ما وراء الأحداث

مستقبل العراق الجديد ودول المنطقة

تطبيق الديمقراطية بين الاستيراد وبين انبثاقها من الواقع الثقافي للشعوب، علاقة الديمقراطية بالدين، كيفية تطبيق الديمقراطية في العراق، تأثير الديمقراطية الجديدة في العراق على إعادة فك وتركيب المنطقة.

مقدم الحلقة:

جمال ريان

ضيوف الحلقة:


د. عبد الحسين شعبان: باحث وقانوني عراقي
د. مصطفى كامل السيد: جامعة القاهرة
د. فوزي أوصديق: باحث قانوني

تاريخ الحلقة:

02/05/2003

– تطبيق الديمقراطية بين الاستيراد وبين انبثاقها من الواقع الثقافي للشعوب
– علاقة الديمقراطية بالدين

– كيفية تطبيق الديمقراطية في العراق

– تأثير الديمقراطية الجديدة في العراق على إعادة فك وتركيب المنطقة


undefinedجمال ريان: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج (ما وراء الأحداث).

بعد يوم واحد من الحرب على العراق، أصدر مشروع القرن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث أميركي، أُسِّس في عام 1997 ويُعد أحد أكبر المعاقل المعبرة عن مواقف وآراء المحافظين الجدد، أصدر بياناً بعنوان "العراق فيما بعد الحرب"، وقال البيان: إن الإطاحة بالنظام بالقائم في العراق يمثل أساساً لتحقيق أهداف أساسية، وهي المساعدة في بناء عراق ديمقراطي بعمل كقوة لدعم الاستقرار والتطور الديمقراطي في الشرق الأوسط، ثم عاود الموقعون على بيان التاسع عشر من مارس الماضي، وأصدروا بياناً آخر طالبوا فيه بأن تحتوي الهيئة التي ستدير عراق ما بعد الحرب مسؤولين مخلصين لهدف أميركا من هذه الحرب.

أخيراً أعلن الرئيس الأميركي عن انتهاء المعارك الرئيسية في العراق، وقال: إن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية سيستغرق الكثير من الوقت، وسيبقى تحالفنا في العراق حتى ننجز عملنا.

(باول) وهو وزير الخارجية الأميركي قال: إن العراق يمكن أن يكون دولة مسلمة ديمقراطية مثل تركيا وأنه سيبلغ السوريين أيضاً أنهم بحاجة لمراجعة سياساتهم المتعلقة بمساندة جماعة حزب الله في جنوب لبنان، وأن التغيير الذي شهده العراق المجاور يجب أن يدفعهم للتفكير في إصلاحٍ سياسيٍّ في سوريا.

إذن من بين الأهداف الرئيسية والمعلنة للحرب على العراق -كما يدعى الأميركيون- هو تأسيس حكومة سلام واستقرار ديمقراطي في العراق وإعادة تركيب الشرق الأوسط وفق نظرية "الدومينو الديمقراطي"، أي جعل سقوط نظام صدام حسين السابق وإقامة نظام ديمقراطي في العراق مثالاً يدفع بقية دول المنطقة كي تتجه نحو الديمقراطية.

السؤال المطروح الآن هل ينجح العراقيون في اختيار سلطةٍ ديمقراطية تمثل الطيف السياسي في العراق، وتكون مقبولة عند الأميركيين؟

وهل سيكون للمعارضة السابقة دور في حكم العراق؟

هل المنطقة أمام تحول جديد كما تحولت أوروبا الشرقية عن النظام الشمولي إلى أنظمة ديمقراطية؟

ولكن هل يمكن استيراد الديمقراطية على ظهر الدبابات والطائرات، أم يجب أن تكون نتاج البيئة والواقع الثقافي والاجتماعي للشعوب؟

لمناقشة أي مستقبل ينتظر العراق الجديد ودول المنطقة يسرنا أن نستضيف في الأستوديو (الباحث القانوني) الدكتور فوزي أوصديق وكذلك من لندن الدكتور عبد الحسين شعبان (الباحث والقانوني العراقي) وفي القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد (الأستاذ بجامعة القاهرة والناشط في مجال حقوق الإنسان).

لنبدأ أولاً مع لندن والدكتور عبد الحسين شعبان، دكتور هل فعلاً يمكن استيراد الديمقراطية على ظهر الدبابة أو حاملات الطائرات أو نحو ذلك؟ أم أنها يجب أن تكون نابعة من الواقع الثقافي والاجتماعي للشعوب؟


تطبيق الديمقراطية بين الاستيراد وبين انبثاقها من الواقع الثقافي للشعوب

د. عبد الحسين شعبان: أعتقد أن ثمن الجحود والتنكر لقضية الديمقراطية كان باهظاً تماماً، وأن العراق بحاجة مثل أي شعب آخر إلى الديمقراطية كنظام حضاري ينسجم مع التطور التاريخي، وأن الديمقراطية هي عملية تطور تاريخي حضاري مؤسسي لابد من انبثاقها من تطور المجتمع، وأن التجربة العراقية السابقة خصوصاً في العهد الملكي، شهدت تطورات ديمقراطية جنينية، إلا أنها للأسف انقطعت وانقطع معها خط التطور التدريجي التراكمي البطيء الطويل الأمد في العام 58 للأسف الشديد، نحن بحاجة إلى تراكم وأعتقد أن التجربة الديمقراطية لا يمكن استيرادها كاملة بحاجة إلى تطور وإلى تراكم تدريجي طويل الأمد يعتمد على الديمقراطية المطلوبة وليس الديمقراطية المفروضة، ولهذا أعتقد أن الديمقراطية المفقودة لابد من تهيئة المستلزمات لديمقراطية موعودة وأن الانتقال من جحيم الديكتاتورية ونار الاستبداد إلى ربيع الديمقراطية وإلى جنة وفردوس الحرية لابد أن يأتي عبر تطورات تدريجية تراكمية طويلة الأمد، تنسجم مع المحيط الثقافي والتطور الاجتماعي والاقتصادي للبلد نفسه ولعاداته وتقاليده ولموروثه ولجميع مكوناته، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال زرع الديمقراطية في بيئة غير صالحة، في بيئة لا تقبل بل ترفض مثل هذه الديمقراطية، أعتقد بعد انهيار نظام الاستبداد الطويل الأمد، هناك فرصة لزرع الديمقراطية، بتهيئة مستلزمات حضارية تنموية طويلة الأمد للاستفادة من دروس التجربة الماضية مستشرفين آفاق التجربة المستقبلية.

