ناجورنكوكاراخ/ ج2
نقطة ساخنة

ناغورنو كاراباخ.. الدين والنفط ج2

تبحث الحلقة في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، أطول الصراعات المسلحة في مناطق الاتحاد السوفياتي السابق. ناغورنو كاراباخ, حيث يختلط كل شيء بكل شيء، الدين بالنفط بالتاريخ بالمصالح الإقليمية بالأدوار الدولية.

– مقومات الاستقلال والعلاقة مع إيران وتركيا
– أهمية النفط والمصالح الأميركية ومأساة اللاجئين

– مستقبل المسيرة السلمية بين أذربيجان وأرمينيا

– تكهنات الوضع في ناغورنو كاراباخ وموقف المعارضة

– دمار شامل مع سحر الطبيعة وجيش كاراباخ

undefined

أسعد طه: بدا لنا الطريق وكأنه لا نهاية له وبدت لنا ناغورنو كاراباخ بعيدة المنال والسيارة تنحني بنا يمنة ويسرى، تصعد وتهبط في طرق ملتوية تفرضها طبيعة البلاد الجبلية. في الطريق الطويل من العاصمة الأرمينية يريفان إلى إقليم ناغورنو كاراباخ نفهم أن لفظ ناغورنو يعني في اللغة الروسية الجبلية، بينما تعاني كاراباخ في اللغة التركية الحديقة السوداء في إشارة إلى الأراضي القاحلة لهذه المنطقة. وفي كل الأحوال هكذا ينطقها أهل أذربيجان ناغورنو كاراباخ، فيما يُطلق الأرمن على الإقليم اسم أرتساخ. نُعرِّج بعيدا عن الطريق الرئيسي لزيارة كنيسة كوميتاي المورافانك التي تحتل مكانها على قمة جبلية. وقال لنا مرافقونا الرسميون الذين بالغوا في الاحتفاء بنا إن الأرمن درجوا في الزمن القديم على بناء كنائسهم في الأماكن النائية لحمايتها من الاضطهاد الذي كان يتعرض له الأرمن على يدي من اجتاحوا المنطقة على مدار التاريخ. نواصل رحلتنا نرصد على الطريق جنودا وبعضا من مظاهر الريف الأرميني وقراه قبل أن تستقبلنا لافتة مهترئة تُعلن ترحيبها بزوار أرتساخ. وعند كنيسة صغيرة ومركز للشرطة نُدرك أننا قد بتنا عن حدود الإقليم المنفصل عن أذربيجان. لم يقم أحد بالتدقيقي في تأشيراتنا ونَدِمنا على ما بذلناه من جهد للحصول على تأشيرات الدخول فيما الطريق أمام الجميع مفتوح عبر ممر لاتشين الذين يُعد ضمن أراضي أذربيجان المحتلة والتي تحمل أرمن المهجر تكاليف تعبيده لربط أرمينيا بناغورنو كاراباخ. ويبلغ طوله ستين كيلو مترا.

مقومات الاستقلال والعلاقة مع إيران وتركيا

وصلنا عاصمة الإقليم التي أُنشئت بعد ثورة أكتوبر عام 1917 على موقع قرية خان كندي وتَغيَّر اسمها إلى استبانا كيرت تيمنا بالزعيم الشيعي في باكو استبانا شاهوميان الذي يتوسط تمثاله ميدانا رئيسيا في المدينة يحمل اسمه. ويشمل الميدان بنايات رئاسة الجمهورية والبرلمان ورئاسة الوزراء إلى جانب بنك أرتساخ الوطني. وبين هذه البنايات السياسية والاقتصادية بوسعنا أن نتساءل عما إذا كانت ناغورنو كاراباخ تملك مقومات دولة قادرة على الاستقلال.

مشارك أول: أجل عندنا مقومات دولة، لا أريد أن أبني ذلك الاعتقاد على رأيي الخاص غير الموضوعي، عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات الدولية تُقدر ما أنجزناه منذ عام 1992 حيث نجحنا منذ الاستقلال في بناء كل المقومات للدولة المستقلة.

أسعد طه: المسؤولون هنا يحلو لهم تشبيه وضع الإقليم المنفصل عن أذربيجان بوضع تيمور الشرقية التي نجحت في الانفصال عن إندونيسيا رغم صِغر مساحتها وضعف إمكانياتها. وعند الحديث إليهم يبادر هؤلاء المسؤولون إلى تِعداد ما حققوه من إنجازات.

مشار أول: قبل كل شيء ما أنجزناه هو هيكلية الدولة ومكوناتها، ثانيا السلطات المختلفة أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية وجيش جمهورية ناغورنو كاراباخ الذي يتمتع بكفاءة قتالية وطبعا سياسة داخلية وخارجية واضحة، أعتقد بأن المقاييس الدولية المعترف بها موجودة بقوة اليوم في جمهورية ناغورنو كاراباخ.

أسعد طه: الصمت الريفي للإقليم المنفصل تلحظه أينما ذهبت، بساطة المكان والسكان وبدائية الحياة بوجه عام فهل كان ذلك عاملا في فشل الإقليم في الحصول على اعتراف من أي دولة في العالم.

مشارك أول: أنا مقتنع بأن الاعتراف بناغورنو كاراباخ مسألة وقت لأنه لا توجد خيارات كثيرة أمام المجتمع الدولي، إما خيار السلام والاستقرار أو الحرب والفوضى، إذا كان للمجتمع الدولي مصلحة في إحلال السلام في هذه المنطقة فأنا أعتقد بأن الطريق الأسهل هو الاعتراف بجمهورية ناغورنو كاراباخ، كل الطرق الأخرى تنتهي إلى الحرب.

أسعد طه: عدم الاعتراف الدولي بناغورنو كاراباخ لن يمنع قياداتها من تكرار محاولة الحصول على أي شكل من أشكال الدعم الدولي ويُعتقد أن أرمن المهجر يلعبون دورا رئيسيا في ذلك.

"
بالرغم من تطور اقتصادنا داخليا وبالرغم من المساعدات التي تصلنا من أرمينيا وبلاد المهجر فإننا بحاجة لمساعدات من المجتمع الدولي
"
     أنوشافان دانييليان

أنوشافان دانييليان- رئيس وزراء ناغورنو كاراباخ: بالرغم من تطور اقتصادنا داخليا وبالرغم من المساعدات التي تصلنا من أرمينيا وبلاد المهجر فإننا بحاجة لمساعدات من المجتمع الدولي. تُركز وزارة الخارجية والحكومة على العمل من أجل تأمين استثمارات خارجية وخلال الأعوام الثلاثة الماضية وصلت قيمة الاستثمارات إلى خمسين مليون دولار وذلك من خلال الاستثمارات في قطاعات متعددة، منها البناء والمناجم مثل مناجم الذهب والنُحاس وقطاعات مثل الاتصالات والبنوك والفندقة والصناعات الزراعية مثل التصنيع النبيذ. وتتدفق الاستثمارات على بلادنا من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وسويسرا واستراليا ولبنان.

أسعد طه: لم يستنَ لنا أن نرى أيا من هذه الاستثمارات، لكن من المؤكد أن رئيس وزراء الإقليم المنفصل عن أذربيجان غير المُعتَرف به دوليا حريصا كل الحرص على دور دولي في بلاده في مجال الاستثمارات والحقيقة أن الدور الدولي موجود ولكن على المستوى السياسي وإذا كنا قد أسلفنا الحديث عن الدور الروسي فإن الدور الإيراني يُثير العديد من التساؤلات.

وفاء غولوزاده- رئيس مؤسسة الدراسات السياسية لبحر قزوين: رغم أن الإيرانيون أشقاءنا، رغم أن الإيرانيون إخواننا المسلمين في نفس الوقت، شوف هذا غريب يعني إحنا الشيعة الآذريين ظُلمنا من قِبل المسيحيين الأرمن. والإيراني الشيعي يُساعد المسيحيين الأرمن ضد الشيعة الأذربيجانيين هذا شيء غريب. ولكن هذه الحقائق العالم هذه السياسة يعني إذاً نشوف أن المصالح الدولية هي دائما أعلى من المصالح الدينية والمصالح المعنوية وأي مصالح.

أسعد طه: ورغم أن الموقف الرسمي لإيران يعترف بوحدة أراضي أذربيجان إلا أننا إذا عُدنا إلى العاصمة الأرمينية يريفان سيكون من السهل علينا رصد مظاهر التعاون الإيراني الأرميني، سواء مع جمهورية أرمينيا أو حتى مع الإقليم المنفصل عن أذربيجان ناغورنو كاراباخ؟ ومادمنا في شوارع العاصمة الأرمينية فإنه من المناسب القول إن عداء الناس هنا لأذربيجان لا ينحصر سببه في النزاع حول ناغورنو كاراباخ وإنما لأن أهل أذربيجان يتحدثون التركية. وأهل أرمينيا يعتبرون كل ناطق بالتركية تُركياً يستحق عدائهم باعتبار ما بين الشعبين من عداء طويل. والحقيقة أن تركيا وأذربيجان ترتبطان بروابط عرقية ولغوية وثقافية وثيقة وبنظرة إلى الخريطة نجد أن أذربيجان واحدة من دول خمس ناطقة بالتركية كانت ضمن الاتحاد السوفيتي. وتنظر تركيا إلى أذربيجان على أنها حلقة استراتيجية بينها وبين هذه الجمهوريات التي تعمل تركيا على تمتين علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية معها سعيا إلى تقوية مواقعها في القوقاز وآسيا الوسطى. وفي كل الأحوال فإن الهدف الاستراتيجي الذي يجمع تركيا وأذربيجان هو تقليص دائرة النفوذ الروسية وإزالة الإسفين الأرميني بينهما، فيما تسعى أرمينيا إلى ضمان أمنها على المدى الطويلة خصوصا بعدما فرضت تركيا حصارا اقتصاديا على أرمينيا عام 1993 بحجة عدم امتثال القوات الأرمينية لقرار مجلس الأمن رقم 822 والصادر في ذات العام والذي يطالب القوات الأرمينية بالانسحاب من الأقاليم المحتلة في أذربيجان.

الكسندر ماناسيان- أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الحكومية: بالنسبة لتركيا فهي تسير منذ أكثر من مائة عام على نفس المسار، ارتكبت المجازر بحق الأرمن عام 1915 تحت لواء الإمبراطورية العثمانية. وفي عام 18 تابعت هذه المجازر في باكو وانتهجت السياسة ذاتها في ذلك في القوقاز. وفي ذلك العام تدخلت تركيا عسكريا في باكو وقتلت حوالي ثلاثين ألف أرمني وسلّمت السلطة إلى جماعة العدل والمساواة الآذرية.

