استهدفت مطاردين.. كيف أعادت عملية نابلس مشاهد الاجتياح والمقاومة قبل 22 عاما؟

حشود واسعة شاركت في تشييع شهيدي الاشتباك مع الاحتلال في نابلس، وظهر خلالها عشرات المقاومين المسلحين، بينهم إبراهيم النابلسي أبرز المطلوبين للاحتلال والمستهدف المباشر من العملية العسكرية فجر اليوم الأحد.

المنزل الذي تحصن به مقاومون فلسطينيون خاضوا اشتباكا دام ساعات مع قوات إسرائيلية خاصة في البلدة القديمة لمدينة نابلس فجر اليوم الأحد (الأناضول)

نابلس- ظهر اليوم الأحد، بدا المشهد كأن نابلس، كبرى مدن شمال الضفة الغربية، خرجت عن بكرة أبيها لتشييع اثنين من شهدائها بجنازة اعتلى فيها الحزن وجوه آلاف تقاطروا من كل حدب وصوب، وملأ صوت رصاص المقاومين فراغ الشوارع والأسواق التي أعلنت الحداد التام.

ومن حيث وصل جثمانا الشهيدين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، في مستشفى رفيديا الحكومي، انطلق الموكب الجنائزي، وحُمل الشهيدان على الأكتاف يتقدمهم عشرات المسلحين الغاضبين، وأغلقت المحال التجارية، وعمّ الإضراب الشامل حدادا واستجابة لدعوات أطلقتها القوى الوطنية عبر مكبرات المساجد.

وعند دوار الشهداء في مركز المدينة، أقيمت صلاة الجنازة بمشاركة عشرات الآلاف، قبل مواراتهما الثرى في "المقبرة الغربية"، ووسط هتافات كان عنوانها تكريم الشهداء والدعوة للثأر والانتقام لهم.

وعكست مشاركة حشود واسعة في التشييع وظهور عشرات المقاومين المسلحين، بينهم إبراهيم النابلسي الذي ظهر مميطًا اللثام عن وجهه وهو أبرز المطلوبين للاحتلال بنابلس والمستهدف المباشر من العملية العسكرية فجر اليوم الأحد، حجم الغضب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي والاستعداد لأي مواجهة قادمة.

جانب من تشييع الشهيدين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح وسط مدينة نابلس (رويترز)

اشتباك دام ساعات

تشير المعلومات التي حصلت عليها الجزيرة نت إلى أن قوات خاصة إسرائيلية اقتحمت حي الياسمينة بالبلدة القديمة وسط نابلس قرابة الساعة الثانية فجرا، بشاحنة مدنية بيضاء مغلقة (برَّاد لنقل المجمدات)، وحاصرت منزلا كانت فيه مجموعة مقاومين تصفهم إسرائيل بـ"المطلوبين".

وبعد انكشاف أمر الوحدة الخاصة، سارع جيش الاحتلال لإطلاق النار بكثافة تجاه المقاومين وأغلق المنطقة المستهدفة منعا لوصول مسلحين آخرين لمساندة المحاصرين.

ولكن جنود الاحتلال قوبِلوا بتصدّ كبير من المقاومين الفلسطينيين الذي خاضوا اشتباكات عنيفة دامت ساعات وأدت إلى انسحاب عدد منهم بسلام، واستشهاد الشابين صبح والعزيزي، وإصابة 10 آخرين وصفت جراح أحدهم بالخطرة.

ووفقا للباحث محمد أبو علان المتتبع للإعلام الإسرائيلي، فإن العملية العسكرية استمرت نحو 5 ساعات، بينها 3 ساعات شهدت اشتباكات مستمرة بين المقاومين وجنود الاحتلال.

ونقل علان عن المصادر العبرية أن العملية العسكرية استهدفت اعتقال خلية "بحوزتها كميات كبيرة من السلاح"، إضافة إلى المطارد الأبرز إبراهيم النابلسي.

وأوضح أبو علان للجزيرة نت أن انكشاف أمر القوات الخاصة أدى إلى تعزيز وجود الاحتلال ومدّ الوحدات الخاصة بأعداد كبيرة من الجنود، في حين شارك في العملية عناصر من وحدة اليمام (مخصصة للاغتيالات غالبا) وأخرى للشاباك (المخابرات)، فضلا عن استخدام الطائرات المسيرة (الزنانة) التي كانت ترصد المكان طوال العملية.

