البرهان يشترط دمج "الدعم السريع" في الجيش.. رسائل سياسية وعسكرية ودولية

صورة تجمع البرهان وحميدتي
البرهان (في المقدمة) شدد على ضرورة دمج قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي في الجيش (الجزيرة)

الخرطوم- "دمج قوات الدعم السريع شرط للمضي في دعم الاتفاق الإطاري"، بهذا التصريح أثار رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبد الفتاح البرهان جدلا واسعا حول مستقبل قوات الدعم السريع، وأيضا مستقبل الاتفاق الذي وقعه مع تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وامتد الجدل في الأوساط السياسية ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما اعتبره مراقبون رسائل من البرهان إلى المؤسسة العسكرية ودوائر خارجية، وقالت مصادر عسكرية للجزيرة نت إن قادة بارزين في الجيش طلبوا من البرهان دمج قوات الدعم السريع في الجيش قبل التوقيع على الاتفاق الإطاري.

والخميس الماضي وبلهجة صارمة أمام حشد جماهيري في منطقة الزاكياب بولاية نهر النيل، قال البرهان إن قيادة القوات المسلحة دعمت الاتفاق الإطاري عن قناعة لأنه يعالج مشاكل السودان، لكنه اشترط للمضي قدما في الاتفاق دمج قوات الدعم السريع في الجيش، قائلا "قبلناه لأن فيه بندا مهما جدا يهمنا كعسكريين، وهو دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، هذا هو الفيصل بيننا وبين الحل الجاري الآن".

وأضاف "الاتفاق تضمن كلاما واضحا ومنصفا عن دمج الدعم السريع، ودمج الحركات المسلحة في القوات المسلحة، وقطعًا سنذهب فيه، ليكون هناك جيش وطني واحد يدافع عن السودان ويحمي أهل السودان، لكن أي كلام غير هذا لن يكون مقبولا، ولن يذهب أحد في الاتفاق للأمام من دونه".

وحذر البرهان من المزايدة على الجيش، نافيا بشدة وجود إسلاميين من أنصار النظام السابق في الجيش، واعتبر ذلك ادعاء كاذبا، وتابع أن "الجيش مؤسسة قديمة وراسخة لم يصنعها نظام عمر البشير أو غيره، إنه مؤسسة راسخة عمرها أكثر من 100 عام وسيظل من بعدنا. أذهب أنا وغيري وتظل المؤسسة قائمة تؤدي رسالتها".

مطالب مستمرة بالدمج

منذ رحيل البشير في ديسمبر/كانون الأول 2018، ظلت مطالب رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك والقوى السياسية ولجان المقاومة بلا استثناء، هو دمج قوات الدعم السريع في الجيش، كما نص اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في 2020 على دمج الدعم السريع في المؤسسة العسكرية.

غير أن الاتفاق الإطاري منح قوات الدعم السريع وضعا مستقلا، حيث حدد القوات النظامية في الجيش والشرطة والمخابرات العامة والدعم السريع رغم أنها قانونا تابعة للجيش، مما أثار قلقا داخل المؤسسة العسكرية التي تطالب بجيش موحد.

وقالت مصادر عسكرية للجزيرة نت إن وضع قوات الدعم السريع كان القاسم المشترك في غالبية اللقاءات العسكرية، حيث طالبت قيادات عسكرية بارزة البرهان بوضع شروط قبل توقيع الاتفاق، تشمل وضع مصفوفة زمنية لدمج قوات الدعم السريع بنهاية المرحلة الانتقالية، ووقف تسليحها، واستيعاب أي قوات جديدة خلال الفترة الانتقالية.

وأضافت المصادر أنه في حال مغادرة البرهان رئاسة مجلس السيادة، فستكون قوات الدعم السريع تحت إمرة رأس الدولة الجديد بحسب قانونها، وبالتالي لن تكون لديه أي سلطة عليها، مما يتيح لها الاستقلالية بشكل كامل وبإمكانها إبرام صفقات تسليح والتوسع في التجنيد، مما يجعلها مكافئا للجيش، وهو ما لا تقبله المؤسسة العسكرية.

