زراعة الأشجار تساعد في إزالة الكربون من الجو.. ولكن هل توجد طرق أخرى؟

زراعة تريليون شجرة يمكن أن تخزن ثلثي الكربون الذي أطلق في الغلاف الجوي منذ الثورة الصناعية (الأوروبية)

حبا الله الأرض بالعديد من أحواض الكربون العملاقة التي يمكن أن تساعد البشر في مكافحة تغير المناخ، حيث يمكن لهذا الإسفنج الطبيعي امتصاص الكربون وإزالته بشكل فعال من الغلاف الجوي.

ولكن ما الأساليب الأخرى التي يصنعها الإنسان؟ وما الذي يسلزمها حتى يمكنها سحب ما يكفي من الكربون من الغلاف الجوي لإحداث فرق وإبطاء تغير المناخ؟ وكم ستستغرق من الوقت؟ وكم ستتكلف؟

وفقا لما جاء في تقرير لموقع "لايف ساينس" (Live Science)، فإن الباحثة سابين فوس كانت تبحث عن إجابة لهذه الأسئلة خلال العامين الماضيين. وفوس خبيرة اقتصادية في برلين، وتقود مجموعة بحثية في معهد مركاتور للأبحاث حول المشاع العالمي وتغير المناخ (MCC)، وكانت جزءا من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التي أنشأتها الأمم المتحدة لتقييم علم ومخاطر وآثار الاحتباس الحراري.

وبعد تقرير الهيئة لعام 2018، وهدف اتفاقية باريس الجديد المتمثل في إبقاء الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية أو أقل؛ تم تكليف فوس بدراسة إستراتيجيات إزالة الكربون الواعدة والأكثر جدوى.

"إدارة الأراضي الزراعية" طريقة أخرى لإزالة الكربون الطبيعي (الأوروبية)

أساليب قائمة على الطبيعة

يعد التشجير وإعادة التشجير -كزراعة الغابات وإعادة زراعتها- من أحواض الكربون الطبيعية المعروفة في العالم، حيث يمكن لعدد كبير من الأشجار عزل غاز الدفيئة "ثاني أكسيد الكربون" (CO2) من الغلاف الجوي من أجل عملية التمثيل الضوئي، وهو التفاعل الكيميائي الذي يستخدم طاقة الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى سكر وأكسجين.

ووفقا لدراسة أجريت عام 2019 في دورية "ساينس" (Science)، فإن زراعة تريليون شجرة يمكن أن تخزن نحو 225 مليار طن من الكربون، أو نحو ثلثي الكربون الذي أطلقه البشر في الغلاف الجوي منذ بدء الثورة الصناعية. وإضافة إلى التشجير فإن "إدارة الأراضي الزراعية" طريقة أخرى لإزالة الكربون الطبيعي، وهي منخفضة المخاطر نسبيا وتم اختبارها بالفعل.

ووفقا لجين زيليكوفا، عالمة البيئة الأرضية وكبيرة العلماء في "كربون 180" (منظمة غير ربحية تدافع عن إستراتيجيات إزالة الكربون في الولايات المتحدة) فإن ممارسات مثل الرعي الدوراني وتناوب المحاصيل تزيد امتصاص الكربون عن طريق التمثيل الضوئي، ويتم تخزين هذا الكربون في نهاية المطاف في أنسجة الجذور التي تتحلل في التربة.

وكانت الأكاديمية الوطنية للعلوم وجدت أن تخزين الكربون في التربة كان كافيا لتعويض ما يصل إلى 10% من صافي الانبعاثات السنوية الأميركية، أو نحو 632 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بتكلفة منخفضة.

يوجد حاليا 15 مصنعا لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء في جميع أنحاء العالم (غيتي)

أساليب قائمة على التكنولوجيا

لكن فوس تقول إن إزالة الكربون القائمة على الطبيعة -مثل زراعة الغابات وإعادة زراعتها- يمكن أن تتعارض مع الأهداف والسياسات الأخرى، مثل سياسة إنتاج الغذاء، لأن توسيع نطاق هذه الإستراتيجيات يتطلب الكثير من الأراضي، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأراضي مستخدمة بالفعل.

هذه التحديات هي السبب في أن الأساليب القائمة على التكنولوجيا لإزالة الكربون من الهواء أمر بالغ الأهمية، وذلك من خلال التقاط الكربون من الهواء مباشرة وتخزينه.

أحد العمليات الكيميائية القائمة على التكنولوجيا تقوم بإخراج ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ومن ثم وضعه في "فلاتر". وعند تسخين هذه "الفلاتر" يمكن التقاط ثاني أكسيد الكربون ثم حقنه تحت الأرض. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية يوجد حاليا 15 مصنعا لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء في جميع أنحاء العالم.

ويعد "التمعدن" حيلة أخرى لاحتجاز الكربون. وفي هذه العملية تتجمع الصخور لزيادة الأسطح المتاحة للتفاعل الكيميائي مع ثاني أكسيد الكربون وبعد ذلك يتم تخزين ثاني أكسيد الكربون المُعدن تحت الأرض.

ووفقا لفوس، فإنه لم يتم تنفيذ أي من هذه التقنيات على نطاق واسع، حيث إنها باهظة الثمن للغاية، مع تقديرات تصل إلى 400 دولار لكل طن من ثاني أكسيد الكربون تتم إزالته، ولا يزال كل منها يتطلب الكثير من البحث والدعم قبل تعميمها ونشرها.

يتعين على كل دولة أن تحدد مجموعتها الفريدة الخاصة بها من إستراتيجيات إزالة ثاني أكسيد الكربون (الأوروبية)

تجربة خاصة لكل دولة

تقول زيليكوفا إن الولايات المتحدة مثال جيد لكيفية عمل مزيج من حلول إزالة الكربون معا، إذ يمكن استخدام حل إدارة الأراضي في الغرب الأوسط الزراعي، وصخور البازلت الكبيرة في شمال غرب المحيط الهادي للتمعدن، كما أن حقول النفط في الجنوب الغربي مجهزة بالفعل بالتكنولوجيا المناسبة والعاملين المهرة لتخزين الكربون تحت الأرض.

في نهاية المطاف، سيتعين على كل دولة أن تحدد مجموعتها الفريدة الخاصة بها من إستراتيجيات إزالة ثاني أكسيد الكربون لأنه لن يكون هناك حل واحد ناجح بمفرده.

تقول فوس إذا قمنا بالتركيز على أسلوب واحد وتوسيع نطاق طريقة واحدة لإزالة ثاني أكسيد الكربون فستكون كارثة، لأن ذلك سيكون من شأنه استخدام مساحة كبيرة من الأرض أو يكون باهظ التكلفة بدرجة كبيرة.

وأظهر بحث فوس أن التشجير وإعادة التشجير سيكونان أكثر إنتاجية في المناطق الاستوائية، في حين أن الاختلافات في الإشعاع الشمسي في خطوط العرض الشمالية ومع زيادة انعكاس الضوء إلى الفضاء، تعني أن تلك البلدان سيكون لديها حظ أفضل في الاستثمار في التدخلات التكنولوجية لاحتجاز الكربون.

أطلقنا 40 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون خلال السنوات الأخيرة بالفعل (الأوروبية)

نشر الحلول

إن الحاجة إلى نشر هذه الحلول باتت وشيكة. وتقول فوس إن ميزانية الكربون العالمية -أي كمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكن أن تنبعث من البشر قبل أن ترتفع درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية- تبلغ نحو 300 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون. وأطلقنا 40 غيغاطن خلال السنوات الأخيرة بالفعل. بعبارة أخرى، لم يتبق سوى بضع سنوات في تلك الميزانية.

تشير دراسة حديثة -نُشرت في دورية "ساينتفيك ريبورتس" (Scientific Reports)- إلى أن الانتظار بضع سنوات من الآن قد يكون متأخرا للغاية إذا أردنا تحقيق الهدف المحدد في اتفاقية باريس. بناء على نموذجهم المناخي، يتوقع الباحثون أنه حتى إذا توقفنا عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري تماما، ستكون درجات الحرارة العالمية 3 درجات مئوية أكثر دفئا، وسيزداد مستوى سطح البحر 3 أمتار. ولعكس آثار تغير المناخ والمضي قدما يجب إزالة 33 غيغاطن من غازات الاحتباس الحراري الحالية كل عام.

ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن هذه الأساليب ليست جاهزة ولا يوجد إجماع حول كيفية دفع ثمنها. في المقابل، هناك إجماع بين العلماء على الخطوة التالية؛ وهي أننا بحاجة إلى وقف المزيد من الانبعاثات على الفور. لكن فوس تقول "بما أن الانبعاثات جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية وبنيتنا التحتية، فإن إزالة الكربون تأتي في المقدمة.

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية