الجزيرة: صورة عامة- نقطة ساخنة 12/05/2007
نقطة ساخنة

كوسوفو.. حروب لا تنتهي أبداً ج1

تبحث الحلقة في الحرب بين الصرب والأتراك في كوسوفو. المعركة بدأت عندما هجم الأتراك بجيش يتكون من مائة ألف من الجنود ضد ثلاثمائة وخمسين ألفا من الجنود الصرب.

– المعركة الأكاديمية في البحث عن الجذور
– معارك الصرب والعثمانيين

– محاولات تدمير الهوية الألبانية

undefined

كل مَن وُلد وتجري في عروقه دماء صربية أو نسب ولم يأت لقتال الأتراك في كوسوفو، لن يولد له صبي، أو صبية، ولن يرث أرضه ابن.

الملك لازار

أسعد طه: هي المعركة ما إن تنتهي حتى تبدأ تدور وتدور تكبر وهي تدور تموت أجيال وتولد أخرى يرحل زعماء ويأتي جدد والمعركة تدور يتغير شكل العالم الحدود والأعلام السيوف والرماح والمعركة تدور وتدور تزهق الأرواح وتعذب الأبدان لا بأس المهم أن المعركة تدور وأنها تطحن الجميع وأن الألم بات لا يطاق وأن الثأر يولد ثأرا يكفي لأن تظل المعركة تدور وتدور.

المعركة الأكاديمية في البحث عن الجذور

أسعد طه: قبل أن أتوجه إلى هنا كنت أبحث عن وجهتي بين الخرائط هاهي أوروبا ثم في الجزء الجنوبي الشرقي منها تقع المنطقة المعروفة تاريخيا باسم البلقان الاتحاد اليوغسلافي كان جزء منها قبل أن تفكك جمهورياته ومن ضمنها صربيا كوسوفو التي كانت بغالبيتها الألبانية تابعة لها هي وجهة هذه المرة، عاصمة كوسوفو تحتار إن أردت أن ترسم صورة لها كأن الذي صممها أراد أن تكون معالمها رمزا لأزمتها الشوارع والبنايات والأعمدة والسيارات الأشياء كلها متداخلة وأحيانا متناثرة، في بريشتينا كل ما حولك ألباني ولا أثر لصربي بعد أن كانت اليد العليا هنا للصرب قبل الحرب الأخيرة التي شارك فيها حلف شمال الأطلسي والتي أدت إلى تحرير كوسوفو كما يقول الألبان أو فصلها كما يقول الصرب عن صربيا، في السوق الرئاسي أو أينما ذهبت سيقول لك الشيوخ والعجائز إن هذه الحرب لم تكن الأولى التي تندلع هنا.. هنا وقعت حروب عديدة عصفت بالمنطقة كلها لكنها الأولى التي جعلتهم هكذا أحرارا على مقربة من أحلامهم القومية، أترك بريشتينا وسر خمسة عشر كيلو مترا في اتجاه الجنوب الغربي ستجد منطقة أولبيانا فيها أثار يقول الألبان إنها اكتشفت مؤخرا وتعود إلى عصر الإليريين جدودهم القدماء الذين أسسوا هنا حضارة رائعة حينما تعود إلى بريشتينا ستلحظ اهتماما رسميا وشعبيا بمتحفها الوطني حديث النشأة ذلك أن الناس هنا تخوض معركة أكاديمية لإثبات دعواهم بأنهم أصحاب هذه الأرض.

يحيى درانشوللي – أستاذ التاريخ ومدير معهد الآثار: تقع الحدود الحالية لكوسوفو ضمن أرض إليريا التي كانت في العصور الوسطى تشمل مساحات أكبر من شبه جزيرة البلقان ويدخل ضمن تلك المساحات المناطق الغربية والأجزاء الشمالية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية للبلقان وقد عاشت في هذه المنطقة العائلات والقبائل الإليرية المعروفة واشتهرت إليريا منذ القدم كأعظم قوة في منطقة المتوسط.

أسعد طه: خارج المتحف الوطني ومن حين لآخر سترى لافتات تحمل أسماء إليرية راح الألبان يكثرون من استخدامها كتعبير عن هويتهم القومية الحديثة، اتجه إلى أكاديمية العلوم والفنون التي تأسست قبل ثلاثة عقود يحدثني مديرها عن ما واجهته من تحديات عندما كانت كوسوفو إقليم تابع لصربيا قبل أن يؤكد على أصول شعبه العريق في المنطقة.

