125 عاما على المؤتمر الصهيوني الأول.. أزمات وتحديات تنذر بتفكك الدولة اليهودية

الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ (يمين) يصل إلى سويسرا للمشاركة في مراسم إحياء الذكرى الـ125 للمؤتمر الصهيوني الأول (مكتب الصحافة الإسرائيلي الحكومي)

القدس المحتلة- على مدار 3 أيام أحيا قرابة 1400 شخص من قادة الحركة الصهيونية والنخب السياسية تقدمهم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في العاصمة السويسرية بازل الذكرى الـ125 لانطلاق المؤتمر الأول للحركة الصهيونية، حيث تزامن ذلك مع ما يزيد على 74 عاما على نكبة الشعب الفلسطيني وإقامة دولة إسرائيل.

ومع احتدام الصراع في فلسطين التاريخية وعجز قادة الدولة العبرية عن حسمه لصالح المشروع الصهيوني، وعودة مشروع التحرر الفلسطيني للواجهة مجددا وتصاعد وتيرة المقاومة الفلسطينية المسلحة اختار قادة إسرائيل العودة إلى قاعة "شتاتكاسينو" في بازل، حيث أطلق تيودور هرتزل الحركة الصهيونية ورؤيتها لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين.

حمل إحياء الذكرى الـ125 لمؤتمر الحركة الصهيونية في أوروبا وليس بفلسطين التاريخية في طياته العديد من الرسائل التي عكست التحديات الداخلية التي تواجه المشروع الصهيوني وديمومة الصراع مع الشعب الفلسطيني رغم مرور 74 عاما على النكبة وتهجير الشعب الفلسطيني، وواقع الدولة اليهودية وإمكانية تعايشها واستمرارها في الشرق الأوسط، ومطالبة أوروبا مواصلة الدعم غير المحدود لإسرائيل ماديا وسياسيا وعسكريا.

مخاوف عديدة داخل إسرائيل من انهيار "الدولة اليهودية" (الفرنسية)

تقويض وانهيار

وفي تقدير موقف أعده 3 باحثون من المركز متعدد التخصصات بجامعة "رايخمان" في هرتسيليا حيال التحديات التي تواجه المشروع الصهيوني ومستقبله والصراع مع الفلسطينيين قدروا اعتمادا على استطلاعات جديدة أجروها بمناسبة الذكرى الـ125 لانطلاق المؤتمر الصهيوني الأول بأن "الجمهور اليهودي في إسرائيل ليس مدركا بأن الدولة تتجه نحو واقع قد يؤدي إلى تقويض وانهيار المشروع الصهيوني برمته".

ووفقا لتقدير الموقف الذي أعده كل من الباحث الجغرافي شاؤول أريئيلي والمحاضر في علم النفس غلعاد هيرشبرغر والمحاضرة في العلوم السياسية سيفان هيرش، فإن "الجمهور الإسرائيلي مصاب بالعمى، ويجهل حقيقة التحديدات المستقبلية المحدقة، والتي من شأنها التأثير على مصير وطبيعة الدولة العبرية".

وبحسب الاستطلاعات التي أجرتها جامعة "رايخمان"، فإن 80% من اليهود يعارضون وبشدة حل الدولة الواحدة التي تكون فيها حقوق متساوية لليهود والفلسطينيين، ويعتقدون أن حل الدولة الواحدة ليس واردا وأنه لا خوف من تحول إسرائيل إلى دولة "أبارتهايد"، فيما أعرب 33% من اليهود عن تأييدهم وجود دولة يهودية غير ديمقراطية بين النهر والبحر (فلسطين التاريخية).

وتطرق تقدير الموقف إلى المشروع الصهيوني وإلى استطلاعات للرأي أجريت بين الأعوام 2018 إلى 2022، وتمحورت حول الحلول السياسية الممكنة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد أيد أكثر من 60% من اليهود حلولا بالانفصال عن الفلسطينيين من خلال اتفاق أو انفصال أحادي الجانب واستمرار الوضع الحالي، أو ضم الضفة مع إبقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية حتى التوصل إلى حل دائم.

وأوضح الباحثون في تقدير الموقف أنه خلافا لقرارات كثيرة اتخذتها الحركة الصهيونية بشأن تقسيم فلسطين التاريخية من 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 (تاريخ قرار تقسيم فلسطين) وحتى خطة "صفقة القرن" للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2020 لم تتخذ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قرارا بتبني حل الدولة الواحدة، كما أن الكنيست الإسرائيلي لم يبحث أبدا في احتمال كهذا.