أهمية النفط والمصالح الأميركية ومأساة اللاجئين

أسعد طه: شوارع استبانا كيرت عاصمة ناغورنو كاراباخ تتسم بالهدوء الشديد وكأنها غير معنية بهذا الجدل المحتدم حولها بعد أن اطمأنت إلى مواقف الدول الكبرى بشأنها ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي جعلت من أرمينيا ثاني أكبر دولة منتفعة بالمعونة الخارجية التي تقدمها إلى بعض دول العالم بعد إسرائيل. يعتقد المراقبون السياسيون هنا أن الأهمية النفطية لأذربيجان وحساسية موقعها الاستراتيجي لم تَحُل دون الدعم الأميركي لأرمينيا. وكل ما حصلت عليه أذربيجان هو إدانة البيت الأبيض للاحتلال الأراضي الآذرية ونزوح آلاف البشر وما وقع من انتهاكات لحقوق الإنسان. يقول الآذريون إن الدبلوماسية الأميركية خاضعة لتأثير اللوبي الأرميني بها وإن عامل النفط لا يلعب دور كبير في جذب الولايات المتحدة إلى صف أذربيجان لسبب بسيط وهو أنها قد حصلت بالفعل على ما تريد بخصوص النفط.

وفاء غولوزاده: الولايات المتحدة قد حصلت على كل مصالحها، البترول كل الكونراكتات موقعة يعني الإخراج (كلمة بلغة أجنبية) تحت البناء وستنتهي هذا البناء، فنتائج هذه الحرب لن تؤثر على المصالح الأميركية ولهذا السبب أميركا تأخذ نفس الموقع كروسيا، تقول أن عليكم أن تتحدثوا مائة سنة، خمسمائة سنة ما حدش يعرف لأن أرمينيا إذا لا تشعر الضغط عليها إذا لا تشعر القوة ضدها هي لن تنسحب من أراضينا.

أسعد طه: الولايات المتحدة إذاً ترتبط بعلاقات قوية مع أرمينيا في نفس الوقت الذي أمّنت جانبها تجاه الحكم في باكو بعد أن أتمت توقيع عقودها النفطية. وفي المقابل فقد أغمضت الولايات المتحدة أعينها عن الظروف غير الديمقراطية التي جرت فيها الانتخابات الأخيرة في أذربيجان وهي الانتخابات التي ورث الحكم فيها الرئيس الابن إلهام علييف من الرئيس الأب حيدر علييف. من عَلٍ بوسعك أن ترى كيف تحتضن الجبال العاليات المدن في ناغورنو كاراباخ، تستنشق الهواء العليل في منطقة أبعد ما تكون عن التلوث البيئي، لكنها ضحية التدخلات الدولية وهو أمر طبيعي لموقع استراتيجي مهم، فالقوقاز بمثابة ممر بين أوروبا والشرق الأوسط ومناطق آسيا الوسطى الغنية بالثروات الطبيعية وذات المصالح المتشابكة وأحيانا المتناقضة لقوى دولية مهمة. ندع الموقف الدولي والدور الأميركي جانبا ونعود إلى استبانا كيرت، تحديدا إلى أحد الأحياء التي يسكنها لاجؤون أرمن وهم الذين فروا نتيجة ما يقولون إنهم قد تعرضوا لهم في أذربيجان من مذابح ويُقدر عدد اللاجئين الأرمن بنحو اثنين وسبعين ألف لاجئ.

لاجئ أرميني أول: سكنت في سونغاييد حتى عام 1988، أي لمدة ثمانية وعشرين عاماً. في أحد الأيام وقعت المصيبة التي لم أكن أتوقعها، كان لدي جار صحافي نداني وقال لي أصبح البقاء هنا خطير يجب أن تغادروا سونغاييد، قال إن شيئا لا يجري بين أرمينيا وأذربيجان حول كاراباخ ونحن لم نكن نعرف شيئا عن هذا الموضوع.

لاجئة أرمينية أولى: كنا نسمع بأن الأذربيجان يتجمعون في بعض الأماكن، بل وأن البعض منهم قد أظهر صورا تشير إلى أن الأرمن قد أقاموا المجازر بالأذربيجان بل وأحرقوهم بالصلبان، أتى إلينا صديق والدي وهو شرطي أذربيجاني وقال لوالدي اسمع أنت صديقي وبيننا خبز وملح ولا أريد أن يحصل لك شيء، لكنني في المستقبل القريب لن أعد قادر على حمايتك وعليك الرحيل.

لاجئة أرمينية ثانية: كانوا ينادون الموت للأرمن، اطردوا الأرمن، في نفس الوقت يأتي زوجي من العمل ويلحق به أحد جيراننا الأذربيجان ويقول أسرعوا.. اهربوا إنهم يجمعون الأرمن، نقلنا ذلك الجار وهو بالمناسبة رجل طيب جدا، نقلنا إلى أسكاكلا حيث شاهدنا مشهدا لا يُمكن وصفه، تجمع للأرمن المرعوبين، البعض منهم بثيابه الداخلية والبعض حفاة والأولاد في حالة ذعر وبكاء.

