محمد الطيب
الشاهد

السودان.. جدلية الهوية والجغرافيا ج1

تبحث الحلقة في جدلية الهوية والجغرافيا في السودان، فلم يكن السودان الذي نعرفه عبر تاريخه كيانا سياسياً محدد المعالم، بل ظل ملتقى للأمم والثقافات التي امتزجت بثقافة أرضه.

– المعابد الفرعونية
– اتفاقية البقط

– ولاية الجزيرة

– التصوف والسودانيون

– كرامة الموت

– قبائل المسيرية

undefined
 
undefined
undefined
undefined
undefined
 حسن مكي
 حسن مكي


أحمد الشيخ: ولأن التاريخ يجرى حيث يجرى الماء فإننا نقف اليوم في بؤرة السودان، وربما بؤرة إفريقيا كلها حيث يلتقى النيل الأبيض بالنيل الأزرق فيتشكل النيل العظيم الوداع الساحر عبر العصور، النيل واهب الحياة على الدوام وجالب الغزاة في بعض الأحيان. من بعيد يبدو النيل وشريطة الأخضر مثل وشم يختزن التاريخ ويختزل الحياة عبر الصحراء الشاسعة في بلاد النوبة بشمال السودان. قبل خمسة إلى ستة آلاف سنة لم تكن الصحراء على جانبي النهر هنا بمثل قسوتها الراهنة، غير أن التغييرات المناخية أدت إلى ما نشاهده اليوم من شريط ضيق يستمد حياته من النيل وتقوم على ضفتيه أوجه الحضارة والعمران، كما قامت مملكة كوش أولى حضارات ما يعرف اليوم بالسودان الحديث والتي إزدهرت ما بين عامي 2500 قبل الميلاد و450 للميلاد، أردنا أن نبدأ الرحلة مع السودان من هنا من الدفوفة الغربية أبرز آثار كرنة العاصمة الأولى للكوشيين النوبة، وهم على الأرجح من الشعوب الحامية، بنى الكوشيون هذا الحصن العسكري أو المعبد من الطين وهي المادة التي يستعملها السكان هنا في بناء منازلهم حتى اليوم، ورغم عوامل المناخ وعاديات الزمن ما زال الحصن قائما وسط مجمع أُنيط اللثام مؤخراً عن آثاره، وتشير الآثار المكتشفة إلى أن الكوشيين بلغوا في فنون المعمار شوطاً واسعاً وأنهم كانوا على إتصال مستمر مع الحضارة المصرية الفرعونية في علاقة تخللها السلم والحرب والعبادات المشتركة كما هو شأن السودان عبر العصور، وغير بعيد من الدفوفة في هذا المجمع السكني القديم يعمل البروفسور تشارلز بوانييه من جامعة جنيف منذ 45 عاما في إستكشاف حضارة الكوش وهو يؤمن بأن العلاقات بين الفراعنة والكوش ذات أعماق بعيدة أملتها المصالح الإقتصادية والأمنية.


تشارلز بوانييه/ جامعة جنيف: وجدنا ليس فقط بلدة مصرية بل بجانبها مجمع ديني نوبيٌ ضخم, والأمر كما هو اليوم الناس يذهبون إلى الصحراء للتنقيب عن الذهب، وأنا شاهدت الكثير من الناس يذهبون للصحراء للعثور على الذهب وربما كان أحد أهداف المصريين القدوم إلى هنا وأخذ ذهب النوبة بالاضافة إلى الحجارة والعاج وخشب الصندل والعطور وأشياء أخرى، ولكن الذهب أساساً.

المعابد الفرعونية


أحمد الشيخ: هنا إكتشف البروفسور بوانييه معابد مصرية فرعونية وأخرى كوشية إفريقية جنبا إلى جنب وهو أمر مثير، وقد ظلت حضارة كرمة مزدهرة إلى أن غزاها الفراعنة وقضوا عليها، فإتجه الكوشيون جنوباً بعيداً عن الخطر الفرعوني، وهناك أسسوا مملكة نبتة فإزدهرت وقويت على حساب الفراعنة أنفسهم ما بين 656 – 590 قبل الميلاد، عثر على هذه التماثيل السبعة لأشهر ملوك نبتة مدفونة في الدفوفة بعد أن حطمها الفراعنة المصريون في غزوة لكرمة.. بهذا الممر كان يسير الموكب الملكي إلى منصة التنصيب حيث كان ينصب جميع ملوك نبتة.. هنا في حضن جبل البركل أقام الكوشيون أعظم معبد للإله أمون رع إله الشمس الفرعوني، ومع أن الرمال تزحف اليوم على هذا المعلم الأثري العظيم وتهدده فإن إتساعه وأبهته تشير إلى عظمة نبتة في المعمار والنحت. على هذا المقعد كان الملك يجلس إذ يتوج وهنا كانوا يقدمون القرابيين وتعيش بالجوار الأسرة الملكية، غزا ملوك نبتة مصر الفرعونية وحكموها أكثر من 40 عاماً وهو ما يعرف بحكم الأسرة الخامسة والعشرين، ومن أشهر ملوكهم ترهاقا الذي قاتل الفرس وهزمهم وقاتل الآشوريين ووصلت جيوشه إلى سوريا وفلسطين وورد إسمه في التوراة، ولما ضعف الكوشيون بعد أن هزمهم الآشوريون وقويت مصر الفرعونية مرة أخرى نقلوا عاصمتهم أبعد جنوبا إلى ماروي وهنا إستمرت حضارتهم حتى عام 450 للميلاد. أقام ملوك ماروي المدفونون في هذه الأهرامات حضارة مزدهرة إذ إخترعوا الحرف المروي الخاص بهم وتخلوا عن الكتابة الهيروغلفية، وأتقنوا صهر الحديد وصناعة الفخار اللامع التي ورثوها من نبتة وكانت تتفوق على كل ما خلفته الحضارات الأخرى، ورغم الدمار الذي لحق بأهرامات مروي والرمال التي تكاد تغطيها فإنها ما تزال تحتفظ بعظمة الحضارة البائدة وتثبت أن أرض السودان التي نعرفها اليوم لم تكن يباباً خالياً من الحضارات قبل أن تفد إليها الديانات والهجرات والثقافات اللاحقة، ولإن قامت حضارة الكوش على جانب النيل وبادت فلم يبق إلا معالمها فإن عادات أهلها المتأصلة في الذاكرة الجماعية ما تزال تصدح في أعراس أهل النوبة إلى اليوم، بمياه النيل تتبرك عرائسهم وبما تجود به أرضه يتعاهدون في السراء والضراء، ومن رمل الصحراء الذي بنى به الكوشيون ما زالوا يبنون وحتى أوانيهم اليوم من مثلها شرب أجدادهم قبل آلاف السنين ونقوشهم هي نفسها محفورة في البيت وفي الذاكرة. بإنتهاء مملكة مروي على يد عيزانا ملك الأحباش وفدت الديانة المسيحية إلى النوبة، وأقام النوبة ثلاث ممالك مسيحية ظلت تحكم إلى أن جاء الإسلام وهاجر العرب إلى مصر والسودان.. ننتقل إلى ضفة النيل الأخرى في دنبلة العجوز.. هنا وقفت جيوش المسلمين في عهد عمر بن الخطاب عند حدود مصر الجنوبية فإستشعر ملوك النوبة المسيحيون الخطر خاصة وأنهم كانوا على علاقة بملوك بيزنطة ومسيحيي مصر من الأقباط، فأخذوا يغيرون على حدود مصر الجنوبية فسارت إليهم حملة بقيادة عبد الله بن أبي السرح، وبعد قتال شديد وقع معهم إتفاق البقط عام 651 للميلاد، 31 للهجرة.. هذا هو أول مسجد بُنى على أرض السودان من قبل الدعاة الأُول ويحمل اليوم إسم عبد الله بن أبي السرح، ويُقال إن إتفاق البقط وقع هنا بداخله.. بناء المسجد الأصلي مهدمٌ ومهملٌ اليوم تكاد الرمال تمحوه من الوجود، وفي هذه المنطقة قامت أول خلوة في السودان حين وصل الشيخ غلام الله بن عائد الحضرمي وأقام هنا مسجده وخلوته وأشعل أول نار لتحفيظ القرآن الكريم وتضم هذه القباب رفاة أبنائه وأحفاده الذين أقاموا علاقات ودية مع النوبة المسيحيين وأصبحوا فيما بعد سادة المنطقة.. لم يتبق من كنائس ممالك النوبة المسيحية إلا هذا المبنى الذي رممته جمعية أميركية، وقد وضع إتفاق البقط حداً للحروب مع المسلمين إلا القليل ممن إنتهى بإنتهاء آخر الممالك المسيحية في علوة أمام الزخم المتعاظم للقبائل العربية المهاجرة من قحطان وربيعة وقريش وقيام دولة بني الكنز العربية بعد ذلك..

اتفاقية البقط


أدم حسين مالك/ رئيس البرلمان السوداني سابقا: اتفاقية البقط ذات سمة ودليل كاف جدا جدا على السلمية في الإسلام، عبد الله بن أبي السرح لم يأت محارباً، جاء لينشر الإسلام، لما حصلت له بعض المقاومة الطفيفة جدا جدا جداً عمل معهم إتفاقية البقط والتي كانت تمثل حجر زاوية يعني مهما جدا جدا في تاريخ التسامح الإسلامي وفي تاريخ التعايش العربي الإفريقي في ذلك الوقت، أيضا هنالك هجرة بعد بزوغ الإسلام إلى السودان وقبله، قبل الإسلام وبعد الإسلام، والهجرة أخذت شكلا فكريا أيديولوجيا بعد الإسلام، وأخذت إهتماما كبيراً جدا جدا به لأنه كان في صراعات بين الأديان لكنها صراعات هادئة، السودان لم يكن أرض لحرب بين المسيحية والإسلام أبداً.


