المؤسسة الإندونيسية للإغاثة المائية.. الحلول تتغير حسب التحديات

رغم قصر عمر المؤسسة فإنها تركت أثرا في كثير من الأرياف الإندونيسية، وبدأت تنشر الوعي بضرورة التأكد من مصادر المياه المتوفرة قبل إطلاق أي مشروع

عندما تصبح الإغاثة المائية أكثر من مجرد حفر آبار
إندونيسيا دولة استوائية غزيرة المطر، لكن طبيعتها الجيولوجية تجعل من الصعب حفر آبار في بعض المناطق (الجزيرة)

في محافظة تشي أنجور بإقليم جاوا الغربية الإندونيسي شُيد معهد للتعليم الأساسي والثانوي كان يفترض أن يستوعب نحو 1200 طالب وطالبة، ولم يكن يتصور مؤسسوه أن منطقة معتدلة الجو مخضرة الهضاب غزيرة المطر لشهور، لن يكون فيها مخزون ماء كافٍ غير مياه الأمطار التي لا يخزنها سد قريب، فكانت النتيجة وبسبب شح المياه أنه لم يبق في المعهد سوى نحو 70 تلميذا.

الإغاثة على أسس علمية

مثل هذه القصة تحدث كثيرا، حيث يفاجأ أصحاب مشاريع تعليمية أو عقارية أو حتى سكان قرى بأن محاولات حفر آبار جوفية أو سطحية تبوء بالفشل.

تواصلت إدارة المعهد مع مجموعة من الجيولوجيين والجيوفيزيائيين والفنيين المتطوعين من تخصصات مختلفة ممن أسسوا "المؤسسة الإندونيسية للإغاثة المائية" كأول مؤسسة خيرية متخصصة في مجال العون المائي، تعتمد في عملها الأساليب العلمية وما يتوفر من بيانات هيدرولوجية وجيولوجية عن المنطقة التي تعاني من مشكلة المياه.

كان هدف التواصل معرفة ما إذا كان هناك مخزون يمكن استخراجه وعلى كم من الأعماق يوجد، وما كمية المياه التي يمكن ضخها يوميا، بل وجودة المياه وصفاؤها، فقد يحفر بعض السكان آبارا في الهضاب لكن المياه التي تضخ منها حمراء اللون وغير صالحة للاستخدام بسبب الطبيعة الصخرية والمعدنية.

وفي حالة ذلك المعهد في محافظة تشي أنجور، أكد خبراء بعد إجراء المسح الجيوكهربائي وما أكدته خرائط ومسوح جيولوجية وهيدرولوجية أنه لا يمكن أن يحفر بئر في تلك المنطقة، وليس من حل للمعهد والسكان حوله إلا بنقل المياه بصهاريج مياه، فحتى مياه الأمطار لن تكفي إلا لعدد قليل من السكان وخلال موسم الأمطار فقط.

الطبيعة الجيولوجية وتغيراتها

وكما أكد هيرمان سوسيلو للجزيرة.نت -وهو جيولوجي وأحد متطوعي مؤسسة الإغاثة المائية، بعد إجراء المسح الجيوكهربائي- أن سبب عدم إمكانية استخراج المياه حتى الساعة بحفر بئر في تلك المنطقة يعود إلى أن "المياه عادة تتدفق من أعالي الجبال، لكن علينا أن ندرس الطبيعة الصخرية، وهل هي بركانية أو قديمة من الطين الخشن، كما أن الجبل هنا شهد تحولا موغلا في القدم تحولت إلى صخور كريستالية ضخمة، وليس فيها ماء باستثناء حدوث صدع أو تشققات بين الصفائح، غير أننا لم نجد تشققات يمكن الاستفادة منها بحفر بئر".

ورغم أن إندونيسيا دولة استوائية غزيرة المطر خلال بعض الشهور، فإن طبيعتها الأرخبيلية وجبالها البركانية تجعل من الصعب حفر آبار في بعض المناطق حسب تشققات الصفائح التكتونية، ما يجعل منطقتين متجاورتين إحداهما وفيرة المياه وأخرى مجاورة تفشل فيها محاولات حفر الآبار.

إضافة إلى إشكالية تسلل المياه المالحة إلى المناطق الساحلية، وطبيعة الصخور في بعض المناطق وما إذا كانت تخزن المياه. كما تزداد في المناطق الجبلية صعوبة حفر الآبار وقد يكون الأمر مستحيلا، فيكون الاعتماد على ترشيد استخدام مياه الأمطار والعيون وهو ما يحتاج إلى جهد مضاعف وعناية بالبيئة المحيطة، وقد يعود الأمر إلى الخطأ في أسلوب استخراج المياه، وقد يكون الحل في تجميع مياه الأمطار وتصفيتها.

وأضاف سوسيلو أن تجربة الفريق العامل بالمؤسسة منذ انطلاق أول تجربة لهم -قبل 6 سنوات وقبل أن تتحول إلى مؤسسة مسجلة رسميا- تظهر أن إشكالات المياه تختلف من منطقة إلى أخرى، فالمياه قد تكون مالحة بالقرب من السواحل، وقد تكون عين الماء تحت سطح الأرض ويجب ضخ مياهها إلى السطح، وهناك قرى تقع في سفوح جبال أعلاها عيون مياه وجبال تشهد أمطارا غزيرة، ولكنها بحاجة إلى تخزينها وتوزيعها بشكل جيد على السكان.

عندما تصبح الإغاثة المائية أكثر من مجرد حفر آبار
إشكالات المياه تختلف من منطقة إلى أخرى، مما يقتضي اختلافا في الحلول التكنولوجية المقدمة (الجزيرة)

تاريخ من العون المائي

يشار إلى أن فكرة العون المائي لهذه المؤسسة انطلقت عام 2015 بحفر بئر على نفقة شركة من إقليم جوغجاكرتا في منطقة جنوب جاكرتا، كانت تلك الخطوة بداية لإطلاق مؤسسة تسعى لحل إشكالات المياه ولرفع الوعي بترشيد استخدام مصادر المياه وتوفيرها للمجتمعات الريفية على وجه الخصوص.

ومع تزايد السكان وتغيرات المناخ، والإضرار بالغابات -حيث معظم عيون المياه العذبة وأعالي الأنهار- وبعد بضع سنين من التجارب والعمل التطوعي، تأسست المؤسسة الإندونيسية للإغاثة المائية.

ورغم قصر عمر المؤسسة فإنها تركت أثرا في كثير من الأرياف الإندونيسية، وبدأت تنشر الوعي بضرورة التأكد من مصادر المياه المتوفرة قبل إطلاق أي مشروع تجاري أو إسكاني أو تعليمي في منطقة يراد التوسع فيها عمرانيا.

ويقول القائمون على المؤسسة إنه من الأهمية بمكان التفات العمل الإنساني محليا وعالميا إلى مشاريع إدارة مصادر المياه بخبرات علمية وضمان توزيع المياه على السكان بالمناطق التي تعاني شحا في المخزون المائي، رغم مرور شهور من موسم الأمطار كل عام عليها.

عندما تصبح الإغاثة المائية أكثر من مجرد حفر آبار
من الأهمية بمكان التفات العمل الإنساني إلى مشاريع إدارة مصادر المياه بخبرات علمية (الجزيرة)

حلول تكنولوجية ملائمة

ويعمل فريق المؤسسة على البحث عن أهم الحلول لكل حالة حسب أحوالها الجيولوجية والتضاريسية والمناخية، ويمتد دورهم إلى إدارة مخزون المياه وتوزيعه على السكان في المناطق المحيطة، وقد تتوفر فرصة لتوليد الطاقة الكهربائية مما يتم تخزينه وضخه من مياه عذبة في المرتفعات.

كما تقدم المؤسسة برامج تدريب للمعنيين بمشكلة المياه في أي من القرى التي تواصلت مع المؤسسة على أسلوب ترشيد الاستهلاك بتقديم حسبة رياضية لمصادر المياه التي تصلهم من آبار أو مياه عيون، أو ما يمكنهم تخزينه، واستهلاك كل فرد في القرية أو المعهد أو الجامعة، ما يظهر أن حل مشكلة المياه لم تعد بحفر الآبار الجوفية أو السطحية فقط، فتلك أسهل جزئية في هذه المهمة.

وفي بعض الحالات يكون الحل اللازم هو تشييد سد بمساحة حوض واسع أو مشروع أنابيب مياه من مسافات بعيدة من أقرب الأنهار، وهو ما يستلزم تعاونا للمؤسسة مع الجهات الحكومية أو أن تقدم التوصيات العلمية بخصوص تلك الحلول إلى الجهات الحكومية المعنية لتقوم بدورها بتنفيذ المشروع الموصى به لحل مشكلة المياه في تلك القرية أو المنطقة.

المصدر : الجزيرة