لاجئ أرميني ثان: أنا مُهجَّر بمعنى أنني لا أملك شيئا في بلدي، كنت أملك منزلا وكل شيء ولكن بسبب الحرب خسرت كل ذلك وأعيد تأسيس حياتي من جديد بهذا المعنى أنا مُهجَّر.

أسعد طه: عندما كنت في العاصمة الأرمينية يريفان سألت وزير خارجيتها عما إذا كان من المفيد للطرفين حسم موضوع اللاجئين بمعزل عن القضية الأساسية سعيا لإيقاف هذه المأساة الإنسانية؟

فارتان أوسكانيان– وزير خارجية أرمينيا: المسألة اليوم هي مسألة تقرير مصير شعب كاراباخ، أما فيما تبقى فهو نتيجة تلك العمليات الحربية التي بدأتها أذربيجان في أوائل التسعينيات وهكذا فإن محاولة تحريف المسألة مثلما تحاول أذربيجان عرضها كمسألة أراضي ومسألة لاجئين لا يمكن أن يؤدي ذلك إلى حل. يجب أن تكون لدى أذربيجان الإرادة السياسية في هذه الحالة لكي تتمكن من التركيز على الفحوى الحقيقي للمسألة وهو تقرير الوضع السياسي لكاراباخ الجبلية.

مستقبل المسيرة السلمية بين أذربيجان وأرمينيا

أسعد طه: بالطبع فإن مشكلة سبعين ألف لاجئ أرميني لا تُمثل عبئا على أرمينيا كما يمثله عبء مليون لاجئ آذري في أذربيجان، لكن الهموم الإنسانية تبقى واحدة فهل بوسع العلمية السلمية أن تحسم هذا النزيف الإنساني؟ مسيرة السلام هنا بدأت لكن يبدو أنها كما هو الحال لدينا لن تنتهي، القرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن تؤكد على سيادة جمهورية أذربيجان وسلامة حدودها وتدين الاستيلاء على المناطق التي احتُلت منها وتطالب القوات الأرمينية بالانسحاب وتحث الحكومة الأرمينية على استخدام نفوذها لتحقيق امتثال الأرمن في منطقة ناغورنو كاراباخ لجمهورية أذربيجان، لكن الأرمن يرفضون الانسحاب من الإقليم الذي يعتبرونه أرمينيا خالصا بل ويرفضون الانسحاب من المناطق التي احتلوها في أذربيجان نفسها، اللافت أن كلا من البلدين يعتبر أن البلد الآخر لا تاريخ له وأنه صناعة سياسية أملتها الظروف الدولية وأنه هو صاحب حضارة عميقة الجُذُر مما يجعل الإشكالية بين البلدين تتجاوز ناغورنو كاراباخ. إلا أنه وفي سبيل الوصول إلى حل سلمي بين البلدين العدوين تشكلت ما تُعرف بمجموعة (MINSK) المنبثقة عن منظمة التعاون والأمن الأوروبي ويترأسها كل من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا مجتمعة، غير أن عشر سنوات من المحادثات والمفاوضات لم تُسفر عن أي نتيجة تُذكر.

"
المباحثات بين أذربيجان وأرمينيا متوقفة، وخلال السنوات العشر من وقف إطلاق النار لم تتوصل الجهتان إلى أي حل سلمي ودائم
"
       الدار نامازوف

إلدار نامازوف– السكرتير الأول الأسبق لرئيس الجمهورية: في الوقت الحاضر ليس هناك أي نجاح في عملية المباحثات، المباحثات بين أذربيجان وأرمينيا متوقفة ومن أجل الشكليات تُجرى بعض اللقاءات بين الرؤساء ووزراء الخارجية، لكن خلال هذه السنوات العشر من وقف إطلاق النار لم تتوصل الجهتان إلى أي حل سلمي ودائم.

أسعد طه: كما فعلت أرمينيا وأذربيجان فعلت ناغورنو كاراباخ، أقامت مقبرة خاصة للذين سقطوا في الحرب مع أذربيجان وعندما تتحرك بين شواهد القبور لجنود في مقتبل أعمارهم سيكون السؤال هو.. ما الضامن ألا يتكرر الأمر من جديد ويسقط المزيد من الضحايا؟ ولماذا فشلت الجهود السلمية حتى الآن في التوصل إلى حل حاسم للأزمة؟

ليلى علييف– رئيسة مركز الدراسات الوطنية والدولية: هناك العديد من الأسباب، لكن أولا الإشكالية تقع في عدم اهتمام الأطراف المعنية بالحل. الأطراف التي تتعاون من أجل حل النزاع وعلى الأرجح فإن هذه الأطراف مهتمة بكيفية بسط سلطتها في المنطقة لا بكيفية حل هذا النزاع هذا هو السبب الأول، أما السبب الثاني فهو أن المنظمات الدولية التي تعتني بمسألة حل هذه الأزمة عملها غير فعّال لأن قراراتها تؤخذ بالإجماع. وبما أن كلا من أذربيجان وأرمينيا هما عضوان في منظمة التعاون والأمن في أوروبا فإن أي قرار في مصلحة أحد الطرفين سوف يتم نقده من الطرف الآخر، كما أن مجموعة (MINSK) بأطرافها غير موازنة، فكل من الأطراف الثلاثة في المجموعة عليها تأثير كبير من قبل اللوبي الأرميني المقيم لديها، مثل فرنسا، أميركا فلديهما لوبي أرميني قوي جدا، أما روسيا فهي الشريك العسكري التاريخي لأرمينيا.