إسرائيل وفلسطين

من جانبه، يعتقد الباحث في الثقافة والأدب العبري الطيب غنايم أن عودة قادة إسرائيل إلى بازل للاحتفال بذكرى إطلاق الحركة الصهيونية بمثابة تسويق يهودي صهيوني أمام العالم وأمام المجتمع الإسرائيلي للدولة العبرية وتبرير وجودها، وفي الوقت ذاته يمكن اعتبار اختيار المكان على أنه دلالة على أزمة إسرائيل الداخلية والخارجية لتبرير سياساتها أمام العالم، في ظل تصاعد ما تعتبره خطرا إيرانيا محتما قادما عليها.

وردا على سؤال للجزيرة نت إذا ما يتلاءم واقع إسرائيل اليوم في فلسطين والشرق الأوسط مع هذا الزمن الطويل والدعم غير المحدود من العالم للمشروع الصهيوني أجاب غنايم "قطعت إسرائيل شوطا طويلا جدا منذ إعلان مؤتمر بازل الصهيوني الأول، إلا أن الصهيونية عموما ومؤسسات دولة إسرائيل توجد في أزمات جادة لا يستهان بها وبثقلها".

وعزا الطيب ذلك إلى التيارات اليهودية المختلفة التي تقف متناحرة داخل الدولة، مما يشل عملها وأداءها، وفي سياق الصراع مع الشعب الفلسطيني فقد نجح الاستيطان الصهيوني الموجود على أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967 في أن يفرض نفسه على إسرائيل ومؤسساتها، ويحول دون تطبيق حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أجزاء من فلسطين التاريخية.

تحديات وتهديدات

أما بخصوص التحديات التي تواجه إسرائيل والمشروع الصهيوني في فلسطين، يقول الطيب غنايم إن التحدي الأكبر لإسرائيل هو مواصلة احتلال الضفة ومحاصرة قطاع غزة، الأمر الذي يستنفد جل طاقاتها والميزانيات والموارد البشرية للحفاظ على الوضع الراهن والسيطرة على هذه الأراضي المحتلة، عدا عن تحدي إيران النووية وحماس وحزب الله وهما أقرب تهديدين عسكريين ماثلين أمام إسرائيل.

ويعتقد غنايم أن "إسرائيل توجد في أخطر تصدعات بنيوية داخلية، إذ باتت منشقة اليوم بين يهود شرقيين ويهود أشكناز (قادمون من دول أوروبا الغربية)، بين متدينين (حريديم) وعلمانيين، بين مستوطنين وسكان داخل الخط الأخضر، إذن إن تديين إسرائيل هو خطر كبير عليها وعلى الحركة الصهيونية العلمانية، لأن التيار الديني آخذ في التعاظم ديمغرافيا وأيديولوجيا".

وشخّص الباحث في الشؤون الإسرائيلية أستاذ العلوم السياسية صالح لطفي واقع إسرائيل اليوم في فلسطين والشرق الأوسط والعودة إلى بازل للاحتفال بالمؤتمر الصهيوني الأول، وقال إن "ذلك يعكس ديمومة الصراع مع الفلسطينيين والعرب وتحديات المشروع الصهيوني ومخاطر اندثاره، وعليه يذهبون إلى أوروبا حيث تلتقي مصالحهم مع الدول الاستعمارية -وعلى رأسها بريطانيا- من أجل المطالبة بمزيد من الدعم".

ويرى أن الاحتفاء بالذكرى الـ125 للصهيونية في بازل وليس في تل أبيب بمثابة رسالة من إسرائيل إلى أوروبا لتجديد وصاية الغرب لضمان سيرورة واستمرارية المشروع الصهيوني ومطالبتها بالحماية في الشرق الأوسط، ومواصلة الدعم المالي والاقتصادي والعسكري، في ظل ما تصفه الدولة العبرية بالتحديات والتهديدات الإستراتيجية للأمن القومي التي تنذر باختفاء المشروع الصهيوني عن خريطة الشرق الأوسط.

وأوضح لطفي في حديثه للجزيرة نت أن المشروع الصهيوني وإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين تحت "ذريعة الدين والتوراة" تما برعاية إمبريالية بريطانية التي وظفت المال اليهودي واستثمرته في شركات استعمارية حول العالم وفي الشرق الأوسط، وفلسطين خصوصا.

وأكد الباحث بالشؤون الإسرائيلية أن هناك علاقة جذرية بين المال اليهودي والخروج من "الغيتو"، وعلى هذا الأساس أُسست الحركة الصهيونية من أجل إخراج اليهود من العبودية من أوروبا وروسيا خصوصا، مشيرا إلى أن الحركة الصهيونية بطبيعتها علمانية ملحدة وتتناقض مع الديانة اليهودية، مما يؤكد أن اللاهوت البريطاني أسسها وأوصى بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين لخدمة مشروعه الاستعماري في الشرق الأوسط.

المصدر : الجزيرة