جمال ريان: نعم واضح، دكتور مصطفى كامل السيد في.. في القاهرة يعني واضح بأن الدكتور عبد الحسين شعبان يقول بأن ما هو مطلوب هو ديمقراطية ليس مفروضة، ولكن يجب أن تكون نتاج عملية تطور حضاري واجتماعي وثقافي، وليس عملية زرع، هل تتفق بأنه يجب ألا تكون هذه الديمقراطية مستوردة على ظهر دبابة، وأنه يجب أن تكون نابعة من الموروث الثقافي والاجتماعي لأي بلد؟

د. مصطفى كامل السيد: لا خلاف على تعريف الديمقراطية وقَسَمَات أي نظام ديمقراطي نحن أعتقد نتفق جميعاً على أن الديمقراطية تعني إتاحة الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين تعني حقهم في انتخاب من يحكمونهم، حقهم في تكوين الجمعيات في تكوين الأحزاب، حقهم في ممارسة حرية الاعتقاد والتعبير والرأي، هذه أعتقد قسمات أساسية للديمقراطية لا نختلف عليها وأياً كان شكل الديمقراطية في أي بلد من البلدان فلابد أن تتوافر هذه الخصائص، ولكن المسألة الأساسية هو كيف يتطور النظام الديمقراطي؟ والتجربة التاريخية تشير إلى أن هذا النظام يتطور نتيجة علاقات بالقوى الاجتماعية في أي بلد، ولا نعرف أي تجربة جرى فيها نقل الديمقراطية عن طريق القوة المسلحة، وإذا كانت الإدارة الأميركية تشير إلى مثل اليابان أو ألمانيا أو إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، فهذه المجتمعات كانت قد تطورت قبل الحرب، أصبحت مجتمعات صناعية ومن ثم فكانت مهيأة لكي تتحول تحول ديمقراطي، أما في العراق لم يحدث مثل هذا التطور، ولكن أعتقد المسألة المهمة هو أن مثل هذه الديمقراطية التي تسعى الولايات المتحدة إلى إقامتها في العراق، يجب أن تكون ديمقراطية موالية للولايات المتحدة، المسؤولون الأميركيون يقولون: أن الذين سوف يشرفون على العراق الديمقراطي ينبغي أن يشعروا بالولاء للأهداف التي من أجلها تدخلت الولايات المتحدة في العراق، ولهذا السبب أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تمارس حق الفيتو على من يختاره العراقيون، ولدينا تجربة السيد ياسر عرفات الذي انتخبه الشعب الفلسطيني، ولكن الإدارة الأميركية قالت: أنها لن تتعامل معه، ولو جرت انتخابات ونجح فيها فلن تتعامل معه أيضاً، أعتقد أن هذا يبين لنا الحدود التي تضعها الولايات المتحدة على الديمقراطية، وعلينا أن ندرك أن الولايات المتحدة قالت إدارتها أنها سوف تبقى عسكرياً في العراق إلى أن يتحقق الاستقرار وإلى أن يقوم حكم ديمقراطي كما تريده الولايات المتحدة الأميركية.

جمال ريان: نعم، في الأستوديو دكتور فوزي يعني الدكتور شعبان كان واضحا بأنه يجب أن تكون هذه الديمقراطية نتاج عملية تطوير حضاري واجتماعي وثقافي أي مراعاة البيئة الموجودة والتي يراد زرع الديمقراطية فيها وليس أن تكون هذه الديمقراطية مفروضة، مخاوف من الدكتور مصطفى كامل من أن أي ديمقراطية تنتج في ذلك البلد جرَّاء انتخابات ديمقراطية وشرعية وغير ذلك، ربما لن تقبل بها الولايات المتحدة الأميركية طالما أنها يعني لم تكن موالية للغرض الذي من أجله جاءت الولايات المتحدة إلى العراق، كيف ترى الأمور؟

د. فوزي أوصديق: بطبيعة الحال لعل أضم صوتي لكلا الأستاذين أولاً من جهة الديمقراطية لا تبني بالرومانسيات الفكرية أو من خلال الخيال أو من خلال الوجدان، ولكن ديمقراطية أولاً هو يجب أن تسند إلى واقع تاريخي ومكاني وزماني، فالديمقراطية ليست معيار مجرد، ولهذا الدكتور كان محق لما قال: أن الديمقراطية يجب أن تكون عبارة عن تراكم تاريخي أو عملية تاريخية ولهذا نلاحظ أن في العراق الديمقراطية اليوم جاءت عن طريق الدبابات أو ديمقراطية الاحتلال وحتى بعض السياسيين يسميها أو يصطلح عليها بالدبابقراطية، أي حكم الدبابات أو ديمقراطية الدبابات.

ومن جهة تانية نجد أن الشواهد والقرائن التاريخية، تدل أن الولايات المتحدة الأميركية لما تتعارض مصالحها مع مصالح الديمقراطية النيابية أو ديمقراطية الشعبية، يتم إزالة تلك الديمقراطية أو إجهاض تلك التجربة، وليس ببعيد تجربة إيران سنة 53 ودومينيكا وتشيلي 73، إذن هذا الديمقراطية التي أرادت أن تفرض عبارة عن ملعب، هذا الملعب محدد الحدود أي لا يجب أن نتجاوز بعض الحدود الحمراء وإلا يجب إجهاض تلك الديمقراطية، ولكن ما يمكن أن أقوله بالنسبة للديمقراطية في العراق، أن لعل الدكتور تكلم عن مرحلة الملكية ونسى واختزل مرحلة تاريخية أساسية في تاريخ العراق وهي مرحلة صدام حسين، أين.. كان الكبت هو السمة الأساسية، أين الفرد العراقي كان متعطش لهذه الديمقراطية، وبالتالي أرى أن الديمقراطية اليوم لو فرضت ستكون ديمقراطية مشوَّهة، لماذا لأن الفرد العراقي لم تكن له بعض الآليات أو بعض الممارسات الديمقراطية، أو بصفة مختصرة هو.. أن للفرد العراقي في هذه الحقبة فقد الثقافة الديمقراطية، فهذه الثقافة هي شرط ضروري لوجود الديمقراطية إلى جانب الشروط الأخرى، ومن ضمن هاك التنمية الشاملة أو المتكافئة في جميع المجالات الأخرى.

جمال ريان: طب، في لندن دكتور شعبان يعني السؤال الحقيقة المطروح هل يستوي الدين والديمقراطية؟ يعني سمعنا وزير الخارجية الأميركية (كولن باول) يقول بالحرف الواحد: بأن العراق يمكن أن يكون دولة مسلمة ديمقراطية مثل تركيا، كيف يمكن أن ينسحب ذلك على العراق؟

د. عبد الحسين شعبان: أولاً دعني أقول أن هناك مشتركاً إنسانياً، تشكل الديمقراطية محور هذا المشترك الإنساني، وهي نتاج لتطور الحضارة البشرية، ومن هذا المشترك الإنساني لابد من التأكيد على مبدأ سيادة القانون، على مبدأ المساءلة والشفافية، على حرية التعبير، على تداولية السلطة سلمياً، على مبدأ استقلال القضاء، على حق المشاركة السياسية في إدارة الشؤون العامة، وأعتقد أن الإسلام بهذا المعنى كجزء من التطور الحضاري لا يتناقض مع مبدأ الديمقراطية أي حق المحكومين في اختيار الحكام، بهذا المعنى تُشكِّل الديمقراطية مرتكزاً أساسياً لنظام حضاري ترفده الثقافات المختلفة، وأعتقد أن الثقافة العربية الإسلامية قد رفدت الفكر الإنساني بالكثير من المعطيات التي أشَّرت للتطور الحضاري في اتجاه قضية الديمقراطية مثلما رفدت الثقافة المسيحية العالم بمنحنى وبتطور باتجاه القضية الديمقراطية، والديمقراطية الحالية كمؤسسات وكضمانات وكفكر وحقوق وممارسات هي نتاج لهذا المشترك الإنساني للحضارات والثقافات المختلفة، من حق الجميع يقولون نحن الذين بدأنا وأتينا بقضية الديمقراطية بتسميات مختلفة، أحياناً بعض الإسلاميين يقولون عنها الشورى، وأحياناً يسمونها بقضية الحكم الصالح، وأحياناً يقولون أهل الحل والعقد مثلما يقول الصينيون أنهم بالكنفوشيوسية جاءوا بنتاج تجربة ديمقراطية، ويقول اليونانيون أن الديمقراطية كانت تستند إلى فلسفاتهم، وأن كلمة (ديمو) و(كراتشيا) هي معناها حكم الشعب جاءت عبر التطور الفلسفي للفلسفة اليونانية، يقول المعاصرون الآن البريطانيون والأميركان والفرنسيون أن الديمقراطية جاءت نتاج للثورة الفرنسية أو الأميركية أو للثورة البرجوازية التي حصلت في أوروبا، خصوصاً في القرن السابع عشر، وأن هذا التراكم والتطور التدريجي هو عبارة عن استلهام للمُثُل والقيم التي جاءت بها الثورات آنذاك، ويضيف إلى ذلك الروس بثورة أكتوبر الاشتراكية، يقولون: نحن أتينا بالجانب الاجتماعي الاشتراكي أو الاشتراعي من قضية الديمقراطية، أي أننا دعمنا مبدأ حق تقرير المصير، وهكذا، ولهذا من حق العرب والمسلمون أن يقولون أنهم رفدوا الديمقراطية بأفكار وبطائفة من المبادئ لعل أهمها حلف الفضول الذي تعاضد أو تعاهد فيه فضلاء مكة على ألا يدعوا مظلوماً من أهلها أو من دخلها إلا ونصروه على ظالمه، بهذا المعنى هم دعوا لاحترام حقوق الإنسان وللديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أي المنظوم الشامل لفكرة الديمقراطية، ولهذا أعتقد أن الديمقراطية لا تتعارض مع.. مع الإسلام، وتستلهم منه المثل والقيم السامية.

جمال ريان: لا تتعارض مع الإسلام دكتور عبد الحسين شعبان، نحن حول أي مستقبل ديمقراطي ينتظر العراق والمنطقة.

[فاصل إعلاني]


علاقة الديمقراطية بالدين

جمال ريان: الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام هذا ما قاله قبل قليل الدكتور عبد الحسين شعبان. دكتور مصطفى كامل السيد، هل تستوي فعلاً الديمقراطية والدين معاً؟

د. مصطفى كامل السيد: أي دين له تفسيرات متعددة، النص القرآني نص واحد، الأحاديث الشريفة واحدة، ولكن تختلف التفسيرات، ولا شك أن هناك اجتهادات متعددة فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية والإسلام، وسمعنا في الجزائر -على سبيل المثال- من يرفض الديمقراطية.

سمعنا أيضاً في مصر في تاريخ بعض الحركات التي ترفع راية الإسلام السياسي، أيضاً من يرفض تعدد الأحزاب، ولذلك لا يمكن القول أن هناك رأي واحد بالنسبة لهذه المسألة، ولكن المؤكد أن النص الديني لا يقف عقبة أمام التطور الديمقراطي، الأمر المهم هو التفسير الذي يُعطى لهذا النص الديني، ونحن نجد أنه في أوروبا، في إيطاليا، وفي ألمانيا هناك أحزاب ديمقراطية مسيحية، ونحن نعرف أن الرئيس بوش يبدأ اجتماعاته بقراءة آيات من الإنجيل، ولذلك التدين أو الدين ليس عقبة في حد ذاته أمام التطور الديمقراطي، ولكن عندما تتوافر الشروط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ينتشر التفسيرات للدين أيًّا كان هذا الدين الذي يتفق مع التطور الديمقراطي، ولكن لابد أن نذكر أن هناك قضايا..

جمال ريان [مقاطعاً]: ولكن دكتور مصطفى، لو أعرف إلى أي مدى تتفق مع القول القائل بأن زمن الأصولية قد ولَّى الآن، وسيحل مكانه زمن الليبرالية الأميركية، بالطبع يعني كما يقال بقيمها وأخلاقها؟

د. مصطفى كامل السيد: أعتقد أن الأصولية موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المعروف أن مؤيدي الرئيس بوش ينتمون إلى فئات يمكن القول إنها فئات أصولية بروتستانتية، هذه حقيقة، ومن ثم فالأصوليات موجودة، والأصوليات لا تقتصر على الدين الإسلامي، كما أن التفسيرات واسعة الأفق المتحررة موجودة في كل الديانات، لا أعتقد أن زمن الأصولية قد ولَّى، بل العكس إن الولايات المتحدة بسياساتها هذه إنما تشجع على استمرار التيارات الأصولية، ولكن الأمر المهم هو أن الدين أي دين ليس عقبة أمام التطور الديمقراطي، نحن وجدنا دول كنفوشيوسية، دول مسيحية تتحول إلى الديمقراطية، ونحن نجد أن هناك تجارب ديمقراطية في بعض الدول الإسلامية، لا أقول إنها تجارب كاملة، ولكن هناك تطور ديمقراطي لا شك في إندونيسيا، لا شك أيضاً في ماليزيا، لا شك أن هناك أتراك كثيرين يؤمنون بالإسلام ويؤمنون بالديمقراطية في نفس الوقت، الأمر المهم هو ما هو التفسير الذي نعطيه للإسلام..

جمال ريان [مقاطعاً]: لكن هنا.. هنا بعض التناقض كما يقال دكتور، يعني الولايات المتحدة، يعني كما يقول إذا كانت فعلاً حريصة على إرساء قواعد ديمقراطية في العراق، السؤال المطروح: كيف يستوي ذلك مع تأكيدات لواشنطن بأنها لن تسمح بقيام نظام حكم في بغداد موالي لإيران؟

د. مصطفى كامل السيد: أنا قلت أن الولايات المتحدة لن تقبل بوجود نظام ديمقراطي في العراق يرفض الوجود العسكري الأميركي أياً كان طبيعة هذا النظام، سواء كان نظام إسلامي أو نظام علماني، الأمر المهم بالنسبة للولايات المتحدة هو مصالحها المتعددة في العراق، وأن الحكومة التي تقوم في العراق يجب أن تكون حكومة تحمي هذه المصالح الأميركية ولذلك أعتقد أنه إذا كان هناك تناقض، وبكل تأكيد هناك تناقض بين الديمقراطية والوجود العسكري الأميركي، الولايات المتحدة كما أثبتت ذلك تجارب عديدة سوف تميل إلى تأكيد مصالحها كما كان الحال في فيتنام وبتشجيع الولايات المتحدة لانقلابات عسكرية في البرازيل، وفي تشيلي، والأرجنتين، و غيرها، في الحقيقة سجل الولايات المتحدة التاريخي يبين أنها كانت أميل إلى نظم ديكتاتورية من ميلها إلى نظم ديمقراطية، والحديث عن الديمقراطية هو مسألة يعني يقصد بها إرضاء الرأي العام الأميركي الذي لا يقبل أن تقوم حكومته بعمل عسكري، فقط من أجل البترول أو من أجل مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط.


كيفية تطبيق الديمقراطية في العراق

جمال ريان: طيب دكتور أوصديق يعني حقيقة أريد أن أعرف منك ما هي باعتقادك تلك العقبات التي ستواجهها الديمقراطية في العراق؟ هل يمكن أن نقول أن الديمقراطية تعني بأن كل من له الحق أن يصوت، يعني كل من هب ودب أن يصوت في هذه الانتخابات، وبالتالي الناتج قد لا يكون يعني لصالح البلد نفسه، قد ينعكس على سياسة الولايات المتحدة المناوئة لأي حكومة قد تخرج أو قرار سياسي هي لا تقبل به، يعني هناك عدة عوامل مجتمعة مع بعض، ربما تشكل في النهاية نوع من التعقيد لصورة الديمقراطية التي تريد أن تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية، هل ترى بأن يعني الولايات المتحدة الأميركية تستطيع أن تزرع الديمقراطية وفق ما تريد هي؟

د. فوزي أوصديق: بطبيعة الحال أولاً: لما نتكلم على الديمقراطية في العراق لازم أن نضع الإطار الذي نتكلم فيه، أن الديمقراطية التي نتكلم فيها هي ديمقراطية في إيديولوجية الدولة القوية، وبالتالي هذا الإيديولوجية أو هذا الدولة القوية لها مصالح جيواستراتيجية في المنطقة، ولا ننسى أن رائحة البترول والمخزون البترولي العراقي قد.. من أحد الأساسيات أو المحرك الأساسي لهذه الديناميكية للولايات المتحدة في تلك المنطقة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية ما دام كنا متفقين أن الديمقراطية عبارة عن نتاج تاريخي، وكذلك أن هذه الديمقراطية لا يجب أن تكون ديمقراطية مطلقة أو مجردة، ولكن أن يكون سلوك وثقافة، لهذا أتصور أن الديمقراطية التي أريدت أنه تفرض في الوقت الحالي في العراق هي ديمقراطية مشوهة للعديد من الأبعاد، لأن البعد الأول.. الشخص الذي كان عايش مدة نصف قرن تحت الكبت تحت الحرمان، تحت الفقر لا يمكن أن بعصا سحرية أن يكون مواطناً صالحاً أو مواطناً يشارك في التغييرات داخل الحياة السياسية.

جمال ريان: هناك نسبة الأمية أيضاً تلعب دور.

د. فوزي أوصديق: بطبيعة الحال.. بطبيعة الحال نسبة الأمية ضف إلى ذلك الفقر، ضف إلى ذلك الحرمان الذي يعانيه الشعب العراقي، كل هذه لا تجعل شروط موضوعية لكي تزدهر الديمقراطية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية كذلك لا ننسى أن من بين إفرازات هذه الأحداث أنها أثبتت فشل الأنظمة السياسية في إرساء الديمقراطية حقيقية، لأن الواقع في الديمقراطية في العراق وفي جميع الأوطان العربية أنه الديمقراطية عادة كانت تستند لمقاومة المستعمر كأداة ثورية لبسط الشرعية، فلم تحدث هذه النقلة النوعية ما بين الأداة الثورية للديمقراطية وأداة لتغيير المجتمعات داخل الدول، وبالتالي الديمقراطية التي هي تحت الاحتلال أو ديمقراطية تحت الدبابة لا نرجو منها الخير الكثير، لأن الديمقراطية لا تبنى بقرارات سياسية فوقية أو سلطوية.

جمال ريان: ولكن الديمقراطية أيضاً موجودة في اليابان، موجودة كانت في ألمانيا، في كوريا الجنوبية، في كثير من المناطق التي تتواجد بها الولايات المتحدة بجيوش نظامية، وبالعكس يعني ربما وأنها الوجود العسكري هذا لا يشغل الشعوب عن موضوع العسكرة وموضوع الإنفاق العسكري وغير ذلك، بل تنتبه الشعوب إلى ناحية أخرى، و هي التنمية الاقتصادية وبناء الداخل كما حدث في هذه الدول، أليس كذلك؟

د. فوزي أوصديق: بطبيعة الحال، هذا قد يدفعنا إلى محور.. محور آخر ألا وهو العلاقة الجدلية ما بين الديمقراطية وخصوصية الشعوب، لكل شعب أو لكل منطقة لها خصوصية، ولعل الموروث الحضاري والموروث الثقافي الموجود في العراق قد يدفع إلى إرساء هذه الديمقراطية، ولكن ليس تحت سيف الدبابات، ولكن ليس تحت.. أو سيف الاحتلال، هذا من جهة، ومن جهة ثانية كذلك لإرساء ديمقراطية سليمة صحيحة -حسب اعتقادي- يجب أن تتوفر فيها مجموعة من الأبجديات، من ضمن هذه الأبجديات أولاً: إيجاد محيط اقتصادي واجتماعي تنمو وتزدهر فيه هذه الديمقراطية، لأن الديمقراطية زي النبتة اللي تحتاج إلى أرض صالحة وإلى أوكسجين، لو نفتقد إلى أحد هذه المكونتين، أي الأوكسجين أو التربة ممكن تلك النبتة تكون نبتة غير صالحة، وتكون من نبتة فيها خلل.

إذن على هذا الأساس أنا -حسب اعتقادي المتواضع- أرى أن الديمقراطية يجب أن تفرض من الداخل، وليس أن تجبر أو تفرض من الخارج.

جمال ريان: طيب لنسأل فيما يتعلق بموضوع الداخل والدكتور عبد الحسين شعبان في لندن.

دكتور، يعني من أجل تحقيق الديمقراطية في العراق ما أهمية بالتالي القوى السياسية العراقية في الداخل على رأسها أيضاً المعارضة الآن لتجاوز المصالح الضيقة وصياغة دستور جديد يقنن -كما يقال- التعددية والتناوب السلمي على السلطة، هناك الآن لجنة تنسيق ومتابعة، تحاول أن تكون ممثلة تمثل الطيف السياسي في العراق، أن تكون مقبولة أيضاً لدى الأميركيين، وبالتالي ربما تحصل على اعتراف شرعي من المحتل، هل ترى بأنه يعني هذه القوى السياسية على رأسها المعارضة هي قادرة على تجاوز كثير من العقبات لتحقيق هذا النهج الديمقراطي؟

د. عبد الحسين شعبان: بتقديري أولاً: لابد من تجسير الفجوة بين مفهوم الديمقراطية على المستوى العالمي وبين الواقع الرديء الذي عاشه العراق طيلة فترة الاستبداد التي دامت نحو 35 عاماً، هذا أولاً.

الشيء الثاني: لابد من تعزيز ونشر وتعميم الثقافة الديمقراطية، إذ لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، ولهذا لابد من إشباع المجتمع وبتنوعه، بألوانه، بأطيافه، بتكويناته القومية، والدينية، والسياسية، والثقافية، والفكرية، بالثقافة الديمقراطية، ولابد من إيجاد حاملات للديمقراطية، أي قنوات لبث الديمقراطية عبر وسائل مختلفة، وهنا لابد أن يلعب الإعلام دوراً في تعزيز ونشر الديمقراطية، بلا أدنى شك أن هناك معوقات كثيرة، قسم من هذه المعوقات معوقات خارجية، دعني أقول من هذه المعوقات الخارجية وجود الاحتلال، صحيح أن الاحتلال هو عنصر مؤقت، أنه لا يدوم إلى فترة ما لا نهاية، لابد من إنهاء الاحتلال، وأعتقد أن هذا العامل الخارجي سيكون تأثيره ضعيفاً مستقبلاً، وأن العراق.. أن العراقيين سيأخذون أمورهم بأيديهم، ولهذا لابد من بحث في العوامل الخارجية التي تعيد قضية تطور الديمقراطية، من هذه الإعاقات أيضاً على مدى تاريخي هو الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع العربي الإسرائيلي استُخدم سلاح ذو حدين، فمن جهة دفع البلدان العربية والشعوب العربية نحو العسكرة، ونحو التسلح، ونحو تعليق قضية الديمقراطية وقضية التنمية بحجة وجود الصراع العربي الإسرائيلي من جهة.