أسعد طه: أذربيجان ترى أيضا أن نجاح ما تقول إنه تيار متطرف في الوصول إلى الحكم في أرمينيا سبب رئيسي في إجهاض أي حلول سلمية وتستشهد على ذلك بأن الرئيس الأرميني السابق بتروسيان أُجبر عام 1997 على الاستقالة بسبب تأييده لمقترح مجموعة (MINSK) بإعادة ستة أقاليم محتلة إلى أذربيجان، فيما الطرف الأرميني يرى غير ذلك.

فارتان أوسكانيان: السبب الرئيسي لعدم وجود النتيجة حتى الآن نوعا ما أعتقد أنه تَبَدُّل السلطة في أذربيجان، لأننا مع الرئيس السابق الأب علييف كنا قد حققنا فعلا تقدم كبيرا وكنا نقترب إلى درجة كبيرة من حل المسألة، لأن الأب علييف كان قد فهم فعلا بأنه يوجد سبيل واحد للتسوية وهو السبيل السلمي ولابد أن يأخذ ذلك السبيل بعين الاعتبار وضع كاراباخ التاريخي والقانوني والحالي. وكان قد فهم أنه ليس من الممكن فعلا إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء لكن السلطات الجديدة ليست مستعدة لذلك.

أسعد طه: في مبنى الإذاعة والتليفزيون في استبانا كيرت يتحرك العاملون بنشاط وحيوية لإنجاز بثهم اليومي الذي لا يتجاوز ثلاث ساعات. الأرمن هنا يبدون وكأنهم في سباق مع الزمن لاستكمال ملامح الدولة التي لم تُحدِّد بعد تحديدا قاطعا ما إذا كانت ستبقى مستقلة أم سوف تُعلن انضمامها إلى أرمينيا، لكن في الأمر ما يفيد بأن الأرمن هم الطرف المستفيد من الوضع المُجمَّد على جبهات القتال.

[فاصل إعلاني]

وفاء غولوزاده: هناك الضغوط لأذربيجان أن يرضى لحل ما سيصنعه مثلا الدول الغربية وروسيا وسيكون هذا السلام لصالح أرمينيا وبس. ممكن أن هذا الوضع أن يطول لأن الشعب الأذربيجاني لن يقبل هذا لأن القيادة الأذربجانية ستخاف أن تقبل يعني سلام غير عادل. ويمكن الوضع يستنى مثل ما هكذا وهذا لصالح روسيا لأن روسيا عايزه نفس الشيء ما كانت عايزه في مصر في السبعينيات، وضع اللا حرب واللا سلم لتتغلغل إلى الشرق الأوسط نفس الشيء، إذا.. يعني حتى أذربيجان وأرمينيا إذا وقَّعوا اتفاقية سلام روسيا ستخرج من هذه المنطقة لأن أرمينيا برضه عايزه تتعامل مع أميركا، أذربيجان عايزه تتعامل مع أميركا ما حدش عايز تعمل أي شيء مع روسيا لأن ما فيش فلوس لروسيا، ما فيش تكنولوجيا، روسيا أضعف أميركا أقوى، ما حدش عايز يشتغل مع الأضعف ويعني لا يشتغل مع الأقوى، لهذا السبب روسيا هي مهتمة أن تستمر وضع اللا حرب واللا سلام، لهذا السبب غير ممكن أن نقول متى سيكون أي سلم سيء أو جيد؟

أسعد طه: اللا حرب واللا سلم هو التعبير الدقيق لوصف الحالة التي تمر بها الآن أزمة ناغورنو كاراباخ لكن من الواضح أن أذربيجان هي الطرف الذي يدفع الثمن فالإقليم يسيطر عليه الأرمن وكذلك 20% من أراضي أذربيجان خاضعة للاحتلال الأرميني.

فارتان أوسكانيان: إن الوقت لا يعمل لصالح أذربيجان لماذا؟ لأنهم كلما ماطلوا في حل المسألة والتخلي عن الإقدام على التنازلات مع الأمل في أنهم سوف يحلون المسألة بالطرق العسكرية في المستقبل بنفس الشكل تعزز ناغورنو كاراباخ أسس دولتها.

أسعد طه: في المقابل فإن المراقبين يقولون إن أذربيجان ربما تمني نفسها بأن عوائد النفط لديها قد تُمكنها من إعادة تسليح جيشها، لأنه ما إن تبدأ عائدات النفط بملء جيوب المواطنين حتى يصبح من الصعب على الحكومة الآذرية أن تُفسر لشعبها سبب بقاء الأراضي الآذرية تحت الاحتلال الأرميني.

وفاء غولوزاده: أنا أظن لا، لأن من هو سيكون صاحب هذا النفط؟ الغرب، من يبيع هذا النفط؟ الغرب، لهذا السبب مثلا أذربيجان لا أتصور أن يستطيع أن تستفيد هذا النفط وتُبنى جيش قوي لأن كل خطوة لأذربيجان تحت إشراف يعني القوات الأميركية والروسية والغربية يعني (Intelligence Service) للكل تعرف عن خطوتنا، إذا نبدأ يعني نتحرك للكفاح من أجل أراضينا سيوقفوننا.