رجب إسماعيلي – رئيس أكاديمية العلوم والفنون في كوسوفو: إن حضر الألبان من أصول إليريا طبعا مع مراعاة التغيرات الجينية التي حدثت على مر العصور لقد كان هنا شعب يتكلم اللغة الهندوأوروبية وله تاريخ قديم وله لغته الخاصة فاللغة الألبانية هي جزء خاص من هذه اللغة التي بدأت البحوث حولها منذ الزمن القديم فحينها كانت هذه المنطقة معروفة باسم داردانيا وداردانيا كانت قبيلة إليريا عاشت في الألفية الأولى من العصر القديم الشعب الإليري كان له نظام خاص وكانت له مملكته الخاص ومن المراكز الأكثر نشاطا كانت مدينة أولبيانا القريبة من بريشتينا.

أسعد طه: المشهد هنا جميل من يا ترى صاحب هذه الأرض الصرب يقولون إنها لهم والألبان يقولون إن أجدادهم الإليريين استوطنوها منذ فجر التاريخ وإن الصرب أتوا لاحقا ضمن القبائل السلفية لكن المنطقة كانت تكتسي بملامح رومانية ذلك أن الإليريين أجداد الألبان برأيهم كانوا قد هزموا على يد الرومان بعد حروب شرسة.

يحيى درانشوللي: في القرنين السادس والسابع الميلاديين اجتاحت كوسوفو موجة كبيرة من الشعب السلافي الذي يصعب الحديث عن أصله ولكننا نعرف أنه جاء من الأراضي الروسية من مكان ما على الناحية الأخرى لنهر الأورال وجبال الأورال من المحتمل أنه قد دفع إلى مغادرة أرضه بضغط من الشعوب التي كانت تعيش إلى الشرق منه والتي كانت تسكن شمال الصين وقد صاحب قدوم سلاف إلى شبه جزيرة البلقان الفوضى والدمار.

أسعد طه:دير دوتشيني في منطقة بيا واحد من المنشآت الكنسية العريقة التي يعتبرها الصرب دليلا قاطعا على أنهم هنا منذ عهدا بعيد هذا البهاء الكنسي يذكرنا بأمجاد سلالة أسرة نيمانيا التي نجحت في النصف الثاني للقرن الثاني عشر في الاستقلال عن بيزنطة وتأسيس إمبراطورية واسعة على الأراضي التي استطاعت احتلالها بما فيها كوسوفو.. كوسوفو التي أصبحت تمثل لاحقا لهذه الإمبراطورية الصربية قلبها النابض ومركز كنيستها والأرض المقدسة التي جلبت الخير للصرب جميعا قبل أن تضعف بعد وفاة الإمبراطور دوشان وقبل مجيء العثمانيين.

معارك الصرب والعثمانيين

[مقطوعة غنائية]

غادر السلطان مراد إلى ساحة المعركة لمواجهة الأمير لازار الذي جاء لدعمه نبلاء البلقان.

يونيو/حزيران 1389م

أسعد طه: احفظوا هذا التاريخ جيدا ففيه وقعت إحدى أشهر وأشرس المعارك التي شهدها التاريخ حينما حاول الصرب وقف زحف الجيش العثماني المندفع بقوة نحو البلقان الجيش الصربي هزم وأسر وقتل قائده الملك لازار الذي خاض المعركة رافعا شعاراته الدينية.

عوني أحمدي – صحفي: يذكر هنا أن كل صربي لم يشارك في معركة كوسوفو لن يولد له ابن أو ابنة في عائلته ولن يحصل على الحبوب أو النبيذ لما تبق من حياته ولو جئت إلى الجانب الآخر من النصب سيمكنك رؤية تاريخ بناء هذا النصب لقد بني عام 1953 ويقال هنا إنه مهدا إلى أبطال صربيا الذين سقطوا من أجل هذه الأرض ربما علينا أن ندخل ونرى ما الذي يوجد هناك هنا في الأسفل يذكر أيضا متى وقعت ويقال إن المعركة بدأت في الثامنة صباحا حينما هجم الأتراك يذكر هنا أن ثلاثمائة وخمسين ألفا من الجنود الصرب شاركوا فيها كما يذكر أيضا أن الجيش التركي كان يتكون من مائة ألف من الجنود هنا في الأسفل على الجانب الآخر تذكر أشياء أخرى أيضا مثل كيف كانت المعركة وكيف خسر الصرب المعركة وكيف لقي كلا من قيادات الفريقين مصارعهم هنا خاصة السلطان مراد والصربي الملك لازار.

