"مقلوبة النصر" و"الفجر العظيم".. اثنان من الرموز المقدسية الحية في إسطنبول

يعرف عن المجتمع التركي سرعة تجاوبه مع الفعل الفلسطيني عموما وبشكل خاص مع الأحداث التي تشهدها مدينة القدس من محاولات للمستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى ومواجهة المقدسيين لهم بالرباط في الحرم الشريف وساحاته سيما خلال أيام شهر رمضان المبارك.

تركيا - إسطنبول - خليل مبروك - المشاركون في وقفة تضامنية بعد صلاة الفجر العظيم في جامع السليمانية التاريخي بمدينة اسطنبول - مصدر الصورة وسائل ال
المشاركون بوقفة تضامنية بعد صلاة الفجر العظيم في جامع السليمانية التاريخي بإسطنبول (مواقع التواصل)

إسطنبول- يرتفع صوت أذان المغرب من مئذنة جامع الإمام الأعظم، في منطقة باشاك شهير بإسطنبول، لترتفع معه أكف دعاء عشرات النسوة اللاتي اجتمعن قربه على مأدبة إفطار واحدة عمادها المقلوبة الفلسطينية الشهيرة.

فقد شارك قرابة 250 امرأة بينهن ناشطات فلسطينيات وعربيات وتركيات في إفطار جماعي نسوي السبت تحت عنوان "مقلوبة النصر" ليحاكين إفطار الفلسطينيين المعروفين بولعهم بالمقلوبة كأكلة محلية ذات طابع عائلي عادة ما يتناولونها يوم الجمعة بالتحديد، وهو يوم الإجازة الذي تجتمع فيه العائلات الفلسطينية في منازلها.

ويعرف عن المجتمع التركي سرعة تجاوبه مع الفعل الفلسطيني عموما، وبشكل خاص مع الأحداث التي تشهدها مدينة القدس من محاولات للمستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى الشريف، ومقابلة المقدسيين والفلسطينيين لهم بالرباط في الحرم الشريف وساحاته سيما خلال أيام شهر رمضان المبارك.

كما يهتم سكان المدينة التركية الكبيرة برموز الرباط المقدسي، ويحاولون محاكاتها، ومن بين تلك الرموز المقلوبة الفلسطينية التي تحولت إلى معلم لرباط المقدسيين منذ اشتهار صور المرابطات المقدسيات، أبرزهن خديجة خويص وهنادي الحلواني، وهن يقدمنها في المسجد الأقصى المبارك.

تركيا - إسطنبول - خليل مبروك - سيدة فلسطينية تقلب طنجرة المقلوبة خلال مشاركتها في إفطار مقلوبة النصر في منطقة باشاك شهير - مصدر الصورة خليل مبرو
فلسطينية خلال مشاركتها في إفطار "مقلوبة النصر" بمنطقة باشاك شهير  (الجزيرة)

فلسطين مصغرة

قال اتحاد المرأة الفلسطينية في تركيا إن إفطار "مقلوبة النصر" الذي نظمه في إسطنبول يهدف للسير على خطى المرابطات، ويعد ترميزاً لمسار رباط النسوة وإبراز دورهن في العالم الإسلامي سيما في ظل المواجهات المستمرة في المدينة المقدسة المحتلة وحرم المسجد الأقصى المبارك مؤخرا.

ارتدت المشاركات في إفطار "مقلوبة النصر" زيا فلسطينا تراثيا، واعتمرت بعضهن الكوفية في مشهد وصفته آلاء خضر المديرة التنفيذية للاتحاد بأنه يحاكي أداء المرابطات المقدسيات وهن مجتمعات في ساحات المسجد الأقصى مكبرات في وجوه جنود الاحتلال.

تركيا - إسطنبول - خليل مبروك - آلاء خضر المديرة التنفيذية لاتحاد المرأة الفلسطينية في تركيا خلال مشاركتها في إفطار مقلوبة النصر في منطقة باشاك ش
آلاء خضر المديرة التنفيذية لاتحاد المرأة الفلسطينية بتركيا خلال مشاركتها في إفطار "مقلوبة النصر"  (الجزيرة)

كما كانت فلسطين حاضرة بأعلامها وراياتها التي حملتها المشاركات، وفي الكلمات التفاعلية والأغاني التراثية التي رافقت إفطار الصائمات.

وتقول خضر للجزيرة نت إن اتحاد المرأة الفلسطينية في تركيا يحاول من خلال هذه الفعاليات زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية عبر "زرع فلسطين مصغرة هنا" وإعداد مجتمع يحب فلسطين مستعد للتضحية من أجلها يتكون من مرابطات فلسطينيات وعربيات وتركيات.

وتصف خضر تفاعل المجتمع النسوي التركي مع الحدث الفلسطيني بـ "الرائع" مبينة أن نحو 50 شخصية نسوية تركية ومن الجاليات المختلفة شاركت في "مقلوبة النصر" من بينهن روضة قاوقجي وكيلة حزب العدالة والتنمية الحاكم في إسطنبول والمحامية المعروفة غولدن سونمز وبرلمانيات ومسؤولات مؤسسات رسمية ووزارية وجاليات مختلفة.

ما الرسائل الرمزية لاختيار المقلوبة كرمز للرباط المقدسي؟

سؤال وجهته الجزيرة نت إلى الباحثة والأكاديمية الفلسطينية المقيمة بإسطنبول تغريد صيداوي، وهي إحدى المشاركات في إفطار "مقلوبة النصر" فقالت:

  • لما تشكله المقلوبة من رمزية لهدف لطالما يسعى الفلسطيني من أجل تحقيقه وهو قلب الإرادة والمخططات الإسرائيلية لمدينة القدس والمسجد الاقصى.
  • لم تعد المقلوبة مجرد أكلة شعبية بل أصبحت مصطلحا يتم تداوله في محاكم الاحتلال ويجري التحقيق مع المقدسيات بشأنه.
  • لأن المقلوبة باتت وسيلة من وسائل تأكيد صمود المرأة الفلسطينية وإغاظة المحتل، ففيها محاكاة للمرابطات اللواتي يقلبنها في ساحات المسجد الأقصى وعلى أبوابه.
  • لأنها رمز من رموز التعبير عن الانتصار، حيث أوردت بعض المراجع أنها كانت أكلة النصر بتحرير بيت المقدس عام 1187 في عهد صلاح الدين الأيوبي.
  • هي رمز من رموز اعتزاز شعبنا بتراثه الذي يحاول الاحتلال سرقته وضمه إلى تراثه.
تركيا - إسطنبول - خليل مبروك - مسؤولة حزب العدالة والتنمية باسطنبول مروة قاوقجي تتحدث إلى المشاركات في إفطار مقلوبة النصر في منطقة باشاك شهير -
مسؤولة حزب العدالة والتنمية بإسطنبول روضة قاوقجي تشارك بالإفطار في باشاك شهير (الجزيرة)

الفجر العظيم

وتقول الصيداوي إن المجتمع التركي والجاليات العربية تتفاعل إيجابا مع الحدث المقدسي عبر مشاركاتها أنشطة الجالية الفلسطينية وإبداء تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وتفعيل ذلك بعدة وسائل مثل المشاركة بالفعاليات الفلسطينية وإقامة الوقفات التضامنية والقيام بحملات شعبية مثل حملة "الفجر العظيم".

فها هو يوم الأحد الرابع على التوالي الذي يؤدي فيه مصلون أتراك صلاة "الفجر العظيم" في مسجد السليمانية التاريخي بالشطر الأوروبي لمدينة إسطنبول، وقد صلاه أيضاً آخرون ولكن للمرة الأولى في مسجد مركز باشاك شهير وفي مسجد مدينة قونيا تأسياً بصلاة الفجر التي يصليها الفلسطينيون على نية الرباط في المسجد الأقصى المبارك.

وللفجر العظيم قصة مشهودة في الأراضي الفلسطينية، فقد أطلقه نشطاء منذ أكثر من عام لطلب النصرة للمسجد الأقصى والرباط فيه والتصدي لمحاولات اقتحامه وتدنيسه من قبل المستوطنين، وسرعان ما تحول إلى عنوان للرباط المقدسي ولفت الأنظار إلى ما يتعرض له المسجد المبارك.

وتقول بيري تشتين أوغلو، وهي طالبة في جامعة إسطنبول، إنها جاءت مع شقيقها سيرا على قدميها لأكثر من 20 دقيقة للوصول إلى جامع السليمانية للمشاركة في صلاة "الفجر العظيم" تعبيرا عن مساندتها لـ "إخوتها" الذين يرابطون في المسجد الأقصى المبارك في ذات الوقت.

تركيا - إسطنبول - خليل مبروك - فتيات مشاركات في وقفة تضامنية بعد صلاة الفجر العظيم في جامع السليمانية التاريخي بمدينة اسطنبول - مصدر الصورة وسائ
وقفة تضامنية بعد صلاة "الفجر العظيم" بجامع السليمانية التاريخي في إسطنبول (مواقع التواصل)

وأوضحت للجزيرة نت أنها تهتم مع أفراد عائلتها جميعا بكل ما يحدث داخل فلسطين، وتبحث باستمرار عن أي فعالية يمكنها من خلالها أن تعبر عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني خاصة مع المسجد الأقصى المبارك.

ومثل "مقلوبة الانتصار" يقدم "الفجر العظيم" في تركيا صورة لانتشار التقاليد المقدسية ذات الصلة بالرباط في المسجد الأقصى المبارك أوساط الأتراك والجاليات العربية المقيمة هنا، سيما مع ارتفاع وتيرة المواجهات والأحداث في المدينة المقدسة ومحيطها الفلسطيني بالضفة الغربية.

وللقدس مكانة خاصة في الأجواء الرمضانية التركية حيث يكثر الأتراك الذين يقومون بزيارة هذه المدينة المقدسة للصلاة في الأقصى الشريف، كما يدعو الصائمون للقدس وأهلها على موائد الإفطار والسحور وفي قنوت الوتر من بعد صلاة التراويح، فضلا عن توجيه الكثير من حملات الخير والتبرعات لصالح القدس والرباط فيها.

المصدر : الجزيرة