلك. من المهم أن تكون مرتاحا في مشاركة أي شيء مع المعالج، وألا تخجل من السؤال أو إبداء الرأي، حيث إنّ العلاقة العلاجية بين المريض والطبيب/المعالج هي أحد الأركان الأساسية التي يجب الاهتمام بها بشكل كبير. ومن المهمّ طبعا أن تشعر بأنّه يحترم حقوقك الأساسية -بوصفك مريضا- طوال الوقت. من الجيّد أيضا أن تحضّر دفترا خاصا لديك لتدوين أفكارك ومشاعرك قبل الجلسات وبعدها، وكذلك لتتبّع حالتك النفسية وتطورك بشكل عام مع مضيّ الجلسات.

مقاطع مرئية قد تساعدك

(مقطع فيديو) ـ"د. أحمد أبو الوفا" متحدثا عن مدة العلاج وأهدافه وما يفعله الطبيب في الجلسات الأولى

  • (مقطع فيديو) مترجم لنموذج جلسة علاج نفسي باستخدام المقاربة العقلانية العاطفية لألبرت أليس
  • (مقطع فيديو)  مترجم لنموذج جلسة علاج استخدام المقاربة الإنسانية – كارل روجرز

 

—————————————————————————————–

المراجع والمصادر

  1. Constantino, M. J., Arnkoff, D. B., Glass, C. R., Ametrano, R. M., & Smith, J. Z. (2011). Expectations.
  2. Greenberg, R. P., Constantino, M. J., & Bruce, N. (2006). Are patient expectations still relevant for psychotherapy process and outcome?
  3. Constantino, M. J. (2012). Believing is seeing: An evolving research program on patients’ psychotherapy expectations.
المصدر : الجزيرة