من الديزل إلى المثلجات.. كيف يمكن أن تسهم الطحالب في حلّ أزمات الطاقة والغذاء

استخدام الطحالب في إنتاج الوقود والغذاء ما زال في مراحله المبكرة، ويواجه الكثير من التحديات التقنية التسويقية.

تعتبر الطحالب من الموارد الواعدة جدا لحلّ أزمتي الغذاء والطاقة في العالم (شترستوك)

بحسب بيانات الأمم المتحدة، سيصل تعداد سكان الأرض إلى 8 مليارات نسمة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. ويتوقع التقرير أن يصل عدد سكان الكوكب إلى 9.7 مليارات نسمة بحلول عام 2030، ثم إلى 10.4 مليارات نسمة بحلول عام 2080.

وبالنظر إلى محدودية مواد الكوكب وتزايد حدّة التغيرات المناخية مع ما لهما من تأثير على إنتاج الطاقة والغذاء، فإن التوقعات تشير إلى أن أزمات الطاقة والغذاء الحالية ستزيد مع زيادة الطلب عليهما، ومعها تزيد التوترات والصراعات السياسية التي ستؤدي بدورها إلى تفاقم هذه الأزمات مع ما تخلقه من تعطيل واضطراب في وسائل الإنتاج وسلاسل الإمداد.

وعلى هذا الأساس، سيحتاج العالم إلى ايجاد وسائل إنتاج بديلة وموارد متجددة للطاقة والغذاء ليتجنب التأثير السلبي لتجاوز الطلب على الطاقة والغذاء قدرة الموارد المحدودة الحالية.

وتنتشر في جميع أنحاء العالم تقريبا محاولات على مستوى المؤسسات الحكومية والبحثية والشركات، الخاصة لتقديم طرق وموارد جديدة لإنتاج الطاقة والغذاء.

تعتبر مصادر الوقود الأحفوري محدودة وغير متجددة كما أن لها آثارا سلبية على البيئة (شترستوك)

تحديات بيئية

خلال القرن الماضي، ازداد اعتماد العالم على الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) في إنتاج الطاقة، وزاد هذا الاعتماد حتى وصل إلى 83% من إجمالي إنتاج الطاقة العالمي في 2020، بينما تمثل مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة (طاقة الرياح والمياه والمفاعلات النووية والطاقة الشمسية) مجتمعة حوالي 27% من الإنتاج العالمي.

وتعتبر مصادر الوقود الأحفوري محدودة وغير متجددة، ومن أكثر الصناعات تأثيرا على البيئة وتغييرا للمناخ.

وتنطوي عمليات التنقيب على تدمير مساحات شاسعة من الأراضي والبحار والمحيطات، كما أن حرق الوقود الناتج يمثل مصدرا رئيسيا لانبعاث الكربون المسبب للاحتباس الحراري.

ويتوقع الخبراء أن ينضب الوقود الأحفوري تدريجيا بحلول عام 2100 عند الدول ذات الاحتياطي الأكبر في العالم، بينما يقل إلى مستوى حرج في معظم العالم قبل ذلك بنصف قرن تقريبا، أي عام 2050.

موارد محدودة لإنتاج الغذاء

وعلى الجانب الآخر، يعتمد العالم على الزراعة (الإنتاج النباتي والحيواني) في إنتاج الغذاء. وتمثل الأراضي الصالحة للزراعة نسبة صغيرة لا تتجاوز 15% من أراضي الكوكب الذي تشغل المياه أكثر من 70% من مساحة سطحه.

ويستحوذ الإنتاج الحيواني على 77% من الأراضي الزراعية، بينما يشغل الإنتاج النباتي -الذي يساهم في إنتاج البروتين والسعرات الحرارية بكمية أعلى من الإنتاج الحيواني- 23% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة.

من أمثلة وسائل إنتاج الطاقة النظيفة طاقة الرياح وسدود المياه والطاقة الشمسية والوقود الحيوي (شترستوك)

ويرى الخبراء أن التوسع في الزراعة بالطرق التقليدية لمجابهة الطلب المتزايد على الغذاء غير ممكن أيضا، حيث تحتاج الزراعة إلى مساحة من الأرض بشروط معينة تجعلها صالحة للزراعة وإلى مورد للمياه العذبة، وهما موردان من الموارد المحدودة أيضا.

كما ينتج عن المعاملات الزراعية التقليدية انبعاثات للكربون (من الآليات الزراعية ومن فضلات المزرعة وحيواناتها)، كما تسهم الممارسات الزراعية الحالية في تجريف الأراضي من العناصر الغذائية، وبالتالي إضافة كميات أكبر من المواد الكيميائية (أسمدة ومبيدات) تلوث التربة وتزيد من التأثير السلبي على البيئة.

