مبادرة لتوجيه طلاب الجزائر نحو التخصصات العلمية يقودها باحث بجامعة أكسفورد

أطلق حمزة لبيض مبادرته حول توجيه الطلاب الناجحين لاختيار تخصصات علمية مناسبة في الجامعة، عبر "الشبكة العالمية للعلماء الجزائريين"، والتي لاقت تفاعلا ورواجا واسعا.

حمزة لبيض: حصولي على معدل منخفض في البكالوريا لم يكن عائقا لي في تحقيق النجاح (مواقع التواصل)

بمجرد الإعلان عن نتائج شهادة البكالوريا بالجزائر في 16 يوليو/تموز الجاري، وبداية تداول المنشورات الساخرة من الطلاب المتحصلين على معدلات قبول منخفضة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خرج الدكتور حمزة لبيض، الباحث الجزائري في جامعة أكسفورد، ليوضح أن حصوله على معدل منخفض في البكالوريا لم يكن عائقا له في تحقيق النجاح.

وأطلق لبيض مبادرته حول توجيه الطلاب الناجحين لاختيار تخصصات علمية مناسبة في الجامعة، عبر "الشبكة العالمية للعلماء الجزائريين" (International Network of Algerian Scientists) والتي لاقت تفاعلا ورواجا واسعا.

الجزيرة نت تواصلت مع حمزة لبيض، عبر تطبيق "تيمز" (teams)، وكان لنا معه هذا الحوار الذي يشارك عبره الطلاب مبادرته وقصة نجاحه الملهمة في مجال العلوم الفيزيائية.

لبيض: قصتي مع البكالوريا كانت الدافع الحقيقي وراء مبادرة توجيه الطلاب الناجحين في البكالوريا (مواقع التواصل)
  • أطلقتَ مبادرة لمساعدة الطلاب في اختيار التخصصات العلمية المناسبة في الجامعة، كيف جاءت فكرة هذه المبادرة؟

جاءت فكرة هذه المبادرة من تجربتي الشخصية، حيث نجحت في البكالوريا بأقل معدل قبول، وكانت علاماتي ضعيفة في الرياضيات 6.5 من 20، وفي الفيزياء 7.5 من 20، وكنت أتوقع أقل، ورغم ذلك أنا الآن باحث في جامعة أكسفورد في الفيزياء.

في الحقيقة أريد أن يفهم الطلاب أن العلامات المتدنية في البكالوريا ليست عائقا للنجاح في الجامعة، خاصة إذا كانوا يعرفون قدراتهم وميولاتهم جيدا، فشخصيا كنت أهتم بجانب البرهان في الرياضيات والفيزياء والبحث في أصل الأشياء وعدم التركيز على التمارين كما يفعل بعض الطلاب الذين يمكن أن يتحصلوا على علامات ممتازة في البكالوريا.

ولهذا عندما التحقت بالجامعة اخترت دراسة علوم المادة ثم تخصصت في الفيزياء، واستطعت تحقيق نجاح بارز، وكنت الأول في الدفعة، لأن في الجامعة يوجد متسع من الوقت وضغط نفسي أقل من البكالوريا، كما أنها تختبر قدرة الطالب على التفسير وبرهان القوانين والنظريات، وبالتالي كانت أحسن محيط بالنسبة لي.

وهكذا بمجرد حصولي على البكالوريوس سنة 2010 في علوم الفيزياء كنت أنهيت كل التحضيرات لمواصلة دراستي في فرنسا وخضت مشوارا علميا حافلا بعدها. ولأني بطبعي أحب نقل تجاربي وخبراتي للآخرين، وكنت أنشط أينما أحل في هذا الجانب، فإن قصتي مع البكالوريا كانت الدافع الحقيقي وراء مبادرة توجيه الطلاب الناجحين في البكالوريا.

تقوم المبادرة على توجيه الطلاب الناجحين في البكالوريا لاختيار التخصص المناسب في الجامعة (الجزيرة)
  • هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن تفاصيل هذه المبادرة وتفاعل الطلاب معها؟

تقوم المبادرة على توجيه الطلاب الناجحين في البكالوريا لاختيار التخصص المناسب في الجامعة، أطلقتها شخصيا في السنوات الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي كل مرة تصلني مئات الرسائل من الطلاب، وأحاول دائما الرد على معظمها، خاصة على الطلاب الذين أشعر أنهم في خطر ومهددين باختيار تخصص علمي غير مناسب لهم.