ومن جهة ثانية هناك عامل خارجي ضاغط، وهو الصراع العربي الإسرائيلي الذي ينبغي أخذه موضوعياً، حل قضية الشعب العربي الفلسطيني وتمكينه من تقريره مصيره بنفسه، وإقامة دولته الوطنية المستقلة يساعد في قضية تنمية الديمقراطية على المستوى الوطن العربي ككل.

الشيء الآخر: من هذه المعوقات الخارجية أيضاً كان الحصار الدولي على سبيل المثال، العدوانات المفروضة لسنوات طويلة، وهناك معوقات داخلية، من هذه المعوقات الداخلية ضعف البنى والتراكيب، وضعف التجربة الديمقراطية في البلدان العربية، من هذه المعوقات أيضاً النظرة الدونية إلى المرأة، عدم مساواة المرأة بالرجل يُشكِّل عائقا أمام قضية المساواة، وأمام قضية الديمقراطية في الوطن العربي، من هذه المعوقات أيضاً النظرة الدونية إلى الأقليات وعدم الاعتراف بحقوق القوميات والتكوينات المختلفة، على سبيل المثال بالنسبة للعراق هناك القضية الكردية، لابد من حل القضية الكردية حلاً سلمياً وديمقراطياً على أساس حق تقرير المصير للشعب الكردي واحترام خياراته الحرة، سواء كانت الفيدرالية أو أي خيار آخر سيساهم في تعزيز قضية الديمقراطية، التخلص من الجهل والأمية والجوع والمرض وغير ذلك. هذه عوامل موضوعية، لابد من وضع الأسس والمستلزمات للانتقال إلى قضية التطور الديمقراطي بإزالة هذه المعوقات.

أعتقد أن اللعبة الديمقراطية ستكون نقطة أساسية بصددها ستعمل أو تحت سقفها ستعمل القوى السياسية العراقية بعد تجربة طويلة من المنافي والغربة، ومن خنوع وخضوع داخلي دام لسنوات طويلة ولهذا لابد من تعزيز الثقافة الديمقراطية، مرة ثانية أقول: لابد من المنافسة المشروعة الشريفة بين القوى السياسية، بين التكوينات المختلفة احترام حقوق الأقليات، حل قضية مساواة المرأة بالرجل، المساواة أمام القانون بشكل عام، هذه كلها تشكل مرتكزات أساسية للتطور الديمقراطي أو للتحول الديمقراطي التدريجي، وأعود وأقول لا.. لا يمكن بناء تجربة ديمقراطية ناجزة أو منتهية أو مكتملة، لابد من تطور تدريجي طويل الأمد، ستكون هناك عقبات، ستكون هناك عراقيل خارجية وداخلية، إقليمية ودولية، ومن الأساس الداخلي في المجتمع هناك مشكلة الطائفية لابد من حسم قضية الطائفية السياسية والطوائفية المجتمعية مقابل الطائفية السياسية، لابد هناك من تحول سلمي مدني للديمقراطية، أي أن قضية العشائرية والجهوية والمناطقية وغير ذلك من العنعنات ومن النعرات التي تقف عائقاً أمام قضية الديمقراطية لابد من وضع حد لهذه الأمور في دستور ديمقراطي تعددي فيدرالي يقر بالتنوع، ويؤمن إيمان حقيقي عبر قوى المجتمع المختلفة بقضية التحول الديمقراطي.

جمال ريان: نعم، طيب دكتور عبد الحسين شعبان، سننتقل إلى الموضوع الثاني، وهو تأثير هذه الديمقراطية الجديدة التي يعني تتبلور الآن في العراق على المنطقة، وإذا كانت المنطقة فعلاً مقبلة على عملية إعادة فك وتركيب.

[فاصل إعلاني]


تأثير الديمقراطية الجديدة في العراق على إعادة فك وتركيب المنطقة

جمال ريان: نتحول الآن إلى المنطقة وإذا كانت هذه المنطقة مقبلة الآن على عملية إعادة فك وتركيب، دكتور مصطفى كامل السيد يعني من الواضح يعني أن شهية الإدارة الأميركية الآن هي لتوسيع دائرة إعادة تشكيل المنطقة وبالتالي سيعتمد ذلك على استمرار اتساع الهوة ربما بين الأنظمة والشعوب في الدول المجاورة للعراق، السؤال المطروح حقيقة: هل ترى بأن الاستبداد السياسي في المنطقة.. منطقة الشرق الأوسط ربما تستعمله الولايات المتحدة كحصان طروادة لتتسلل منه بالتالي واشنطن لتحقيق أهداف في بعد يعني هذه المرحلة مرحلة إعادة وتشكيل وترسيخ الديمقراطية في العراق؟

د. مصطفى كامل السيد: هناك أولويات للسياسة الأميركية في المنطقة وليس من المدهش أن الدولة العربية التالية على قائمة الضغوط، التهديدات الأميركية هي سوريا، وذلك لأن الحكومة السورية تتبع سياسة إقليمية ودولية، لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأميركية، والحديث عن التطور الديمقراطي يثار الآن بالنسبة لسوريا، ولكن كما يعرف المشاهدون، إذا كان النظام القائم في سوريا ليس نظاماً ديمقراطياً، فلا يوجد نظام عربي واحد يمكن وصفه بأنه نظام ديمقراطي، ولكن الولايات المتحدة تعطي نفسها الحق في أن تختار من هو غير الديمقراطي، ووصف غير الديمقراطي ينطبق فقط على النظم التي تتبع سياسات خارجية بالأساس لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك أعتقد أن الضغوط سوف تُركَز على تلك الدول، التي لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأميركية، ونحن نعرف إنه تقرير الخارجية الأميركية عن الإرهاب وصف دول عربية معينة بأنها دول تشجع الإرهاب منها سوريا، منها السودان، منها ليبيا، وبطبيعة الحال النظام العراقي السابق، أعتقد أن هذه هي الدول التي سوف تمارس عليها ضغوط لكي تتحول، والتحول هنا يعني -بطبيعة الحال- أن تأتي نظم تمالئ الولايات المتحدة الأميركية، أما النظم الأخرى، والتي نعرف جميعاً أنها أبعد ما تكون عن الديمقراطية سواء كانت نظم ملكية أو نظم جمهورية فأعتقد أنها في أمان، ولن تُمارس عليها أي ضغوط، بل -على العكس- الولايات المتحدة سوف تتردد كثيراً في دفع هذه النظم إلى التطور، لأنها تعرف أنه لو كانت هناك انفتاحة ديمقراطية حقيقية في بعض هذه البلدان، فهذا سوف يؤدي إلى تصاعد القوى القومية والإسلامية، وهو ما ترضى عنه الولايات المتحدة الأميركية، وينبغي أن ندرك أن أفق هذه الإدارة ضيق للغاية، طرحت قائمة بالمنظمات الإسلامية التي تعتبرها إرهابية، وفيها الكثير من المنظمات الخيرية، هذه الإدارة أيضاً تريد تغيير نظم التعليم، المقررات التعليمية ومن ثم فالنشء العرب لأن ينبغي أن يعرفوا حقيقة إسرائيل، تريد أيضاً التأثير على الخُطَب التي تلقى في الجوامع بحيث يشيد خطباء الجوامع بما يفعله السيد (أرييل شارون) في الفلسطينيين، ولذلك أعتقد إنه الحديث عن الديمقراطية هو يعني أسلوب تتبعه الإدارة الأميركية لممارسة ضغوط على النظم التي لا ترضى عنها، الحكومات التي لا ترضى عنها، أما الحكومات التي ترضى عنها الولايات المتحدة الأميركية والتي قدمت لها خدمات عديدة، يعني طبعاً المشاهدون يعرفون نوع هذه الخدمات، فسوف تستمر في الحصول على الدعم الأميركي، على الرغم من الطبيعة غير الديمقراطية لهذه النظم..

جمال ريان [مقاطعاً]: حتى.. يعني تريد أن تقول حتى وإن كانت ديكتاتورية، ولكن يعني كمراقب دكتور مصطفى..

د. مصطفى كامل السيد: هذه مسألة ليست مهمة، لا نعرف..

جمار ريان: عفواً، كمراقب أنت يعني للتطورات في المنطقة وما قد يحدث يعني هل ترى بأن استباق بعض الدول العربية باتخاذ إجراءات في اتجاه فعلاً ترسيخ الديمقراطية واتخاذ خطوات حقيقية للتحول الديمقراطي، ربما قد يجنبها الكثير من الآثار السلبية والضغوط التي قد تمارس عليها أم إن يعني القيام بأية خطوات استباقية شكلية ربما يعني لن تجعل الولايات المتحدة الأميركية تغض الطرف عنها أم أنها ربما يعني تعتبرها يعني (مشِّي) كما يقال العامية؟

د. مصطفى كامل السيد: آه. الحكام العرب على درجة عالية من البراعة، بحيث أنهم يستطيعون دائماً مجاراة الشكل، ومن ثم هناك العديد من البلاد العربية التي توجد فيها انتخابات ويوجد فيها تعدد أحزاب، ولكن سواء النظم الملكية أو النظم الجمهورية في الوطن العربي ليست بالديمقراطية، لا توجد ملكية دستورية في أي من الدول العربية، ولا توجد.. لا أقول جمهورية برلمانية، ولا توجد حتى جمهورية رئاسية في الوطن العربي، لأن الجمهورية الرئاسية بحكم التعريف هي يعني نظام يتمتع فيه المجلس التشريعي بنوع من الاستقلال في مواجهة رئيس الدولة، كما نشهد يعني حتى في الولايات المتحدة ذاتها، عندما يكون هناك حزب يسيطر على الكونجرس الأميركي بمجلسيه، دون أن يكون هذا الحزب هو حزب الرئيس، هذا هو النظام الرئاسي، لا يوجد في أي من الدول العربية نظام رئاسي بهذا المعنى، ولكن في كل الدول العربية سلطات رئيس الدولة بلا حدود، ويمكن دون هذا المستوى أن يُسمح للمواطنين بالذهاب إلى صناديق الانتخابات أن يكون هناك تعدد أحزاب، ولكن لا مساس على الإطلاق بسلطات رئيس الدولة التي هي سلطات واسعة جداً في كل البلدان العربية وحتى يعني في حالة لبنان الذي يوجد في نوع من التوازن إلى حد ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، يعني سلطات رئيس الجمهورية أيضاً هي سلطات مهمة، يعني خلاصة الأمر إنه النظم العربية خصوصاً تلك الموالية للولايات المتحدة، يعني لديها البراعة يعني بحيث يبدو أنها تساير الحديث عن الديمقراطية دون أن تتخلى عن جوهرها البعيد تماماً عن الديمقراطية.

جمال ريان: طيب دكتور فوزي يعني هناك -كما يقال- بعض الأنظمة غير الديمقراطية، وهي يعني أغلب الدول العربية تقريباً، يعني ترتعد خوفاً الآن، بالتالي هل تتوقع أن تواجه هذه الدول ضغوط باتجاه ترسيخ وتحوُّل نحو الديمقراطية، خاصة وأن الجو العام تقريباً يعني مخيف، يعني (كولن باول) كان صريح بالحرف الواحد قال : على.. مثلاً.. سوريا أن تعرف بأن لها جاراً..