أحمد الشيخ: في العقود اللاحقة دفع الإضطهاد الذي لقيه العرب في مصر على يد الأيوبيين والمماليك دفع القبائل إلى الهجرة إلى السودان، اليوم يتعايش في السودان المسلم والمسيحي بتسامح ملفت قلما يوجد في بلدان أخرى، في الخرطوم يجد المرء كنائس لطوائف متعددة، والطائفة القبطية هي أكبر الطوائف المسيحية في السودان بل إن معظم مسيحيي السودان يتحدرون من أقباط النوبة في شمال البلاد، وقسم كبير منهم يعيش اليوم في جبال النوبة بجنوب كردفان. لم يكن السودان الذي نعرفه اليوم عبر تاريخه كيانا سياسياً محدد المعالم، بل ظل ملتقى للأمم والثقافات التي إمتزجت دائما مع ثقافة أرضه الأصلية وفيما بينها فجاء السودان الحديث بكل سحنه وعاداته ومشاربه.. على أن هجرة القبائل العربية ودخول الإسلام هو التطور الأهم في صياغة هوية السودان ووجدانه كما هو اليوم.


حسن مكي/ مدير جامعة إفريقيا العالمية: عرقيا من هم العرب، العرب هم أبناء هاجر، وهاجر هذه أمة مستضعفة سوداء، واليهود لماذا يعتقدون أن أبناء هاجر العرب محرومون من ميراث سيدنا إبراهيم عليه السلام، محرمون من ميراثهم المادي ويقولون الأرض من الفرات إلى النيل لنا لأنهم ينطلقون من ناحية عنصرية يقولون نحن أبناء سارة الحرة والعرب أبناء هاجر الأمة الرقيقة المستضعفة، وأن إبن الأمة عند اليهود لا يورث، فلذلك فقط هذه درجات في البشرى وفي الكده، ولكن هذه المنطقة فعلاً كلها بربرة وعجمة وما يسمونه بالعرب وما يسمونه بالأشراف وكلهم يتحدرون من صلب هاجر فهم على درجات مختلفة من الإنتساب إلى هذا الرحم الإفريقي.


أحمد الشيخ: قبل الإسلام وبعده قصدت القبائل المهاجرة السودان عبر ثلاث طرق، من شمال جزيرة العرب ووسطها إلى بلاد الشام فسيناء فمصر فمع النيل جنوباً، ومن غرب الجزيرة في الحجاز عبر البحر الأحمر مرورا بموانئ جدة وعيذاب وسواكب، ومن جنوب الجزيرة واليمن عبر مضيق باب المندب وجزيرة دهلك، وفي عصور لاحقة عبر بلاد الشام فمصر فبلاد المغرب المغربي نزولاً إلى تشاد حتى غرب السودان في دارفور وكردفان، كما هو الحال اليوم في شمال وشرق السودان إجتذب التنقيب عن الذهب الكثير من المهاجرين العرب، فمنهم من إستقروا وخالط الناس أعمالهم بعدما تمكن الفاتحون المسلمون من وقف تمرد السكان من شعب البِجا ووقعوا معهم إتفاق صلح مشابهاً لإتفاق البقط، حملتنا الرحلة عبر السودان إلى ميناء سواكن القديم على البحر الأحمر، أطلالٌ تنعى غابر أيامها وإن كان فيها بقية رمق وبعض من يذكرون أجدادهم.

عبد الله قرموشي: أنا عبد الله سالم قرموشي من أبناء اليمن حضر موت، طبعاً والدنا أو جدذونا كما تقول هم جوا سواكن من ضمنهم اليمنية والحضارم اللي هم من اليمن، وسواكن طبعاً كانت مفتوحة للجزيرة العربية.


أحمد الشيخ: كانت سواكن أيام الهجرات والتجارة عبر البحر الأحمر تضج بالحياة وبالأساطير، إذ يقول ساكنوها إن النبي سليمان كان يحبس فيها العفاريت، اليوم بعض مبانيها تحمل أثراً باهتاً من عمران جدة على الضفة الأخرى للبحر، مثل هذه المشربيات على نوافذ المنازل، وقد أردنا أن ننتقل بالكاميرا غير بعيد إلى ميناء عذاب الواقع اليوم تحت السيطرة المصرية في شريط حلايب المتنازع عليه حيث مر يوماً إبن بطوطة وإبن خلدون لكن نزاعات العرب وما أكثرها حالت دون ذلك. في بورت سودان ميناء السودان الوحيد وممر نفطه إلى العالم أضفى المطر على المدينة المزدهرة جوا يُذكر بربيع المتوسط شمالاً حيث يميل وجدان السودان دوماً، ويُذكر أيضاً بإتساع البلاد وتنوعها تضاريساً ومناخاً وثقافةً.


حسن مكي: هذه التركيبة العجيبة هي التي تيجي على السودان يعني إفريقية مصغرة ولذلك المأزومية السياسية التي تراها في السودان ستستمر لأن السودان بلد متنوع، وبلد كانت مناخاته مختلفة يعني أنت في مصر تتكلم عن قبيلة وحدة القبيلة المصرية، في فلسطين تتكلم عن قبيلة وحدة القبيلة الفلسطينية سواء كان مسيحيين أو مسلمين، لكن في السودان تتكلم عن قبائل وشعوب مختلفة .


