ما وراء الأحداث

الضغوط الأميركية على سوريا

الرؤية السورية للاتهامات الأميركية لسوريا، أهداف الاتهامات الأميركية لسوريا وعلاقتها بالوضع في العراق، الدور العربي والدولي لإنقاذ الوضع الراهن، طرق تفادي المواجهة وتفويت الفرصة على أميركا.

مقدم الحلقة:

محمد كريشان

ضيوف الحلقة:

د. بثينة شعبان: ناطقة باسم الخارجية السورية – دمشق
إريك رولو: كاتب ودبلوماسي سابق
د. إبراهيم عرفات: باحث في الشؤون الإستراتيجية

تاريخ الحلقة:

17/04/2003

– الرؤية السورية للاتهامات الأميركية لها
– أهداف الاتهامات الأميركية لسوريا وعلاقتها بالوضع في العراق

– الدور العربي والدولي لإنقاذ الوضع الراهن

– طرق تفادي المواجهة وتفويت الفرصة على أميركا


undefinedمحمد كريشان: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً بكم مرة أخرى في حلقة جديدة من (ما وراء الأحداث)، البرنامج الخاص بمتابعة تداعيات الوضع الحالي في العراق.

أحد أبرز التداعيات الحالية هي هذه الاتهامات الأميركية الأخيرة إلى سوريا، والتصريحات المتعددة من الرئيس (بوش) إلى وزير الخارجية (كولن باول) إلى وزير الدفاع (رامسفيلد)، وغيرها من التصريحات التي اعتبرت تصعيداً، وكأنه نوع من التمهيد لدور سوريا بعد العراق.

نريد أن نبحث إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه الاتهامات؟ ما هي أهدافها الحقيقية وما خلفيتها الحقيقية ارتباطاً بالوضع في العراق؟

ثم ثالثاً وأخيراً: كيف السبيل لتفادي أي مواجهة؟ وما المطلوب أساساً سواء من سوريا، أو من الولايات المتحدة، أو من بقية الأطراف الفاعلة في الساحة الدولية من اتحاد أوروبي وروسيا وغيرها؟

ضيوفنا في هذه الحلقة هم هنا في الأستوديو السيد إريك رولو (الكاتب والدبلوماسي الفرنسي السابق) أهلاً وسهلاً.

أيضاً الدكتور إبراهيم عرفات (الخبير في القضايا الاستراتيجية)، ومعنا عبر الهاتف (الناطقة باسم الخارجية الروسية [السورية]) السيدة الدكتورة بثينة شعبان، ونبدأ من الدكتورة بثينة شعبان، دكتورة هناك الآن حديث عن إمكانية زيارة يقوم بها وزير الخارجية كولن باول إلى دمشق، كيف تتوقعون في دمشق أن تكون مثل هذه الزيارة؟

الرؤية السورية للاتهامات الأميركية لها

د. بثينة شعبان: أولاً أستاذ محمد مساء الخير، أنا الناطقة باسم الخارجية السورية وليس الروسية..

محمد كريشان: آه السورية بالطبع..

د. بثينة شعبان: أي نعم، السورية ونحن سمعنا اليوم أن السيد (وزير خارجية الولايات المتحدة) كولن باول قد أعلن أنه يرغب بزيارة سوريا وسوف تكون هذه هي الزيارة الثالثة له، هو طبعاً.. هو مُرَحَّبٌ به في دمشق دائماً..

محمد كريشان: من بين الأشياء التي صرحتِ بها سيدة شعبان هذين اليومين: هو أن الحوار بين الجانبين.. يعني بين سوريا والولايات المتحدة حوار مستمر، وأن سوريا ستتعاون، ما المقصود بتعاون سوريا؟

د. بثينة شعبان: الحقيقة صدر هناك نوع من التشويش في الآونة الأخيرة، فبالرغم من أن سوريا قد وقفت ضد الحرب، كما وقفت دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا ولكن.. وروسيا، ولكن هذا لا يعني أنه ليست هناك نقاط يمكن للمرء أن يعمل بصددها، وهناك الكثير من التصريحات التي ربما يرغب بها فريق من الإدارة، ولكن هناك فريق آخر يرغب في العمل البناء مع سوريا، فسوريا دائماً لعبت دوراً بناءً في بناء الأمن والاستقرار في المنطقة، والحوار لم ينقطع -الحقيقة- مع الإدارة الأميركية طيلة هذه الفترة، فالسفير الأميركي موجود في دمشق، وهو يأتي إلى وزارة الخارجية، ونحن نناقش وضع المنطقة بشكل عام، سوريا لاعب أساسي في وضع المنطقة، ولاعب في بناء الأمن والاستقرار، وليس كالطرف الشاروني الذي يحاول أن يشعل فتيل الحرب من دولة إلى أخرى.

أما التعاون فإن سوريا تتعاون بكل ما هو مفيد، وبكل ما هو لمصلحة الشعب العربي والشعب العراقي والمصلحة القومية، وتتعاون في كل ما يمكن من شأنه أن يحل بالأمن والاستقرار في المنطقة، وأن يبعد الحرب والعدوان والاحتلال والقتل والدمار، وهذه كانت سياسة سوريا للثلاثين عاماً الماضية ولم تتغير.

محمد كريشان: هو ربما هذا هو الإشكال دكتورة يعني، كانت هذه سياسة دمشق لثلاثين عاماً سابقة، ولكن يبدو الآن المطلوب سياسات أخرى، يعني مثلاً التعاون المطلوب من سوريا قد يبدو هو التعاون الذي طُلب من باكستان في.. في موضوع أفغانستان، وبالتالي فالموضوع أصبح مخالفاً تماماً لتوقعات دمشق.

د. بثينة شعبان: والله دمشق سوف -بدون شك- تنطلق كما انطلقت دائماً من مصالحها الوطنية والقومية، وسوف تتعاون بالطريقة التي تخدم مصلحة الشعب العراقي وتخدم وحدة أراضي العراق وسلامة العراق، ومستقبل الشعب العراقي، وأن يكون هذا الشعب هو الذي يقرر مصيره بنفسه ويختار حكومته ويقرر مستقبله، وطبعاً الحوار قائم، يعني ربما الخلافات بين الحكومة السورية والولايات المتحدة تشبه إلى حدٍ ما الخلافات بين فرنسا والولايات المتحدة، أو بين ألمانيا والولايات المتحدة، أي يجب ألا نلغي المساحة التي يمكن للحكومتين أن يعملا من خلالهم.

محمد كريشان: ولكن المشكلة دكتورة أنكم جار للعراق، وبالتالي فالأمور كلها مختلفة الآن في ضوء ما.. ما جرى في العراق، مثلاً اليوم الدكتور فاروق الشرع قال بأن دمشق لن تقبل بمفتشين يأتون للبحث عن أسلحة دمار شامل مزعومة، هل هذا الرد والموقف هو استباقي أصلاً؟ من الذي طلب بإمكانية قدوم مفتشين إلى سوريا أصلاً؟

د. بثينة شعبان: المشكلة أننا نحن نتعامل في معظم الأحيان مع مصادر معلومات وأجندة ونقاط إسرائيلية، (فشارون) مثلاً هو الذي يطرح هذه النقاط التي لا علاقة لها بوضع المنطقة ولا علاقة لها باستقرار المنطقة، على العكس إنها النقاط التي تشعل فتيل الحروب، والتي تنقل الدمار وعدم الاستقرار من.. من بلد إلى آخر، فما صرحه السيد وزير الخارجية اليوم هو أن سوريا عملت -وسوف تعمل في المستقبل- على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كل أسلحة الدمار الشامل، وقد تقدمت سوريا باسم المجموعة العربية بمشروع قرار إلى مجلس الأمن تطلب فيه من الدول تبني هذا القرار وإصداره، لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كل أسلحة الدمار الشامل، أما أن يتم الحديث عن نزع أسلحة العراق، ونزع أسلحة سوريا، ونزع أسلحة العرب، بينما إسرائيل هي التي تحتل أراضي الغير، وهي التي تهدد جيرانها، وهي التي تشكل خطراً على مستقبل المنطقة برمتها.

محمد كريشان: دكتورة. بعض التحاليل تقول: بأن الخوف الأميركي الآن مُرَكز من أن تحاول سوريا لبننة العراق، ومحاولة استنزاف القوات الأميركية هناك عبر دعم عمليات توصف من قبل واشنطن -بطبيعة الحال- بأنها عمليات إرهابية، هل ترى مثل هذا التخوف في محله؟

د. بثينة شعبان: لا نعلم يعني أي الحوارين هو الأصدق، هل هم يرغبون في البقاء الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق، أم أنهم -كما وصلنا في القنوات الدبلوماسية من بريطانيا- أنهم ينوون أولاً تشكيل حكومة مؤقتة، ومن ثم انتخاب حكومة دائمة، وخلال سنتين لن تكون هناك قوات أميركية أو بريطانية في العراق، إذا كان هذا هو الأمر، فالعراق بلد عربي وبلد شقيق، والشعب العراقي شعب عربي وشعب شقيق للشعب السوري، وسوف تبقى العلاقات بين الشعب العراقي والشعب السوري علاقات هامة جداً بالنسبة لسوريا، الآن وفي الماضي وفي المستقبل، فإذا كان الهدف هو أن ينعم الشعب العراقي بالحرية، وأن يختار حكومته بنفسه، وأن يحكم بلاده، فلا توجد هناك مشكلة، نحن متفقون على هذا.

محمد كريشان: دكتورة، هل هناك تخوفات من أن تُضطر دمشق إلى تقديم تنازلات لم تكن ربما في السابق قادرة على تقديمها، أو تريد تقديمها، سواء في موضوع التسوية، أو في موضوع الموقف من لبنان، لأن.. لتفادي ما هو أسوأ ربما قد يأتي؟

د. بثينة شعبان: أعود لأقول أن سياسة سوريا كانت دائماً مختلفة عن السياسة التي ترتئيها الحكومة الإسرائيلية التي تبحث دائماً عن تنازلات أو عن استخدام لغة العنف والقتل والدمار لكي تُثبِّت الاحتلال والاستيطان، إن سياسة سوريا كانت دائماً ومنذ عقود -وخاصة في التسعينات من القرن الماضي- هو أن السلام يجب أن يُصنع في هذه المنطقة على أساس احترام حقوق الشعوب، وإعادة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين، وأن -وكما قال الرئيس الراحل حافظ الأسد- أن يُصنع سلام ترغب الشعوب في الدفاع عنه، وليس فقط في العيش معه، وقالت دائماً سوريا حين تم توقيع اتفاق أوسلو والاتفاقات الأخرى أن هذه الاتفاقيات لن تعيش ولن يُكتب لها الحياة، لأنها لا تؤمِّن حقوق الفلسطينيين بكرامة، وها هو الواقع قد أثبت أن وجهة نظر سوريا صحيحة، ونحن نقول أن الوقت قد حان، للاستماع إلى وجهة نظر سوريا التي تعمل دائماً على بناء الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة بشكل دائم، وليس أن نأتي بخطة (تينت) وخطة (ميتشل) واتفاق أوسلو وخارطة الطريق، وكلها لن يجدي، هم يراهنون على تنازلات يقدمها أفراد، ونحن نراهن على إرادة الشعوب، أنها لن تقبل إلا الكرامة والحق، ولن تقبل إلا أن تعيش بحرية واستقلال، وكل شعوب العالم ناضلت من أجل حريتها واستقلالها، والعرب هم جزء من شعوب العالم.

محمد كريشان: سؤال أخيرة دكتورة شعبان، بعض المعلقين شبَّه الموقف بأن ما وُجِّه إلى دمشق الآن هو بمثابة ورقة صفراء وجَّهها الحكم، الورقة القادمة ستكون ورقة حمراء، هل يمكن أن تتفادى سوريا الوقوع في أي خطأ يضطر الحكم إلى رفع هذه البطاقة الحمراء؟

د. بثينة شعبان: لا، أنا لا أتفق مع هذا الرأي تماماً الحقيقة، لأن.. مع أن بعض التصريحات التي أتت من وزير الدفاع الأميركي، وهذه هي طريقته في الكلام -على كل حال- هو يتحدث بهذه الطريقة عن كل الأشياء التي يتحدث بها، ولكن ما سمعته شخصياً من الرئيس بوش الذي قال: نريد من سوريا أن تتعاون، ونعتقد أن سوريا سوف تتعاون، وما سمعته من وزير الخارجية كولن باول، وما سمعته من معاون وزير الخارجية منذ أيام على قناة (الجزيرة) كلها أمور تحترم الدور السوري، وتؤكد على أهمية الدور السوري في المنطقة، وعلى أن الحوار قائم بين الحكومة الأميركية والسورية.

أما إذا أردنا أن.. أن نلقي نظرة على موقف العالم من سوريا، ففي اليومين الأخيرين رئيس الوزراء الإسباني اتصل بالسيد الرئيس وقال له: أن سوريا لاعب استراتيجي في المنطقة، وفي الأسبوع الأخير رئيس الوزراء البريطاني اتصل مرتين بالسيد الرئيس بشار الأسد، واتفقا على مجمل القضايا الهامة للمنطقة، ويردنا اتصالات من جميع أنحاء العالم، كما اتصل رئيس الاتحاد الأوروبي (جورج باباندريو) بالسيد الشرع وقال له: لا أحد يصدق المزاعم التي هي ضد سوريا، فسوريا معروفة، وإذا كانت هناك يعني حفنة من المخططين الشارونيين الذي يريدون أن يعني يعمموا نظرية العنف والقتل والاحتلال والاستيطان في المنطقة، فلا أعتقد أنهم سوف يتمكنون من فعل ذلك.

محمد كريشان: الدكتورة بثينة شعبان الناطقة باسم الخارجية السورية، شكراً جزيلاً لك.

د. بثينة شعبان: نعم.. شكراً، شكراً إلك أستاذ محمد.

محمد كريشان: شكراً سيدتي، ضيفانا هنا في الأستوديو، نبدأ بتعليق مُختصر لكليكما، ثم نحاول الحديث في تفصيلات الموضوع، سيد رولو.

أهداف الاتهامات الأميركية لسوريا وعلاقتها بالوضع في العراق

إريك رولو: أنا عايز أقول أولاً: إنه فيه شيء أكيد في الأحوال الحالية، إنه أميركا لها أهداف معينة، قد نذكرها فيما بعد، وهم المصممين الأميركان إنه يوصلوا إلى أهدافهم، وسيستعملوا كل الوسائل اللي عندهم، الحوار المزعوم أنا بأقول المزعوم، لأنه حوار في جو تهديد وضغط، مش حوار يعني، ممكن يستعملوه الحوار، ولكن أظن أساساً الحوار هو هدفه إقناع الرأي العام العالمي إنه أميركا استعملت كل الوسائل لإقناع السوريين إنه يتتبعوا سياسة مقبولة، وبعد ذلك وسائل أخرى ممكن تأتي فيما بعد، فأنا بأقول إنه إحنا مش ممكن نستبعد أي وسيلة من العقوبات الاقتصادية والسياسية إلى استعمال القوة..