تكهنات الوضع في ناغورنو كاراباخ وموقف المعارضة

أسعد طه: قضينا أياما طويلة في إقليم ناغورنو كاراباخ الذي تُقدر مساحته بأربعة آلاف وأربعمائة كيلومتر مربع والذي كان يسكنه طبقا لإحصاء عام 1989 الذي أجراه الاتحاد السوفيتي مائة وخمسة وأربعون ألف أرميني وما يزيد على أربعين ألف آذري وقد أصبح السكان كلهم الآن من الأرمن. وقد كنا نحاول طيلة هذه الأيام أن نعرف هل سيظل الوضع على ما هو عليه؟ هل سينجح الأرمن في الاحتفاظ بالإقليم؟ وإلى أي مدى يمكن أن تكون حكومة أذربيجان جادة في تحرير أراضيها؟ وهي التي تعهدت في أوروبا بعدم اللجوء إلى القوة لحسم الإشكالية بينها وبين أرمينيا؟ وهل المعارضة في أذربيجان ستسمح بأن تظل الحالة هكذا لا سلم ولا حرب؟

وفاء غولوزاده: المعارضة ضعيفة لأن أذربيجان ليس لها أي تقاليد ديمقراطية، أذربيجان كانت تحت سيطرة روسيا القيصرية وبعدين البلشفية السوفيتية الحكم التوتاليتاري، لهذا السبب يعني الشعب ضعيف، لهذا السبب الديمقراطية ضعيفة ضئيلة في هذا البلد ولهذا السبب الشعب لا يستطيع أن يعبر عما تريد.

"
الحكومة الأذربيجانية ليس لديها إستراتيجية منظمة بالنسبة لأزمة كاراباخ، إستراتيجية تضمن تقوية الدولة وتحديث الجيش
"
        الدار نامازوف

إلدار نامازوف: أظن أن عمل الدولة غير كافٍ، كما أنني أظن بأن الحكومة الأذربيجانية ليس لديها استراتيجية منظمة بالنسبة لأزمة كاراباخ، لأن هذه الاستراتيجية عليها أن تتضمن تقوية الدولة الأذربيجانية، تقوية وتحديث الجيش الأذربيجاني وبلوغ وفاق داخل المجتمع الأذربيجاني.

أسعد طه: المعارضة التي توصف بالضعيفة في أذربيجان تختلف مع الحكومة في الطرق التي تسلكها لحل إشكالية ناغورنو كاراباخ وكذلك في إشكالية الأراضي الآذرية المحتلة. وتعتقد أن الفساد يلعب دورا كبيرا في القصور الذي يشوب الأداء الرسمي.

شامل أوغلو– الناطق باسم رئيس منظمة تحرير كاراباخ: هم يطرحون المسألة على هذا الشكل، الآن يجب نسيان كل ما حصل وما نتج عن تلك الحرب والبدء بتأسيس علاقات جديدة أي فتح التجارة والسياحة وتطبيع العلاقات، للأسف فإن هذا الخط يلاقي الدعم من قبل حكوماتنا منذ سبع سنوات أي أنهم يريدون من الشعب أن ينسى كل شيء وأن يعود إلى حياته الطبيعية مع الأرمن، نحن نقول إنه مادامت الأرض محتلة فعن أي علاقات أو اتفاقات وصداقات يتم الحديث؟

أسعد طه: الحكومة الآذرية من ناحيتها تنفي عن نفسها هذه التهمة وعلييف الأب وعلييف الابن تحدثا دوما عن استحالة عودة المياه إلى مجاريها دون استرداد الأراضي المحتلة، لكن تصريحاتهما لا تجد طريقها إلى أرض الواقع وربما التزاماً منهما بالعهد الذي قُطع بعدم اللجوء إلى القوة أو ربما لأسباب أخرى.

شامل أوغلو: السبب الذي دفع بالسلطات وبرئيسنا بالاتجاه نحو هذه السياسية هو رغبتهم في البقاء في السلطة، أي السلطة التي تعطي الكثير من الإمكانيات والكثير من الأموال. أنتم تدرون أنه لدينا الكثير من المشاريع منها ما يتصل بالنفط والآخر في مواضيع النقل. ولعل هذا الشعور بالسلطة أصبح من أهم الأولويات، لذلك تحدث بيننا النزاعات وفي بعض أعمال الاحتجاج على ما يجري يتم اعتقال رفاقنا.

أسعد طه: منظمة تحرير كاراباخ هي أحد فصائل المعارضة في أذربيجان. وقد تأسست عام 1993 وتنادي بضرورة الحل العسكري لحسم مشكلة ناغورنو كاراباخ. وقد سبب لها هذا الأمر الكثير من المشكلات وغالبا ما يتعرض رجالها إلى الاعتقال، من العاصمة الآذرية باكو إلى العاصمة الأرمنية يريفان لنجد أن المعارضة هناك تحمل نفس الهم ونفس الحديث عن الديمقراطية والديكتاتورية وفساد الأنظمة، لكن من الواضح أن مساحة الحريات في أرمينيا تفوق مثيلتها في أذربيجان.

