ألويس.. شبكة عالمية لدعم النساء الجزائريات في العلوم

مع الوقت توسعت المجموعة وتحولت إلى شبكة عالمية تضم أكثر من 350 امرأة في 14 دولة، يعملن معا لتعزيز مكانة النساء الجزائريات في العلوم عبر برامج متنوعة.

المهندسة أمينة سالس (يمين) أشرفت على تدريب الطالبة أسماء بومزود في إطار مبادرة "ألويس" (الجزيرة)

في الجزائر، التي تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث نسبة النساء المهندسات في العالم، حسب تقرير اليونسكو الصادر في فبراير/شباط 2021 بمناسبة اليوم العالمي للفتاة والمرأة في العلوم؛ ما زالت الجزائريات في مجال العلوم بحاجة إلى كثير من التوجيه والمرافقة من أجل المضي قدما في أبحاثهن واندماجهن مهنيا.

وهو ما تعمل من أجله مجموعة النساء الجزائريات في العلوم (ألويس) التي تحتفل هذا الشهر بمرور سنتين على إطلاقها، مع ترقب اختتام برنامجها التدريبي خلال الشهر نفسه بعد ما يقارب سنة من العمل المتواصل.

نحو شبكة عالمية

في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات؛ تحتاج الطالبات إلى التوجيه والمرافقة لتحقيق أهدافهن. هذا ما اكتشفته الباحثة الجزائرية أنيسة بلفاطمي عند انتقالها للدراسة في فرنسا ثم الولايات المتحدة.

وتقول أنيسة -في حديث للجزيرة نت عبر منصة زوم- "كطالبة في الدراسات العليا كنت تائهة وأفتقد إلى التوجيه، من الصعب أن تعرف ما تريده فعلا في مجال البحث العلمي، في العلوم هناك دائما شفرات وأشياء لا تقال، وهو ما يجعل كثيرا من الفرص تضيع من الطالبات الجزائريات". وتضيف "أدركت خلال دراستي في الغرب ضرورة وجود مؤسسات تهتم بتوجيه ومرافقة النساء الجزائريات في العلوم".

ظلت هذه الفكرة ترافق أنيسة -التي تعمل حاليا في كلية الطب بجامعة هارفرد بالولايات المتحدة الأميركية- إلى غاية ظهور وباء كورونا؛ فمع انتشار ثقافة التعليم عن بعد وتوسع استخدام تقنيات الاتصال الحديثة واللقاءات الافتراضية، عرضت فكرتها على أصدقائها الذين تفاعلوا معها وانتهت بتجسيدها فعليا في أبريل/نيسان 2020، بمشاركة باحثات جزائريات يعملن في معاهد وجامعات عالمية مرموقة.

أنيسة بلفاطمي: أدركت ضرورة وجود مؤسسة تهتم بتوجيه ومرافقة الجزائريات في العلوم (الجزيرة)

التوجيه ضروري في العلوم

مع الوقت، توسعت المجموعة وتحولت إلى شبكة عالمية تضم أكثر من 350 امرأة في 14 دولة، يعملن معا لدعم وتعزيز مكانة النساء الجزائريات في العلوم عبر برامج متنوعة، تشمل منصة رقمية للإعلان عن فرص التوظيف المتوفرة، وسلسلة ورشات توجيه وجلسات نقاش مفتوحة للطالبات في أقسام العلوم، والخريجات، والباحثات، ورائدات الأعمال اللاتي يتجاوز عددهن أحيانا 70 امرأة في كل ورشة.

وعن البرامج التدريبية تقول أنيسة للجزيرة نت "في البداية اعتمدنا على التوجيه الفردي، أي كل باحثة تشرف على متدربة واحدة، لكن بعد ذلك لاحظنا أن المتدربات يشعرن بالخجل في العمل الفردي فانتقلنا إلى التوجيه الجماعي على أساس التخصص".

هكذا تم خلق أقسام فرعية داخل الشبكة على أساس التخصص، إذ تشرف كل باحثة مدربة على قسم معين وتتولى مهمة إعداد البرنامج الذي يناسب المتدربات، مثل أقسام البيولوجيا، والهندسة، وعلوم الكمبيوتر بصفة خاصة الذي يستقطب عددا كبيرا من النساء الجزائريات.

وتجتمع كل شهر المدربات والمتدربات لمناقشة مختلف القضايا العلمية، بما يشمل التوجيه الخاص بطالبات الماجستير والدكتوراه مثلا، ومجالات البحث وأساليبه وكيفية تحرير المقالات العلمية ومتابعة مهنة البحث ما بعد الدكتوراه، في حين يشمل التوجيه الخاص بالمهندسات طرق الانتقال إلى الصناعة.

وحول هذا تقول أنيسة "تبادل الأفكار خلال الورشات ينتج أفكار بحوث جديدة، ويخلق فرص مشاريع مشتركة. الفكر العلمي يحتاج إلى النقاش الجماعي الذي يكمل المجهود الفردي، وهو ما نحققه بوجود باحثات جزائريات يتناقشن من أستراليا وإنجلترا والولايات المتحدة واليابان وغيرها".

المجموعة توسعت وتحولت إلى شبكة عالمية تضم أكثر من 350 امرأة في 14 دولة (الجزيرة)

مدربات ومتدربات عن بعد

ومنذ يونيو/حزيران الماضي، ما زال البرنامج التوجيهي الذي أطلقته مجموعة "ألويس" لفائدة نحو 20 امرأة جزائرية في مجال العلوم مستمرا، ومن المترقب أن يتم اختتام سلسلة الورشات مع نهاية الشهر الحالي.