د. فوزي أوصديق: جاراً جديداً.

جمال ريان: جديداً، يعني هذه الضغوط وهذه الصورة التي تراها الآن ما بعد النظام.. نظام صدام حسين في المنطقة، هل ترى فعلاً بأنها ستخلق واقع جديد؟

د. فوزي أوصديق: بطبيعة الحال لعل تصريح كولن باول ليس بتصريح بريء أو عفوي، ولكن هو تصريح مدروس، وبالتالي يجب الانتظار عواقب لا أقول وخيمة، ولكن عواقب ما تخدم الدولة القوية أو عدالة الدولة القوية في المنطقة. هذا من جهة.

من جهة ثانية: فيه تصريح كذلك أقوى من تصريح للجار الجديدة، لعل بعد سقوط بغداد سمعنا بعض التصريحات من الإدارة الأميركية تقول: أنه سقوط بغداد ممكن تشبيهه كسقوط برلين أو جدار برلين، وبالتالي من الآثار لهذا سقوط جدار برلين، وهو هب روح الديمقراطية، وكذلك زوال الديمقراطيات الشمولية والأنظمة الشمولية، ولهذا أمام المنطقة العربية بكلها.. لها 3 خيارات، إما ثورة بيضاء تغيير من الداخل، أو خيار وهو اللجوء إلى الديمقراطية بالاهتمام بالشكل والمضمون في نفس الوقت، وليس بالشكل على حساب المضمون كما هو معمول أو الجاري به حالياً، وإما أن تستورد الديمقراطية كما استوردت هذه الديمقراطية على ظهر الدبابات في بغداد، وهذا من جهة.

ومن جهة ثانية كذلك ممكن هذه الديمقراطية أن تفرض بوسائل قانونية وإجرائية من خلال فرض ضغوطات اقتصادية، والعديد من الضغوطات الدبلوماسية الأخرى المتاحة لهذه الإدارة الأميركية ولهذا أرى أن سقوط بغداد، وكذلك ظهور نظام جديد أو إرهاصات الديمقراطية -أن صح التعبير- بالنسبة للعراق قد سيتبعه مستقبلاً إرهاصات أخرى على مستوى المنطقة، ولكن ضمن جدول الأولويات ولعل الأولوية الأولى، وهي محاولة تغيير البنية السياسية في سوريا، وهذا من جهة، ومن جهة ثانية: محاولة الحد من بعض التنظيمات التي هي متواجدة في سوريا أنها منافية للديمقراطية.

جمال ريان: طيب.. دكتور عبد الحسين شعبان، يعني معانا تقريباً دقيقة، ولكن تعلم بأنه الإدارة الأميركية قررت تعيين (بول بريمر) كأول مدني يدير الأمور في العراق، باعتقادك يعني تعيين هذا الرجل كيف سيؤثر على العملية الديمقراطية أو إرساء قواعد هذه الديمقراطية؟ وكيف للعراقيين أن يتعاملوا معه؟ معك دقيقة.

د. عبد الحسين شعبان: نعم، أولاً: بودي أن أقول أن هناك صراعاً بين وزارة الخارجية وبين البنتاجون وبين الـ CIA، وقد برز هذا الصراع في أكثر من ميدان..

جمار ريان [مقاطعاً]: ولكن يبدو أنه من خلال التعيين قد حسم..

د. عبد الحسين شعبان: وأعتقد أن السيد (جارنر).

جمار ريان: دكتور لصالح وزارة الخارجية، وبالتحديد كولن باول.

د. عبد الحسين شعبان: لصالح.. لصالح وزارة الخارجية. نعم، ولهذا أقول أن الإدارة الأميركية بعد المأزق الذي وضعت نفسها فيه، أخذت تفكر بضرورة الانتقال إلى إدارة مدنية وتعيين الشخصية الدبلوماسية مؤشر على ذلك، الشيء الثاني أو قضية الديمقراطية لم تعد اختيار حسب، وإنما هي اختيار واضطرار في آن، لدول المنطقة ككل، وأعتقد أن هناك بعض التطورات الديمقراطية التي حصلت لابد من تعزيزها، سواء ما حصل في البحرين أو في المغرب أو إلى حد ما في الأردن أو في اليمن أو غيرها، بما فيها بعض التطورات الجنينية التي حصلت في سوريا، هذه المسألة بحاجة إلى تعزيز تجنباً أولاً للضغوط الخارجية، ومن جهة ثانية هذه حاجة موضوعية تحتاجها شعوب وبلدان هذه المنطقة وبالتالي لابد من تلبية هذه الحاجة وهي حاجة مثل حاجة شعوب هذه البلدان إلى التنمية، إلى التطور إلى الرخاء، إلى الرفاه، إلى غير ذلك من هذا المنطلق أعود وأقول أن هذه القضية ستعم وستنتشر، وإذا كانت رياح التغيير الديمقراطي الأولى قد انكسرت عن شواطئ البحر المتوسط في موجة أواخر الثمانينات بداية التسعينات، فإن الموجة الثانية ستعم بلدان المنطقة..

جمال ريان [مقاطعاً]: أنا آسف دكتور عبد الحسين شعبان، انتهى.. انتهى وقت البرنامج، الدكتور عبد الحسين (الباحث والقانوني العراقي في لندن) شكراً لك، كذلك شكراً للدكتور مصطفى كامل السيد (الأستاذ بجامعة القاهرة والناشط في مجال حقوق الإنسان)، وشكراً لضيفي في الأستوديو الدكتور فوزي أوصديق (الباحث القانوني والعميد السابق لكلية الحقوق في الجزائر).

مشاهدينا الكرام تحية لكم من معد البرنامج أحمد الشولي، وهذا جمال ريان يستودعكم الله من الدوحة، إلى اللقاء.