ماوراء الأحداث - شرعية اعتقال أميركا للمطلوبين العراقيين
ما وراء الأحداث

شرعية اعتقال أميركا للمطلوبين العراقيين

خلفية وشرعية التهم الموجهة إلى المطلوبين العراقيين لدى أميركا، كيفية إجراء المحاكمة وطبيعة استنادها إلى القانون الدولي، دور رجال القضاء العسكري الأميركي والبريطاني في العراق.

مقدمة الحلقة:

جمانة نمور

ضيوف الحلقة:

د. هيثم مناع: اللجنة العربية لحقوق الإنسان
د. صلاح عامر: قسم القانون الدولي بجامعة القاهرة
د. عبد الهادي جياد التميمي: محلل سياسي عراقي

تاريخ الحلقة:

05/05/2003

– خلفية وشرعية التهم الموجهة إلى المطلوبين العراقيين لدى أميركا
– كيفية إجراء المحاكمة وطبيعة استنادها إلى القانون الدولي

– دور رجال القضاء العسكري الأميركي والبريطاني في العراق

– مدى قابلية تكرار سيناريو محاكمات نورنبرغ في العراق


undefinedجمانة نمور: أهلاً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من (ما وراء الأحداث).

اعتقال الخبيرة العراقية هدى عماش (عضو القيادة القُطرية العراقية) رفع إلى ثمانية عشر عدد المعتقلين العراقيين على ما يعرف باسم لائحة الـ 55 الأميركية، اعتقال هؤلاء يضع علامات استفهام كثيرة على التهم الموجهة إليهم والطريقة التي ستتم بها محاكمتهم، وفي محاولة لفهم خلفيات التهم وشكل ومكان المحاكمات المتوقعة نستضيف هذه الليلة من القاهرة الدكتور هيثم مناع (من اللجنة العربية لحقوق الإنسان)، ومن القاهرة أيضاً الدكتور صلاح عامر (أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة)، ومن لندن معنا الدكتور عبد الهادي جياد التميمي (المحلل السياسي العراقي).

ونبدأ معك دكتور هيثم في القاهرة بأي تهم يتم اعتقال هؤلاء؟


خلفية وشرعية التهم الموجهة إلى المطلوبين العراقيين لدى أميركا

د. هيثم مناع: قبل أن أتحدث عن التهم أريد أن أخذ دقيقة لأتحدث عن كون الجانب القانوني جزء أساسي وجوهري من ما يمكن تسميته بنظرية البنى الموازية (Structure parallele) لأن السياسية الأميركية اليوم تقوم أولاً على تهميش الأمم المتحدة لحساب ما يسمى بتحالف الراغبين coalletion of the able and the willing بعدين القرار الدولي تهميشه لحساب القرار الأميركي (لوردر أميركان)، تحت شعار أن القيم الأميركية بحد ذاتها قيم عالمية، وعلى أساس اعتماد اتفاقيات محلية مثل نموذج اتفاق كامب ديفيد.

المسألة الثالثة تهميش المحكمة الجنائية الدولية لحساب الاتفاقيات الثنائية القضائية الجنائية، مثل النموذج الذي حدث في ألمانيا.. في ألبانيا -عفواً- ورومانيا وإسرائيل، إذن هذا الأساس هو الذي تقوم عليه السياسة الأميركية التي تحاول أن تجعل من الحرب شيء يبرر نفسه بنفسه، ومن المشروعية إبنة النتائج، والأمر الواقع هو الذي يبني القانون (…..) يعني بعد أن نقوم بالعمل، من هنا تأتي عملية تهميش القانون بشكل عام، في إطار ما يمكن تسميته من قِبل العديد اليوم من المفكرين الأوروبيين والأميركيين للـ (…..) أو الدولة الداعرة أي الدولة التي لا تلزم نفسها بشيء ولا تعتبر نفسها ملزمة بشيء، كما تقول حرفياً (كونداليزا رايس): لا يمكن أن نعامل دولة عظمى كما نعاون [نعامل] دولة اللوكسمبرج أو الكويت، ولذا لسنا ملزمين بأي معاهدة ولسنا ملزمين بالتوقيع على شيء أو باتباع الصيرورة المعروفة للأشياء، هذه هي المشكلة، لذلك نلاحظ أنه مثلاً تم اختيار ورق اللعب، وهي مسألة شكلية ولكن نفسية ضرورية جداً، لأنها تؤثر في النفس وكأننا نحتقر القانون الدولي عبر ورقة الكوتشينة هذي التي وضعنا عليها ما يسمى بمطلوبين، حتى كلمة (wanted) المعتادة في المجتمع الأميركي لم يتم اتباعها، من هنا.. من هذا المنطلق يمكن فهم الوضع الذي يعيشه هؤلاء الأشخاص بغض النظر عن كوننا نرغب كنشطاء حقوق إنسان، في أن يكون لهم محاكمة عادلة في محاكم عادلة عراقية وليس محاكم في ظل الاحتلال.

جمانة نمور: دكتور، يعني عند هي نقطة معانا نستفسر ولو سريعاً يعني وضعت العناوين العامة للحلقة ربما في بدايتها، ماذا عن حقوقهم هؤلاء يعني؟ أنت كخبرتك في مجال حقوق الإنسان، ما هي حقوقهم؟

د. هيثم مناع: المشكلة أن اتفاقيات (جنيف) الأربعة كانت متعمدة الغموض في بعض جوانبها، وبالتالي يكفي لبس البزة العسكرية مثلاً لأعضاء القيادة القطرية، لأن يكون ذلك حجة لشملهم في أوضاع أو -بين قوسين- جملة أسرى الحرب، ومن اللحظة التي نعتبرهم أسرى حرب يمكن أن نضيف إلى ذلك مشكلة جرائم الحرب، ولكن كما قال الأستاذ صلاح مشكلة جرائم الحرب هي مشكلة تتعلق باللحظة التي انطلقت منها العمليات العسكرية وليس ما قبل هذه اللحظة وبالتالي لا..