وحول هذا تقول الباحثة الجزائرية في البيولوجيا والمدربة في الشبكة سكينة بن عبد القادر للجزيرة نت "مرافقة المرأة الجزائرية في البيولوجيا خاصة وفي مختلف العلوم عامة وربطها بشبكة خبراء في تخصصها حسب أهدافها المهنية سواء كانت موظفة أو باحثة أكاديمية أو رائدة أعمال؛ تعزز تواجدها ومساهمتها في تطوير القطاع العلمي والاقتصادي، وهو ما تقوم به المجموعة".

وتضيف سكينة "دمجت المجموعة المرأة الجزائرية المختصة في العلوم داخل الوطن وخارجه في شبكة واحدة، مما سهل توفير المعلومة والفرص العلمية وتبادل الخبرات وتوسيع الشبكة المهنية وتطوير المعارف، خاصة للمتواجدات داخل الوطن". وتضيف "كان هناك اجتهاد ومرونة من قبل الأعضاء لنجاح الورشات، خاصة بسبب فارق الزمن بين الدول والارتباطات المهنية".

من جهتها، تقول مهندسة المحروقات والمدربة بالشبكة أمينة سالس للجزيرة نت "تلقيت عرضا لأكون موجِّهة مهنية في البرنامج، وتحمست للمشاركة كوني مهتمة بتمكين النساء في مجالات علوم التكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وكون مجال هندسة المحروقات مجالا ذكوريا بحتا وفقيرا جدا من ناحية الموجهات النسائية.

البرنامج مميز لأنه تأقلم مع وضع جائحة كورونا بحيث يعتمد أساسا على التواصل بالإنترنت، ويعد كذلك جسر تواصل بين النساء ذوات الخبرة والطالبات وحديثات التخرج المتعطشات للتعلم". وتذكر تجربتها المميزة مع الطالبة أسماء بومزود التي أشرفت على تدريبها في البرنامج من خلال لقاءات عبر زووم، ثم تطورت إلى لقاءات في الواقع.

وهو ما تؤكده أسماء بومزود، الطالبة في كلية المحروقات بجامعة بومرداس، للجزيرة نت "كنت محظوظة بالمشاركة في هذا البرنامج تحت إشراف المهندسة أمينة سالس، إذ إنها أسهمت في إثراء رصيدي المعرفي والتعليمي بمختلف المهارات التقنية في مجال دراستي، لقد كانت سندا ومصدرا للطاقة الإيجابية".

إحسان إبراهيمي طالبة تخصص علوم الكمبيوتر في المدرسة العليا الوطنية للإعلام الآلي بالجزائر، تقول للجزيرة نت عن تجربتها مع المجموعة "منحتني أنيسة فرصة لقاء افتراضي مع مستشارة أميركية حول الفرص والصعوبات التي تواجه المرأة الجزائرية في ميدان التكنولوجيا، وكانت بالنسبة لي تجربة رائعة رغم بساطتها، لاعتقادي الشخصي أن نسبة كبيرة من الفتيات يعانين من الثقة بالنفس في هذا المجال مقارنة بالذكور، واكتسبت ثقة في نفسي بفضل هذه التجربة".

المبادرة أقامت جسر تواصل بين النساء ذوات الخبرة والطالبات حديثات التخرج المتعطشات للتعلم (الجزيرة)

"التوجيه" ثقافة مهمة في البحث العلمي

وعن أهمية ثقافة "التوجيه" تقول سلمى بكوش (مدونة ومهندسة) للجزيرة نت "كانت لي نقاشات مع أنيسة حول تجاربنا مع التوجيه ومدى تأثيره الإيجابي على مسارنا المهني. اعتماد المجموعة على التوجيه الرقمي مناسب لتعزيز استخدام المنصات التكنولوجية من أجل التواصل".

وعن دورها في المجموعة تقول سلمى "كان دوري إيجاد مدربات ملائمات للمتدربات خاصة في مجال المحروقات. تواصلت مع صديقاتي المهتمات بالتوجيه كمتطوعات وبدعم المرأة في مجال العلوم، حيث يخصصن ساعة كل شهر للإجابة عن أسئلة المتدربات ومشاركتهن الفرص المتاحة سواء كانت تكوينا، أو برامج تسمح لهن بتطوير مساراتهن المهنية".

وتشيد سلمى بثراء الموقع الإلكتروني للمجموعة بالفرص والبرامج المتاحة للنساء في العلوم، وتطلعها لأن يصبح "التوجيه" ثقافة متاحة في الأوساط المهنية والأكاديمية بالجزائر.

ومن المنتظر أن تطلق مجموعة "ألويس" تحديا في مجال الذكاء الاصطناعي تحت إشراف مليكة عيد بودريس، الباحثة بكلية الطب في جامعة هارفرد، ويكون موجها للطالبات الجزائريات، وتستفيد الفائزات بتوجيه ودعم لنشر مقالات علمية متعلقة بأبحاثهن بالتعاون مع المدربات.

وحول هذا تقول أنيسة للجزيرة "أهم شيء عندنا المصداقية، لا نقدم الوعود التي لا يمكننا الوفاء بها. كل مرة نطلق برنامجا ثم نقيمه، وعند نجاحه نطلق نسخة جديدة، وهكذا ستكون الحال بالنسبة لهذا التحدي".

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي