حين أخفقت إسرائيل في القضاء على المقاومة.. 20 عاما ولا تزال معركة مخيم جنين مستمرة

مثّل الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين في الثالث من أبريل/نيسان 2002 انتصارا للمقاومة بالرغم من قدراتها المحدودة. فهذه المعركة التي خلقت تضامنا شعبيا ودوليا، حولت المخيم إلى أيقونة مقاومة.

فلسطين- عزيزة نوفل- مخيم جنين- صورة من العرض العسكري المسلحين يحملون صورة أحد قادة معركة مخيم جنين محمود طوالبة مواقع التواصل
ضمن عرض عسكري مسلحون يحملون صورة محمود طوالبة أحد قادة معركة مخيم جنين مواقع التواصل (مواقع التواصل)

جنين – خلال العرض العسكري في مخيم جنين في الذكرى الـ20 لمعركة جنين -التي وقعت في الثالث من أبريل/نيسان2002- شارك ابن المخيم "خليل طوالبة" ورفاقه صائب عباهرة وسيف أبو لبدة، بلباسهم العسكري وبنادقهم حاملين صورة أحد أبرز قادة المعركة "محمود طوالبة" قائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وأحد أبناء عمومته.

ظهور المقاومين الثلاثة وغيرهم من المسلحين الذي جابوا أزقة المخيم بسلاحهم وصور الشهداء التي رفعوها، كان كافيا لتغيير مزاج أهالي المخيم ورفع معنوياتهم في ظل حالة الحداد على سقوط شهيدين أحدهما من المخيم، خلال محاولات الاحتلال لاقتحامه الخميس الماضي.

وبعد خروج المقاومين الثلاثة من المخيم بساعات اغتالتهم إسرائيل عبر تتبع مركبتهم بالقرب من بلدة عرابة شرق جنين. وقالت إسرائيل إن "الشهداء الثلاثة نفذوا مؤخرا عملية إطلاق نار في منطقة طولكرم، كما خططوا لتنفيذ المزيد من الهجمات في المستقبل القريب".

هذه الحالة هي حال المخيم الذي يعيش حالة نضال جماعية مستمرة على وقع دماء الشهداء والجرحى والاشتباكات التي تقع مع كل محاولة فاشلة لاقتحام المخيم، وخاصة بعد هبة مايو/أيار 2021 وعملية نفق الحرية التي سلطت الضوء على المخيم.

فلسطين-عزيزة نوفل- مخيم جنين- مدخل المخيم حيث قائمة باسماء شهداء المخيم- خاص بالجزيرة_
مدخل المخيم حيث يوجد قائمة بأسماء شهداء المخيم (الجزيرة)

محاولات فاشلة

بين استشهاد طوالبة الأول والثاني 20 عاما هي عمر معركة جنين ضمن ما عرف إسرائيليا بعملية السور الواقي، التي سخرت إسرائيل خلالها كل قواها العسكرية والأمنية لاجتثاث المقاومة في المخيم خلال 15 يوما من الحصار والقتل والهدم. حاولت إسرائيل خلالها تطويع المخيم ومحو مقاومته، إلا أن أبناء المخيم رمموا مقاومتهم مع ترميم بيوتهم.

ففي الثالث من أبريل/نيسان 2002 اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين بقوات كبيرة من الجيش والمشاة والدبابات بعد تطويقه بالكامل وهو اجتياح استعدت له المقاومة جيدا إلى جانب معرفتها بالاستهداف الكبير للمخيم الذي خرج منه عشرات من منفذي العمليات التي أوجعت إسرائيل.

تمثل هذا الاستعداد بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من كافة الفصائل بقيادة الشهيد طوالبة وغيره من قادة الأجنحة العسكرية للفصائل، والتي استطاعت تجهيز 200 مقاوم مسلحين بالبنادق والعبوات بدائية الصنع.

ومع بدء الاجتياح الذي أشرف عليه بشكل استثنائي "رئيس أركان جيش الاحتلال "شاؤول موفاز"، نصب المقاومون الكمائن المفخخة في أزقة المخيم التي تسببت بمقتل عدد من الجنود، أوقع أحدها 13 جنديا إسرائيليا وأصيب 15 جنديا، وهو ما جعل الاحتلال يغير خططه ويقرر هدم جزء من المخيم وتسويته بالأرض، وهو المنطقة التي كان يتحصن بها المقاومون.

دمر الاحتلال 455 منزلا بالكامل، و800 منزلا بصورة جزئية، واستشهد 58 من أبناء المخيم معظمهم من غير المقاومين، حيث كان يستخدمهم دروعا بشرية خلال محاولته التوغل في المخيم، واعتقال المئات من أبنائه، في مجزرة طالت البشر والحجر، وهزت الرأي العام العالمي.

بالمقابل قتل خلال هذه المعركة 50 جنديا وأصيب العشرات، مما جعلها من أكثر المعارك التي دفعت فيها إسرائيل ثمنا. وحاولت إسرائيل التقليل من هذا الثمن بالإعلان عن نجاحها باجتثاث المقاومة في المخيم وأنها خطوة لا بد منها للقضاء على "عش الدبابير"، كما تصف المخيم، ووقف العمليات التي تخرج منه.