فازعين مانوكيان- رئيس التجمع الوطني الديمقراطي: إذا قارنا أرمينيا الحالية بأرمينيا السوفيتية طبعا نجد أن الديمقراطية أفضل، الآن هناك الجرائد المستقلة التنقل من وإلى أرمينيا بحرية تعدد الأحزاب ولكن أساس الديمقراطية أي الحكم للشعب فهذا غير موجود الحكم يُزور الانتخابات وبذلك يبقى في الحكم.

أسعد طه: نقطة أخرى من نقاط الخلاف بين الحكومة والمعارضة في أرمينيا هي الدور الروسي، فمن المعروف أن روسيا لها قوات متمركزة في أرمينيا تحمى حدودها مع تركيا وإيران وتقوم روسيا بتسليح أرمينيا التي باتت أقرب حليف لها في القوقاز. ورغم ذلك فإن الدور الروسي في المنطقة ليس محل انتقاد الطرف الآذري وحده وإنما تيار المعارضة لدى الطرف الأرمني نفسه.

فازعين مانوكيان: كل الأحزاب في أرمينيا تتفق على أن علاقتنا مع روسيا لها أهمية خاصة بالنسبة إلينا. ولكننا لا نريد أن نكون تحت وصاية أية دولة وفيما يتعلق بعلاقتنا الاقتصادية إنْ كان ذلك مع روسيا أو مع الولايات المتحدة فنحن نصر على أن يكون لنا كامل الحرية لاتخاذ القرار في ذلك.

دمار شامل مع سحر الطبيعة وجيش كاراباخ

أسعد طه: العودة إلى استبانا كيرت عاصمة ناغورنو كاراباخ تعني العودة إلى قمة جبلية ترتفع سبعمائة وخمسين مترا فوق سطح البحر. وتعني أيضا العودة لمناطق تتميز بالجمال الأخاذ، اللون الأخضر هو السائد هنا وتعدد الأنهار في الإقليم الذي يعتمد على مياها ومياه الأمطار التي تهطل صيفا كمصدر رئيسي للري لشعب يعمل بصورة رئيسية في الزراعة، تُرى لماذا يدع المرء هذا الجمال كله ويؤثر عليه لون الدم وصراخ المعذبين؟ نتوجه إلى مدينة شوشا التي يسميها الأرمن شوشي وتُعد قدس صراع ناغورنو كاراباخ ومن ثم فإن وضعها النهائي هو العنصر الحاسم في التسوية وأكثر المسائل المثيرة للنزاع بالنسبة للطرفين، كما هو الحال بالنسبة لقدسنا. تقع شوشا على بعد ثلاثة عشر كيلو مترا من العاصمة استبانا كيرت وعلى ارتفاع ألفين وخمسمائة مترا فوق سطح البحر وهى موطن الشعراء والكتاب والأدباء الآذريين وكانت الغالبية الساحقة من سكانها قبل الحرب من الآذريين قبل أن يحتلها الأرمن بمساهمة جنرال روسي كان قد شارك في الحرب الأفغانية. معارك شرسة دارت في هذه المدينة بين الطرفين والصور الأرشيفية تُظهر بعض ملامح هذه المعركة التي انتصر الأرمن فيها وبسطوا سيطرتهم على كامل المدينة. دمار شامل أصاب شوشا، دمار امتد إلى مساجدها باستثناء واحد أبقاه الأرمن معافى ويعرضونه للزائرين دليلا على احترامهم لدور العبادة، فيما بدت لنا عن بعد أطلال ما تبقى من مساجد تعرضت للتدمير في وقت أُعيدت الحياة فيه إلى الكنائس التي كانت مغلقة في الزمن الشيوعي، بعد شوشا توجهنا إلى قرية فانك الواقعة شمال غرب العاصمة وعلى بُعد ساعتين منها حيث تقع بالقرب منها أشهر وأهم الكنائس لدى الأرمن في كل أنحاء العالم والتي شارك رجالها في الحرب.

الأب تير جريجور- رئيس دير كنائس جانزاسار: بدأ العمل على إنشاء هذه الكنيسة في العام 1210 وأُنجز البناء عام 1240. وقد عُمدت بوجود سبعمائة وخمسين مؤمنا، يوجد تحت مذبح هذه الكنيسة جمجمة القديس أوهانيس إلى جانب ذخائر عائدة للعديد من القديسين. هؤلاء القديسون قاموا بحماية ليس فقط هذه الكنيسة بل أرتساخ برمتها. بالدرجة الأولى على رجل الدين أن يحمل السلاح ويقود شعبه وذلك بالمعنى الروحي طبعا، لا يجب أن يتسلح برشاش أو بندقية، بل سلاحه الصليب. عليّ أن أقول إنه من الخطأ الاعتقاد بأن على رجال الدين الاقتداء بتعاليم مثل من ضربك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر، كلا لأن هذه التعاليم المقصود بها أن تُعلمك التواضع فقط.

أسعد طه: في طريق العودة إلى استبانا كيرت تراودني فكرة البعد الديني للحرب التي أكد عليها البعض وعارضها آخرون، لكنني وجدت أنه إذا كان من المستبعد اعتبار العامل الديني سببا رئيسيا للحرب فإنه من الصعب تجاهله تماما، على كل حال بتنا الآن في عاصمة الإقليم حيث توجهنا إلى مركز ما يُدعى جيش الدفاع لجمهورية ناغورنو كاراباخ لنباشر حوارانا مع قائده العام وفي رؤوسنا العديد من الأسئلة لعل أهمها يدور حول هوية هذا الجيش ومصادر تسليحه.

