السودان.. تحالفات سياسية متناسلة وخلافات لا تنتهي

"تحالف قوى التغيير الجذري" الجديد بزعامة الحزب الشيوعي هو آخر الائتلافات السودانية التي تشكّلت لإسقاط الحكومة العسكرية. التقرير يستعرض رحلة التحالفات السياسية بين الأحزاب والقوى السودانية التي لا تلبث أن تتغير بتغير مجريات الأحداث لأنها تحالفات وقتية قائمة على الحد الأدنى من التوافق.

Protesters gather during a rally against military rule in Khartoum North
تحالف القوى السياسية المناهضة لحكم العسكر يتغير في الشارع وفقا لتطورات الأحداث (رويترز)

الخرطوم – أُعلن في الخرطوم الأحد الماضي عن ميلاد ائتلاف سياسي جديد بزعامة الحزب الشيوعي تحت لافتة "تحالف قوى التغيير الجذري"، ويسعى التحالف لإسقاط الحكومة العسكرية. وينضم بذلك لمجموعة من التحالفات والتنظيمات التي تنشط في الساحة السودانية تحت أهداف متباينة، وإن كان غالبها ينادي بإنهاء حكم العسكر وتأسيس سلطة مدنية كاملة.

الأمين العام للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب خلال مؤتمر صحفي لإعلان "تحالف التغيير الجذري" (الجزيرة)

تاريخ من التحالفات

عرف السودان التحالفات الحزبية منذ خمسينيات القرن الماضي. وخلال معارضة الأحزاب السياسية لحكومة الرئيس المعزول عمر البشير، تأسس التجمع الوطني الديمقراطي الذي مثل وقتها أكبر ائتلاف لمعارضة السلطة الحاكمة سياسيا وعسكريا، مستمدا قوته من الحركة الشعبية التي كانت تقاتل نظام البشير في جنوب السودان.

كما أسست أحزاب الأمة والاتحادي والتحالف الديمقراطي أذرعا عسكرية، إلا أن تأثيرها على الأرض لم يكن قويا مقارنة بالحركة الشعبية التي كانت تحارب بضراوة بجنوب السودان تحت قيادة زعيمها الراحل جون قرنق.

وفي العام 2005 وقعت الحكومة السودانية اتفاقا للسلام الشامل مع الحركة الشعبية لإنهاء الحرب، وفي السنة ذاتها تم التوقيع على ما عرف بـ"اتفاقية القاهرة" مع التجمع الديمقراطي لوقف المشاحنات السياسية. لتبدأ نهاية رحلة هذا الائتلاف الكبير.

لكنّ عددا من مكوناته استمرت بعدها في معارضة السلطة منفردة، خاصة بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011، إذ عادت تلك الأحزاب لتنظيم تكتلات معارضة من خارج البلاد تحت اسم "تحالف جوبا"، الذي لم يصمد كثيرا.

وانتقلت غالبية الأحزاب في العام 2009 لتكوين ائتلاف "قوى الإجماع الوطني"، الذي ضم 17 حزبا معارضا أبرزها حزب "المؤتمر الشعبي" ذو التوجه الإسلامي وحزب "الأمة" القومي والشيوعي و"الحزب الناصري" و"البعث" وغيرها.

بعد نحو 3 سنوات تصدّع هذا التحالف، فخرج منه "المؤتمر الشعبي" إثر خلافات عاصفة مع مكوناته بسبب توصيف ما جرى في مصر بعد الإطاحة بحكومة الرئيس المصري المنتخب وقتها محمد مرسي، إذ رفض عدد من الأحزاب في قوى الإجماع اعتبار ما حدث "انقلابا" وعارضت إدانته.

كما خرجت من "ائتلاف قوى الإجماع" أحزاب "الأمة" و"المؤتمر السوداني" و"البعث" بعد احتدام الخلافات في قضايا عديدة، واتجه عدد منها للتواصل مع حركات مسلحة كانت تقاتل حكومة البشير في دارفور (غرب) والنيل الأزرق وجنوب كردفان (جنوب)، ليتم التوافق في العام 2014 على تأسيس كيان جديد باسم "نداء السودان"، وقّع قادته على ميثاق يهدف لإسقاط النظام الحاكم والتأسيس لدولة ديمقراطية، كما تم تأسيس "تحالف الجبهة الثورية" من قوى مسلحة ومدنية.