محمد كريشان[مقاطعاً]: وقد لوَّح بالعقوبات الاقتصادية باول يعني.

إريك رولو: أنا -حسب معلوماتي- بس مش عارف إذا دمشق بتؤيد هذا الخبر، إنه وقَّفوا نقل البترول من العراق إلى سوريا، ودا شيء كبير جداً، لأنه السوريين كانوا بيستفيدوا كثير من البترول العراقي، فهذه عقوبة، يعني بدءوا العقوبات الاقتصادية، وسيكون عقوبات أخرى فيما بعد.

على كل حال أنا عايز أذكر تصريح كولن باول، قال من يومين: إحنا في الوقت الحاضر ليس لنا النية أن نستعمل القوة، كلمات في الوقت الحاضر لها مغزاها، يعني مش معقول إنه قالها بشكل تلقائي.

أما الوسائل العسكرية ممكن تأخذ أشكال كثيرة، أنا مثلاً بأفكر إنه فيه احتمال إنه الضوء الأميركي يُعطى إلى شارون، حتى هو يضرب بدل الأميركان، والأميركان ما حدش هيلومهم على.. شارون ممكن يستعمل أي حجة، يضرب مثلاً حزب الله، وفيما بعد.. بعض الأماكن أو.. السورية العسكرية، وبتظهر إنه مش حرب أميركا ضد سوريا، ولكن حرب بين إسرائيل وسوريا.

محمد كريشان[مقاطعاً]: وكأنها امتداد لأحداث سابقة يعني.

إريك رولو: على كل حال فيه شيء.. إحنا لازم نقولها، أظن السيدة..

محمد كريشان: بثينة..

إريك رولو: أشارت إليه، الإدارة الأميركية منقسمة، وفيه قسم كبير منه.. ما نسميه بالصقور موجودين في.. وإحنا بنعرف كتبوا أيه في الماضي، وتصريحاتهم في الماضي، قالوا بصراحة: إن هدفهم هو قلب نظام الحكم في سوريا، مثل ما عملوها في العراق، فأنا برضو ما أستبعدش هذه.. هذه الحالة، إذا طبعاً تطورت الأحوال وحصل تطور كبير، ممكن نصل حتى إنه الأميركان أو الإسرائيليين أو الاثنين مع بعض يحاولوا يقلبوا نظام الحكم السوري.

محمد كريشان: نعم، دكتور عرفات.

د. إبراهيم عرفات: يعني إذا سمحت لي في.. في البداية، يعني بأربعة ملاحظات، الملاحظة الأولى خاصة بالتقدير العربي، خاصة التقدير الشائع وأن الحالة السورية ستتشابه مع الحالة العراقية، وأنه طالما أن بكرة الخيط بدأت في بغداد، فلابد أن تواصل الامتداد إلى أن تصل إلى العاصمة الثانية والثالثة وهكذا، ويبنون على ذلك أن هناك تشابهات هناك بعث في العراق، وهناك بعث في سوريا، الدولتين لديهم مشروعات تمدد إقليمي واحدة كانت في إيران وفي الكويت، والثانية كانت في لبنان، هناك تشابهات في الممارسات السياسية ومواقف حقوق الإنسان، ولكن أنا أتصور كنقطة بداية أن هناك اختلاف جوهري بين وضع النظام السوري ووضع النظام العراقي ولا يمكن أبداً بحال من الأحوال المقارنة بين النظامين.

النقطة الثانية: خاصة بالطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأميركية مع القضية، يعني نحن أمام موضوع معلق، وأتصور أن الولايات المتحدة الأميركية تريد بتصريحات باول ورامسفيلد و(وولفوتيس) والرئيس بوش أن تُبقي هذا الموضوع مفتوح، (كونداليزا رايس) على سبيل العالم نقول: أن كافة الخيارات في التعامل مع الملف السوري مفتوحة، بمعنى أنهم لم يستبعدوا أي خيار، ولم يحددوا منطلقاتهم في خيار واحد، وبالتالي نحن أمام أزمة ستظل مفتوحة إلى مدة لا يمكن من الآن أن نعرف كيف ستنتهي.

القضية الثالثة: هي أن الولايات المتحدة الأميركية تتعامل بما أسميه الحجج الرحالة أو المتنقلة، يعني حجة امتلاك أسلحة للدمار الشامل، هذه حجة استخدمت وعلى الرغم من أنها لم تُقنع العالم، ولكنها استخدمت، وبالتالي يمكن أن تستخدم هذه الحجة الرحالة مرة أخرى في سوريا، أو فيما بعد سوريا حتى.

لكن يبقى بيت القصيد هي النقطة الرابعة، أنا في تقديري أن القضية التي تسعى إليها الولايات المتحدة الأميركية في سوريا ليست تغيير النظام، ولكن تغيير السياسة السورية، النظام السوري -كما قلت من قبل- مختلف عن النظام العراقي، لم يدخل في تهورات إقليمية لم يدخل في معاداة لقوى دولية في فترة طويلة، اتبع سياسة براجماتية إلى درجة معقولة في الفترة السابقة، ولكن القضية التي تؤلم الولايات المتحدة الأميركية هي أن السياسة السورية لا تتجاوب مع عدد من المطالب الإستراتيجية الأميركية الخاصة بعملية السلام في المنطقة بالمقام الأول، وبالتالي هدف الولايات المتحدة الأميركية هو تغيير ما في السياسة السورية، وليس تغيير النظام السوري بأكمله.

محمد كريشان: نعم، سيد رولو، مثلما طرحت التشبيه على السيدة شعبان فيما يتعلق بالورقة الصفراء والورقة الحمراء تشبيهاً بلعبة كرة القدم، هناك تشبيه آخر ربما يكون أكثر جرأة، ولكن ليس من عندي هو من "الواشنطن بوست" تقول "الواشنطن بوست": "واشنطن الآن تكتفي بالنباح فقط في هذه المرحلة، وليس معروفاً متى تلجأ إلى العض"، هل تعتقد بأن لمرحلة الحالية هي مرحلة ضغوط فقط، وإلى متى يمكن أن تستمر؟ وهل هي مرتبطة أساساً بالموضوع العراقي؟ البعض يقول بأنها مرتبطة بإسرائيل وبالتسوية، وبالموقف من لبنان وحزب الله والمنظمات الفلسطينية وغيرها، البعض يقول هذا صحيح ولكنه في مرتبة ثانية، المرتبة الأولى الآن هو موضوع العراق، يجب على أميركا أن تتحرك في العراق دون أن تشوش عليها سوريا، هل هذا هو الهدف الأساسي الآن؟

إريك رولو: هذا كلام سيادتك حضرتك كلام عقلاني، أنا أريد إنه أصر على شيء أهم من هذه عن.. عن.. عن العقلانية، إحنا نعلم ما هذه الإدارة، وقصة سوريا مرتبطة أساساً وأولاً بالاستراتيجية الأميركية الجديدة، طبعاً لها صلة بالعراق، لها صلة بإسرائيل، لها صلة، ده شيء واحد، ولكن الاستراتيجية الأميركية اليوم واضحة، يعني وبصراحة وبوضوح إنه عايزين تغيير بيسموها إقامة الديمقراطية في.. في العالم العربي، طبعاً إحنا عارفين معناها أيه الديمقراطية، معناها أساساً تغيير الأنظمة.