أحمد الشيخ: وما تزال بورت سودان تحمل في معمارها بصمات الحقبة التركية والبريطانية الإستعمارية. هذه قريباً من بورت سودان بعض مضارب عرب الرشايدة آخر من هاجر من قبائل الجزيرة عبر البحر الأحمر مع إبيلين قبل 150 عاماً، صبيانهم يتخاشمون تحية كما يفعل أهل الجزيرة حتى اليوم، وخيامهم تخفق فيها الأرياح مثل خيمة ميسون الكلبية. قصدناهم في مضرب آخر نتلمس بعض مناحي ثقافتهم فوجدنا إحتفاظهم حتى الآن بما يميزهم عن السودانيين زياً وعادات. وجدناهم يحتفظون بعرضتهم أقرب إلى ما يفعل أهل الجزيرة العرب موطنهم الأصلي .


محمد بن داخل: أنا محمد إبن داخل رشيدي من الرشايدة البراطيس العويملات وجينا أول زمان من السعودية وجينا في أرض السودان ورعانا من شاف و اليمن اليمن وشاف ومغيضة وشرق، شرق وغرب والحمد لله على خير وفي نعمة.


رشيدي آخر: نحن رشايدة هاجرنا من ديرة السودان أبوي ولد في البلد هاد عمره مات على 80 سنة، وأنا اليوم عمري 85 سنة، هاجرنا من السعودية وعايشين في البلد هذا من أريتيريا إلى مصر متجولين بـ هالحلال .


أحمد الشيخ: قبل الرشايدة وفدت إلى ولاية كسلة عدة قبائل عربية ومنها من إستقرت واختلطت بالسكان الأصليين من شعب البيجان حتى إنها تخلت عن لغتها العربية وأخذت تتحدث بلسان البيجان الذين يقولون أنهم هم أيضاً هاجروا من الجزيرة قبل الإسلام، وبعد الإسلام هاجرت قبائل أخرى منها أقوام من مضرة، وربيعة، وجهينة، وبني تميم، وبني هلال، ورفاعة، وبني كاهل، وسعد العشيرة، وقيس عيلان، وبني يشكر، وقد سيطر هؤلاء على التجارة والمراعي وأصبحوا حُكام البلاد إذ نقلهم نظام توريث ابن البنت عند البيجا والنوبة للسدة. إنتشرت القبائل المهاجرة في كل أنحاء السودان وتغيرت أسمائها في بعض الأحيان، ولعل منطقة البطانة في وسط السودان هي الحاضن الأوضح لتلك القبائل ومنها الشكرية والبطاحين. تراث الشكرية والبطاحين تتجلى فيه الهوية العربية بكل وضوح. رقصة العرضة يؤديها فتيان البطاحين والشكرية بكل براعة ويتوارثها الأحفاد عن الأجداد. سيوفهم مستقيمة خلافاً للسيف العربي المقوس وخبراؤهم يقولون إن هذا سيف متأثر بالسيف الروماني ظل موجودا في السودان لدى السكان الأصليين على الأغلب، وبقدر ما تستطيع تثبيته من السيوف على رأسك تُحتسب مهارتك. الثوب العربي الفضفاض والعمامة والرقصة والولع بالسيف والحماسة سمات عربية يعتز بها هؤلاء الناس، ولا تخلو أدواتهم ورقصاتهم من التأثير الإفريقي مثل هذه الطبول النقارة التي يطلقون نغماتها المختلفة دعوة للحرب، أو الرحيل، أو غير ذلك. والشعر الشعبي النبطي له أهله ومحبوه كما في الجزيرة، وبلاد الشام، والعراق. ولولا إختلاف اللهجة لقلت إني في بادية الشام أو العراق، أو إحدى بطاح نجد. يتغنون بالإبل عماد حياتهم وإن تقلص إعتمادهم عليها.


عبدالله ود إدريس/ شاعر من الكبابيش: فوق كن نوخة العز والعزم والشيمة، الصدى فصّها الخيل ورجال صميمة، يعزملوا القطامي يقدملوا وليمة، البل يلم الناس و يجمج الحكام والبل في السعي مرتبات قدام، أنا كان مسكوني الشور فكر ونظام كأس العالم يبقالهن جريد وقدام.


أحمد الشيخ: وينشدون المحبوبة تشبيداً وهياما وينشدون مداحيين أو هاجئين .


عثمان محمد المبارك: ارسل ليك سلامي، مع النسيم وماته، يا مهرة عقود اللي بالدرع بيتاتي، أكان الحظ يلازمني وتحالفه حياتي بنقد حب قناديلاً سرقلو شعري.. قال صهباه وحره عنافية بثمر بيت خيلية ومع الديناره فدْ لك بيت، النخل الفروع إدندحت بصبية تجدعتا وخطية التفاح والشابيت. قال قم من حلفا باليوم المقابل الجمعة وقاصدة فيه حلاوات الصفات مجتمعة..


