حفريات محفوظة في الكهرمان تُعيد كتابة تاريخ الحشرات في العالم

تشير درجة ثراء الأنواع الموجودة بين الأحافير إلى أنها كانت أكثر تنوعا في العصر الطباشيري (يواكيم هوغ-دورية ساينتفيك ريبورتس)

إذا أردت أن تنظر إلى حيوان عاش مع الديناصورات جنبا إلى جنب، احمل في يدك قطعة من الكهرمان، وارفعها أمام النافذة لتحصل على رؤية أفضل، وقد تجد بداخلها بقايا حيوانات تبدو كما لو أنها قد ماتت أمس، إلا أنها ظلت محنطة بهيئتها كاملة منذ نحو 100 مليون عام.

وقد كشفت دراسة حديثة -نُشرت بدورية "ساينتفيك ريبورتس" (Scientific Reports) في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- عن يرقات حشرات طائرة من عرقيات الأجنحة (Neuroptera) ذات أشكال غير عادية، في عينات من الكهرمان القديم، تختلف عن يرقات الحشرات "النموذجية".

وأظهرت الدراسة التي ترأسها علماء ألمان في "جامعة لودفيغ ماكسيميليان بميونخ" (Ludwig-Maximilians-Universität München) توصلهم إلى رؤى جديدة حول التاريخ التطوري للحشرات من العينات التي اكتشفت في غابات ميانمار.

كشفت الدراسة عن يرقات حشرات أحفورية ذات أشكال غير عادية في عينات الكهرمان (يواكيم هوغ – دورية "ساينتفيك ريبورتس")
يرقات حشرات أحفورية ذات أشكال غير عادية في عينات الكهرمان (يواكيم هوغ-دورية ساينتفيك ريبورتس)

كبسولات زمنية

يبدأ الكهرمان على شكل إفراز صمغي ينضح تدريجيا من الصنوبريات وأنواع أخرى من الأشجار كاستجابة لإصابة أو هجوم، وغالبا ما تقع الحيوانات الصغيرة في مصيدة هذه المادة اللزجة، وفي أحيان كثيرة يتحجر الراتنج ويصير كهرمانا.

كان الكهرمان البورمي أثمن الأحجار الكريمة على مرّ قرون عديدة، وهو واحد من أهم كنوز الأحافير في العالم، لغناه بأحافير من حقبة زمنية محددة بالغة الأهمية، ويعيد العدد الهائل من اكتشافات الكهرمان المستخرج حديثا كتابة ما نعرفه عن عصر الديناصورات.

كل الأحافير عبارة عن كبسولات زمنية، ولكن على عكس العديد من الاكتشافات الأخرى، غالبا ما يتم حفظ الحشرات المغلفة في الكهرمان بشكل مثالي.

يقول البروفيسور يواكيم تي هوغ، عالم الحيوان في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ، في بيان صحفي للجامعة، "في كثير من الأحيان، يتم حفظ مورفولوجيتها الخارجية كما لو كانت مختومة بالراتنج الصناعي".

وكما يشير تقرير لموقع "ساينس ألرت" (Science Alert) فقد اكتشف هوغ وزملاؤه يرقات أحفورية يختلف شكلها بشكل لافت للنظر عن يرقات الحشرات "النموذجية"؛ وأكثر ميزاتها غرابة هي الزوائد المستطيلة التي تبدو كأنها إبر تحت الجلد بخاصة أجزاء الفم التي تسمى المِرْوَد، وهو هَيكل تشريحي صلب حاد موجود في بعض اللافقاريات، ويُستخدم المِروَد بشكل أساسي لثقب جدار الخَلية، وغالبا ما يُساعد في وصول الكائن إلى العناصر الغذائية الموجودة داخل الخلية الفريسة.

يقول هوغ "كما في حالة جميع الأنواع الحديثة من الحشرات، ربما كانت هذه اليرقات مفترسة، لكننا لا نعرف شيئا عن فرائسها"، ويقترح هوغ "ربما يكون المِرْوَد الطويل قد عمل كوسيلة لإبقاء ضحاياها الجريحة على مسافة حتى يبدأ تأثير السم".

يرقات حشرات ذات أشكال غير عادية تختلف عن يرقات الحشرات "النموذجية"(يواكيم هوغ-دورية ساينتفيك ريبورتس)

البيئة القديمة والتطور

تشير درجة ثراء الأنواع للمجموعة الموجودة بين الأحافير إلى أن المجموعة كانت أكثر تنوعا في العصر الطباشيري؛ وهذا بدوره يعني أن هذه الحشرات لعبت دورا بيئيا أكثر بروزا في ذلك الوقت. ولهذا فإن هذه اليرقات الأحفورية تسلط الضوء بشكل كبير على بيئة الحشرات وتطورها.

وألقت الحفريات أيضا الضوء على جانب آخر من تطور الحشرات، فحتى الآن يُفترض أن الأطوال النسبية لقرون الاستشعار والأعضاء الحسية والساقين تخضع لقيود النمو؛ ففي معظم يرقات الحشرات، عادة ما تكون أجزاء الجسم هذه أقصر بكثير مما هي عليه في البالغة الناضجة -وبشكل عام- تكون اليرقة أكثر شبها بالديدان.

ومع ذلك، في العديد من اليرقات الموجودة في الكهرمان، تميل قرون الاستشعار وأجزاء الفم والساقين إلى الاستطالة بشكل ملحوظ.

جانب آخر لتطور الحشرات

يقول هوغ "هذا يوضح، من وجهة نظر علم الأحياء التطوري، أنه لا توجد حدود محددة بدقة لأطوال مثل هذه البنى". ومع ذلك، هناك جانب آخر لتطور الحشرات لا يزال يحير علماء الأحياء التطورية؛ هل قضت الحشرات الأولى القادرة على الطيران حياتها اليرقية على الأرض أو في الماء؟

وجد هوغ وفريقه دليلا في كهرمان يبلغ من العمر 99 مليون عام من ميانمار، عينة من نوع اليعسوب الأحفوري؛ ويشير هذا الاكتشاف إلى أن الحشرات الطائرة الأولى قضت المراحل الأولى من دورة حياتها في الماء.

يقول هوغ "يبدو أن الحشرات الطائرة الأولى كانت تعتمد اعتمادا كبيرا على البيئة المائية للتكاثر"، وربما تم تحقيق أول إقلاع ناجح من سطح البركة بمساعدة الأجنحة التي كانت بمنزلة أشرعة.

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية