تغير المناخ والوعود الكاذبة لتقنيات احتجاز الكربون

في إشارة إلى التكلفة الهائلة لهذه المشاريع، أكدت محكمة العدل للاتحاد الأوروبي أنه "لم يتحقق هدف اختبار التقنيات الجديدة، ولم ينجح أي من برامج التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون".

تقترح شركات النفط والغاز تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض، وهو حل غير مثالي (غيتي)

لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يخفض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير. من جهتها، تقترح شركات النفط والغاز تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض، وهو حل غير مثالي؛ لكنه يسمح لها بالاستفادة من الدعم.

حياد الكربون في 2050

في تقرير نشرته صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية، قالت الكاتبتان أنيكا جوريس وسوزان غوتسه إن شركة الحديد والصلب "أرسيلور ميتال" (ArcelorMittal) في دونكيرك (شمالي فرنسا) تصنّع ما يكفي من الفولاذ كل يوم لبناء 3 أبراج إيفل.

وفرن المصنع، الذي يمثل قلب مصانع تصنيع الفولاذ، يعمل على مدار الساعة منذ 60 عاما. وما يزال الفحم الحجري يستخدم من أجل تشغيل هذا الموقد حتى بلوغ حرارة ألفي درجة.

ويستخدم هذا المصنع كميات هائلة من الوقود وينبعث منه سنويا كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري تعادل ما تطلقه مدينة كبيرة؛ أي حوالي 12 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

تحقيق حياد الكربون بحلول سنة 2050، يفترض من دول الاتحاد الأوروبي الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (غيتي)

إن تحقيق حياد الكربون بحلول سنة 2050، يفترض من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي -ما عدا بولندا التي ترفض في الوقت الحالي الموافقة على هذا الهدف- الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

وخلال السنوات الـ30 القادمة، سيصبح هذا الغاز عديم الرائحة مصنفا ضمن خانة النفايات الخطرة. وعلى هذا النحو، سيصبح التخلص من هذه الغازات أمرا مكلفا، وهو ما يشكل مشكلة رئيسة بالنسبة للصناعات عالية الانبعاثات، مثل شركة الحديد والصلب "أرسيلور ميتال".

وتتمثّل مهمة هنري بيير أورسيني، المسؤول عن خارطة طريق شركة "أرسيلور ميتال" لإزالة الكربون، في إيجاد حلول للتقليل من "انبعاثات الكربون" من أرسيلور ميتال، أكبر منتج للصلب الخام في أوروبا وأميركا.

"الأفران العالية الخضراء"

ويقرّ أورسيني بأنه "لا يمكن في الوقت الحالي لصناعتنا الاستغناء عن استخدام الفحم الحجري. إذا كنا نريد أن يصبح إنتاج الصلب محايدا للكربون يوما ما، فيجب التقاط الغازات الدفيئة من المصدر؛ أي في الفرن العالي حيث يتم صهر خام الحديد".

وتسمى هذه التقنية بـ"التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون". وبدلا من إطلاق كميات هائلة من الغازات السامة في الغلاف الجوي، يتم التقاطها من المصدر ثم تخزينها تحت الأرض، لتخرج عبر الدورة الطبيعية. بهذه الطريقة، ستكتسب شركة أرسيلور ميتال "أفران الانفجار الخضراء".

تخزين ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في مكان ما ضرورة، ولكن أين؟ (غيتي)

من أجل تطبيق تقنية التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، تعتزم الشركة بناء برجين بارتفاع 24 مترا لفصل ثاني أكسيد الكربون عن الغازات الأخرى باستخدام مذيب، ثم تسييل الغاز فيما بعد. يتحمل الاتحاد الأوروبي 3 أرباع تكلفة هذا المشروع التجريبي.

ولكن أين سيخزّن ثاني أكسيد الكربون بمجرد عزله وضغطه؟. يقول أورسيني "ربما نشحنه أو نبني خطوط أنابيب غاز". إن المعطى الوحيد المؤكد هو ضرورة تخزين ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في مكان ما؛ لكن في الوقت الحالي لا يوجد موقع تخزين دائم في أوروبا".

فشل هذا الاختيار

إن سجل تقنية تخزين ثاني أكسيد الكربون غير ملحوظ، بوجود 18 مشروعا فقط مختصا في التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم، تم تطويرها بشكل رئيس من شركات النفط الأميركية؛ في حين فشلت جميع المحاولات في الدول الأوروبية لفصل وتخزين الغاز غير المرغوب فيه حتى الآن.

وقد استثمرت بروكسل منذ 2009 ما يقرب من مليار دولار في مشاريع التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون. وذهبت هذه الأموال إلى شركات الطاقة مثل "ألستوم" (Alstom) الفرنسية و"إنيل" (ENEL) الإيطالية و"فاتن فال" (Vattenfall) السويدية. ولكن جميع هذه الشركات استسلمت سريعا بسبب تكلفة المشاريع أو المعارضة المحلية.

ويؤكد أرتور رونج ميتزجر، من المديرية العامة للعمل المناخي في المفوضية في بروكسل، أنه "لن ندعم بعد الآن مشاريع التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون في محطات الطاقة، التي ما زالت تعمل بالفحم الحجري".

تفضل المفوضية الأوروبية التزام الصمت حيال فشل مشروع التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون (غيتي)

اليوم، يدعم الاتحاد الأوروبي تقنيات التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل أساسي في صناعة الأسمنت أو الفولاذ. وأضاف ميتزجر "بالنسبة لهذه الصناعات، فإن تقنية التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون هو الأمل النهائي لتحقيق حياد الكربون لعام 2050، على النحو الذي دعا إليه اتفاق باريس للمناخ".

وتفضل المفوضية الأوروبية التزام الصمت حيال فشل هذا المشروع التجريبي لالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، وترفض نشر التقرير النهائي لكل شركة معنية، على الرغم من أن دافعي الضرائب الأوروبيين استثمروا مئات الملايين من الدولارات في هذه المشاريع.

الضغط من أجل التقنية

وفي إشارة إلى التكلفة الهائلة لهذه المشاريع، أكدت محكمة العدل للاتحاد الأوروبي أنه "لم يتحقق هدف اختبار التقنيات الجديدة، ولم ينجح أي من برامج التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون".

ورغم ما ضُخ من أموال في هذه البرامج، تخطط المفوضية مرة أخرى لتقديم منح لتطوير تكنولوجيا التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون من صندوقها، الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات. وتعد شركة "أرسيلور ميتال" من المستفيدين.

لوبي النفط والغاز هو الأكثر تأييدا لتقنية التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون (غيتي)

وتكشف الوثائق الداخلية للمفوضية الأوروبية، التي تمكنت "لوموند" من الاطلاع عليها، أن لوبي النفط والغاز هو الأكثر تأييدا لتقنية التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون.

وقد عمل ممثلو شركات النفط بالإضافة إلى مجموعة الضغط الخاصة بهم، الرابطة الدولية لمنتجي النفط والغاز، لسنوات للترويج لهذه التكنولوجيا في جميع أنحاء أوروبا.

وبعد اجتماع مع المديرين التنفيذيين لشركة "إكسون" (Exxon) خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعربت كلارا دي لا توري، نائبة الرئيس التنفيذي لفرع العمل المناخي، عن "تشجيعها الشديد" للاعتراف بأهمية إستراتيجية التعاون القُطري مشيرة إلى "صندوق الابتكار"، وهو برنامج منح الاتحاد الأوروبي الطموح.

المصدر : لوموند