أحمد الشيخ: لقد تغير نمط حياة الشكرية والبطاحين في مناطق سكناهم في الجزيرة، والبطانة، والقداريف، وولاية النيل بفضل إنتشار التعليم بينهم، وإستقرارهم بعيداً عن الترحال وراء الماشية غير نمط حياتهم لكنهم يتمسكون بتراثهم ويفتخرون به.

[فاصل إعلاني]

ولاية الجزيرة


أحمد الشيخ: هنا في ولاية الجزيرة تعيش كذلك قبائل عربية أخرى، وقد إرتبط إسم ولاية الجزيرة بالسودان الحديث بحملة محمد علي، إذ إتخذ قادة حملته من كبرى مدنها مدني عاصمة لهم قبل أن ينتقلوا إلى الخرطوم. ما تزال بعض ملامح العمران التركي واضحة في مدني كما مقر حاكم الولاية، ومن يزور مدني لا بد أن يزور شيخها المتصوف الشيخ السني، ففي الجزيرة، وصنار، والنيل الأبيض المجاورتين أحد معاقل التصوف الكبرى في السودان، وقد يذهب بعض زائري الشيخ السني إلى حد المبالغة بالدعاء عند ضريحه. تجلب إنتباه الزائر هذه المنازل التي بناها الإنجليز يوم انشأوا خط السكة الحديد لإقامة العاملين، ولا تبدو السكة اليوم في حالها أيام الإنجليز ولكأن الزمن توقف يوم غادروا. آنذاك كانت تنشغل خطوطها بالقطارات المحملة بالقطن من أراضي مشروع الجزيرة الخصيب. أما اليوم فتخلت حكومة الإنقاذ عن القطن محصولاً رئيساً من مشروع الجزيرة وإستبدلته بالقمح، فلم يصب نجاحاً كبيراً وتوقفت مصانع النسيج فلا قطناً حلجت ولا قمحاً كافياً حصدت. مدرسة حنتوب بناها الإنجليز أيضاً عام 1945، وتخرج منها بعض رموز السودان الحديث من أمثال الصادق المهدي، وحسن الترابي، وجعفر النميري وغدت اليوم جامعة. وإلى الجنوب في ولاية سنار قامت سلطنة الفُنج الزرقاء أول وأقوى إمارة إفريقية عربية مسلمة تقوم في السودان، وتحكم لـ 300 سنين أو يزيد. لم يبق من أثار الفُنج في سنار عاصمة الولاية إلا القليل مما سلم من الإندثار. هنا قامت مملكة العبد الله العربية بزعامة عبد الله جَمّاع فجاءها الفُنج وهم زنوج شُرك من الجنوب وهزموها عام 1500، ثم تقاسم الجماعة السلطة مع الفُنج الذين إعتنقوا الإسلام ونشروا رسالته. ويعود الفضل لسلطنة الفنج في ترسيخ الشريعة الإسلامية منهج حياة نظرياً وعملياً فهم من أوفد الفقهاء إلى مصر ليدرسوا الفقه على مذاهبه الأربعة ويعودوا لتعليم الناس. إلى أن أفلت شمس سلطنتهم على يد قوات محمد علي الغازية عام 1821، كما أنهم أولوا الحركات الصوفية عناية خاصة حتى أصبحت الصوفية معلماً أساسياً حتى اليوم من معالم حياة السودانيين. يكاد المرء لا يمر بمدينة أو نجع في ولاية السودان الأوسط، إلا وتقع عينه على قبة لضريح ولي، هذا مقام الشيخ فرح تكتوك هنا يسمونه حلاّل المشبوك، إذ تعتقد هؤلاء النسوة من زواره أنه يساعدهن في تجاوز مشاكلهن. والسودانيون على إختلاف مللهم ينسبون أصحاب هذه الأضرحة إلى بيت النبوة أو إلى مؤسسي الطرق الصوفية الذين وفدوا إلى البلاد من جزيرة العرب أو من شمال إفريقيا.

إحدى النسوة اللاتي يزرن ضريح الشيخ فرح تكتوك : يعني لو في حاجة متعسرة علينا بنيجي لـ أبونا الشيخ فرح بيسهلها لينا إن شاء الله والأمور بتكون تمام 100% ، بنزوروا 7 مرات، كل سبت بنزوروا 7 مرات .