مواقف "براغماتية وقتية"

واللافت أن هذه التحالفات كلها كانت تؤسس على الحد الأدنى من الاتفاق، لذا سرعان ما تنفضّ حينما يصل كل طرف لمبتغاه، وهو ما حدث حين أنهت "الحركة الشعبية" بزعامة جون قرنق تحالفها مع أحزاب "التجمع الوطني" فور توصّلها لصفقة السلام بتوقيع اتفاقية "نيفاشا" مع نظام البشير. أما أحزاب التجمع التي وقعت "اتفاق القاهرة" ودخلت البرلمان، فخفت حدّة معارضتها للسلطة عمليا.

ووفقا للمحلل السياسي علاء الدين بشير، فإن معظم التحالفات في الساحة تبنى على صيغة "الحد الأدنى"، وهو ما يُصعب من استمرارها.

ويضيف بشير للجزيرة نت "لأنها لا تستند على مبادئ فكرية صلبة وإنما تنبني على مواقف براغماتية وقتية، سرعان ما تنفض. ولذلك لا تصلح كصيغة للعمل السياسي في بلد لم تنهض فيه العملية السياسية على مبادئ دستورية متفق عليها".

والشاهد أن "ائتلاف الحرية والتغيير" الذي أعلن في يناير/كانون الثاني 2019 ووقّع عليه 74 حزبا وجسما من المكونات الفئوية والمهنية وقوى مسلحة، تقزّم دوره مع خلافات مكوناته، مقابل صعود أجسام جديدة على رأسها "لجان المقاومة" وكيان "غاضبون بلا حدود"، تتبنى الدعوة للاحتجاجات شبه المستمرة ضد السلطة العسكرية منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

فمنذ مفاوضات السلام التي بدأتها الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة، التي هي جزء من الائتلاف الكبير، بدأت المشاحنات تظهر بين الحلفاء، لكن الأمر تطوّر بعد ما عُرف بـ"انقلاب" قائد الجيش على الحكومة المدنية بتأييد القوى المسلحة للإجراءات، إذ اعتبرها رئيس "حركة تحرير السودان" مني أركو مناوي ورئيس "حركة العدل والمساواة" جبريل إبراهيم خطوات تصحيحية للحد من سيطرة أحزاب بعينها على القرارات.

مراسم توقيع الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في يوليو/تموز 2019
مراسم توقيع الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في يوليو/تموز 2019 (الجزيرة)

انقسامات "الحرية والتغيير"

وعمدت هذه الحركات تؤيدها أحزاب مدنية للإعلان عن كيان باسم الحرية والتغيير -التوافق الوطني- ليكون في مواجهة مجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير التي تعارض العسكر وتؤيد الاحتجاجات الشعبية ضده، ويقودها أحزاب أبرزها "الأمة القومي" و"المؤتمر السوداني" و"التجمع الاتحادي".

ومن ائتلاف الحرية والتغيير العريض خرجت كذلك مجموعة القوى الوطنية بعد أن قرر الائتلاف فصل اثنين من قادة التنظيمات هما يوسف محمد زين وحيدر الصافي بذريعة التواصل مع المكون العسكري.

كما انقسم "تجمّع المهنيين" لفصيلين يؤيد أحدهما "مجموعة المجلس المركزي"، في حين اختار الثاني صفّ الحزب الشيوعي الذي انفصل باكرا عن الحرية والتغيير وتبنى معارضة حكومتها التي رأسها عبد الله حمدوك، والسعي لإسقاطها.

قوى جديدة

أعلن "الحزب الشيوعي" الأحد الماضي عن تحالف جديد باسم "قوى التغيير الجذري" ضم لجانبه 12 من الأجسام المهنية والفئوية بما في ذلك المفصولون من الشرطة تعسفيا، واتحاد مزارعي الجزيرة، والاتحاد النسائي، إضافة إلى أسر الشهداء وأحد فصيلي تجمع المهنيين.

وفي مايو/أيار الماضي، تحدّث قادة الشيوعي عن اقتراب تأسيس ما أطلقوا عليه "تحالف الأقوياء" لإسقاط "الانقلاب"، في أعقاب مشاورات مع الحركة الشعبية (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، لكن أيا من الحركتين لم تنضم للتحالف الوليد حتى الآن، كما لم تشارك فيه قوى سياسية معروفة.

وعلى الجانب الآخر تنشط تحالفات محسوبة على النظام المعزول باعتبار أن قادتها ممن شاركوا في حكومة البشير، أبرزها "تحالف البرنامج الوطني" برئاسة التجاني السيسي، كما يبرز "ائتلاف التيار الإسلامي" العريض الذي يضم تيارات إسلامية وسلفية لا تخفي تأييدها للمكون العسكري.

المصدر : الجزيرة