أسعد طه: المارشات العسكرية العثمانية والأسلاك الشائكة ودبابات حلف شمال الأطلسي وشواهد القبور تشعرك وكأن المعركة قد انتهت للتو وأن جولة أخرى ربما على وشك أن تبدأ.

سانية تربداري – حارسة قبر السلطان مراد: هنا قبر السلطان مراد الأول الذي قتل خلال معركة كوسوفو عام 1389 هنا دم وأحشاء هذا السلطان بينما جثمانه في مدينة بورصا التركية كما هو موضع هنا على الصور هذا القبر هو أثر عثماني مهم في البلقان حيث قتل السلطان مراد خلال معركة كوسوفو وتاريخيا هذا أمرا مهما جدا فمنذ ذلك الوقت أصبح مكان مقدسا لأن العثمانيين أدخلوا الإسلام إلى البلقان.

أسعد طه: بحسب السيدة فإن تركيا قامت مؤخرا بتجديد مقبرة السلطان مراد قائد الجيوش العثمانية في معركة كوسوفو وهناك عند النصب التذكاري الصربي للمعركة أبلغنا أن القيادات السياسية في صربيا تأتي كل عام في ذكرى المعركة لتضع الزهور وتحيي الأبطال الذين قتلوا فيها يبدو أن الطرفين الصرب والأتراك مصممان على أن المعركة ما زالت تدور، الجغرافيا تقول إن العثمانيين واصلوا تقدمهم في أنحاء البلقان والتاريخ يقول إنهم استقروا به خمسة قرون كاملة تركت آثارها في تاريخه وثقافته وإن شعوب البلقان ظلت في أغلبها على دينها باستثناء البشناق والألبان الذين اعتنق معظمهم الإسلام بل إن الألبان خصوصا لعبوا أدوارا سياسية وعسكرية مهمة للغاية في حياة الدولة العثمانية وشاركوا في حروبها وفتوحاتها حتى وصلت الجيوش العثمانية إلى بلغراد عاصمة صربيا اليوم وحولتها إلى مركز للثقافة الإسلامية وبوابة للشرق، ما يزيد قليلا على سبعمائة كيلو متر هي المسافة التي تفصل بريشتينا عن أسوار فيينا تلك التي حاول العثمانيون اقتحامها وفشلوا لثلاث مرات متوالية وكان ذلك إيذان ببدء انهيار الدولة العثمانية.

محمد م.الأرناؤوط – أستاذ التاريخ بجامعة آل البيت بالأردن: 1683 هي نقطة مهمة بالنسبة لتاريخ البلقان وتاريخ المسلمين لأنه بعد هذا الفشل نجد الآن أن الجيوش العثمانية تنكسر وتتراجع وبالتالي نجد في نفس الوقت الآن صحوة أوروبية إذا صح التعبير يتشكل التحالف المقدس إذاً من النمسا والبندقية وروسيا وهذه الوشوش الأوروبية الآن مرة واحدة تتحول من الدفاع إلى الهجوم وهكذا يعني ممكن القول الآن مع صلح كارلو فيتس من 1699 إلى مؤتمر برلين إذا صح التعبير يعني عندنا حوالي مائة وخمسين سنة أو أكثر هي سلسلة حروب متواصلة الدولة العثمانية بما أنها تنكسر فيه تنهزم فيه من حرب إلى آخره.

أسعد طه: أتفصح وجوه الناس يا لبؤس الألبان لكم تعرضوا لغزوات الجيران منذ فجر التاريخ ولكم اعتقدوا إنه مع وصول العثمانيين ودخولهم في الإسلام وعلو شأن الدولة العثمانية التي كانوا هم من أركانها أن زمن المعاناة قد انتهى ثم هاهم يدركون أن معاناتهم الحقيقية قد بدأت مع تهاوي الدولة العثمانية التي اضطرت إلى توقيع اتفاقات مذلة مؤتمرات دولية في كارلو فيتس وسان ستيفانو وبرلين وفيينا وباريس ثم أخيرا في لندن تمزقهم أرضا وشعبا.