نرجع لسوريا، مثلاً سوريا حينما نتذكر من بضع أسابيع كان أحد ممثلين الحكومة الأميركية مش متذكر أظن (كولن باول) نفسه شخصياً هنَّأ سوريا على تعاون سوريا مع أميركا في الكفاح ضد الإرهاب (…) حصل تعاون..

محمد كريشان: يعني معلومات استخباراتية تمت، وأشادوا بها في واشنطن.

إريك رولو: آه، وشيء.. وشيء علني، فمافيش يعني إذا كنا عقلانين مثلاً لازم نقول: مادام تعاونوا، وسوريا ثبتت إن هي ضد الإرهاب كان لازم إن الأميركان يكون.. يكون لهم سياسة أخرى تجاه سوريا، أنا في نظري الآن لازم نشوف أيه، وعندنا وسائل دبلوماسية، هم عايزين تغيير الشرق الأوسط، لأسباب كثيرة.

أولاً: طبعاً لمصالح أميركية، استراتيجية، هيمنة أميركا على الشرق الأوسط كخطوة إلى هيمنة عالمية، لأنه الصينيين مثلاً شاعرين إنهم مهددين، روسيا مهددة، أوروبيين مهددين، هي دي.. دي استراتيجية عالمية، ولازم نأخذها من الزاوية دي، فأنا في رأيي إنه الإدارة الأميركية هتستمر، قد تبدأ زي ما قلنا بالحوار، ولكن أنا في رأيي لا يمكن استبعاد أي شيء في.. في المستقبل.

محمد كريشان: نعم، ولكن دكتور عرفات، الساسة في الولايات المتحدة ينزعجون تماماً من التحليل الذي يقول: العراق، ثم سوريا، ثم غيرها، حتى أن كولن باول في حديث نشرته "الحياة" في الخامس من هذا الشهر، رد بعنف عن.. على سؤال أن سوريا سيأتي دورها وربما السعودية، قال: لماذا تفكرون باستمرار بأننا لا نقوم بشيء إلا لنمهد لشيء آخر، هل تعتقد بأن.. وهذا أيضاً أكدته لندن، أكدت أنه لا وجود لقائمة دول مستهدفة، هل هذه التطمينات تراها وهذا النفي تراه مُطَمْئِناً.

د. إبراهيم عرفات: ليس كافياً بكل تأكيد، لأن السياسة لا يجب أبداً أن تؤخذ بكلمات، السياسة تؤخذ بالأفعال، والسياسة عملية متغيرة ومتقلبة، وليست مجرد مواقف مبدئية، وما حدث فيما يتعلق بالعراق خير دليل على ذلك، فأنا في تصوري أن إذا كان الساسة الأميركيون ينزعجون من مثل هذه الاتهامات بأن العالم يتهمهم بأن لديهم قائمة مستهدفين واحد تلو الآخر، أتصور أن هناك أسباب لذلك.

أولاً: الولايات المتحدة الأميركية منزعجة بشدة من صورتها اللاإنسانية التي تروج لها، في حين أنها تقول أنها قمة العطاء الإنساني، يقول العالم أنها ليس كذلك، وبالتالي هناك صراع على رسم الصورة، هذه قضية الوجاهة القومية، وجاهة الولايات المتحدة الأميركية في المحك، وهي لا تريد أن يُلطخ بهذه الوجاهة بمثل هذه الصورة، هذه قضية.

القضية الثانية: أن الولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى، وبالتالي لديها استراتيجية عظمى على قدرها، والدول ذات الاستراتيجيات العظمى لا تكشف كل ما في الأجندة، ولا تحب أن تكشف كل ما في الأجندة، إلا إذا أرادت هي ذلك.

الشيء الثالث: أن الولايات المتحدة حالياً فيها انقسام واضح ما بين.. يقولون صقور وحمائم، وأنا في.. في حقيقة الأمر ربما يعني أغير في المسمى بعض الشيء: وأقول: صقور وحمامة واحدة على أساس أن باول أصبح يغرد واحده تقريباً إن لم يكن..

محمد كريشان[مقاطعاً]: وأحياناً يبدو هو نفسه صقر يعني.

د. إبراهيم عرفات[مستأنفاً]: وأو.. أو على الأقل يعني الحمامة التي ترسل في البداية لاستكشاف الطريق للصقور للتحرك فيما بعد، فهناك عدة.. عدة تفسيرات لماذا أن الولايات المتحدة الأميركية تبدو غير مطمئنة بمثل هذه الاتهامات بأن لديها أجندة، ولكن علينا أن نتعامل بالفعل على أنها لها أجندة، لأن هذه دول مرتبة، هذه دول منظمة، هذه دول لا تتحرك حركات اعتباطية، هذه دول تتحرك يعني تضع لنفسها خط استراتيجي تقريباً كل 50 إلى 70 عام، وعلينا أن نقرأ بعناية استراتيجية الأمن القومي الأميركية التي صيغت في سبتمبر 2002، والتي تتحدث عن مجموعة أخطار حقيقية ستعيش مع الولايات المتحدة الأميركية خلال القرن الحادي والعشرين الذي تعتبره هو القرن الأميركي.

محمد كريشان: لكن سيد رولو، يعني هذا التحليل للصقور وللحمائم، والذي يَعتبر أن قرار التصعيد مع سوريا هو ليس، لم يتحول بعد إلى قرار الإدارة الأميركية بقدر ما هو قرار.. جزء منها على الأقل، ولكن إلى أي مدى يمكن أن يستقيم هذا التحليل، خاصةً وأنه في النهاية.. في النهاية القرار لابد أن يتخذ؟ يعني مثلاً صحيفة "نيوزداي" الأميركية وصلت إلى حد القول بأن رامسفيلد أعد خطة للحرب على سوريا، قد تكون خطة بالطبع مازالت محفوظة في الأدراج، ولكن كخطة جاهزة إذا تم الاحتياج إليها ستوضع على.. على المكتب يعني.

إريك رولو: هذا أكيد هذا الكلام، ولكن إذا سمحت لي عايز أقول شيء عن أهداف أميركا، أنا في نظري الإنذار الموجه لسوريا موجه لجميع البلاد العربية، فمرحلة صعبة جداً، الأميركان داخلين في مرحلة في العراق أصعب مرحلة في هذه.. في هذه العملية، يعني هيكون فيه معارضة، قد يكون فيه عمليات استشهادية، بس يعني ممكن يحصل أي شيء، فالأميركان بدهم يضمنوا إنه سوريا أولاً والبلاد العربية الأخرى تمتنع من.. تعوق أن الاحتلال الأميركي يستقر في.. في العراق، أظن ده أول هدف، سوريا مش لوحديها اللي هي مستهدفة، بعبارة ثانية عايزين نشر الذعر في البلاد العربية، ثاني هدف هو..

محمد كريشان: وهذا نجحوا فيه إلى حدٍ ما، يعني التصريحات الأخيرة، يعني أقضَّت مضاجع ليس فقط سوريا، وإنما كثيرين أيضاً يعني..

إريك رولو: اللي يلفت النظر مثلاً، إنه ما سمعتش أنا الحقيقة يمكن ما شفتش كل الأخبار، صوت عربي قوي لنقد أميركا في هذه العملية، في هذا العمل ضد سوريا.

محمد كريشان: يعني قوي بعد ضرب العراق صعب، أصلاً من كان متوسطاً خفت صوته يعني، فأن.. أن يصبح قوي يعني..

إريك رولو: أيوه، يعني الذعر موجود، بس هذه زيادة للذعر، ده أول هدف أظن، هدف تكتيكي إنه يا جماعة، إحنا عايزين نحتل هذا البلد فاسكتوا، ولا تساعدوا العراقيين بأي شكل يعني من الناحية السياسية، ومن الناحية.. من نواحي مختلفة، ثاني هدف أنا في رأيي ودي.. ده هدف الصقور هو فرض السلام في الشرق الأوسط يناسب الجنرال شارون، وأنا يعني إذا سمحت لي بأختلف شوية مع السيدة المتكلمة الرسمية لسوريا.

محمد كريشان: دكتورة شعبان.

إريك رولو: الظاهر على كل حال اللي فهمته منها، إن هي بتفرق بين شارون وبين الإدارة الأميركية، أنا بأقول إنه الإدارة الأميركية أكثر تطرف من شارون، يعني الصقور اللي إحنا عارفينهم وعندنا كل تصريحاتهم، وعارفين ماضيهم ناس متطرفين جداً يعني على يمين الليكود، فيعني أنا ما بأفرقش إن أي تصريح يطلع من.. من القدس أو بيطلع من واشنطن أنا في نظري سياسة واحدة، فهذه.. هؤلاء الصقور، وهذا كتبوه في الماضي: بدهم سلام أميركي أو إسرائيلي أميركي في المنطقة، فطبعاً أول هدف هيكون.. هيكون سوريا، سوريا وحزب الله، يعني أي مقاومة عربية للمشروع الشاروني هيضربوها بشكل من الأشكال، إما الإسرائيليين هيضربوهم أو الأميركان هيضربوهم، وبهذا الشكل يقطعوا الصلة بين الحزب الله مثلاً وسوريا، يقطعوا الصلة بين الحزب الله وإيران، ويمهدوا الطريق إلى حل القضية الفلسطينية حسب نظرتهم هم، هذا هدفين من الأهداف الكثيرة، الدولة الأميركية لها أهداف متعددة، أنا يعني ذكرت هذا الهدفين، وأظن يكفي هذا.

محمد كريشان: نعم، بالتأكيد هناك أهداف أخرى.

[فاصل إعلاني]

الدور العربي والدولي لإنقاذ الوضع الراهن

محمد كريشان: سيد عرفات، تأكيداً لما تفضل به السيد رولو الآن من أن كل العرب مستهدفون تقريباً، في مقال لصحيفة "هآرتس" لفت الانتباه جملة هامة جداً، يقول كاتبها ويعبر عن قطاع واسع بالتأكيد: أن ليست دمشق فقط على جدول الأعمال، وإنما أيضاً الرياض، بل والقاهرة كذلك، يقولها بكل صراحة، ويضيف سقوط الصنم، صنم الرئيس صدام حسين، يُفترض أن يكون ليس اختباراً لـ 24 مليون عراقي فقط، بل هو اختبار لـ 250 مليون عربي، إذن ما يُتهم به العرب من عشق للتفسير التآمري يبدو أنه في هذه الحالة تفسير له مبرراته على الأقل في.. في كتابات وفي تصريحات يعني.

د. إبراهيم عرفات: يعني قضية التفسير التآمري ليست بالضرورة صواب دائماً، ولكن ليست أيضاً خاطئة بالتمام، يعني فيها قد تحمل جزء من الحقيقة، يعني ما أريد أن أقوله أن الولايات المتحدة الأميركية قد تغيرت تغير جوهري بعد أحداث 11 سبتمبر، يعني كما أنها ضربت اليابان بعد أن ضُربت في بيرل هاربور جاءها عدد من يعني أسميها قوة متعددة الجنسيات من المنطقة العربية في صورة 19 شاب في 11 سبتمبر من جنسيات مختلفة، وضربوها في صميم قلبها، وبالتالي هذه كانت هزة تحتاج التعامل مع كل هذه الجنسيات، واختارت العراق كنقطة انطلاق، لأن المشروع الأميركي بعد 11 سبتمبر تغير تماماً إزاء الشرق الأوسط، والعراق لم تكن هي حالة، ولكن عبارة عن حلقة في سلسلة، وكما تفضلت أتصور..

محمد كريشان[مقاطعاً]: ولكن عفواً المشكلة أنها فتحت.. أو دخلت على خط الحلقة الثانية مع أنها لم تفرغ بعد من الحلقة الأولى يعني..

د. إبراهيم عرفات: وأتصور هذا متعمد، لأن هناك قوة دفع، هناك رأي عام داخلي في الولايات المتحدة الأميركية يتمتع بنشوة النصر، هناك زخم شديد يتمتع به الصقور والمتشددون في الإدارة الأميركية، هناك حالة إحساس بالضعف شديدة في العالم العربي تسهل الاختراق، يعني أصبح قلب العالم العربي أو العالم العربي كله رخو هش، وبالتالي من السهل تفتيته، فإذا لم تكن تطرق الحديد وهو ساخن فلن تطرقه أبداً.

ففي تقديري أن الولايات المتحدة الأميركية اختارت العراق كنقطة انطلاق وأمامها اتجاهين، الاتجاه الأول، إما أنها كانت تذهب للتغيير في منطقة الخليج والجزيرة العربية أولاً، أو أن تذهب إلى منطقة الهلال الخصيب، وأتصور أنها وضعت عينها على منطقة الهلال الخصيب، لأنها هذه منطقة محورية، ومنطقة تغيير واحد فيها سيجر عدد كبير من التغييرات، وربما اختيار سوريا هو اختيار بعناء.. بعناية شديدة، لأن سوريا لن تكون حالة مثل العراق، ولكنها مباشرة ستجر معها لبنان، وطالما جرت معها لبنان ستجر معها حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية بالشروط الأميركية، فأنت تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، إذا ذهبت أولاً إلى الهلال الخصيب، ليس معنى هذا أن الولايات المتحدة الأميركية تغمض العين عن مناطق أخرى، ولكنها تتعامل معها تباعاً بمنطق الدومينو وبمنطق العدوى، أن هناك من لم يلحق نفسه سوف نأتي إليه، على أمل أن من لحق نفسه سيلحق نفسه أيضاً في الاتجاه الأميركي، فالتركيز على الهلال الخصيب، ثم بعد ذلك ربما الانتقال إلى قلب الجزيرة العربية الذي تأخر كثيراً في عملية التطوير والتحديث.

محمد كريشان: نعم، الحالة الرخوة -سيد إريك رولو- الحالة الرخوة العربية التي أشار إليها السيد عرفات يمكن أن.. أن تنسحب أيضاً حتى على الحالة الدولية، يعني الموقف الأوروبي، الموقف الفرنسي وقف بقوة مثلاً ضد الحرب في العراق، الحرب تمت، والآن هناك حديث عن أن الموقف الفرنسي والموقف الألماني يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه في التأقلم مع هذا الوضع، هل يمكن أن تلعب هذه المرة فرنسا التي اعتبرت بأن الاتهامات الأميركية الموجهة إلى سوريا لا أساس لها، هناك تصريحات لـ (فيشر)، هناك تصريحات لـ (أزنار) وهو الذي وقف مع واشنطن بقوة في حربها ضد العراق من أن هذه الاتهامات لا أساس لها، حتى أن بعض التعليقات الإسرائيلية اعتبرت بأن دمشق تراهن على موقف فرنسا وغيره لإنقاذ الوضع الحالي، كيف يمكن للقوى الدولية وأساساً الاتحاد الأوروبي وفرنسا تحديداً أن تلعب دوراً مميزاً الآن؟

