تأثير الموناليزا.. الدوائر الشبيهة بالعيون لدى بعض الحيوانات تحميها من أعدائها

Aglais io or European Peacock Butterfly or Peacock. Butterfly on flower. A brightly lit red-brown orange butterfly with blue lilac spots on its spread wings sits on purple yellow flowers in sunlight.
الدوائر التي تشبه الأعين تحمي فراشة الطاووس من أعدائها (شترستوك)

إن صادف ونظرت إلى إحدى الفراشات التي رسمت على أجنحتها دوائر تشبه العينين سينتابك شعور بأنها تحدق إليك وتشتت انتباهك إن فكرت في اصطيادها أو إلحاق الأذى بها.

حسب دراسة علمية جديدة، فإن تلك النقاط لها تأثير مشابه على الحيوانات المفترسة أيضا، وتساعد الكائنات التي تحملها في حماية نفسها من المخاطر، ويطلق على هذه الظاهرة اسم "تأثير الموناليزا"؛ نسبة للوحة الشهيرة للرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي.

ما تأثير الموناليزا؟

لطالما ادعى زوار متحف اللوفر في باريس -حيث توجد لوحة الموناليزا الشهيرة- أن المرور أمام اللوحة يترك لديهم انطباعا بأنها تتبعهم بنظراتها، وحسب موقع "ماكسي ساينسز" (Maxisciences) العلمي، فقد أكد علم النفس الإدراكي منذ ستينيات القرن الماضي أن الإنسان له قدرة على إدراك ما إذا كان شخص ما ينظر إليه أو لا.

وفي حالة النظر إلى صورة أو لوحة، يبدو هذا الشعور واضحا عندما يكون الشخص المرسوم على اللوحة ناظرا مباشرة إلى الأمام، أي بزاوية صفر درجة عن الخط المتعامد مع سطح اللوحة أو الصورة.

لوحة الموناليزا الشهيرة التي تبدو وكأنها تتبع المشاهد بنظراتها (بيكسهير)
لوحة الموناليزا الشهيرة التي تبدو كأنها تتبع المشاهد بنظراتها (بيكسهير)

ورغم أن دراسة حديثة صدرت قبل سنوات قليلة أكدت أن لوحة الرسام الإيطالي الشهير لا ينطبق عليها هذا التأثير الذي أصبح يسمى باسمها نظرا إلى أن خط نظرها يتخذ زاوية قدرها نحو 15.4 درجة إلى يمين المشاهد، فإن العلماء أثبتوا صحة هذا التأثير النفسي على البشر.

لكن يبدو أن هذا النوع من التأثير يلعب دورا مهما في مملكة الحيوان في درء الحيوانات المفترسة المحتملة، وفقا لورقة بحثية جديدة نشرها باحثون من معهد "ماكس بلانك للبيئة الكيميائية" الألماني، وجامعة نيو كاسل البريطانية في دورية "فرونتيرز إن إيكولوجي آند إيفوليوشن" (Frontiers in Ecology and Evolution).

تأثير الموناليزا على الحيوانات أيضا

حسب بيان صحفي نشره معهد ماكس بلانك، أظهر الباحثون في هذه الدراسة أن هذه النقاط (العيون) لها تأثير على بقاء الفريسة من خلال قدرتها على ردع المفترس، لا سيما عندما تبدو كأنها تنظر إليه بشكل مباشر.

للوصول إلى هذه النتائج، أجرى الباحثون تجربة سلوكية على مجموعة من الكتاكيت المنزلية حديثة الفقس تم تدريبها على مهاجمة جسم اصطناعي شبيه بالعث قبل أن يحصل على مكافأة تتمثل في وجبة مكونة من دودة حقيقية.