وكشفت المصادر العسكرية أن تعديلا جديدا بشأن تشكيلات القوات المسلحة وتنظيمها، أصدره البرهان في يناير/كانون الثاني الماضي -لم ينفذ عمليا- يضع قوات الدعم السريع تحت إشرافه المباشر باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وسيكون قائدها مساعدا له ضمن مساعدين آخرين.

رسائل داخلية وخارجية

في هذا السياق، يقول الباحث في الشؤون العسكرية محمد صالح الأزرق إن البرهان أراد من تمسّكه بدمج الدعم السريع في الجيش توجيه رسائل داخلية إلى المؤسسة العسكرية، وطمأنتها بأنها ستكون القوة العسكرية الوحيدة في البلاد، ولا منافس لها في امتلاك القوة.

وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد الأزرق أن البرهان سعى إلى الرد عمليا على القيادات العسكرية التي تتهمه بالاستجابة إلى ضغوط دفعته للتوقيع على الاتفاق الإطاري الذي يضع قوات الدعم السريع على قدم المساواة مع الجيش، وتوقيع قائدها على الاتفاق إلى جانب قائد الجيش، على الرغم من أنه تابع له بحسب القانون.

وأضاف أن البرهان أراد أيضا الرد على بعض القيادات السياسية في تحالف قوى الحرية والتغيير، ممن يحاولون نسج تحالف مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" في مواجهة قائد الجيش.

وأضاف أن بعض هؤلاء يدعون إلى تفكيك الجيش باعتبار أن ولاء كبار قادته للتيار الإسلامي وأنصار النظام السابق، ويقترحون أن تكون قوات الدعم السريع نواة للجيش الموحد القومي، كما نادى بذلك القيادي في قوى التغيير رئيس الحركة الشعبية- التيار الثوري ياسر عرمان.

ويرى صالح أن البرهان يريد كذلك توجيه رسائل عابرة للحدود إلى الإدارة الأميركية والعواصم الأوروبية، بخصوص قلقها من تعاون قوات الدعم السريع مع روسيا عبر شركة فاغنر لتوسيع النفوذ الروسي في الدول الأفريقية، خصوصا في دول الساحل والغرب الأفريقي، وأن يطمئن كذلك عواصم خليجية متخوفة من نفوذ الإسلاميين في المؤسسة العسكرية، خاصة أنه عاد قبل 3 أيام من زيارة رسمية إلى دولة الإمارات.

الدعم السريع يتريث

وسعت الجزيرة نت إلى استنطاق قوات الدعم السريع، لكن مسؤولا في إدارة الإعلام والتوجيه قال إنهم لا يزالون يدرسون خطاب البرهان، ولم يقرروا بشأنه بعد، ولم يصلهم أي توجيه من حميدتي الموجود في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور منذ يومين، مؤكدا أن حميدتي أكد أكثر من مرة استعدادهم للاندماج في المؤسسة العسكرية، ولم تعد قضية خلافية.

أما قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، فرأت أن مواقف البرهان الجديدة لا تعنيها.

وقال القيادي في التحالف والمتحدث باسم حزب الأمة القومي أحمد المصباح، إن وضع قوات الدعم السريع تم حسمها في الاتفاق الإطاري الذي نص بصورة واضحة على جيش واحد بعقيدة جديدة ودمج الدعم السريع فيه، وكذلك مقاتلي الحركات المسلحة، وعبر الترتيبات الأمنية كما وردت في اتفاق جوبا لسلام السودان.

وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر المصباح أن ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي ترعاها الآلية الثلاثية الأممية الأفريقية خلال الأسابيع المقبلة ضمن قضايا الاتفاق النهائي لحل الأزمة السياسية، ستضع الإطار الموضوعي والزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وسيحدد العسكريون الآليات الفنية للدمج.

جدير بالذكر أن قوات الدعم السريع نشأت عام 2013 بقرار من الرئيس السابق عمر البشير، وذلك بعد تمدد حركات التمرد في دارفور وامتداد نشاطها إلى إقليم كردفان وتهديدها العاصمة الخرطوم.

وفي البداية، كانت قوات الدعم السريع تتبع جهاز الأمن والمخابرات ثم رئاسة الجمهورية، وفي عام 2017 أصدر البرلمان قرارا بنقل تبعيتها إلى الجيش لتعمل تحت إمرة رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو رأس الدولة.

المصدر : الجزيرة