جمانة نمور [مقاطعةً]: على كلٍ ندخل في تفاصيل هذه الأمور ولكن يعني على ذكر هذا الغموض الذي تتحدث عنه فيما يتعلق باتفاقيات جنيف، نسأل الدكتور صلاح عن هذا الغموض الذي يلف مصير هؤلاء، يتم الحديث عن غموض قانوني هل لك أن توضحه لنا؟

د. صلاح عامر: بسم الله الرحمن الرحيم، إذا كان في اتفاقيات جنيف بعض غموض فهو غموض بنَّاء، لأنه دائماً يفسر لصالح الأشخاص المحميين، ويجب تفسير اتفاقيات جنيف باعتبارها تتعامل مع الشأن الإنساني ومع الأشخاص الذين تشملهم اتفاقيات جنيف بالحماية، بيتم التعامل مع هذا الغموض لصالح الأشخاص المعنيين، وبالقدر الذي يتفق مع الغايات الإنسانية التي جاءت اتفاقيات جنيف لتأكيدها، قد أختلف مع الزميل العزيز، الدكتور هيثم فيما يتعلق بقضية البزة العسكرية وارتدائها، هل هو يؤدي إلى اكتساب وصف أسير الحرب أوتوماتيكياً؟ اتفاقيات جنيف تتحدث عن أفراد القوات المسلحة أو الميليشيات التابعة للقوات المسلحة في المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب، وبالتالي هناك شك كبير جداً في أن يعتبر أشخاص من خارج أفراد القوات المسلحة أسرى حرب، والتوصيف القانوني الدقيق في تقديري لهؤلاء هم المعتقلين، يعني أشخاص بيتم اعتقالهم اتفاقية جنيف الرابعة وضعت نظاماً خاصاً موازياً لنظام أسرى الحرب هو الأشخاص الذين يمكن أن تعتقلهم سلطات الاحتلال أو القوات العسكرية المعادية، وأطلقت على هؤلاء وصف المعتقلين ووضعت لهم نظاماً تفصيلياً موازياً على ذكر البنى الموازية التي تفضل..

جمانة نمور: الموازية.

د. صلاح عامر: أيوه التي تفضل الدكتور هيثم بالإشارة إليها.

جمانة نمور: قبل.. قبل أن ندخل في تفاصيل يعني.. الوضع وضع المعتقل وكيف يختلف عن أسير أشرت إلى غموض بنَّاء لصالح هؤلاء الأشخاص وغايات إنسانية ولكن هذا الغموض عادة ألا يكون لصالح القوي؟ مثلاً الولايات المتحدة الآن -كما ذكر في البداية الدكتور هيثم- يحاكمهم ليس على اللحظة التي انطلقت بها الحرب ولكن على جرائم هي تقول إنها ارتُكبت منذ سنوات كثيرة.

د. صلاح عامر: هي أولاً القانون بقى اتفاقيات جنيف في هذه النقطة واضحة جداً، هي لا.. لا يمكن سواء اعتبرتهم أسرى حرب أو سواء اعتبرتههم معتقلين طبقاً لاتفاقية جنيف الرابعة أيًّا ما كان الوصف الذي ينطبق عليهم في الحالتين، لا يجوز لها أن تحاكمهم عن أفعال وقعت قبل بدء العمليات التي تم اعتقالهم في نهايتها أو خلالها، ولكن الذي يمكن أو الذي يختص دون سواه بمحاكمتهم والقانون الذي يطبق في هذه الحالة هو القانون العراقي والمحاكم العراقية والسلطات العراقية هي التي، وإذا كان للسلطات الأميركية من سلطات في مواجهة هؤلاء فهي إما أن تعاملهم كأسرى حرب وتلتزم في مواجهتهم بالاتفاقية الثالثة من اتفاقيات جنيف أو تعاملهم كمعتقلين وتلتزم في مواجهتهم بالضمانات المقررة في اتفاقية جنيف الرابعة، أما ما وقع قبل بدء العمليات، فلا شأن للولايات المتحدة به على الإطلاق، ولا صفة لها من الناحية القانونية، والذي يختص بهذا الأمر من ألفه إلى يائه هي السلطات الحكومية العراقية، السلطات القضائية والسلطات الرسمية، صحيح إنه قد يقال أين الآن.. قد يقال الآن..

جمانة نمور [مقاطعةً]: لماذا رأي الدكتور يعني عبد الهادي في القاهرة نسمع رأيه في هذا الموضوع برأيك المحاكمات هل فعلاً سوف تعود إلى العراقيين وكيف ذلك؟

د. عبد الهادي جياد التميمي: أنا لا أعتقد من الأساس في النقاش سيؤدي إلى توضيح هذه المسألة، لأن ما يسمى في القانون وحتى في التحليل الـ promise الأساس الذي ينطلق منه هو التالي: هل الولايات المتحدة الأميركية دخلت الحرب وهي تعلم إنها تطبق القانون الدولي أو الشريعة السائدة أم لا؟ هذا هو الأساس، الولايات المتحدة الأميركية كما نعلم -لم تستمع إلى مجلس الأمن الدولي، خرقت القانون الدولي، خرقت القانون الإنساني، خرقت الاتفاقيات الإقليمية والدولية بكل أشكالها، وبضمنها ما اتفاقية جنيف بالتحديد في معاملتها حتى للناس الذين استطاعت أن.. أن تعتقلهم، إذن في الأساس الولايات المتحدة الأميركية عملت وشنت الحرب واحتلت بلداً بدون أي تبرير قانوني، ولو أن الحرب ليس لديها أي تبرير، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأميركية ستضع قانونها الخاص، أي إن الولايات المتحدة الأميركية لديها أجندة خاصة، وستسير وفق هذه الأجندة الخاصة، نعم الحديث -كما قال الأستاذ هيثم والأستاذ صلاح- عن القانون وتوصيفات القانون وماذا يقول القانون، هذه أصبحت عملية أكاديمية في الوضع الحالي، أي لأن القوات الأميركية تحتل بلداً دون أي شرعية دولية، دون اللجوء إلى أي منظمة تعطيها أي شرعية، دمرت بلاداً، ولو طبقت أولاً الولايات المتحدة الأميركية اتفاقية جنيف فإنها ستضع نفسها في مأزق، لأن اتفاقية جنيف تلزم وتضع على عاتق الولايات المتحدة الأميركية بعض الواجبات التي أصبحت مخروقة حتى الآن في طريقة تعاملها مع البنى التحتية، مع المدنيين، مع المنشآت، مع الأسرى، للأسف شاهدنا أسرى يضعون أكياساً في رؤوسهم، رأينا أسرى ومواطنين عراقيين مدنيين وليسوا من المقاتلين كرامتهم تمتهن، وأعتقد الأستاذ هيثم والأستاذ صلاح على بينة بما يؤدي ذلك في صلب القانون الدولي من مسؤوليات على عاتق الولايات المتحدة الأميركية، إنني أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية ستضع شروطها كما وضعت للمعتقلين في أفغانستان، ستطلق تسمية وبالتالي تحرم الجميع من الحقوق المنصوص عليها في القانون الدولي، وستتبع النهج الذي وضعته هي بالتحديد من خلال سلسلة طويلة من التصريحات، من المواقف، من الأعمال التي قامت بها في العراق وقبل الدخول إلى العراق حتى الآن، يعني من يقرأ الدراسة الشهيرة التي تسمى (Short and all) عندما يقرأها الإنسان، يجد بالتحديد كافة التفاصيل التي تسير عليها الولايات المتحدة الأميركية، وكل الكلمات الأخرى هي عبارة عن كلمات مبهرجة الغرض منها هو التعمية والتغطية على الأجندة الأميركية التي بالتأكيد ستكون مختلفة كليةً عما نص عليه القانون الدولي.

جمانة نمور: دكتور هيثم، يعني سمعنا الدكتور عبد الهادي الآن يشبه وضع المعتقلين العراقيين بمعتقلي جوانتانامو وكان أيضاً الدكتور صلاح قد أشار إلى أن وضعهم هو ما يسمى بالمعتقلين، استخدم نفس المفهوم، إلى أي مدى تصح المقارنة بين هؤلاء؟

د. هيثم مناع: المقارنة قائمة لكن أحب أن أقول شيء بسيط، أن غاية القانون الإنساني الدولي ليست تحديد المسؤول أو الضحية، وأنا أنطلق من هذه النقطة حتى لا ندخل في البعد السياسي لجريمة العدوان، والبعد القانوني لجريمة العدوان الذي يضع ويحدد المسؤولية منذ اللحظة الأولى للعمليات العسكرية، لكن أنا سأعود إلى السؤال التي [الذي] وجهتيه أخت جمانة، فيه مشكلة مركزية عندما واجهنا قضية جوانتانامو نحن يعني حاولنا أن نعمل على كل الجبهات، فقدمنا استدعاءات وطلبات بالإفراج عن معتقلي جوانتانامو إلى فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي، إذا كان اعتبارهم معتقلين، وقدمنا نفس الشيء إلى كل الأطراف الثانية الموقعة على اتفاقية جنيف باعتبار المعاملة القاسية التي تعرضوا لها، نحن نحاول أن نتحرك على كل الجبهات، ونعرف أن خصمنا أيضا يتحرك بنفس الوسائل وبإمكانيات أكبر بكثير، مثل بسيط يعني هم الآن عندما يضعون أوراق اللعب هذه، يعرفون أن القضاء العراقي والقضاء الأميركي كلاهما هم من أضيق حالات الاختصاص الجنائي الدولي، يعني بعكس القضاء البلجيكي مثلاً الذي يسمح بمحاكمة مسائل من هذا النوع.

كلاهما لم يوقِّع لا العراق ولا الولايات المتحدة الأميركية على المحكمة الجنائية الدولية، على العكس الولايات المتحدة الأميركية لها موقف عدائي منها.

النقطة الثالثة في طلب ممكن إذا بدهم يعطوا بُعد دولي هو مسألة محكمة جنائية دولية adhoc أي محددة في الموضوع ومحددة في المكان على طريقة يوغسلافيا السابقة أو رواندا، هذا الاحتمال غير وارد لأن هناك عضوان اليوم من مجلس الأمن من حيث المبدأ عليهم أن يعترضوا ولو لم يكن الموقف السياسي موافق لهذا الاعتراض باعتبارهم قد صدقوا على المحكمة الجنائية الدولية، إذن نحن في وضع حقيقة بالنسبة للإدارة الأميركية اقتادها إلى أن تقوم بحل بسيط هو الـ (millitary commission and structure) يعني قامت بتشكيل لجنة حددت 24 جريمة والـ24 جريمة هي التي تحاول بها أن تحارب أو تعاقب الناس سواء في جوانتانامو في منطقة خارج القانون أو بالنسبة للعراق، لكن المشكلة أن كل مرة نحاول فيها أن نناقش موضوعاً قانونياً نحن نسقط في منطق الخصم، لأنها ستضطر إلى محاكم عسكرية، وبوجود محاكم عسكرية ستهين -بالفعل- كل مواطن عراقي كان ضحية للحكومة العراقية السابقة، لأن هذه الضحايا تريد حكماً عادياً وقانوناً عادياً، تريد العودة إلى دولة قانون، ولا تريد أن تبقى في منطق الدولة العسكرية والمحاكم العسكرية الذي هو الخيار الوحيد اليوم بالنسبة لقوات الاحتلال الأميركية.

جمانة نمور: على كل يعني فتحنا الآن المجال أمام العديد من النقاط التي هي بحاجة إلى نقاش.

[فاصل إعلاني]


كيفية إجراء المحاكمة وطبيعة استنادها إلى القانون الدولي

جمانة نمور: دكتور صلاح، في القاهرة كنت قد أشرت إلى أن الأعمال التي كانت ارتكبت قبل بدء الغزو الأميركي البريطاني للعراق، يجب ألا يتم أميركياً محاكمة هؤلاء المعتقلين عليها، ولكننا دائماً نسمع عن أن هناك لجان كلَّفها البنتاجون جمع الأدلة على ما ارتكب خلال السنوات السابقة لكي تتم محاكمتهم على أساسه، ولو كان (رامسفيلد) يقول لم يعرف بعد كيفية هذه المحاكمة يعني، في القانون الدولي أين هي الزاوية؟ أين حجر الزاوية؟

د. صلاح عامر: يعني حضرتك لمستي نقطة هامة جداً بالإشارة إلى تصريح وزير الدفاع الأميركي بأنه لا يعرف ما هي الطريقة القانونية التي يتم بها محاكمة هؤلاء وهذا يأخذني إلى تعليق بسيط جداً على ما تفضل به الدكتور عبد الهادي من لندن، لا شك إنه الآن هناك محاولات أميركية لتطويع القانون الدولي الإنساني لخدمة المواقف والمصالح الأميركية ولكن علينا أن نتذكر بإنه القانون الدولي الإنساني هو الفرع من قانون الحرب أو هو جزء من قانون الحرب الذي ينصرف إلى غايات إنسانية خالصة، ويقوم على مبدأ أساسي، هو مبدأ عدم النظر إلى الأسباب التي أدت إلى الحرب، أياً ما كانت مسببات الحرب، وأياً ما كان الذي بدأ الحرب، وأياً ما كانت بواعثه أو.. أو مبرراته القانونية عندما تقع الحرب بيتم تفعيل قواعد قانونية اسمها القانون الدولي الإنساني بتتمثل أساساً في اتفاقيات جنيف التي أصبحت الآن عرفاً دولياً يعني ملزماً حتى للدول التي لم توقع ولم تصدق على هذه الاتفاقيات، وهذا هو القانون الذي يجب أن يسود ويجب أن يطبق، حتى بغض النظر عن أية اعتراضات أو أية مواقف سياسية تتبناها أي دولة من الدول، حتى لو كانت الولايات المتحدة، فإن هذا أمر يجب أن يواجه بموقف يدعو إلى وجوب احترام القانون الدولي الإنساني، وخاصة أن هناك آليات -على الأقل- اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمات دولية مماثلة بتعمل على مراقبة ضمان واحترام هذا القانون، وكلنا يذكر الموقف الذي وقفته حتى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حالة معتقلات جوانتانامو، عندما ذهبت أوفدت المندوبين وأصرت على التعامل معهم كأسرى حرب، وكان هذا موضع سجال.

عودة إلى السؤال الذي تطرحيه حضرتك وهو إنه الولايات المتحدة لا تملك معاقبة أو محاكمة هؤلاء المطلوبين أو المعتقلين العراقيين إلا عن أعمال ارتكبت أثناء النزاع أو أثناء العمليات الأخيرة نعم هذا هو موقف القانون الدولي، لا يمكن للسلطات الأميركية أن تحاكم المسؤولين العراقيين السابقين عن أفعال وأعمال وقعت منهم قبل هذا، الذي يختص بهذا هو السلطات العراقية عندما يعاد تأسيس هذه السلطات، القضاء العراقي والنيابة العامة العراقية والادعاء العام العراقي هو الذي يستطيع أن يجري التحقيقات وهو الذي يجمع الأدلة، وهو الذي يقدم هؤلاء إلى محاكم عراقية، والولايات المتحدة من.. من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف سواء الاتفاقية الثالثة الخاصة بأسرى الحرب، إذا كان من بين هؤلاء من ينطبق عليه وصف أسرى الحرب أو من المعتقلين، والمعتقلين مش.. ليس تعبيراً شاذاً، بل بالعكس دا المعتقلين هم الأشخاص الذين ترى سلطات الاحتلال أنهم يمثلون خطراً عليها مؤقتاً وقتياً، فتقوم إما بتوقيفهم باعتقالهم أو بوضعهم رهن الإقامة الجبرية في أماكن محددة تُحدد لها، حتى تنتهي.. حتى ينقضي الخطر الذي يمثلونه على سلطة الاحتلال، وبالتالي يتعين عليها أن تقوم بإطلاق سراحهم، إذن القانون الدولي في هذه الزاوية يجب أن يكون محل للدعوة والحملة الدولية العالمية، لحمل الولايات المتحدة على الامتثال لتطبيق هذا القانون الدولي الإنساني واحترامه، وأعتقد أن هذا يلقى صدى، ويمكن أن يكون مؤثراً، على الرغم من إدراكنا جميعاً لأن هناك أجندة أميركية، وهناك مصالح أميركية، وهناك مواقف أميركية متصلبة، متشددة، ولكن في نهاية المطاف، عندما يكون الأمر متعلقاً بالقانون الدولي الإنساني فإن الأمر يجب أن يكون مختلفاً، ويجب أن تتضافر كل الجهود لحمل الدولة التي تخالف هذا القانون على الامتثال لقواعده وأحكامه.

جمانة نمور: نعم، يعني إذا كان الطريق الوحيد -كما ذكرت- هو المحاكم العراقية. دكتور عبد الهادي، يعني فكرة محاكمتهم أمام القضاء العراقي، ترى "نيويورك تايمز" أنها فكرة جذابة، ولكنها غير عملية بسبب ما تصفه بالتخريب الذي أحدثه صدام حسين في النظام القضائي الوطني وتشير إلى سيطرة الجيش على المؤسسات المدنية أو ما إلى هنالك، يعني هل ترى فعلاً فكرة عملية، قيام محاكم عراقية بمحاكمة هؤلاء؟

د. عبد الهادي جياد التميمي: قد تكون فكرة عملية لو كان القانون قد وضعه العراقيون، وفق أي قانون، القانون السابق الذي كان سائداً حتى احتلال بغداد، ونحن نعلم جميعاً وفق القانون الدولي أن الاحتلال لا يعطي أي شرعية للقوات المحتلة أو للدولة المحتلة، وهذه الشرعية عندما تنتفي تنطبق على كل شيء، لا شرعية سياسية لا شرعية اقتصادية لا شرعية قضائية، أبداً.

إذن علينا أن نرى وفق أي قانون عراقي هل سيضع الحكام الجدد في العراق قانوناً جديداً؟ وهذا القانون هل سيأخذ بالاعتبار ما يسمى بالأعمال التي ارتكبت قبل سقوط هذا النظام وقبل بدء الحرب أم الأعمال التي ارتكبت أثناء الحرب؟ علينا ألا ننسى إن هؤلاء من اعتقل من.. سواء كان القوات العراقية أو المسؤولين العراقيين، هؤلاء وفق القانون الدولي، ووفق حتى القانون الإقليمي والإنساني هم كانوا يدافعون عن وطنهم بوجه قواتٍ جاءت لاحتلال هذا البلد -آسف- إذن إحنا نجد أنفسنا أمام عدة إشكالات وإشكالات كبيرة، كيف يحاكم شخص ويدافع عن بلاده والقانون الدولي يجيز مقاومة المحتل للدفاع عن الوطن؟ حتى ميثاق الأمم المتحدة يجيز مثل هذه الأعمال، والأعمال التي ارتكبت أثناء الحرب، ما هي هذه الأعمال؟ هل هناك جرائم حرب ارتكبت أثناء هذه الأعمال؟ وضد من؟

نحن أمام قضية شائكة ومتعددة الأطراف، ولكنها جميعاً لن تتعدى إطلاقاً الأجندة الأميركية والمصالح الأميركية، وبالنهاية الولايات المتحدة الأميركية هي التي ستقرر مسار الجانب القانوني كما هي تقرر الآن المسار السياسي، وعندما تقرر من يستطيع أن يكون حتى رئيس بلدية أو يكون رئيس شرطة أو حتى ربما من يدخل فندق فلسطين ميريديان، فنحن أمام إشكالية كبيرة ولا يستطيع أحد أعتقد..

جمانة نمور [مقاطعةً]: يعني أنت تتحدث عن هذه الفترة الانتقالية، وفي موازاة ذلك نسمع حديثاً عن عدالة انتقالية، يعني يقوم الآن مستشارون قانونيون عراقيون في المنفى وفي أميركا بوضع هذه الخطة لما يسمى بالعدالة الانتقالية التي تتم بها محاكمة هؤلاء، ما رأيك في ذلك؟

د. عبد الهادي جياد التميمي: هذه العدالة.. هذه العدالة الانتقالية وفق أي معايير؟ هل هي المعايير القانون العراقي الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية وإلى بعض الإرث القانوني القضائي العراقي، أم إنها قد أُمليت عليهم من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية؟ نحن نسمع يومياً عن.. عن عدد من الشخصيات العراقية أو الأكاديميين العراقيين الذين كانوا في المنفى يعيشون، قسم كبير منهم من المعارضة يجلسون الآن في واشنطن وفي أماكن أخرى، وفي الكويت، وفي دول أخرى ويعدُّون الكثير من الملفات والسيناريوهات لعدد من الوزارات العراقية، من الإدارات المدنية العراقية، وللجانب القانوني والقضائي ولكن على أي أساس؟ لماذا لا تلجأ مثلاً القوات الأميركية أو الإدارة الأميركية إلى العراقيين الموجودين داخل العراق؟ إنهم حتى الآن نراهم مغيَّبين، لا.. لم نسمع بشخص قانوني أو أكاديمي ضليع جلس أو أُخذ رأيه إطلاقاً، نجد الأشخاص الموجودين هم أشخاص من خارج ما يسمى بالداخل العراقي، وهذا الداخل هو الأغلب كما نعلم، وقد عانى أيضاً عدد كبير منهم -إن لم نقل جميع العراقيين- قد عانوا لفترة طويلة لـ30 عاماً من نظام وضع قانوناً وفق آرائه ووفق حساباته، ووفق مصالحه وضرب عرض الحائط كافة مصالح الشعب، سواء كانت المصالح الخاصة أو المصالح الوطنية، إذن كيف سيضعون القوانين؟ هل سيهتدون بالقانون الدولي مثلاً؟ هل سيهتدون بميثاق الأمم المتحدة؟ هل سيهتدي هذا الفريق الذي يريد أن يضع ما يسمى بالعدالة الانتقالية؟ من اسمها العدالة الانتقالية تثير الرعب، يعني أنا عندما أسمع اسم العدالة الانتقالية، يعني أنها كمحاكم التفتيش، سيقررون قانوناً لهذا الظرف بالتحديد، وينظفون ما يريدون.. ما ينظفون، وبالتالي ينتقلون إلى عدالة أخرى، لم نسمع حتى الآن عن شخصية من الشخصيات التي كانت موجودة في داخل البلاد، وقد تصدت لهذه المشاكل الداخلية، حتى الآن الأمن مفقود، حتى الآن نسمع يومياً.. أنا شخصياً على اتصال شبه يومي بالعراق، نسمع عن عمليات قتل ونهب وانتقام، بل إن الأحزاب التي ذهبت إلى داخل العراق الآن مثلاً إذا كانت هي هذه العدالة الانتقالية، عليكم أن.. أن تفكروا بماذا سيجري لاحقاً، إن الأحزاب دخلت بميليشيات إلى المدن العراقية، وبالتحديد إلى العاصمة بغداد مثلاً، واستولوا على مبان حكومية هذه المباني الحكومية تعود للدولة العراقية، للعراق.. وطردوا من كان فيها، واحتلوها وجلست الميليشيات وغير الميليشيات..

جمانة نمور [مقاطعةً]: نعم، على رغم أهمية هذا الموضوع، ولكن بدأنا نبتعد قليلاً عن صلب موضوع الحلقة وهو المعتقلين، إلى رغم أن الدكتور عبد الهادي أشار وأثار نقطة جد مهمة دكتور هيثم يعني، بالنسبة إلى أي إدارة أو نظام يقاوم قوات غازية يعني هو يقوم -بحسب رأيه ومن وجهة نظره- بالدفاع عن وطنه وعن أرضه في وجه غزو، هل يحق لهذه القوات الغازية إذن أن تجرِّم هذا النظام وأعضاءه؟

د. هيثم مناع: هناك نقطتان، النقطة الأولى تتعلق بما ذكره الدكتور عبد الهادي، يمكن من أوضح مواد اتفاقية جنيف الرابعة ما يتعلق بموضوع القضاة، تقول هذه المادة، وهي المادة 54: يحظر على دولة الاحتلال أن تغير وضع الموظفين أو القضاة في الأراضي المحتلة أو أن توقع عليهم عقوبات أو تتخذ ضدهم أي تدابير تعسفية أو تمييزية إذا امتنعوا عن تأييد.. تأدية وظائفهم بدافع من ضمائرهم".

إذن بالنسبة لهذه المسألة، ما يجري وما يسمى، مهما كانت التسمية، هو عمل خارج القانون الدولي، ولا يمكن أن يقبل أو أن يجد غطاءً إلا بمعنى القوة وفرض سياسة الأمر الواقع، لكن المشكلة المركزية أنا بالنسبة لنا نحن في عالم حقوق الإنسان، حقيقة هي أن الحكومات العربية بعيدة جداً عما وصلت إليه المنظمات غير الحكومية العربية في كل ما يتعلق بجريمة العدوان، فأثناء الإعداد وأثناء البحث عن تعريف كان هناك دور كبير لعمالقة في الفقه الجنائي الدولي من العالم العربي مثل الدكتور عزيز شكري، مثل الدكتور البسيوني، ولعبوا دوراً كبيراً في إدخال جريمة العدوان كطرف رابع إضافة إلى الجريمة ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الـ(genocide) الإبادة الجماعية إلى ميثاق روما، للأسف اليوم كونه تم الموافقة على المبدأ ولم يجرِ بعد الموافقة على التعريف، نحن اليوم أمام وضع مأساوي هناك فقط دولتان عربيتان هما الأردن وجيبوتي، يحق لهم أن يناقشوا التعريف، وباقي الدول التي ستناقش التعريف عدد جيد منها طرف معتدي في الوضع الراهن مثل أستراليا وبريطانيا، أمام هذه المأساة لعدم إدراك ما يمكن أن يقدمه النظام السياسي في مسألة الدفاع عن السيادة بتعريفها الوطني التقليدي أو بتعريفها المتأقلم مع الوضع الحالي في العالم العربي أظن بأن آخر معقل لنا -وهذا ما بادرنا له- هو تشكيل تحالف من الجمعيات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية لجرائم الحرب في العراق، لأننا شعرنا بأن الحكومات اليوم في وضع شبه مشلول بسبب غيابها عن العضوية والتصديق في مسألة المحكمة الجنائية الدولية وهذه هي نقطة الضعف، نقطة الضعف أننا حتى اليوم لم نصل بعد إلى تعريفٍ دولي لجريمة العدوان وأن هذا التعريف هو ابن ما يسمى بالعرف الدولي أكثر ما هو ابن النص الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية.


دور رجال القضاء العسكري الأميركي والبريطاني في العراق

جمانة نمور: دكتور صلاح، يعني هنا أود العودة ربما إلى ما أشار إليه الدكتور هيثم قبل الفاصل في موضوع بأن الخيار الوحيد الآن الذي يتبقى هو موضوع المحاكم العسكرية، ربما هذا يعيد إلى الأذهان موضوع دخول رجال قانون عسكريين أميركيين وبريطانيين مع القوات الأميركية والبريطانية إلى العراق، يعني ما سبب دخولهم برأيك؟ هل فعلاً المحاكم العرفية؟ المحاكم العسكرية هي الخيار المتبقي؟

د. صلاح عامر: لأ، لو سمحتي لي حضرتك، أنا بس عايز أعمل تعليقين صغيرين جداً على الكلام اللي قاله الدكتور عبد الهادي، لأنه فيه نقطة لازم يتم إيضاحها، لأنه سيادته أشار إلى مسألتين، وهم مرتبطين بالسؤال اللي حضرتك بتطرحيه الخاص بدور رجال القضاء العسكري الأميركي والبريطاني اللي دخلوا مع القوات الأنجلو أميركية إلى العراق، المسألة الأولى: هو سيادته بيشير.. بيقول: لما يبقى عراقيين قاموا بالدفاع عن وطنهم، هذا حقهم بل إن هذا الحق ليس قاصراً على أفراد القوات المسلحة فقط، القانون الدولي بيكفل للمدنيين أيضاً الحماية إذا ما حملوا السلاح ضد القوات الغازية أو القائمة بالاحتلال، والمادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب بتعدد الأشخاص الذين ينطبق عليهم وصف أسير الحرب، والتي تعتبر يد القوات المعتدية أو قوات الاحتلال مشلولة في مواجهتهم، وتفرض عليها القيام بإطلاق سراحهم، وتبادلهم فور انتهاء العمليات العسكرية، بتحدد هؤلاء بأفراد القوات المسلحة والميليشيات التابعة لها، والمدنيين الذين يعملون في خدمة هذه القوات المسلحة، فإذن أسرى الحرب موضوع مختلف عن المعتقلين، المعتقلين هم من غير أفراد القوات المسلحة من المدنيين، من المواطنين العاديين سياسيين أو غيرهم، والذين ترى سلطات الاحتلال في وجودهم خطر عليها، فتقوم باعتقالهم أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية لفترة مؤقتة، دي النقطة الأولى.. وأرجو إنها تكون واضحة لأنه من غير المعقول أن يأتي أحد ويقول أنه ليس لأبناء الشعب العراقي الحق في مقاومة القوات الغازية والقائمة بالاحتلال، حتى ولو لم يكونوا من أفراد القوات المسلحة العراقية.

الأمر الثاني الجدير جداً بالعناية والاهتمام هو: الذي أشار إليه فيما يتعلق أي عدالة وأي إجراءات، هل يمكن أن يطبق القانون.. أول صفة في القانون أنه قواعد عامة مجردة، وقد يضع الشخص أو قد يضع النظام أو قد تضع الحكومة قواعد عامة مجردة مثلاً تحرم جريمة السرقة أو جريمة الاختلاس أو جريمة كذا، لأغراض سياسية وقتية هي بتطبقها حتى تطبيقاً منحازاً، لكن سرعان ما تطبق هذه القواعد نفسها حتى على الذين وضعوها وعلى غير صالحهم لأن السمة الأساسية للقانون هي القواعد العامة المجردة، وأي قواعد قانونية عقابية بتتضمن قواعد عامة مجردة صالحة للتطبيق على القواعد المجردة، ولذلك أيًّا ما كانت وجهات النظر في.. السياسية في الموقف، بنجد إنه من الناحية القانونية البحتة، القانون الجزائي العراقي قواعد عامة مجردة تؤثِّم أفعال التي تكون قد ارتكبت إضراراً بالمصالح العليا للشعب العراقي ولدولة العراق، وبالتالي يمكن استخدامها من جانب المحاكم العراقية وبالتالي لا يمكن تصور غير هذا، لأن القول بغير هذا سيؤدي إلى المساس بقاعدة جوهرية في قانون العقوبات وهي قاعدة عدم رجعية القوانين العقابية، لأنه لا يجوز أن نضع قانون الآن ونقول أنه يطبق على وقائع حدثت في الماضي هذه هي النقطة.

أما فيما يتعلق بسلطات القوات المحتلة واصطحابهم لرجال من القضاء العسكري، فمن المعلوم إنه وجود القضاء العسكري والمحاكم العسكرية أمر بيلازم دائماً الجيوش، لأنه ممكن أفراد الجيوش نفسها بيرتكبوا جرائم، أفراد الجيش الأميركي أو الجيش البريطاني القائم بالاحتلال بعض أشخاصه بيرتبكوا جرائم تستدعي محاكمتهم وتستدعي التحقيق معهم، وبعضهم ارتكب بالفعل جرائم تتعلق بتجاوزات في التعامل مع المدنيين أو تجاوزات فيما يتعلق بالاعتداء على بعض الممتلكات العامة العراقية، وهؤلاء يحاكمون، كما أن طبقاً لقانون.. القانون الدولي.. القانون الدولي الإنساني يجوز للسلطات القائمة بالاحتلال وجيش الاحتلال أن يقوم بمحاكمة الأشخاص الذين من المدنيين أو العسكريين الذين يمكن أن تنسب إليهم جرائم حرب أي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، لا توجد حتى الآن أي بادرة على أنه مثل هذا وقع، لم يقل أحد بهذا، ولا محل لتطبيقه وبالتالي وجود قوات أو قضاء عسكري مع القوات الغازية أو القوات القائمة بالاحتلال هو أمر من الأمور الطبيعية التي تصاحب دائماً الجيوش.

جمانة نمور: نعم.. دكتور، نعم، ربما العديد من النقاط شرحتها، ولكن يعني يبدو كان أن الدكتور عبد الهادي لديه بعض التعليقات عليها حسبما شعرت يعني.. دكتور ماذا لديك؟

د. عبد الهادي جياد التميمي: أعتقد هناك أمران رئيسيان أعتقد الدكتور صلاح والدكتور هيثم يتفقان معي بأننا في وضع شائك، بل حتى أن الولايات المتحدة الأميركية هي في وضعٍ قانونيٍ صعب، ولكن طالما وصلنا إلى قضية القانون الإنساني الذي تطبقه القوات المحتلة أو الجيوش التي غزت بلداً.. غزت بلداً آخر، هنا لا تستطيع -كما قال الأستاذان- أن تطبق أي إجراءات قانونية ضد أي تهم قد ارتكبت قبل بدء العمليات العسكرية، وبالتالي هذا وكأننا نقول بأن أي جرائم أو أي أعمال قامت بها الحكومة العراقية السابقة سواء كان المسؤولون قاموا بها أو السلطات أو الأجهزة التي قامت بها لا يمكن محاكمتهم وفق هذا القانون، وهذا يبدو شيئاً سليماً من الناحية القانونية، ولكنه يصطدم بحقيقة واقعة هي موجودة الآن ومفروضة أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى محاكمة كل من تريد أن تحاكمه، قد لا يكون صدام حسين، قد تكون هناك أسماء لأشخاص آخرين، القائمة الموضوعة، شاهدنا وزراء مثلاً وزير التجارة موجود على القائمة، بينما وزير الخارجية ووزير الإعلام ليسا على هذه القائمة، وجدنا الدكتورة رباح التي هي كما يقال (المشرفة على البرنامج التسليحي البيولوجي العراقي) ليست على القائمة، بينما الدكتورة هدى صالح مهدي عماش هي عضوة جديدة في القيادة القُطرية، وكانت عميدة لكلية العلوم، بالمناسبة بريطانيا منحتها سمة دخول قبل عامين وقامت بجولة في بريطانيا بموافقة السلطات البريطانية، نجدها على القائمة وتم اعتقالها اليوم، الأساس في كل هذه العملية عندما يطبق القانون سنجد أن المواطنين العراقيين لهم الحق الكبير جداً في مقاضاة سلطات الاحتلال، لأن القوات الأميركية -كما شاهدنا على شاشات التليفزيون (الجزيرة) والأخرى- قد تضرروا كثيراً من عمليات قصف و.. و.. و.. وهجومات.. هجمات أدت إلى التأثير على حياتهم الإنسانية وهم ليسوا في.. في ساحة معركة، وهم لا يحملون سلاحاً ضد القوات الأميركية، ما ذنب عائلة يسقط عليها صاروخ وهي ليست مشاركة بأي شيء، إنما كانت ترتجف مع أطفالها؟! هناك حقوق كثيرة ستترتب على الولايات المتحدة الأميركية لو أرادت أن تطبق أي من القوانين، وأنا أعتقد ربما هذا تحليلي الأَوَّلي المبدئي مما نسمع من تصريحات المسؤولين الأميركيين بأنهم سيلجأون إلى تخريجة، مثل تخريجة جوانتانامو بسيطة جداً يجيزون لأنفسهم أن يقاضوا من يشاءوا من المسؤولين العراقيين وربما غير العراقيين، ربما بعد كم يوم نسمعهم سيلاحقون الأشخاص الذين ذهبوا إلى العراق من المتطوعين العرب، إنه منطق القوة باختصار، الولايات المتحدة الأميركية دولة قوية، دولة محتلة، لديها حوالي 180 ألف جندي في العراق، أنها تتدخل في كل صغيرة وكبيرة إلا في شيء واحد في حفظ أمن العراقيين، هذا هو الأساس في العملية، وأعتقد أنها في هذا المجال قد ارتكبت حتى الآن خطأً كبيراً ستكون له مضاعفات لا يحمد عقباها إذا لم تسارع الولايات المتحدة الأميركية وتضع حداً لحالة الفوضى الموجودة الآن في داخل العراق، إذن التطبيق القانوني لن يكون في صالح الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الراهن.

[فاصل إعلاني]


مدى قابلية تكرار سيناريو محاكمات نورنبرغ في العراق

جمانة نمور: دكتور هيثم في القاهرة، يعني الحديث عن محاكمات يمكن أن تواجه هؤلاء يعيد إلى الأذهان أيضاً موضوع المحاكمات التي جرت وأعقبت هزيمة ألمانيا النازية، محاكمة (نورنبرج) المشهورة، يعني هل يمكن أن يتكرر سيناريو مشابه برأيك؟

د. هيثم مناع: أظن بإنه هناك مرجعية ذهنية في عقل العديد وبشكل خاص (بول وولفويتس)، بأن الناس اليوم تتحدث عن نورنبرج ونسيت بأن نورنبرج كانت محكمة عسكرية استثنائية، هذه المرجعية بالتأكيد تؤكد على مسألة أن بإمكاننا أن نقوم بمحاكمة مجرمين ضد الإنسانية أو مجرمين بتهم أخرى في مجتمعاتهم، التعذيب، القتل العشوائي إلى آخره، ولكن بمحاكم عسكرية وسينسى الناس الطابع العسكري والاستثنائي وغير القانوني لما يسمى بمحكمة الغالبين وسيبقى في ذهنهم أن هذا مرجعاً قانونياً، ولهذا عندما صاغوا في البنتاجون ما يُسمى (instruction) يعني التعليمات الخاصة بهم بالنسبة لـ 24 جريمة حاولوا أن يأخذوا روح اتفاق روما لكي يقولوا بأنهم يحترمون التعريفات التي توصلت إليها الحركة الجنائية الدولية على الصعيد العالمي، لكن أنا بأحاول أقول إنه دائماً المثل الفيتنامي في كمبوديا هو مثل أهم بكثير مما يحدث اليوم، عندما دخلت فيتنام إلى كمبوديا كان هناك بالفعل إبادة جماعية بكل معاني الكلمة، ومع ذلك كان هناك مشكلة كبيرة بالنسبة للفيتناميين بالرغم من وجود ما يسمى بمعارضة معاهم وطرف فيتنامي أو موالي للفيتنام بالحزب الشيوعي إلى آخره، كان هناك مشكلة لا يمكن أن نقوم بالمحاكمة إذا لم نوقف الاحتلال وننسحب من كمبوديا، وهذا هو المشكلة الأساسية بالنسبة للولايات المتحدة، هل هي مستعدة للانسحاب السريع مقابل عملية محاكمة أكثر قابلية بالنسبة للرأي العام؟ أنا أظن بأنهم لا يعبئون بهذا الجانب ولا يهتمون، ولا يهمهم مهما قيل عن هذه المحكمة، وللأسف هذا ما سيشوِّه أول محكمة ستكون لقيادة من النظام التسلطي العربي الذين نحرص على أن يكون هناك مسألة اسمها المحاسبة بالنسبة لكل من ارتكب جرائم في هذا النظام، فيه مسألة أيضاً ثانية..

جمانة نمور [مقاطعةً]: يعني إذن.. برأيك ما يبقى من.. يعني من موضوع إذا ما عدنا إلى ما حدث في التاريخ، يعني أن يطبق المثل القائل: في النهاية منطق القوة هو الذي يغلب، والقانون يعني يضع شروطه القوي.

د. هيثم مناع: الحقيقة عندما افتتح منتجع جونتانامو كتبت مقالة بعنوان "حتى لا نخسر أهم مكتسبات القرن العشرين" لكي أقول بأن ما حدث في نورنبرج لا يمكن أن يتكرر، ولن يكون تكراره إلا مأساة أو مهزلة، لأننا منذ نورنبرج خضنا بمعركة طويلة على صعيد المجتمعات المدنية، رجال القانون على صعيد المؤسسات بين الحكومية كالأمم المتحدة، على صعيد لجنة حقوق الإنسان، من أجل خلق منظومة تسمح بأن نتمكن من المحاسبة بـ -على الأقل- ما يسمى أساليب حضارية مقبولة من الرأي العام حتى من الدول المهزومة في حالة الحرب، هذا هو الإنجاز الذي حققناه في 54 سنة والذي يمزقه اليوم رامسفيلد بكل بساطة بإجراءات تعسفية وتعليمات يصدرها عبر خبيرين أو ثلاثة هم ما.. ما يسمى (Super chercheur) يعني حتى كلمة باحثين صعبة أن تطلق عليهم، فرجل القانون الرصين لا يمكن أن يقبل بما يجري اليوم بحال من الأحوال.