لذا بدأت تتعالى أصوات العلماء والخبراء المتخصصين منذرة باقتراب نضوب موارد الطاقة والغذاء، وضرورة العمل على إيجاد موارد جديدة.

موارد صديقة للبيئة

وتعددت الموارد التي اقترحها واختبرها العلماء لاستبدال أو دعم المصادر الحالية للطاقة والغذاء. ففي مجال الطاقة، ظهرت مصطلحات الطاقة النظيفة والطاقة الخضراء والطاقة الزرقاء، لتعبر عن موارد متجددة للطاقة تكون غير ملوثة للبيئة ولا تسهم في زيادة انبعاث الكربون.

ومن أمثلة ذلك إنتاج الطاقة من حركة الرياح وسدود المياه على الأنهار والطاقة الشمسية. كما ظهر في الأسواق منذ سنوات الوقود الحيوي، وهو مماثل للوقود الأحفوري لكنه ينتج من مصادر حية كالنباتات الغنية بالزيوت.

على مستوى الغذاء، اتجهت الأنظار إلى طرق زراعية غير تقليدية مثل المزارع الرأسية التي تشغل مساحات محدودة من الأراضي، أو الزراعة الخلوية مثل استزراع اللحوم والنباتات معمليا، واستخدام الكائنات الدقيقة مصدرا بديلا لإنتاج البروتين ثم تصنيع الأغذية من تلك البروتينات.

وهنا ظهرت الطحالب كمجموعة من الكائنات المقترحة لإنتاج الوقود والغذاء.

تتميز الطحالب بسهولة التربية وقصر دورة الحياة وإمكانية استخدام المياه المستعملة في تربيتها (غيتي إيميجز)

الطحالب وحلول واعدة

الطحالب هي مجموعة متنوعة من الكائنات الحية تقدر بحوالي 200 ألف نوع، وتتميز بقدرة الكثير منها على التمثيل الضوئي مثل النباتات، كما أن منها ما هو متنوع في آلية حصوله على الطاقة وإنتاجه للغذاء. وتنمو الطحالب في جميع البيئات تقريبا، وفي ظروف مختلفة من توفر الضوء والأكسجين.

المميزات الأساسية التي حدت بالعلماء للتفكير في الطحالب هي احتواء بعض أنواعها على نسب عالية جدا من الزيوت، وهو ما يجعها مناسبة لإنتاج الوقود الحيوي (الديزل الحيوي)، بالإضافة  إلى احتواء البعض الآخر على نسب عالية من البروتين تجعلها مناسبة لإنتاج الغذاء.

وتتميز الطحالب بسهولة التربية وقصر دورة الحياة وإمكانية استخدام المياه المستعملة في تربيتها (في حالة إنتاج الوقود الحيوي)، بدلا من استخدام المياه الصالحة للشرب.

ويمكن استخدام الطحالب في إنتاج الوقود الحيوي (الديزل الحيوي ووقود الطائرات)، في حين يتم إنتاجه حاليا من مصادر أخرى بكميات قليلة نسبيا وتكلفة عالية جدا، تدعمها الحكومات المختلفة حتى تنضج تكنولوجيا إنتاجه.

وفي وقت مبكر من هذا العام، سيّرت شركة إيرباص إحدى طائراتها بوقود حيوي بنسبة 100% لأول مرة.

وينتج الوقود الحيوي حاليا من زيوت فول الصويا والذرة ونحوها، أو من الزيوت النباتية المستعملة، وكلاهما مكلف جدا أو متوفر بكميات صغيرة.

هنا ظهر اقتراح استخدام الطحالب مصدرا للزيوت المستخدمة في إنتاج الديزل الحيوي، وأظهرت التجارب الأولية أن استخدامها في إنتاج الوقود يمكن أن يخفض كلفة الإنتاج بنسبة كبيرة جدا، ليجعلها تقترب من منافسة سعر الوقود الأحفوري.

أما في الغذاء، فقد استطاعت عدة شركات بالتعاون مع مؤسسات بحثية في الولايات المتحدة وسنغافورة وكوريا ودول أخرى استغلال بعض أنواع الطحالب العالية الإنتاجية من البروتين، وتربيتها واستخلاص البروتينات منها ثم استخدامها في الإنتاج الغذائي.

فعلى سبيل المثال، استطاعت شركة "إس بي إن" (SBN) السنغافورية أن تنتج مأكولات بحرية وألبانا وجبنا، ومؤخرا أيضا مثلجات، من بروتينات أحد الطحالب الخضراء العالية الإنتاجية.

واستخدام الطحالب في إنتاج الوقود والغذاء ما زال في مراحله المبكرة، وما زال يواجه الكثير من التحديات التقنية التسويقية، لكن تم قطع خطوات مهمة على طريق وضعها كأحد الموارد الواعدة جدا لحل أزمتي الغذاء والطاقة.

المصدر : مواقع إلكترونية