إريك رولو: أنا لاحظت في الصحافة الأميركية بالذات دعاية تقريباً يومياً من.. بدأت يعني من بضعة أيام، على أساس إن الدعاية دي بتقول إنه موقف فرنسا ضعف، إنه فرنسا معزولة، إنه هي مستعدة إنه تساوم، هذا لا ينطبق على الحقيقة، أنا يعني عايش في فرنسا في باريس، وشايف يعني السياسة، وبأعرف بالضبط يعني الأوضاع، أنا في رأيي هو العكس إنه أميركا هي المعزولة، فعلاً عملت الحرب، فعلاً كسبت الحرب، ولكن هي في عزل دولي تام، يعني ما هي الدول اللي بتؤيد أميركا؟ فيه بعض الدول، وما لها وزن يعني أنا في رأيي، حتى الدول مثل إسبانيا وإيطاليا الرأي العام ضد حكومتهم، فالمعزول النهارده مش.. مش فرنسا ومش أوروبا، الشعوب الأوروبية دخلت في المعركة بشكل عجيب أنا.. مش شايفينها من.. حتى من الحرب العالمية الثانية إنهم نزلوا في الشوارع قبل ما الحكومة الفرنساوية تأخذ موقف، ودلوقتي الحكومة الفرنساوية بتأخذ مواقف حسب ما بتسمع في الشوارع في أوروبا، أنا تحت بيتي يومياً فيه مظاهرة، صغيرة، كبيرة يومياً يعني مافيش يوم، ضد الحرب، لأنه فيه شعور في أوروبا إنه فيه محاولة فرض هيمنة أميركية، هي مش.. مش مرتبطة بالعراق أو بسوريا.

محمد كريشان: بغض النظر عن الدولة المستهدفة يعني..

إريك رولو: بغض النظر فعلاً، وإذا شوفنا دلوقتي الاتحاد الأوروبي مثلاً اللي اجتمع أمس الرأي الفرنساوي هو اللي ساد وخذوا قرارات حسب الرأي الفرنساوي، فالنفوذ الفرنساوي داخل الاتحاد الأوروبي مازال موجود، مازال موجود، وحتى مستر (بلير) اضطر يأخذ مواقف ضد السياسة الجديدة الأميركية تجاه سوريا، أنا عايز أقول شيء أنه فعلاً وده صحيح، إنه الرأي العام العالمي، والأوروبيين بشكل خاص، هيعارضوا بشدة أكبر، أي عملية ضد سوريا، وسوريا لها حق إنه تعتمد على الرأي العام العالمي في هذا، لأنه..

محمد كريشان: يعني.. يعني.. عفواً.. وضعها أفضل من العراق، يعني يمكن الدفاع عن سوريا بشكل أفضل من الدفاع عن العراق.

إريك رولو: نعم.. أيوه.. أيوه، لأن المعروف على سوريا أنه بلد معتدل، المعروف على سوريا أنه ما حصلش أي عمليات عسكرية، منذ خمسة وثلاثين سنة، من يوم ما احتلوا الجولان، سوريا كان البلد الوحيد، ماكانش لها مواجهة عسكرية مع الإسرائيليين، معروف عن سوريا بتكافح الإرهاب، معروف عن سوريا إنه مش.. مش متطرفين، و.. و.. إحنا في أوروبا عندنا نظرة دقيقة عن الصراع الإسرائيلي العربي، يمكن العراق بعيدة شوية، وكان فيه صدام حسين، وكان فيه ديكتاتور، كان فيه يعني المسائل معقدة يعني، بالنسبة، بالرغم من هذا، الأوروبيين كانوا مع.. ضد الحرب، ولكن قصة سوريا دي، أخطر بكثير، لأن الناس فهمانة، من غير ما تشرح لهم، أنه.. إذ.. إذا ضربوا سوريا، هتفتح باب لحرب موسعة في المنطقة، أكيد إنه إسرائيل وسوريا ولبنان هتنضرب، لأنه لبنان في خطر أيضاً، ثم الأردن، الأردن في حالة دقيقة جداً، يعني هيكون فيه ردود فعل كبيرة، والأوروبيين واعيين إنه هذا يمكن أن يؤدي.. يؤدي إلى حرب أوسع بكثير، وتهدد العالم بشكل عام، فأنا في نظري إنه فعلاً أصعب على.. على الأميركان إنه يضربوا سوريا، صحيح أصعب، ولكن مع الأسف الشديد، إحنا يعني لاحظنا، إن الجماع.. الجماعة اللي.. اللي.. اللي عندهم السلطة في أميركا، وأنا في رأيي البنتاجون، غير عقلانيين، يعني.. إحنا.. ما.. مش.. مش.. مش مواجهين ناس دبلوماسيين، فهمانين الأوضاع العالمية إحنا اكتشفنا ما عندهمش أي فكرة عن الشرق الأوسط مثلاً، ولا على الشعب العراقي، وطبيعته، وكفاحه من أجل الاستقلال، فأنا بأخاف من هذا، من.. من الجهل الموجود في أميركا، وفي الشعور أنهم أقوى دولة، ممكن يعملوا أي شيء في الدنيا، هذا هو الخطر.

محمد كريشان: قد لا يكون جهل بقدر ما هو يعني..

إريك رولو: احتقار.

طرق تفادي المواجهة وتفويت الفرصة على أميركا

محمد كريشان: احتقار أو اعتزاز بـ.. بـ.. بسياسة القوة، يمكن أن ولكن سيد عرفات هل تعتقد بأن سوريا قادرة -وهذا لم يكن في الوضع العراقي- قادرة على تفويت الفرصة، القيادة السورية خاصة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وإلى حد كبير، حتى في عهد الرئيس بشار الأسد توصف بأنها براجماتية، وبأنها قادرة في الوقت المناسب على تقديم التنازل المطلوب؟ هل يمكن لسوريا أن تنحني لهذه العاصفة دون أن تخسر لا من قاعدتها الداخلية، ولا من موقفها العربي؟

د. إبراهيم عرفات: يعني.. أنا في تقديري كما قلت في المقدمة، أن.. أننا أمام حالة، لا تهدف إلى تغيير نظام، لأن الدرس العراقي، يبدو أن الشارع العربي يردده، ما حدث في العراق لابد وأن يحدث بالتمام والكمال في غير العراق، وهذا غير صحيح، نحن إزاء حالة لمحاولة تغيير السياسة السورية، وليس تغيير النظام السوري.

محمد كريشان: يعني إذا تغيرت السياسة يصبح مرضي عنه تماماً يعني.

د. إبراهيم عرفات: أنا.. أنا في تقديري هذا، وأتصور أن هناك مجموعة من العوامل التي تدفعني إلى القول، أو إلى الانضمام إلى الأستاذ رولو فيما يتعلق بأن الحرب ضد سوريا أو تغيير النظام السوري مسألة تكاد تكون شبه مستحيلة ولا يجب أن نفكر بمثل هذه، لا يجب أن.. أن نستضعف أنفسنا إلى هذا الحد، وأن ننزل بأنفسنا إلى.. إلى هذا الحد من التفكير، هناك مثلاً البعد الإسرائيلي في الصراع الأميركي السوري إذا تطور إلى صراع، لأن سوريا دولة تماس مباشرة مع إسرائيل وليست كالعراق، وبالتالي أي تدخل أميركي أو محاولة تغيير النظام في سوريا، لابد وأن يصاحبها حرب على مستوى كبير إقليمية كبرى، أتصور أن الولايات المتحدة الأميركية، تضع هذا في اعتبارها، هناك الكلفة المالية الجديدة للحرب إذا حدثت، وها.. وهذا قيد أو عائق.. عائق آخر، هناك طول المدة اللازمة للولايات المتحدة الأميركية لبناء دعم دبلوماسي دولي، أتصور أنها لن تستطيع أن توفره، وهناك عدة أسباب أخرى تجعلنا لا نعتقد أن إمكانية أن.. تدهور هذا الخلاف السوري الأميركي إلى أزمة مستفحلة، ولكن هناك بعض الأشياء على سوريا، أتصور أنها يمكن أن تفعلها، كما يمكن أن يساعد النظام العربي، والنظام الدولي سوريا في ذلك، أتصور أن سوريا يعني.. إذا كان الحديث لديهم عن الثوابت، لا مانع أيضاً من الحديث عن بعض المتغيرات، يعني.. هو.. الـ.. أن سوريا كانت ربما تريد أن تحتفظ بأوراق المفاوضات في إيدها، أو أوراق ما يسمى بـ (Bargaining chips) في.. في يدها كي تحاول أن تستخدمها حينما تأتي ساعة الضرورة، وقت المفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، ولكن الآن ربما الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تستنزف هذه الكروت من يد سوريا، في مقابل اتقاء شر الولايات المتحدة الأميركية…

محمد كريشان[مقاطعاً]: وهذا قد ينجح برأيك؟

د. إبراهيم عرفات: يعني يتوقف على كيف يتفاعل السوريون، هناك كروت أتصور أن من.. من الممكن..

محمد كريشان: يعني كارت الجولان صعب، كارت لبنان ربما..

د. إبراهيم عرفات: لأ، هذه كروت من.. كارت لبنان وارد.. ربما السوريين يأخذوا فيه بعض مواقف من الـ (Compromise)، ولكن فيه كروت أخرى، فيما يتعلق مثلاً بعدم إيواء نظام.. عناصر النظام العراقي القديم، يعني لا داعٍ للبكاء على اللبن المسكوب، وإلا يعني ما فائدة مثل هذا البكاء؟ هناك أشياء أخرى يعني أتصور أن هناك أربع قضايا يعني خلافية مع الولايات المتحدة الأميركية، بينها وبين سوريا. القضية الأولى: انتهت وهي اتهام الولايات المتحدة الأميركية لسوريا بأنها كانت تقدم أسلحة للعراق أثناء الحرب، وطالما أن الحرب توقفت يمكن أن يصبح هذا الملف مغلق، أو شبه مغلق.

القضايا الأخرى الثلاثة الأخرى لا تزال التفاوض والضغط والضغط المضاد جاري فيه، هي اتهامها بإيواء عناصر من النظام العراقي القديم، اتهامها بتشجيع جماعات إرهابية، أو ما تسميه أميركا بالجماعات الإرهابية، والبعد الآخر هو الأسلحة ما تسمى بأسلحة الدمار الشامل.

هذه هي الملفات الثلاثة، التي أتصور أن السوريون، يمتلكون القدرة على تقديم قضيتهم دولياً وعربياً، وأريد أن أؤكد وأميركياً، يعني من خلال الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية، من خلال الاتصال بالصحافة الأميركية، من خلال الاتصال بمنظمات المجتمع المدني الأميركية، يستطيعون تقديم قضيتهم بطريقة أفضل.

محمد كريشان: نعم.. سيد رولو، هناك منطق لا أدري إن كان يمكن وصفه بالخطير أم لا.. يسود بعض المعلقين العرب، وهو أن ربما مثل هذه التهديدات، قد تؤدي بشكل أو بآخر إلى سياسة انفتاح سياسي، مزيد من الحريات، مزيد من الديمقراطية.

إريك رولو: في العالم العربي.

محمد كريشان: في العالم العربي، بمعنى.. خاصة سوريا مثلاً، البعض من المعارضين السوريين مثلاً في الخارج، يعتبرون بأن السبيل الوحيد، لإيقاف مثل هذه التهديدات، هو مزيد من الحريات في البلاد، مزيد من الانفتاح على القوى المعارضة، حتى يمكن أن تكون الجبهة الداخلية، جبهة صلبة، برأيك لو -وهذا سؤال افتراضي- لو سعت دمشق إلى أن تقدم على انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، على عفو تشريعي عام، على مزيد من التسامح مع المعارضين، على مزيد من الانفتاح الإعلامي، هل يمكن أن تتغير وجهة النظر الأميركية تجاه سوريا؟ في هذه الحالة ديمقراطية دون حرب ودون.. ودون خسائر مالية في هذه الحالة إذا كان الهدف هو الديمقراطية، يعني.

إريك رولو: رأيي أنا إنه إذا كانت الحكومات العربية حكيمة، يجب أن تعمل شيء من هذا القبيل، لأنه إشراك الشعب في حكم البلد، سيقوي التضامن الشعبي مع الحكومة، هذا هو الطريق الحكيم، ولكن فيه بعض الحكومات، تخاف من هذا، تخاف أكثر من الشعب، من الشعب الداخلي، من التهديدات الأميركية، أنا.. ما.. ما أستبعدش أنه سوريا ممكن تعمل أشياء من هذا القبيل، أنا كان رأيي أنه صدام حسين حتى إذا كان فتح أبواب الحريات في العراق، كان من الممكن..

محمد كريشان: يسحب ذريعة.

إريك رولو: يسحب ذريعة.. ما عملهاش، كان خايف من شعبه، وكان له حق، لأنه شعبه كان ضده، في سوريا أظن الحالة تختلف، أنا في رأيي أنه سوريا ممكن تتقبل ديمقراطية، ممكن تشارك الشعب في الموضوع، وأكيد هيكون فيه تضامن مع حكومتهم، لأن السوريين أنا.. ناس عارفينهم ناس وطنيين، وقوميين عرب، يعني فهمانين أنه هذا التهديد مش لحكومة معينة، بل لبلد ولشعب اسمه سوريا، ولكن إحنا هنشوف المستقبل، ما هي هتكون سياسة هذه الحكومات العربية.

محمد كريشان: ولكن في هذه الحالة كأننا نستبطن المنطق الأميركي، ووجاهة المنطق الأميركي، كأننا نقبل بأن فعلاً قلب الولايات المتحدة هو على الديمقراطية، وإذا ما فعلت سوريا انفتاح ديمقراطي يصبح الوضع جيد، في حين أن الاهتمام الأميركي غير هذا يعني في العمق.

إريك رولو: لكن.. لا.. لا.. أنا كان قصدي أقول: إذا أي حكومة عربية بدها تقوي الجبهة الداخلية، لازم تأخذ.. تأخذ إجراءات ديمقراطية، ولكن طبعاً إحنا متفقين أنه قصة الديمقراطية عند الأميركان دي حجة، علشان يتدخلوا في البلاد المختلفة، حسب إذا كانت الحكومة دي معاهم أو ضدهم، لأن الحكومات اللي بتؤيد هيمنة أميركية، ماحدش بيتكلم عن ديمقراطية في هذه البلاد، دا إحنا متفقين على هذا.

محمد كريشان: نعم. دكتور عرفات.