التصوف والسودانيون


أحمد الشيخ: في السودان تجد كل الطرق القادرية، والشاذلية، والختمية، والسمانية، والتيجانية، والإيديوسية، والإسماعيلية، والمجذوبية وغيرها . هؤلاء أتباع الطريقة التيجانية العرقية في مسجد حمد النيل يلتقون كل جمعة للذكر. هنا تجد العربي والإفريقي وكل الناس، العربي الذي تشرب اجداده التصوف في الجزيرة منذ العقود الأولى للإسلام، والإفريقي الذي ناجى أجداده أرواح الغاب ومطر الإستواء كلهم يذكرون ويكبرون ويرحبون. وحّد التصوف السودانيين وإختفت القبلية تحت لوائه، وحل على وجوه السودانيين يوماً وسم أو شموخ التصوف محل شموخ القبيلة. ولعل التصوف لم يطرح مشروعاً بديلاً فعادت إليه الآثار القبلية اليوم وبات يواجه نزعات سلفية قادمة أيضاً من جزيرة العرب. التصوف والسودان صنوان، لقد كان التصوف عامل توحيد بين القبائل السودانية في ببابا فكيف يكون اليوم في القرن الحادي والعشرين وقد إختلفت مقومات الوحدة، وطناً للجميع وتنمية تحقق المصلحة للجميع. إستقرت معظم القبائل العربية في ولايات السودان الوسطى، وما تزال تجمع بين الزراعة وتربية الماشية في حياتها، كما في هذه الأراضي الخصيبة على مد البصر في ولاية النيل الأبيض، إذ يعبرها النهر مندفعاً من قلب إفريقيا الإستوائية قبل أن يلتقي بالنيل الأزرق في الخرطوم. هنا إستقرت قبائل الحسانية، والشنابلة، والهبانية، والجعافرة وإذ يعبر المرء جنوباً يتحسر على غياب الإستثمار العربي، فلو وجد لظلت هذه السهول الطينية الخضراء على مدار العام، والماء يتدفق في جنباتها شرياناً للحياة، لكن يبدو أن نبض الأمة هو الذي توقف، أما النيل فيتلألأ ماؤه كالفضة عند مداخل الجزيرة أضا معقل الأنصار والدولة المهدية حيث يقود المسير. لكن المرء إذ يجيل ببصره في الجزيرة أضا يعجب لبأس حالها والماء يحيط بها من كل مكان، ويعجب كيف أن هؤلاء الصيادين ما زالوا يكسبون عيشهم على قلته ويعرضونه بطريقة بدائية لكأن الزمن توقف. كانت ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق معقل سلطنة الفُنج الأساسي. وما يزال كثير من أحفاد عرق الفنج يعيشون في ولاية النيل الأزرق ويمارسون تراثهم الأصيل ويتحدثون بلغة الأنجاسنة، ويعزفون موسيقى الوازا، وفي هذه الولاية أيضاً يجد المرء البعد الإفريقي جلياً في هجرة هؤلاء الرعاة الفلاتة منذ عهدٍ قريب وكأن إفريقيا كلها تحن إلى النيل وترتحل معه.

كرامة الموت


حسن مكي: إذا كان الهوس تبعونا يأتون إلى حيث النيل ويعتبرون الموت في اتجاه النيل كرامة، الهوسة والفلاني وغيرهم فلذلك الآن كل إفريقيا تتجه إلى السودان تتجه للسودان لتبحث عن النيل، تبحث عن الذهب، تحبث عن الذهاب إلى الشمال سواء كان هذا الشمال هو أوروبا أو مصر أو الخليج أو غيرها وهذه المنطقة منطقة دزم .


أحمد الشيخ: يحملك الطرق إلى ولاية شمال كردفان بعيداً عن النيل وتدخل حزام شبه سافانا الرعوي الذي يتزايد كلما اتجهت جنوباً، هنا أيضاً تعيش قبائل عربية تجمع ما بين الزراعة وتربية الماشية وبعضها مازال مرتحلاً كالكبابيش والحمر الأفغالة، وهنا تعيش قبائل أخرى مثل جهينة والركابية والمعالية وبني هلال، سألنا هؤلاء الرعاة البقارة فقالوا نحن من المسلمية والحوامدة، يخلو حزام السافانا في شمال كردفان من الزراعة الحديثة ورغم خصب الأرض وتوفر المياه الجوفية فإن الزراعة هنا مازالت تعتمد على مواسم المطر وحتى ما يشرب منه الناس وماشيتهم يجمع في بركٍ من موسمٍ إلى آخر. عاصمة الولاية الأُبيض يسمونها عروس الرمال وهي إحدى المعاقل الأولى للمهدية ومتحفها يعرض تراث المهدية وانتصاراتها، ومن أطرف ما تجد في الأُبيض هذا السوق الذي يسمونه سوق أبي جهل وربما يكون هو المكان الوحيد في الدنيا الذي يحمل إسم أبي جهل عدا أعداء الدعوة الإسلامية ولا أحد يعرف سبباً للتسمية، أما هذا المسجد الذي بُني قبالة هذه الكنيسة في الأُبيض فسماه الناس مسجد الكنيسة تسميةً أخرى طريفة، وإذ تتجه بك السيارة جنوباً باتجاه كدوجلي عاصمة ولاية جنوب كردفان يصبح حزام السافانا أكثر اخضراراً مع اقترابه من الإستواء، هنا تعيش قبائل الحوازمة والمسيرية العربية مع قبائل جبال النوبة الإفريقية، هؤلاء الرعاة بقارة وأبالة في آن واحد يعرفون أصولهم.

أحد الرعاة: سرنا من جزيرة العرب وهاجرنا من جزيرة العرب وأجينا للسودان عبر الطرق المصرية، والآن نحنا قاعدين إجينا طبعاً السودانيين عندهم صفات حميدة وكويسة، سكنا معاهم ومعانا نوبا وقبائل كثيرة بنتزوج بعضنا بعض.