وبعد أن تعلمت الكتاكيت كيفية مهاجمة الفريسة، قُدمت لها واحدة من 3 حشرات صناعية مختلفة: الأولى ذات "عيون" تميل دوائرها الوسطى إلى اليسار، والثانية تميل نحو اليمين، أما الثالثة فتتحد دوائرها مع المركز تماما؛ لتبدو كأنها تنظر مباشرة إلى الأمام أو إلى أحد الجانبين، ثم قام الباحثون ببناء ممرات صغيرة تؤدي مباشرة إلى الطعام أو تجعل الكتاكيت تقترب من فريستها من أحد الجانبين.

الكتاكيت تنظر إلى البقع الدائرية على أنها عيون، بحسب الباحثين (معهد ماكس بلانك)
الكتاكيت تنظر إلى البقع الدائرية على أنها عيون حسب الباحثين (معهد ماكس بلانك)

وبعد توزيع الكتاكيت بشكل عشوائي على المجموعات الثلاث، قام الباحثون بحساب الوقت الذي يستغرقه كل كتكوت ليقترب ويهاجم الفريسة الاصطناعية.

لاحظ الباحثون أن الكتاكيت كانت تقترب من يسار الحشرة الاصطناعية التي لها نقاط دائرية (عيون وهمية) تبدو كأنها تنظر إلى اليسار، وأظهرت الكتاكيت حذرا مماثلا عند اقترابها من جهة اليمين من الحشرة التي بدت نقاط العيون المرسومة عليها كأنها تنظر إلى اليمين.

لكن الكتاكيت كانت تهاجم الفريسة بسرعة حين تقترب إليها من الاتجاه المعاكس لاتجاه ميلان النقاط. في المقابل، بدت الكتاكيت حذرة عند اقترابها من جميع الجهات من الحشرة التي رسمت عليها نقاط عيون متحدة مع المركز كأنها تنظر إلى الأمام مباشرة.

التأثير يتجاوز المثال

حسب مؤلفي الدراسة، فإن هذه النتائج تتفق مع الفرضية القائلة إن الكتاكيت تنظر إلى البقع الدائرية على أنها عيون، وأن هذه النقاط تردع الحيوانات المفترسة بشكل أكثر فاعلية عندما تبدو كأنها "تحدق" بشكل مباشر في تلك الحيوانات المفترسة.

واستنتج الباحثون في دراسات سابقة أن أجنحة فراشات الطاووس التي تحتوي على أشكال دائرية شبيهة بالعيون تمنع الطيور المفترسة من الاقتراب منها. وتوجد هذه "العيون المخادعة" أيضا لدى بعض الأسماك والرخويات والبرمائيات والطيور، غير أن هذه الأنماط لم تُلاحظ لدى الثدييات.

رسم أعين على مؤخرات البقر في بوتسوانا حماها من الأسود (ذا كونفرسيشن)
رسم أعين على مؤخرات البقر في بوتسوانا حماها من الأسود (ذا كونفرسيشن)

لكن فريقا من العلماء قام قبل عامين بإجراء تجارب على الثدييات، وفقا لتقرير نُشر على موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation)، في إطار مشروع لحماية قطعان الأبقار في بوتسوانا من الحيوانات المفترسة.

وتتمثل هذه التجارب في رسم أعين على مؤخرات البقر لخداع الحيوانات المفترسة مثل الأسود التي ستنظر إليها على أنها أعين حقيقية تحدق بها؛ وأكدت النتائج أن الماشية التي تحمل هذه الرسوم كانت أقل عرضة لهجوم الحيوانات المفترسة من تلك التي لا تحمل تلك الرسوم.

إلا أن مؤلفي الدراسة الجديدة يؤكدون أن النتائج التي توصلوا إليها تظهر بوضوح أن تصميم البقع الدائرية الشبيهة بالعين وزاوية اقتراب الحيوان المفترس يؤثران بشكل كبير على نجاعتها في درء المخاطر. ويتعين على الباحثين مراعاة هذه العوامل بعناية عند تصميم التجارب المستقبلية حول هذه الظاهرة الغريبة.

المصدر : مواقع إلكترونية