جمانة نمور: إذن الدكتور صلاح ما هو تعليقك، يعني مثلما يكتب التاريخ دائماً القانون يضعه القوي؟

د. صلاح عامر: يعني هو فيه مقولة إن القانون دائماً يعني سياسة القوة أو أداة في يد القوي، ولكن هذا لا يعني إنه القانون.. أننا نتماشى مع كل ما يقوله القوي وخصوصاً عندما يكون هناك رأي عام وتكون هناك حقائق يجب أن تبسط لفهم الأمور وتصحيحها، نحن نشير الآن إلى محاكمات نورنبرج، نشير إلى أكثر المحاكمات في التاريخ الحديث تعرضاً للانتقاد، لأنها جاءت محاكمة المنتصر للمهزوم والقاعدة الشهيرة "ويل للمهزوم" طبقت خير تطبيق في هذا، وجرى تجاوز كل القواعد القانونية وأهمها مبدأ عدم رجعية الجرائم والعقوبات ووجوب أن يكون وقت ارتكاب الفعل كان هناك نص قانوني يجرم الفعل، جرى تجاوز هذا، ومع ذلك يجب أن نلاحظ أن هناك فارق كبير جداً بين الأوضاع التي كانت في الحرب العالمية الثانية والتي أدت إلى هذه المحاكمات غير العادلة والمشبوهة اللي هي محاكمات نورنبرج والتي تعرضت لانتقادات ومازالت حتى الآن يجب أن نلاحظ الفارق الهام والجوهري بينها وبين الأوضاع في العراق، لأنه الجرائم التي جرت المحاكمة عليها في نورنبرج وطوكيو كانت جرائم وقعت إبان الحرب العالمية الثانية، مجموعة القواعد و.. والمخالفات والانتهاكات والممارسات التي حدثت على مدى 5 سنوات تقريباً جرت المحاكمة عنها في النهاية، خلال 21 يوم من العمليات العسكرية، ما الذي.. ما الذي وقع من جانب الجيش العراقي أو من جانب الشعب العراقي أو من جانب المسؤولين العراقيين؟ بغض النظر عما سبق ذلك، لأن ما سبق ذلك -وأعود وأكرر- هو شأن عراقي تتولاه.. يتولاه القانون العراقي وتتولاه المحاكم العراقية في الحال أو في الاستقبال، يعني هذه فيها جرائم لا تسقط بالتقادم، فيها جرائم تتعلق بالمصالح العليا لدولة العراق، وسيأتي وقت تتم المحاكمة عليه، لكن فيما يتعلق بسلطات القائم بالاحتلال أي حدود له مرتبطة بالـ 21 يوم، قاموا.. أقاموا الدنيا وأقعدوها عن أسلحة دمار شامل، ولم يعثروا بعد هذا الوقت الطويل وبعد هذه الأسابيع وبعد أن جابوا البلاد طولاً وعرضاً على أي أسلحة دمار شامل أو ما يبرر القول بأن هناك جرائم حرب، وبالتالي تجربة نورنبرج وطوكيو غير قابلة للتطبيق والإدارة الأميركية تستشعر هذا تماماً، ودليل ذلك تصريح رامسفيلد الذي قاله، حتى المحكمة الجنائية الوحيدة التي تنجو من النقد الآن هي المحكمة الجنائية الدائمة التي انتخب قضاتها أخيراً والتي قامت لأنها ستنظر في الجرائم التي تقع فيما بعد، ولذلك تجربة..

جمانة نمور [مقاطعةً]: يعني نعود إلى.. يعني عُدنا في نهاية الحلقة إلى ما افتتح به الدكتور هيثم هذه الحلقة موضوع المحكمة الجنائية التي رفضت أصلاً أميركا وإسرائيل بالتحديد التصديق عليها، يعني السؤال الأخير دكتور عبد الهادي في.. في لندن، يعني هذا يضعنا من جديد أمام كل هذا الحديث عن القانون وما يمكن أن يطبقه القانون، في النهاية هل فعلاً يحترم القانون؟ وهل له هذه السلطة أم أنه يعود إلى الأذهان موضوع الكيل بمكيالين وبأن هناك ربما بعض الدول لديها حصانة من هذه القوانين في حين تطبق في الدول الأخرى؟

د. عبد الهادي جياد التميمي: لديها حصانة لأنها قوية، باختصار أعتقد كل النقاش يعود الآن إلى ما ذكرته أنا في البداية بأن سلطة القوة هي التي ستحكم، نعم القانون موجود، نورنبرج و.. وما تلى ذلك من محاكم هناك شبه واحد بينها وبين ما يجري في العراق وهو أن السلطات القوية المنتصرة هي التي قررت ولم يقرر ذلك القانون الدولي، بدأ القانون الدولي يتشكل بتراكمات قانونية ومعايير أخلاقية وإنسانية وفقهية وقضائية بعد الحرب العالمية الثانية، أي بعد عام 1945 وبالتالي أصبحت هناك العديد من الالتزامات والواجبات والمعايير التي ينبغي على الدول أن تطبقها في علاقاتها فيما بينها، بل حتى في إدارتها لشؤونها الداخلية، وهنا نجد أن القوة هي الأساس في تحديد مسارات محاكمة أي مسؤول عراقي تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تحاكمه سواء أكان قد ألقي القبض عليه أم لا، أننا أمام قانون معطَّل وتعطِّله سلطة القوة، وأعتقد المسؤولون الأميركيون قالوها بشكل واضح أنهم دخلوا مع العالم بعصر جديد، هذا العصر هو عصر القوة، والقوة الآن هي الولايات المتحدة الأميركية والغريب أو الملاحظ الكبير في كل هذه المعمعة الهائلة هو أن الولايات المتحدة الأميركية حتى أنها لا تطبق قوانينها على مجريات أي قضايا هي تكون شريكاً فيها، إذن الولايات المتحدة الأميركية تطبق قانون القوة الذي يحفظ المصالح الأميركية والمصالح الأميركية فقط، لو استعرضنا العلاقات الأميركية في كل مكان في العالم نجد أن هذا هو المبدأ الرئيسي الذي تطبقه الولايات المتحدة الأميركية بغض النظر عن القانون الدولي، تستخدم القانون الدولي فقط عندما تريد أن تفرض رأياً، يعني استمعنا لسنوات عديدة أنها تريد تطبيق قرارات الأمم المتحدة ضد العراق، عندما لم توافق الأمم المتحدة ومجلس الأمن على قرار بشن حرب ضد العراق هي وبريطانيا ضربت عرض الحائط بالقانون الدولي…

جمانة نمور [مقاطعةً]: اتخذ.. اتخذ نعم الفعل منفرداً، على كلٍ يعني بهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة والتي نشكر في ختامها ضيوفنا، من القاهرة الدكتور هيثم مناع (من اللجنة العربية لحقوق الإنسان)، وأيضاً الدكتور صلاح عامر (أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة)، ونشكر من لندن ضيفنا الدكتور عبد الهادي جياد التميمي (المحلل السياسي العراقي)، ونشكركم بالطبع مشاهدينا على المتابعة.