"
خدم في جيش كاراباخ مواطنون من كاراباخ ومن أرمينيا ولكن الفارق الأساسي بالنسبة لأهل كاراباخ فإن الخدمة إجبارية "
     موفسس هاكوبيان

موفسس هاكوبيان- القائد العام لجيش كاراباخ: ككل الجمهوريات السوفيتية السابقة كذلك في ناغورنو كاراباخ، كانت هناك فرق عسكرية سوفيتية وبعد انهيار هذه الدولة بقي العتاد وأصبح مِلكا لنا، خدم في جيش كاراباخ منذ العام 1992 كل الأرمن الذي شعروا أنهم مدينون بالدفاع عن هذا الشعب. يخدم اليوم في جيش كاراباخ مواطنون من كاراباخ ومن أرمينيا ولكن الفارق الأساسي هو أنه بالنسبة إلى أهل كاراباخ فإن الخدمة إجبارية بينما نتلقى من أرمينيا متطوعين.

أسعد طه: يحتفظ القائد في مكتبه بصورة مقاتل أرميني أتى من لبنان للمشاركة في الدفاع عن ناغورنو كاراباخ بحسب تعبير القائد العسكري الذي سألناه عن طبيعة الأوضاع على جبهات القتال.

موفسس هاكوبيان: من الواضح للجميع بأنه في عام 1994 وبموافقة جمهورية كاراباخ وحكومة أذربيجان وجمهورية أرمينيا تم التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار. ومنذ ذلك الوقت لم تقع عمليات حربية لا من جهتنا ولا من جهة أذربيجان ولكن ذلك لا يعني أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار تُطبق بالكامل، أذربيجان تخرق هذا الاتفاق ولذلك نرد عليهم بالطرق والوسائل والمستوى المناسب.

أسعد طه: بمرافقة من قيادة الجيش توجهنا إلى مدينة مارتوني الواقعة جنوب شرق العاصمة وعلى مسافة ساعتين قضيناهما في طريق وَعْرٍ للغاية سعيا للوصول إلى الخط الفاصل بين قوات أرمينيا وقوات أذربيجان. وعندما أدركنا المدينة توجهنا إلى مركز العمليات العسكرية بالمنطقة حيث اطلعنا على التدريبات التي يقوم بها الجنود يوميا للحفاظ على لياقتهم العسكرية. لاحقا اتضح لنا أن ما تبقى للوصول إلى الجبهة أصعب مما سبق، طريق غير ممهد وأراضٍ شاسعة عن اليمين وعن الشمال يقوم الطرف الأرمني بحرقها لإبقائها مكشوفة أمام العيون خوفا من تسلل آذري، إلى أن وصلنا إلى نقطة من الجبهة تقابل النقطة التي كنا قد وصلناها من طرف أذربيجان. وحُذِّرنا من أن المنطقة تشهد من حين لآخر تبادل للنيران وأعمال قنص.

هاناتار أربيكيان- قائد عسكري في جيش كاراباخ: ككل المحاور هذا المحور مهم أيضا لأنه في نظريتنا الدفاعية ليست هناك مواقع غير مهمة الوضع الآن هو أن العدو يطلق النار أحيانا مما يجعلنا حذرين دائما. وكل الجنود والطيارين في حالة قتال دائم للرد على أي استفزاز.

أسعد طه: يتحرك الجنود أمامنا في مشهد تمثيلي لما يحدث عندما تُعلن حالة الطوارئ عند هذا الموقع العسكري، فيما تخطر في ذهني أكثر من خاطرة صحيح أن الآذريين يعانون مرارة الهزيمة، لكن يبدو أن الأرمن لا يستمتعون بثمار النصر وأن سلام المُنتصِر الذي يحاولون فرضه لن يدعم حلا دائما للصراع في المنطقة وهو الأمر الذي يُثير سؤالا مهما إذا كان من الصائب أن تتعهد القيادات الأرمنية بعدم اللجوء إلى القوة لحل الأزمة فهل من الصائب أن تفعل ذلك أيضا القيادات الآذرية؟

شامل أوغلو: هذا النزاع انفجر في عام 1988 نهاية عام 1987 كما عاما مضت؟ سبعة عشر عاما ونحن ندخل في العام الثامن عشر وهاهم طوال هذه المدة يحاولون بالطرق السلمية حل هذا النزاع في السنوات العشر الأخيرة لم يحدث إطلاق نار واحد على طول الجبهة، لكن نحن نظن أن هذا الدرب ليس له مستقبل، الأرض أُخذت بقوة السلاح ولن يخرجوا منها إلا بقوة السلاح.

أسعد طه: نغادر المنطقة ونحن نعي أن ناغورنو كاراباخ واحدة من أطول النزاعات التي تشهدها مناطق الاتحاد السوفيتي منذ انهياره وأنها شهدت مذابح وأعمالا وحشية لا يمكن أن تُلتَمس الأعذار لمرتكبيها بأي حال من الأحوال وأن الضبابية تحجب الحقيقة بشأن كثير من الأمور باستثناء ما هو منها جلي واضح، محض استسلام أن تفاوض وخيار الحرب عندك غير وارد، في الحكمة ما تسلبه ميادين القتال لا ترده طاولات المفاوضات، السلام عليكم.