ومنذ سنة 2021 أصبحت المبادرة تحت غطاء الشبكة العالمية للعلماء الجزائريين، بعد انخراطي فيها. ونستضيف هذه السنة باحثين مختصين في العلوم الفيزيائية والكيميائية، يشتغلون في بريطانيا.

ونتطلع إلى تحقيق تفاعل كبير على غرار الطبعات السابقة، وقد تمكنا من مساعدة الطلاب على اكتشاف آفاق واسعة في تخصصات العلوم الفيزيائية والكيميائية من ناحية فرص العمل في المصانع أو البحث العلمي، وغيرها بعدما كانوا ينظرون إلى هذه التخصصات على أنها بدون مستقبل.

إن الهدف الأساسي الذي نعمل عليه من خلال المبادرة أن يفهم الطالب أن اختيار التخصص العلمي في الجامعة المبني على فرص العمل يكون اختيارا غير صائب، لأن منصب الشغل غير مضمون، في حين أن الاختيار المبني على قدراته ومؤهلاته يكون مضمونا لأنه يسمح له بالتميز وتحقيق الهدف الذي يريده وبالتالي الحصول على منصب شغل مرموق يفوق التوقعات.

اختيار التخصص العلمي في الجامعة المبني على فرص العمل يكون اختيارا غير صائب (مواقع التواصل)
  • ما الصعوبات التي واجهتك خلال هذه المبادرة؟

الصعوبة الأولى كانت محاولة جمع الباحثين لساعتين من الزمن نظرا لانشغالاتهم، ولكنّ الباحثين طبعا لديهم رغبة كبيرة في مساعدة الطلاب الجدد ويعملون ما بوسعهم لجعل اللقاء ممكنا، خاصة أن الإعلان عن نتائج البكالوريا وبداية التسجيلات الجامعية تكون صيفا؛ وبالتالي تتزامن مع فترة العطل لأغلب الباحثين.

لكن يمكن القول إنه قبل الانضمام إلى الشبكة العالمية للعلماء الجزائريين كانت إدارة اللقاء، والتحكم في الوقت، وإدارة الأسئلة والأجوبة صعبة، ولكن تحت غطاء الشبكة استفدنا من فريقها المحترف الذي سهل لنا إدارة اللقاء، فهم يقومون بكل شيء باحترافية ونحن نهتم بالمحتوى فقط.

  • هل ترى أن هذه المبادرة تمهيد لتطبيق مشروع مماثل لمشروع "بذور الباحثين" الذي أشرفت عليه في فرنسا؟

في فرنسا، هناك اهتمام كبير بتنظيم وتسيير الموارد البشرية، وقد تم اختياري لقيادة مشروع "بذور الباحثين" (Graines de chercheurs) عندما سجلت في جامعة "ران" لتحضير دكتوراه في "الفيزياء الفلكية المخبرية"، حيث حصلت على مراسلة من رئاسة الجامعة تخبرني فيها أن قصتي ومسيرتي العلمية ملهمة، وبالتالي يرغبون أن أكون ملهما لأبنائهم الذين يعيشون في مناطق "غير مثالية للدراسة"، فتم اختياري لقيادة مشروع كان الأول من نوعه في فرنسا وهو "بذور الباحثين"، وكنت أقود هذا المشروع في سياق علم الفلك.

فكرة المشروع أن الأشخاص الذين لا يقطنون في وسط المدن مثل الأفارقة والعرب لا يملكون مدارس ذات مستويات تعليم عالية، في المقابل هناك طاقات استثنائية يجب اكتشافها وإخراجها من ذلك المحيط والاستثمار فيها.

ولأنهم يرون أني باحث شاب ناجح، وقادم من مدينة صغيرة (جيجل شرق الجزائر)؛ فقد كنت الشخص المثالي لقيادة المشروع، من خلال الإشراف على 5 طلاب في الجامعة، كل طالب يشرف على 5 طلاب من الثانوية وكل طالب من الثانوية يشرف على 5 طلاب من المتوسط، وقد حقق المشروع الذي امتد من 2015 إلى 2017 نجاحا باهرا.