المعركة الأبرز منذ 20 عاما

وعكست أعداد الجنود الكبيرة واستخدام صواريخ "لاو وماتادور" في قصف البيت الذي تحصّن به المقاومون حجم العملية العسكرية وخطورتها وفق الباحث محمد أبو علان، وهو ما أظهره حجم الدمار الذي خلفته الاشتباكات والقصف صباحا، والذي أدى إلى حرق عدد من المحال التجارية والمركبات.

ورجّح أبو علان أن المعركة ستأخذ صدى إعلاميا كبيرا؛ فقد أعادت إلى الذاكرة مشهد العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة في المدينة قبل نحو 20 عاما وبالتحديد فيما عرف بـ"اجتياحات عام 2002″، إذ "شهدت مدينة نابلس آخر عملية اشتباك موسعة وضخمة بهذا الشكل، استخدم فيها الرصاص وشاركت فيها وحدات مختلفة من الجيش والصواريخ".

وهذا ما أكده مواطنون تحدثت إليهم الجزيرة نت بقولهم إن ما وقع اليوم أعادهم لمشهد الاجتياح الإسرائيلي لنابلس في 2002 وتحديدا للبلدة القديمة منها، والذي أدى حينئذ إلى استشهاد عشرات المقاومين الفلسطينيين وإلى دمار واسع في المنطقة التي تضم مباني وأحياء تاريخية.

- عملية نابلس العسكرية
الآلاف شاركوا في تشييع شهيدي العملية العسكرية بالبلدة القديمة وسط مدينة نابلس (الجزيرة)

عملية خطيرة ضمن "كاسر الأمواج"

ورغم ذلك، أقرّ بعض المعلقين الإسرائيليين أن وجود المطلوبين في البلدة القديمة أو "عش الدبابير" كما وصفها الاحتلال اليوم، يصعّب الوصول إليهم، ويحتاج إلى معلومات استخبارية دقيقة، فأي وجه غريب في هذه الأحياء يثير الشبهة ويزيد من خطورة أي مشارك في عملية ضدهم.

كما أظهر حجم الاشتباكات في نابلس وانتشار المسلحين على أسطح المنازل وفق تقديرات الاحتلال مدى "خطورة المسلحين الفلسطينيين" الذين باتوا ينتشرون بكثافة في المدن والمخيمات الفلسطينية، لا سيما في نابلس وجنين.

وتندرج عملية اليوم، حسب الباحث أبو علان، تحت إطار العملية الأكبر التي أطلقها جيش الاحتلال في أواخر مارس/آذار الماضي تحت عنوان "كاسر الأمواج" والتي استهدفت اعتقال أو تصفية متهمين بتنفيذ أو منفذين محتملين لعمليات ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، عقب سلسلة عمليات فدائية داخل "الخط الأخضر" أدت إلى مقتل وجرح العديد من الإسرائيليين.

ويبيّن أبو علان أن تقديرات الاحتلال تشير إلى "ارتفاع كبير بحجم عمليات المقاومة وتزايد عدد التحذيرات حول ذلك". ويربط الاحتلال ذلك "بحالة الإحباط التي عاشها الفلسطينيون خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن وعدم حصولهم على أي مكاسب منها".

 

 

كتيبة نابلس

ويُعدّ إبراهيم النابلسي أبرز المطلوبين لقوات الاحتلال، وهو الناجي الوحيد من "عملية الاغتيال" التي استهدفت 3 مقاومين بحي المخفية غرب مدينة نابلس مطلع فبراير/شباط الماضي، واليوم كانت المرة الثانية التي ينجو فيها.

وتتهمه إسرائيل مع مقاومين آخرين باتوا يُعرفون بـ"كتيبة نابلس" (على غرار كتيبة جنين) بالوقوف خلف عمليات إطلاق النار على جيش الاحتلال والمستوطنين خلال اقتحامهم "لقبر يوسف" في شرق نابلس، وكان آخرها قبل 3 أسابيع حين أصيب 4 مستوطنين، ورئيس لواء السامرة في الجيش الإسرائيلي روعي تسافاج.

وكان واضحا خلال تشييع رفيقيه ظهر اليوم الأحد حجم الالتفاف الشعبي الذي يحظى به الشاب العشريني الذي تعهّد في فيديو نشر سابقا بأن يستمر على درب الشهداء، وبعدم تسليم نفسه تحت أي ظرف حتى لو تعرّض للاغتيال، وقال "هذا طريقي أسير فيه حتى تحرير فلسطين".

المصدر : الجزيرة