محمد م.الأرناؤوط: بدأت بينها بوادر أزمة أوروبية جديدة كما في 1878 المخرج منها كان عقد مؤتمر دولي يؤدي أو يفضي إلى حل وسط للتخلص من شبح حرب أوروبية وفعلا هذا ما حدث وهذا يذكرنا بالكلمة المشهورة لإدوارد غري وزير خارجية بريطانيا ورئيس المؤتمر هذه قال ببساطة إنه هذا حل وسط ومؤلم بالنسبة للبعض أو جاء على حساب البعض طبعا بين قوسين الألبان ولكن كان لابد منه للحفاظ على السلم في أوروبا فإذاً يمكن القول إن مشكلة كوسوفو وغيرها من المشاكل إنما تعود بالضبط إلى مؤتمر لندن إلى هذا التوجه للتخلص من شبح الحرب فبالتالي يخلق مشاكل أخرى يمكن أن تحل لاحقا وهاهي الآن الشعوب تدفع الثمن.

أسعد طه: غير أن الثمن الذي دفعه الألبان كان مكلفا للغاية لقد قررت أوروبا انتزاع نصف الأراضي الألبانية وتوزيعها على دول الجوار المتنازعة على تركة الدولة العثمانية تجنبا لنشوب حربا فيما بينها وإقامة دولة للألبان على النصف الآخر من أراضيهم بشرط أن تكون تحت الوصاية الدولية، ثمة رأي خبيث يقول إن هذا القرار الدولي جاء عقابا للألبان على دخولهم الإسلام وعلى دورهم الذي لعبوه في بناء الدولة العثمانية وإسهامهم بسخاء في فتوحاتها وهو ما يشهد به الباحث الألماني بيتر بارتيل الذي يقول في كتابه عن حركة الاستقلال القومي للمسلمين الألبان والمترجم إلى الألبانية في مؤتمر برلين أخذت بعين الاعتبار مصالح كل شعوب البلقان باستثناء الألبان ولم يقتصر الأمر على أن الألبان لم يجدوا قوة كبرى تدافع عنهم بل إن وجودهم القومي كله لم يتم الاعتراف به ويمكن أن يكون السبب الحاسم في ذلك أن معظم الألبان ارتدوا عن المسيحية وأنهم بذلك كانوا عنصرا مؤسسا للدولة العثمانية حيث إنهم كانوا في صف الدولة خلال حروبها مع الشعوب المسيحية.

ليمان روشيتي – باحث في معهد التاريخ في بريشتينا: خرج الحلفاء في البلقان بمكاسب كثيرة فبلغاريا كسبت 29% من الأرض و3% من عدد السكان وكسبت اليونان 68% من الأرض و67% من عدد السكان أما الجبل الأسود فقد فاز 62% من الأرض و100% من عدد السكان أما صربيا فقد توسعت بعد أن فازت بـ 82% من الأرض و55% من عدد السكان حيث أخذت صربيا كوسوفو ونصف السنجق ومقدونيا بينما حصلت اليونان على تشاميريا التي مساحتها مساوية لمساحة كوسوفو.

"
قرار أوروبا الخاص بانتزاع نصف الأراضي الألبانية وتوزيعه على دول الجوار المتنازعة كان له آثاره السلبية على دولة ألبانيا وشعبها الذي قسمت أسواقه وانقطعت اتصالاته
"
  جلال الدين شالا

جلال الدين شالا – باحث في معهد الدراسات الألبانية: لقد كانت لهذا التقسيم أثاره السلبية على دولة ألبانيا لأنه مثل هما كبيرا للشعب الألباني الذي تقطعت علاقاته الممتدة عبر القرون علاقاته الاقتصادية والثقافية والسياسية والإنسانية فقسمت الأسواق وانقطعت الاتصالات لدرجة أنك ترى أن هذه القرى الواقعة شمال ألبانيا بدل من أن تأتي إلى سوق بريزرن العريق وغيره من الأسواق القريبة منها عليها أن تذهب إلى تيرانا في رحلة تستغرق من أربعة أيام إلى خمسة وهذا وحده كاف للتعبير عن فداحة ذلك التقسيم.

أسعد طه: أعود فأتأمل خريطة الأراضي الألبانية وما حل بها تقفز أمامي خريطة أخرى هل تعتقدون أنهما متشابهتان فعلى الأقل تجمعهما الحكمة وعد مَن لا يملك لمَن لا يستحق.

[فاصل إعلاني]

أسعد طه: صحيحا أن العثمانيين ظلوا هنا خمسة قرون وصحيحا أنهم اضطروا في النهاية إلى القبول بما أفضت إليه المؤتمرات الدولية من تقسيما للأراضي الألبانية ولغيرها لكن صحيحا أيضا أن الألبان لم يقبلوا بذلك.

باريم كوسوفا – مدير مجمع آثار الرابطة الألبانية: كانت مساحة وطننا ألبانية خلال القرن التاسع عشر 98 ألف كيلو متر مربع وفي معاهدة سان ستيفانو التي وقعت في مارس/ آذار من عام 1877 بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية منح 50% من أراضينا إلى بلغاريا وصربيا والجبل الأسود أما في مؤتمر برلين فقد تم الاتفاق على منح صربيا سبع مدن وأكثر من سبعمائة قرية أما الجهة الشمالية الشرقية من وطننا فإنه كان من المقرر في مؤتمر برلين أن تمنح للجبل الأسود ولكن تم منحه مناطق ألبانية أخرى هي التشن وتوز وجابلاك وهكذا أيضا وبموجب مؤتمر برلين منحت لليونان هذه المناطق الألبانية وفي مؤتمر لندن عام 1913 تم الإقرار بمنح كل هذه المناطق إضافة إلى كوسوفو إلى صربيا والجبل الأسود وهكذا أيضا في مؤتمر لندن منحت هذه المناطق لليونان.

أسعد طه: من عالا قد يكون المشهد جميلا غير أن بريزرن لا تستمد مكانتها عند الألبان من كونها إحدى أقدم مدن أوروبا ولا بمكانتها في زمن الإمبراطوريتين الصربية والعثمانية ولكن لأنها احتضنت أول حركة قومية منظمة للألبان رابطة بريزرن.

باريم كوسوفا: نحن الآن في مدخل الأثر التاريخي لغازي محمد باشا المبني عام 1573 ميلاديا وهو يضم بالإضافة إلى مقامه مكتبة وقاعة محاضرات ومدرسة وخلال أزمة شرق البلقان شهد هذا المركز تأسيس رابطة بريزرن الألبانية التي كانت بمثابة المؤسسة السياسية والعسكرية الأولى للألبان في هذا المكان مارست الرابطة أنشطتها لعدة سنوات وفي هذا المسجد عقدت الاجتماعات بما فيها جلسات البرلمان لرابطة بريزرن الألبانية بينما في المدرسة مارست وزارات رابطة بريزرن الألبانية أعمالها وهي وزارة الدفاع ووزارة المالية ووزارة الداخلية ولكن في بداية عام 1881 تحولت رابطة بريزرن الألبانية إلى مؤسسة حكومية وشكلت الحكومة المؤقتة التي اتخذت من قاعات المحاضرات مقرا لها وهذا البناء بقي رمزا لهذا الواقع العظيم ودليلا على برنامج رابطة بريزرن الألبانية أي الحكومة الألبانية المؤقتة الأولى هنا يحتفظ الألبان بالوثائق التي تسجل بحروف عربية مطالبهم بتوحيد أراضيهم المنضوية تحت لواء الدولة العثمانية في ولاية واحدة ومنحها حكما ذاتيا ورفضهم التنازل عن أراضيهم للدول المجاورة وقرارهم بتشكيل ميليشيات مسلحة للدفاع عنها.

جلال الدين شالا: كفاح الشعب الألباني لم يلق تفهما سواء لدى القوى العظمى أو لدى الإمبراطورية العثمانية التي سعت إلى حل مشاكل الشعوب الأخرى باستثناء الشعب الألباني الذي كانت غالبيته تدين بالإسلام وكأنها أرادت إبقائه بقربها حتى إنها لم ترغب في منحه حكما ذاتيا لم يكن أمام الألبان سوى المقاومة كان ذلك هو سبيلهم الوحيد المقاومة المسلحة.