وبالتالي كنت أعمل على إلهام وتشجيع وتكوين تلاميذ المدارس المتوسطة والثانوية وطلبة الجامعة أيضا لإتمام الدراسات عليا، وكي يصبحوا باحثين في المستقبل. لهذا أحاول أن أجعل تجربتي ملهمة لكل تلميذ أو طالب بجميع المبادرات الممكنة، داخل أو خارج الجزائر.

حمزة لبيض: التصور الذي يبنيه الناس على أنه الأفضل ليس بالضرورة سيكون الأفضل لك (الجزيرة)
  • هل يمكن تطبيق مثل هذه المشاريع في الجزائر؟

تطبيقها في الجزائر ممكن وهناك رغبة، الفكرة ما زالت قابلة للتطبيق، فقط يلزمنا بعض الإمكانيات المادية والإدارية، لأن المشاريع التجريبية في فرنسا لا تواجه مشاكل، في المقابل نواجه العراقيل في الجزائر، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالسياق القانوني والإداري للمشروع.

وبعض المشاريع لا تنجح في الجزائر رغم وجود الكفاءات والطاقات بسبب غياب الإطار القانوني المناسب لها، رغم ذلك، فإن المشروع ما زال ممكنا وضمن مخطط هيئة الاتحاد العالمي لعلم الفلك، وعند تهيئته سأكون مستعدا للمساعدة في تنفيذه بصفتي عضوا في الاتحاد.

  • من تجربتك الشخصية، هل يمكن أن تقدم للطلاب أهم مبدأ للنجاح في مساراتهم العلمية؟

المبدأ الرئيسي الذي أؤمن به، وأعتبره من أسرار النجاح هو أن "التصور الذي يبنيه الناس على أنه الأفضل ليس بالضرورة سيكون الأفضل لك"، وهذا المبدأ عملت به طوال مسيرتي.

مثلا عندما خرجت من الجزائر سجلت لدراسة ماستر في جامعة مونبيلييه بفرنسا في علم الفلك، كنت الأول على الدفعة، ورغم وجود كل الظروف والمؤهلات لتسجيل الدكتوراه لم أفعل، وحصلت على ماستر ثاني في تخصص الفيزياء النظرية والرياضيات.

ومع ذلك قررت تجريب واكتشاف شيء آخر، رغم انتقاد الأهل والمقربين الذين يرون أن الأمر مضيعة للوقت وأنه يجب التسجيل في الدكتوراه، في الأخير درست ماستر في فيزياء الطاقة والإشعاع، وهنا قررت إكمال الدكتوراه في هذا التخصص، لأنه ما أريده، وسجلت دكتوراه في جامعة ران في تخصص "الفيزياء الفلكية المخبرية" الذي يسمح لي بجمع كل المكتسبات في جميع الماستر (فيزياء وفلك وتقنيات تجريبية والفيزياء الفرعية).

إذن، بعيدا عن التصور الذي يضعه الناس على أنه الأفضل، ركزت على منح نفسي فرصة لاكتشاف المجال الذي أعجبني، وبالتالي إشباع فضولي العلمي.

  • وهل عملت بنفس المبدأ عند انتقالك إلى بريطانيا؟

نعم، عملت بنفس المبدأ، بعد حصولي على الدكتوراه في سنة 2017، كنت أرى أن فرنسا محطة عبور، فقدمت على وظائف وحصلت على 3 فرص مناصب بحثية، في واشنطن بالولايات المتحدة، وفي بريطانيا وسويسرا.

ولم اختر الجهة التي ينظر إليها الناس على أنها الأفضل، وإنما اخترت جامعة سوانسي في بريطانيا لأن مشروع البحث كان مبهرا، فكان تفكيري من الناحية العلمية وليس كما يبدو للناس، فواشنطن كانت الأفضل من حيث الفخامة، وسويسرا كانت الأفضل من حيث الراتب، ولكنها لم تكن الأفضل بالنسبة لي.

هكذا قضيت 3 سنوات باحثا مساعدا في جامعة سوانسي، ثم انتقلت إلى جامعة أكسفورد منذ 8 أشهر، وأعمل حاليا على مشروع مهم جدا في الفيزياء الذرية والجزيئية، هدفه الأساسي فهم الميكانيزمات الذرية والجزيئية. في الأخير يجب على أي طالب أن يبني خياراته على مؤهلاته، وأن يتخذ من الجامعة صفحة جديدة.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي