وحدة ترابية تحت التهديد.. هل ستبقى خريطة أوكرانيا كما كانت قبل الحرب؟

لا يستبعد مراقبون روس أن تتغير جغرافية الدولة الأوكرانية في مرحلة متقدمة من الحرب، لا سيما بعدما أحرقت كافة الجسور بين روسيا والغرب، وغياب أي حلول وسط بين القطبين حيال الأزمة الأوكرانية.

موسكو- مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الثالث، وتلاشي الآمال في تحقيق اختراق سياسي على خط المفاوضات المتعثرة أصلا، وهو ما تجلى بشكل صريح في فشل الهدنة بمناسبة عيد الفصح الأرثوذكسي، بدأت طبيعة المعارك وساحاتها تثير تساؤلات حول إذا ما كانت أوكرانيا ستبقى هي نفسها من الناحية الإقليمية والاجتماعية والديمغرافية، بل وحتى الاقتصادية.

وما عزز من جدية هذه التساؤلات تصريح قائد المنطقة العسكرية المركزية، اللواء رستم مينيكايف، بأن أحد أهداف المرحلة الثانية من العملية الخاصة، تتمثل في بسط الجيش الروسي سيطرته الكاملة على دونباس وجنوبي أوكرانيا، لتأمين ممر بري لشبه جزيرة القرم، فضلا عن "التأثير" على المواقع الحيوية للاقتصاد الأوكراني.

المرحلة الثانية

من هنا يبدو أن موسكو رفعت من سقف رهانها في الصراع مع كييف، من خلال إبراز ورقة المرحلة الثانية من العملية العسكرية، وما تحمله من ثمن قد يكون مكلفا جدا للدولة الجارة. ففرض السيطرة الكاملة على دونباس، وجنوبي أوكرانيا، وتوفير ممر بري لشبه جزيرة القرم، سيشكل- في حال حصوله- أكبر ضربة توجه لوحدة التراب الأوكراني على مدى التاريخ.

كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى ما تضمنته تصريحات اللواء الروسي من أبعاد إضافية للمرحلة الثانية من العملية العسكرية الروسية، عندما قال بأن السيطرة على جنوبي أوكرانيا هي ممر جديد للوصول إلى ترانسنيستريا (منطقة كانت ضمن جمهورية مولدوفا قبل أن تعلن انفصالها عنها من جانب واحد عام 1991، ويتشابه وضعها إلى حد كبير مع دونباس).

قطع شريان

ينفي عضو مجلس العلاقات بين الأعراق التابع للرئاسة الروسية، بوغدان بيزبالكو، وجود خطة لتقسيم أوكرانيا من خلال السيطرة على المناطق الجنوبية والشرقية التابعة لها.

لكنه أكد، في ندوة تلفزيونية، ضرورة أن تواصل موسكو تنفيذ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا حتى تتمكن من الوصول إلى الحدود الغربية لهذا البلد، لأنه عندها فقط، سيتوقف حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) عن إمداد كييف بالأسلحة والتقنيات العسكرية.

السيناريو السوري

أما العقيد احتياط فيتالي ليتوفكين، فيوضح أن هجوم القوات المسلحة الروسية مستمر على طول خطوط المواجهة، لكنها ليست بالسرعة التي يودها الكثيرون، وذلك لأنها تستند إلى "التكتيكات السورية"، عبر "قطع التحصينات وطحنها والمضي قدما"، وفي الوقت نفسه، ضمان أقصى درجات الأمان للأفراد والمعدات، قبل الدخول في عمليات تقطيع الأوصال بين المدن والأقاليم الأوكرانية.

ويشير ليتوفكين -في حديث للجزيرة نت- إلى أن منطقة زاباروجيا أصبحت تخضع بشكل كامل للقوات الروسية، التي دخلت جزئيا إلى منطقة دنيبروبتروفسك. ويتابع أنه بعد السيطرة الكاملة على دونباس، يمكن الذهاب إلى الشرق والجنوب الشرقي والجنوب في أوكرانيا.

وحسب رأيه، فإن الجنوب هو ميكولايف وأوديسا، وهما من وجهة النظر العسكرية أهم من كييف، ويجب أن تكون الأولوية في السيطرة عليهما، لأن فيهما قواعد للناتو، والسيطرة عليهما تعني حرمان الحلف و"نظام كييف" من "إمكانيات حيوية".

ويتوقع أن نشهد في المستقبل القريب تقدم القوات الروسية إلى ميكولايف، وفي الوقت نفسه قطع أوديسا، من دون هجوم بري، والاكتفاء باستخدام الصواريخ والمدفعية والطيران.

احتلال أم ترسيخ نفوذ؟

بدوره، يرى مدير المركز الدولي للتحليل السياسي، دينيس كركودينوف، أن التلويح بـ "تقطيع أوكرانيا" يمكن أن يندرج في سياق التكتيكات السياسية المرحلية، وليس الأهداف الإستراتيجية.

ويتابع حديثه -للجزيرة نت- أنه ليس لدى روسيا نية "احتلال أوكرانيا"، بل أن تصبح (روسيا) مركزا للتأثير، ودولة تؤخذ مصالحها في الاعتبار في واشنطن ولندن والعالم كله، وأن ما يحدث في أوكرانيا هو دليل على أن روسيا مستعدة للعمل بشكل حاسم وحازم.

ويضع المتحدث السيطرة على خيرسون في إطار تأمين إمدادات المياه العذبة إلى شبه جزيرة القرم، وليس "انتزاعها" من أوكرانيا، معتبرا إياها إنجازا اقتصاديا قبل أن يكون عسكريا.

لكنه لم يستبعد أن تتغير جغرافية الدولة الأوكرانية في مرحلة متقدمة من الحرب، لا سيما بعدما أحرقت كافة الجسور بين روسيا والغرب، وغياب أي حلول وسط بين القطبين حيال الأزمة الأوكرانية.

كما لم يستبعد أن تكون ما وصفها بـ"الدراما الأوكرانية" الخطوة الأولى لإحداث توازنات جيوسياسية جديدة تمهد لتشكيل نظام دولي جديد، تضمن فيه روسيا العودة -بالحد الأدنى- إلى حدود حقبة الحرب الباردة.

المصدر : الجزيرة