محاولات تدمير الهوية الألبانية

أسعد طه: المقاومة لم تنجح في محو الخطوط التي رسمت حدودا جديدة بين أبناء الشعب الواحد بعد ضم منطقة إلى اليونان وثانية إلى مقدونيا وثالثا إلى صربيا ومن ضمنها كوسوفو ورابعة إلى الجبل الأسود، مرت السنون ثقيلة مؤلمة على الشعب الألباني أما دولته المقامة على نصف أراضيها فقد فرضت عليها الوصاية الدولية ثم ما لبثت أن اجتاحتها صربيا والنمسا وبلغاريا واليونان وإيطاليا وألمانيا ثم حررتها المقاومة الألبانية ثم هاهي لنصف قرنا أسيرة نظاما كان هو الأسوأ بين الأنظمة الشيوعية في العالم كله إلى أن سقطت الشيوعية أوائل التسعينيات لتدخل ألبانيا في دوامة جديدة من التحديات الداخلية والأطماع الخارجية، المناطق الألبانية الأخرى الممنوحة إلى الدول المجاورة لم تكن أفضل حالا لقد تعرضت لحملات اختلفت حدتها من دولة لأخرى لكن هدفها كان واحدا تفريغ الأراضي من سكانها الألبان وتغيير هوية المكان فكان الاعتقال والاغتيال والحرمان من التعليم والإبعاد عن الوظائف الرسمية ومصادرة الأراضي والممتلكات وحرق المساجد والتكايا والتنصير بالقوة وأجبرت تركيا المهزومة على توقيع اتفاقيات لاستقبال أكثر من مليون ألباني هجروا من أراضيهم.

ليمان روشيتي: خلال دخول القوات الصربية يوم الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1912 مدينة فريزاي يقال إنه سقط أكثر من أحد عشر ألف ضحية وكذلك في الثاني والعشرين من أكتوبر سقطت في بريشتينا وحدها خمسة آلاف ضحية وفي سكوبيا في الفترة بين السادس والعشرين والتاسع والعشرين من أكتوبر امتلأت ستة وعشرون شاحنة بالجثث وتغير لون نهر فرادار إلى اللون الأحمر من دماء الألبان وهكذا كان الوضع أيضا في مناطق كوسوفو الأخرى وفي المنطقة من كوسوفو حتى نصل إلى لوما قرب حدود ألبانيا أحرقت مائة واثنتان وثلاثون قرية ولم يسمع صوت لأي شخص في منطقة لابي وذلك ما أقره المؤرخون الصرب أنفسهم ولم يكن يسمع إلا أصوات الكلاب ولا يرى سوى دخان الحرائق.

أسعد طه: هي إحدى المناطق الألبانية المنتزعة والزمان هو الحرب العالمية الثانية القوات الألمانية تحتل يوغسلافيا تيتو زعيم الحزب الشيوعي اليوغسلافي يقود حرب تحرير الشيوعيين الألبان يشاركون تيتو كفاحه تنتهي الحرب ينصر تيتو ويعلن كيان جمهورية يوغسلافيا الفدرالية الشعبية من ست جمهوريات صربيا كانت ضمنها لاحقا تمنح كوسوفو حكما ذاتيا ضمن جمهورية صربيا يموت تيتو تنمو المشاعر القومية تتفكك الفدرالية اليوغسلافية تنتعش الأصولية الصربية المطالبة بكوسوفو الأرض المقدسة وموطن الأجداد يدعى سلوبودان ميلو سوفيتش صربي من مواليد جمهورية الجبل الأسود انتحر أبوه وأمه وأدينت زوجته وابنه بتهم الفساد والرشوة درس الحقوق وعرف كعضو ناشط في الحزب الشيوعي الذي بات لاحقا رئيسا له يتحول فجأة إلى زعيم قومي متعصب ينتخب رئيسا لصربيا يخوض حربا ضد الجمهوريات المنفصلة عن يوغسلافيا بعد الحرب الأخيرة في كوسوفو يقاد إلى لاهاي لمحاكمته كمجرم حرب يموت هناك مرة أخرى سهل غازيمستان لكن بعد مرور ستة قرون بالتمام والكمال على معركة كوسوفو الشهيرة والواقف هنا ليس الملك لازار لكنه يخطب نفس خطابه عن كوسوفو أرض الأمجاد وقدس الصرب سلوبودان ميلو سوفيتش يعد الجموع بالنصر ويصيح فيهم لن يهزمكم أحدا بعد الآن كوسوفو ستكون لنا كانت مهمة ميلو سوفيتش صعبة للغاية فقد كان عليه مواجهة الغالبية العظمى من السكان وهم الألبان حتى يحليها موطنا صربيا خالصا لكنه قرر المضي في حربه وكأنه تخيل أن هؤلاء الألبان هم الجنود العثمانيون الذين هزموا أجداده في معركة كوسوفو.

"
في عهد ميلوسيفتش اعتبرت كوسوفو بمثابة الأرض المحروقة الصادر في حقها حكم بالإعدام لأن كل ما فيها كان مقدرا له أن يحترق وأن يختفي وأن يصير إلى العدم
"
         بايزيد نوشي

بايزيد نوشي- رئيس مجلس حماية حريات وحقوق الإنسان: كنا في عهد ميلو سوفيتش نعتبر كوسوفو بمثابة الأرض المحروقة الصادر في حقها حكم بالإعدام لأن كل ما فيها كان مقدرا له أن يحترق وأن يختفي وأن يصير إلى العدم لقد قاموا بالقضاء على تربية المواشي وعلى الإنتاج الحيواني وعلى الممتلكات العائلية والمباني والمكتبات والمؤسسات الدينية والثقافية وفصلوا وحاربوا أساتذة الجامعة وأعضاء أكاديمية العلوم والفنون والمدرسين والطلاب لقد تعرض الكثيرون من مواطنينا للاعتقال والاغتيال وصممت بعض المدارس الابتدائية وفرض نظام جديد للتعليم فصل فيه بين مدارس الصرب والمدارس الألبانية المدارس الصربية احتلت المباني الأكثر تجهيزا بفصولها ومكتباتها بينما حشر التلاميذ الألبان في مساحات محدودة للغاية قبل أن يتم إغلاق مؤسسات التعليم الألباني لجميع المستويات عام 1987.

أسعد طه: سجلات المجلس يعتبرها لألبان وثائق تاريخية بالغة الأهمية تشهد بما وقع لهم في عهد ميلو سوفيتش الذي ألغى الحكم الذاتي لكوسوفو وحل حكومتها وأعلن حالة الطوارئ وفرض الحكم البوليسي.

بايزيد نوشي: على مدى الفترة التي خاض فيها شعب كوسوفو المقاومة اغتيل حوالي اثنا عشر ألف مواطن كان بينهم أطفال من جميع الأعمار بما فيهم الأطفال الرضع والفتيات والنساء والشيوخ والشباب وغيرهم تعرض للطرد والتهجير حوالي ثمانمائة ألف ألباني من أصل ما يقارب مليوني ألباني.

مشارك أول: الصرب كان هدفهم إزالة ومحو كل الآثار التي تدل على الإسلام للألبان في هذه المنطقة.

صبري بايغورا – رئيس أئمة كوسوفو: وهذا المسجد كان مفتوحا دائما وكانت تصلى الخمس صلوات يوميا وحتى كنت ألقيت بعض الخطب بهذا المسجد أنا بنفسي ولأجل كان المسجد أثري أحرقوه ودمروه الميليشيات الصربية وهذا المسجد من ضمن مائتان وثمانية عشر مسجد دمروا تماما خلال الحرب الأخيرة في كوسوفو وتقريبا 90% كانوا مساجد أثرية اللي بنوها العثمانيين عبر العصور يعني هذا المسجد يعتبر ستة قرون على مسجد له قيمة.

علي روغوفا – عم إبراهيم روغوفا: كان والد إبراهيم شقيقي من أمي وأبي كنا إخوان اثنان فقط أما هو فقد قامت بتصفيته الشرطة الصربية في عام 1945 حينما كان عمره عشرين عاما في ريعان شبابه تاركا إبراهيم بعمر شهرا واحد وفي نفس العام قتل ثلاثة من أعمامه أي أعمام والد إبراهيم هنا درس إبراهيم منذ الصف الأول الابتدائي إلى أن انتهى من الدراسة الابتدائية في مدينة بيا بعدها تم قبوله بالمدرسة المتوسط في مدينة أوبيتش لدراسة اللغة والأدب الألباني.

أسعد طه: إبراهيم روغوفا دكتوراه في الأدب والنقد أستاذ في معهد الدراسات الألبانية معقل القومية الألباني بحسب ما يراه الصرب اشتهر كأديب وناقد انتخب رئيسا لرابطة الكتاب في كوسوفو سعد نجمه كزعيم اختار النضال السلمي سعى إلى تدويل قضية بلاده وكسب الدعم الأميركي قبل أن يتوفى بعد الحرب الأخيرة عند مقبرة روغوفا يخبرني مستشاره عن شعبية الرجل الذي بادر الألبان بانتخابه رئيسا لجمهوريتهم المعلنة من جانب واحد عام 1992 وكيف أن الأوضاع في كوسوفو تأزمت إلى حدا كبير بعد سنوات طويلة من النضال السلمي.

ناصر روغوفا – مستشار إبراهيم روغوفا: في عام 1989 وتحديدا في هذا المبنى مقر رابطة كتاب كوسوفو انطلقت مبادرة تكوين القيادة الفكرية البديلة للألبان حيث تم تأسيس أول حزب مناهض للشيوعية لجنوب شرق أوروبا وهو حزب الرابطة الديمقراطية الكوسوفية الذي انتخب إبراهيم روغوفا رئيسا له وبتكوين تلك القيادة بدأت الخطوات الأولى الساعية إلى تحقيق إرادة شعب كوسوفو لنيل الحرية والاستقلال والديمقراطية.

أسعد طه: الولايات المتحدة الأميركية دخلت على الخط مؤخرا ورعت مفاوضات سرية بين إبراهيم وبين السلطات الصربية انتهت باتفاق أدى إلى انقسام حاد في الشارع الألباني بعد أن رأى المعارضون أن الاتفاق اكتفى ببعض الحقوق الثقافية ولم يمس مطلبهم الأساسي بالاستقلال تماما كما حدث لدينا بعد أوسلو، تنامي التيار الداعي للمقاومة المسلحة كان يعني أن الأمر تجاوز معارضة الاتفاق المبرم بين روغوفا والصرب إلى معارضة فكرة الاستمرار في النضال السلمي بأكملها.

داود خير الدين – قيادي مؤسس لجيش تحرير كوسوفا: حينما اشتركت في الحرب كان عمري سبعة عشر عاما وهذا يعني أنني لم أكن أنتمي إلى أي نظرية أيديولوجية ولم يدفعني إلى ذلك سوى حسي الوطني الذي كنت أحمله في صدري وطوقي الكبير بأنني حرا ورفضي للظلم بالنسبة لي لم أهتم يوما بالحركات السياسية ولم أسأل عنها ولم تكن النشاطات السياسية تعني لي سوى ما تقوم به القوات الصربية يوميا من اعتداءات علينا ومن إغلاق لمدارسنا واضطرارنا لأن ندرس في المساجد وفي أفنية البيوت وفي الحظائر.

أسعد طه: هو أحد مؤسسي جيش تحرير كوسوفو اثنان من أشقائه استشهدا والثالث كان من قيادات هذه الميليشيات التي تكونت في البداية من شباب تسلحوا بما استطاعوا جمعه من مخلفات الحرب العالمية الثانية ومن بنادق الصيد قبل أن تلقى جهودهم دعما دوليا.

داود خير الدين: لقد بدأنا نستعد ونجند شبابنا وندفعهم لحمل السلاح حتى نتخلص نهائيا من الظلم الصربي مؤمنين بأننا سوف ننتصر في هذه الحرب وبأننا سوف نكسب حريتنا وكانت تحركاتنا كانت تتم بموافقة أصدقاءنا في حلف شمال الأطلسي الذين كانوا يدعمون جهودنا لإنهاء العدوان الصربي.

أسعد طه: تصارعت الأحداث كان خيار المقاومة المسلحة يكسب كل يوما أرضا جديدة على حساب خيار النضال السلمي، صربيا أسهمت بذلك عبر تصعيد قمعها اليومي للسكان الألبان هؤلاء الذين ألهبت عواطفهم الشجاعة الفائقة التي كان يبديها المقاتلون الشبان.

داود خير الدين: كما تعرفون ويعلم الجميع فقد استشهد آدم يشاري وأخوته ووالده ومعظم أفراد عائلته كان آدم يشاري رمزا للمقاومة ولجيش تحرير كوسوفو وقد كان قائد عام له وأحد أشهر قادتها أما نحن كنا نسميه مارشال الدولة أقصد قائد الدولة وهذه التسمية كانت تعني رسالة قوية موجهة إلى جنودنا وإلى شعبنا لرفع معنوياتهم وليكونوا مستعدين لمواجهة ظروف قادمة صعبة وبالغة الخطورة.

أسعد طه: ساحة غازيمستان لقد حانت الساعة من جديد جيوش العالم في الطريق إليها ذلك أن المعركة ما زالت تدور.