أحمد الشيخ: ويمارسون من على ظهر إبلهم تراث أجدادهم حداءً وغناءا. يرتحل الحوازمة شتاءً وخريفاً مع مواشيهم ويستقرون لبعض الوقت عند كدوبلي وقرب جبال النوبا، سكان جبال النوبا من غير العرب يختلف المؤرخون في نسبهم بين قائلٍ أنهم قدموا من منطقةٍ النوبا بشمال السودان وبين من يقول إنهم لا يمتون لتلك المنطقة بصلة، أما هم فيقولون أنهم فروا أمام زحف القبائل العربية ببلاد النوبا في الشمال واعتصموا بهذه الجبال، قوم جبلتهم الطبيعة على الشدة حتى في رياضاتهم الشعبية، المصارعة النوبية حفل في موسم الحصاد وفي غيره، يتوافد الناس من كل مكان حتى وإن كان الحفل في عمق الغاب ووسط جبالٍ تكاد تنهد على من بينها، ويبدو أن هذا الصراع النوبي مستمد من الثقافة الفرعونية إذ وجدت لوحة جدارية في أحد معابد مصر تصور مصارعاً نوبياً يصرع خصمه الأبيض، بعد الصراع تأتي الحفلات ويتغنى الناس بموسم الحصاد وبالطبيعة التي كان يعتقد أن الرب يتجسد فيها قبل أن يعتنق الناس هنا المسيحية ثم الإسلام، كان أهل جبال النوبا على الدوام حلقة الوصل بين العرب والمرتحلين مع ماشيتهم وبين الأفارقة الذين يؤمون السدوان أيضاً نزولاً مع النيل فتشكلت هوية السودان الجامعة.


آدم حسين مالك: إذا أنت دخلت أنت عاوز تقود نفسك لخلاف تحدث عن حسم الهوية بشكل واحد تقع في فخ كبير جداً.


عمر الطيب/ عميد كلية التربية- جامعة حنتوب: السودان عربي أولاً وإفريقي ثانياً، إذا تحدثنا عن أصالة السودان من حيث العنصر العربي فيمكننا أن نتحدث عن هذه الأصول السامية التي انتشرت في السودان الشرقي ووسطه قبل الإسلام، الوسط وغرب السودان أنا شخصياً بفتكر أن هناك هجرة في القرن الثالث عشر والرابع عشر تمت مباشرةً بعد هذه الهجرة التي شكلت الواقع الثقافي والديني للمنطقة في السودان، هي هجرة الشعوب العربية من منطقة المغرب العربي بعد انهيار دولة الأندلس.


أحمد الشيخ: حصادهم من الذرة يحصنونه في سنبله إلا قليلاً مما يأكلون كما نصح النبي يوسف أهل مصر، أما حفلاتهم وأعراسهم فهي مزيج بين ما هو مستعرب وبين ما هو إيقاع إفريقي أصيل، وحبهم لمواشيهم يتجلى فيما يتزينون به أثناء رقصاتهم بما فيها أيضاً من مظاهر الفتوة والقوة لعل الأمهر والأشد يفوز بوجهٍ جميل، في طريقنا إلى أبيي في الطرف الأصيل جنوب كردفان كان العائدون من الشمال إلى الجنوب رفاقنا الدائمين، وقفنا لنتحدث إليهم إذ يستريحون ففضلت إحداهن قبراً في الجنوب على الحياة في الشمال.


أحمد الشيخ: يعني في القبر هناك أحسن من الشمال؟


أحد العائدات: أحسن من الشمال..


أحمد الشيخ: لكن يبدو أن هؤلاء العائدين يحملون معهم إلى جانب شعورٍ بالمرارة عاداتٍ شماليةٍ عربية سترافقهم وتذكرهم بالماضي وقد لا تنمحي وتظل نافرة مثل الشروخ التي في الوجوه. معظم الطريق إلى أبيي غير ممهد وغير واضح مثل مستقبلها الذي تكتنفه المخاطر، في بلدة الناجاوا هنا يتعايش أبناء قبيلة المسيرية العربية مع أبناء جبال النوبة وهم يقولون إن أبيي أرض المسيرية لا يحق لأحد البت في مصيرها ومن أجلها سيموتون إن حاول أحدهم تسليمها لقبيلة الدينكا.

قبائل المسيرية


بكر علي فضل الله/أحد أعيان قبيلة المسيرية: لازم إحنا برضو زي ما هم تمردوا علينا.. إحنا نتمرد برضو، إحنا من حقنا ما نقدر نخلو لسبب من الأسباب يعني إحنا قاعد نمشي عشان نعيش مواطنين درجة ثانية دي ما بتبقى، أسقني كأس بشنو.. بالحنضل إحنا كرامتنا وعزتنا ما بترضى بالدونية، وفي منطقتنا أصلا، وأصلا هم تم ترحيلهم وكان عندهم مشاكل في بحر الغزال وسنة 1905 جاءوا بهم إلى هنا، وبحكم الضيافة كانوا قاعدين عندنا عايشين، والآن قراهم حول البحر وجنب البحر.


أحمد الشيخ: طيب، والمناطق إللي أعطتهم أياها محكمة لاهاي..


بكر علي فضل الله: لا دا كلام سياسي.. ما عندهم أي مستند ولا إحنا جبنا شهود خواجات، جبنا وثائق لكن برضو المخطط، مخطط ثاني..


أحمد الشيخ: هل ستسمحون لهم أن يأخذوا؟


بكر علي فضل الله: no فرداً فرداً، إحنا حنموت هنا فرداً فرداً لأنه نحن نتكلم كمسيرية ما فاوضناهم ولن نقبل..


أحمد الشيخ: عبرنا الغابة كي نتلمس حياة المسيرية مع ماشيتهم إذ هي مصدر إعتزازهم وعماد حياتهم ولديهم منها تسعة ملايين رأس يرتحلون معها شمالاً وجنوباً في الصيف وفي الخريف طلباً للماء والكلأ. عسعس الليل علينا في الغاب ووجدنا القوم يحتفلون بختانصبيانهم يُولمون، وينسل ضيوفهم من بين الأشجار ليرقصوا، إنها رقصة المرثوم التي تمارسها القبائل العربية في غرب السودان خصوصاً، يقولون لك أنهم يردمون الأرض بأقدامهم متمسكين بها رغم ترحالهم، الشبان في القلب والمرأة ترقص في الطرف فهذا هو الترتيب الإجتماعي القبلي الذي جاء معهم إذْ هاجروا، الأرض التي يرقصون عليها جعلها قرار محكمة لاهاي من المساحات التي ستضم إلى جنوب السودان وهم يقولون أنهم يقيمون هنا كل عام منذ مئات السنين ولم يخرجوا، أما خصومهم من الدينكا في أبيي فيقولون إن المسيرية قوم رحل ولا يملكون أرضاً.. على أن بعض المسيرية أصبحوا مستقرين ويعملون في الزراعة وسط الغاب ولهم آبارهم ويعيشون بما تجود به الأرض بدل الترحال، وقد كانت علاقاتهم بالدينكا قبل تفجر مسألة الإنفصال علاقة تعايش سلمي لا يخلوا من مصاهرة.


آدم حسين مالك: هو جنوب السودان نفسه مهاجر إلى السودان وأيضاً جنوب السودان القبائل إللي فيه مهاجرة في قبائل بسيطة جداً جداً لم تكن هنالك مشاكل بينها وبين العرب وتمازجوا وإختلطوا وتزاوجوا وجاءوا جنوبيون جديدون لهم خليط مع العرب ثقافةً وعرقاً، قبيلة الدينكا لها مصاهرة مع العرب المسيرية ومع الرزيقات ومع كثير من القبائل ومع الجعالين أيضاً إللي هي أكبر قبيلة عباسية في السودان.


أحمد الشيخ: أما اليوم فباتت اللغة لغة وعيد.


أحد رجال المسيرية: هذه الأرض أرضنا أنا عمري 52 سنة ومن 52 هذه أرضنا وهذا الشيخ الموجود عمره 90 سنة مولود في هذه الأرض لا نتخلى عن أرضنا مهما كانت الحال.


السلطان دينغ ماجوك/ سلطان الدينكا نقوك في أبيي: لك أنت أن تقدر هل الدينكا هم السباقون في الوجود في السودان أم العرب, ما نعرفه أن العرب هاجروا من الجزيرة العربية لشمال إفريقيا لغرب إفريقيا للسودان لغيره من البلاد, فبالتالي القول بتاعي إنه المسيرية سباقين للدينكا في هذه الرقع هو مردود طبعاً, وقول مجافي للحقيقة.


أحمد الشيخ: هذا ابن السلطان دينق مجوك, سلطان الدينكا نقوك الذي تمسك بوحدة السودان وأقام علاقاتٍ وديةً مع أجداد المسيرية وقومهم هم أغلبية سكان بلدة أبيي نفسها, تعيش أبيي بؤساً واضحاً, رغم أن النفط يستخرج من أرضهم,مثل المسيرية أهلها من الدينغانغوك رعاةٌ ومزارعون, وفيها قد تجد المسيحي والمسلم والوثني في بيتٍ واحد, وكما هو حال جنوب السودان فإن أكثر من 35% من سكان أبيي مسلمون,ك ان اليوم جمعة فصلينا معهم وكان واضحاً اختلاط السحن, غير أن الخطيب تجنب السياسية واكتفى بالوعظ, إذ يتوجس الناس خيفةً من المستقبل,أبيي معبرٌ لبعض العابرين إلى الجنوب الذين رافقونا في سفرنا,كنا نستعد للعودة شمالاً فصادفنا إحدى قوافلهم شعثاً غبراً يعودون, وإذ تتمايل حافلاتهم في الطريق الوعر يذكرني المنظر بحركة الناس في قوافل بكل الأشكال انطلقت لما انفصلت الباكستان عن الهند,إنها السياسة تحرك الناس وتنتزعهم من حيث أقاموا أما هؤلاء العائدون فإن ضباب المستقبل يحول دونهم رؤيةً واضحةً له.