المقاومة هدأت لكن لم تتوقف

على أرض الواقع، مثّل الاجتياح انتصارا للمقاومة بالرغم من قدراتها المحدودة. فهذه المعركة التي خلقت تضامنا شعبيا ودوليا، حولت المخيم إلى أيقونة مقاومة. ولم يمض الكثير من الوقت حتى عادت العمليات العسكرية للخروج من المخيم، كما يقول جمال حويل ابن المخيم وأحد مقاتلي المعركة، حيث اعتقل 11 عاما.

حويل الذي وثق تفاصيل المعركة في كتاب صدر تزامنا مع الذكرى الـ 20 لها بعنوان "معركة مخيم جنين الكبرى 2002: التاريخ الحي"، أضاف للجزيرة نت أن إسرائيل حاولت من خلال اجتياح المخيم خلق حالة ردع، ولكن فلسطينيا تحول المخيم لأيقونة.

وأرجع حويل هدوء المقاومة في المخيم في بعض السنوات إلى إعطاء فرصة للمسار السياسي مع عودته من جديد بين عامي 2004 و2006 وما رافقها من تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

ويرى حويل أن ما يميز المخيم منذ احتلال الضفة الغربية وحتى الآن في مقاومته للاحتلال وجعله علامة فارقة في المقاومة في جميع مراحل النضال الفلسطيني، هو أن الهوية الجمعية لأبنائه هي اللجوء وليس التنظيم والفصائل، وهي النقطة التي يتوحد حولها الجميع من مختلف الفصائل.

ويعتقد حويل أيضا، أن معركة المخيم كسرت حاجز الخوف لأبنائه أمام جيش الاحتلال، ففكرة "الجيش الذي لا يقهر" التي حاولت إسرائيل زرعها بالقوة والقتل غير موجود في عقول هذا الجيل الذي ينتمي أبناؤه لعائلة قدمت الشهداء، وكبروا وتربوا على سيرهم وبطولاتهم في ذلك الحين.

فلسطين-عزيزة نوفل- مخيم جنين- مدخل المخيم- خاص بالجزيرة نت_
مدخل مخيم جنين الذي شهد واحدة من أشد المعارك قسوة مع الاحتلال الإسرائيلي (الجزيرة)

عوامل أخرى

يتفق المحلل السياسي ساري عرابي مع حويل في أن أحد عوامل قوة المخيم هي حالة الوحدة والانتماء للمخيم وهويته والعلاقات المفتوحة للتنظيمات مع بعضهم البعض، ولكنه أيضا يعتقد أن هناك عوامل أخرى جعلت المخيم يستعيد مقاومته أسرع من باقي المناطق في الضفة الغربية.

من هذه العوامل، كما يقول عرابي للجزيرة نت، تمرد المخيم على السلطة الفلسطينية وتنسيقها الأمني مع الاحتلال، فقبول السلطة الفلسطينية في المخيم أقل من قبولها في مناطق أخرى، وامتدادها في المخيم يتبنى فكرا نقديا ورفضا لسياساتها.

كما أن الفصائل الفلسطينية الموجودة في المخيم متعددة، مع وجود مركزي لحركة الجهاد الإسلامي بالإضافة إلى وجود قوي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومقاوميها، وهو ما يضعف سيطرة الاحتلال على حصار حالة المقاومة لفصيل بعينه، ويعطي فرصة للاستمرارية حال تراجع أحد الفصائل عن المقاومة.

المخيم الرقم الصعب

في إسرائيل يتعامل المستوى الرسمي والأمني والإعلامي مع المخيم على أنه "الرقم الصعب" في الضفة، ولمجرد اقتحامه توضع الخطط التي يتوقع خلالها وقوع إصابات وقتلى في صفوف جيش الاحتلال، كما حدث أمس السبت خلال عملية اغتيال الشهداء الثلاثة، حيث دار اشتباك مسلح مع المسلحين قبل استشهادهم أدى لإصابة 4 من جنود الاحتلال حالة أحدهم خطيرة.

الوحدة بين فصائل المقاومة التي تحدث عنها حويل وعرابي أحد أسباب التخوف الكبير لإسرائيل من المخيم ومقاومته، كما يقول المحلل المتابع للشأن الإسرائيلي عصمت منصور للجزيرة نت.

وتابع منصور "مخيم جنين يعني بالنسبة لإسرائيل حالة إخفاق في ظل انتشار مظاهر التسلح الكبير داخله، وتمركز حركة الجهاد الإسلامي وحماس فيه، وتحوله لحاضنة لكل المقاتلين من جميع الضفة، بالإضافة إلى إخفاق السلطة الفلسطينية في السيطرة عليه.

والحديث عن مخيم جنين والتحريض ضده لا يتوقف في الإعلام العبري، فقد تحول لأيقونة للمقاومة، وخلق حالة استثنائية استوجب من المستوى الأمني الإسرائيلي التعامل معها بشكل مختلف، وهو أيضا ما تبرر به إسرائيل حالة العنف التي تتعامل فيها مع محاولاتها اقتحام المخيم، إلى جانب الدعوات" لسور واقي 2″ والقصد منها اجتياح مخيم جنين فقط.

المصدر : الجزيرة