د. إبراهيم عرفات: يعني أتصور إن يعني بالفعل يعني قضية الديمقراطية، هي حصان طروادة، الذي تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تتسلل من خلاله، إلى المنطقة ويعني إذا تحولت سوريا إلى الديمقراطية الكاملة، وهذا مكسب للسوريين بكل تأكيد، ولكن لن يغنيهم هذا عن مواجهة الضغوط الأميركية، والحال صحيح على كافة الدول العربية، ولكن أتصور أن هناك إشكالية حقيقية، في قضية التغيير، يعني كيف يمكن أن تحدث التغيير دون أن تمس هياكل القوى السياسية، وهذه قضية في غاية الحساسية والأهمية، لأنك لا يمكن أن تجازف أبداً، بقلب الحياة في دولة ما، إذا ما زلزلت القوى السياسية التي يستند عليها النظام بأكمله، ولنأخذ مقارنة على سبيل المثال، بين الاتحاد السوفيتي وبين الصين، الاتحاد السوفيتي خطأ عمره، أنه (جورباتشوف) حرك هيكل القوى السياسية التي كانت تستند إليه الدولة، فسقطت الدولة، الصين على الرغم من كل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها، أبقت على هيكل القوى السياسية، وهذا درس أتصور، ليس فقط سوريا ولكن كافة الدول التي تدخل في عملية تحديث وتغيير، لا بأس من التحديث، لا بأس من التغيير، لكن مع مراعاة أن هيكل و.. صلب وقلب القوى السياسية، لابد أن يبقى هو المحور الذي أو رمانة الميزان التي تلتف عليها كل القوى والتيارات السياسية في الدولة.

محمد كريشان: نعم.. يعني ونحن في نهاية البرنامج، إذا أردنا أن نلخص الموضوع، فيما يمكن أن تقدم عليه واشنطن، وتقدمه حقيقة، وما لا تستطيع أن.. أن تقدم عليه، يعني ما.. كيف يمكن أن تصنف هذين الأمرين؟

د. إبراهيم عرفات: أنا في تقديري أن واشنطن أقدمت بالفعل على إشعال حرب نفسية مع سوريا، ونحن إزاء حرب نفسية بالمعنى الكلاسيكي، بما في ذلك حتى فكرة الحوار، يعني.. نحن سمعنا عن زيارة ما لباول ولكنه لم يقل متى؟ وهذا تعليق يعني هذا جزء من جس النبض، محاولة استشفاف ما لا يبصر..

محمد كريشان: ولا.. ولا حتى لم يعلم بها حتى السوريين يعني.. السوريين..

د. إبراهيم عرفات: من خلال وسائل الإعلام.

محمد كريشان: نعم، من خلال وسائل الإعلام.

د. إبراهيم عرفات: وبالتالي نحن إزاء حرب كلاسيكية.. من حرب نفسية كلاسيكية، أما ما لا تستطيع أن تفعله الولايات المتحدة الأميركية، أتصور هو المجازفة بالغزو أو الحرب، لأن هناك عوائق كثيرة، أكثر بكثير من التسهيلات، قد تتخذ الولايات المتحدة الأميركية -إذا ساء الملف- بعض الأهداف المنتقاة عسكرياً، كما تفضل الأستاذ إريك، قد تكون في لبنان، قد تكون في مواقع معينة، وقيل بعض التقارير كتبت: قد يكون دس لبعض المعلومات، أن هناك وحدات خاصة.. عمليات خاصة، تسللت إلى قلب الحدود السورية، يعني قد يكون هذا صحيح، وقد يكون هذا جزء من الحرب النفسية.

محمد كريشان: يعني مجلة "التايم" الأميركية، اليوم مثلاً نشرت، بأنه إذا ما تأكد لجوء الرئيس صدام حسين إلى سوريا، فإن الولايات المتحدة ستقوم بضرب ذلك الموقع في سوريا، مع أن لا أحد تحدث عن وجود الرئيس صدام حسين هناك يعني.

د. إبراهيم عرفات: ولا أحد يتكلم حتى عن يعني كيف يدخل المارقين من نظام إلى نظام إلى دولة أخرى، هناك حدود طويلة بين العراق وسوريا، مهما كانت قدرات أي دولة في الدنيا، لا تستطيع أن تضبط هذه الحدود 100%، وبالتالي يمكن أن تتسلل عناصر مارقة، ولكن أتصور إننا إزاء أزمة تدخل في إطار الحرب النفسية حتى الآن، ولا نرجو أن تتطور إلى ما هو أبعد من ذلك بل أن تحل.

محمد كريشان: سيد رولو.. سيد عرفات تحدث عن ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة وما لا يمكن أن تقوم به، بالنسبة لسوريا، ما الذي يمكن أن تقدم عليه من تنازلات بين قوسين، وما الذي من الصعب أن تفعله دون أن تخسر الكثير من النقاط؟

إريك رولو: أنا في رأيي.. في نظري أنه المطلوب من سوريا في الوقت القريب، هو أنه تقطع علاقاتها بحزب الله، أظن هذا هو الهدف الأساسي لتحييد سوريا في الصراع العربي الإسرائيلي.

محمد كريشان: هي تقول علاقاتها معها دعم سياسي ومعنوي وليس أكثر من ذلك.

إريك رولو: فعلاً.. فعلاً.. فممكن الأميركان يطالبوا بأكثر من هذا، أنه يطالبوا الحكومة اللبنانية أيضاً والسورية أنه، يقوموا هم بجرد السلاح.. جرد السلاح.

محمد كريشان: تجريدها من السلاح..

إريك رولو: تجريد السلاح الحزب الله ونقلهم داخل البلد، واستبدال حزب الله بالجيش اللبناني، أظن هذا سبب رئيسي إن حصل تغيير حكومي في لبنان، لأنه الحكومة اللبنانية واعية، إنها هتواجه أيضاً صعوبات مع أميركا، إذا سوريا قبل.. قبلت إنه تؤثر على الحكومة اللبنانية، وتؤثر على حزب الله، والحزب الله يتركوا الحدود الإسرائيلية ممكن هذا يكفي لتهدئة الأميركان وإسرائيل أساساً.

محمد كريشان: وماذا عن الخروج من لبنان؟ هل يمكن أن تقدم دمشق على خطوة مسرحية بالانسحاب من لبنان وبالتالي تسحب ورقة مهمة في الضغط عليها؟

إريك رولو: الوجود السوري في لبنان، مهما كان يكون رأينا في الموضوع، مؤسس على اتفاقات الطايف.

محمد كريشان: الدولتين.

إريك رولو: لأ، والبلاد العربية هم اللي أسسوه، يعني السوريين مش موجودين في لبنان لأنه قرروا يكونوا في لبنان، فهذا.. هذا بتوسع المشكلة، البلاد العربية اللي أيدت هذا الاتفاق، والحكومة اللبنانية، ولكن أنا بيتهيأ لي مش السبب الرئيسي عندهم يعني، وجود الجنود السوريين مش يعني ما بيهددش إسرائيل، خليها بالشكل ده، اللي بيهدد إسرائيل النهارده هو حزب الله، وحزب الله بيعتبروه الأميركان هم إرهابيين، مع أنهم يعني حسب التعريف الأميركي للإرهاب هم غير إرهابيين، لأنه ما قتلوش..

محمد كريشان: مدنيين.

إريك رولو: المدنيين، ولكن إحنا عارفين إنه الأميركان مالهمش يعني تفكير عقلاني في هذا الموضوع، وبيعتبروهم.. بيعتبروهم أنه إرهابيين، ولذلك هيصروا إنه القضاء على حزب الله، أنا.. أنا في نظري ده الهدف الأول يعني.

محمد كريشان: شكراً لضيفينا هنا في الأستوديو سيد إريك رولو (الكاتب والصحفي والدبلوماسي الفرنسي السابق)، الدكتور إبراهيم عرفات (الخبير في القضايا الاستراتيجية)، كما نشكر أيضاً الدكتورة بثينة شعبان (الناطقة باسم الخارجية السورية) وكانت معنا في بداية البرنامج.

تحية طيبة، وبرنامجنا يومي ومستمر دائماً مع بقية الزملاء، دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.