جلعاد شاليط.. الثمن الباهظ لصفقة تبادل تخشى إسرائيل تكرارها

Hamas mediator Ahmed Al-Jaabari (L) escorts Israeli soldier Gilad Shalit on the Egyptian side of the Rafah border crossing in this October 18, 2011 file photo. Israel killed Jaabari, the military commander of the Islamist group Hamas, in a missile strike on the Gaza Strip on November 14, 2012 and launched air raids across the enclave, pushing the two sides to the brink of a new war.
قائد كتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري (يسار) قبيل تسليم الجندي جلعاد شاليط (وسط) لإتمام صفقة تبادل الأسرى في أكتوبر/تشرين الأول 2011 (رويترز)

القدس المحتلة- في ذكرى مرور 11 عاما على صفقة "وفاء الأحرار" التي تصادف، اليوم الثلاثاء، يواصل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي تم إطلاق سراحه فيها مقابل الإفراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا، التزام الصمت والابتعاد عن الأضواء.

واختار شاليط (36 عاما) -الذي يحمل الجنسية الفرنسية أيضا إلى جانب جنسيته الإسرائيلية- أن يستقر في مدينة تل أبيب، لكن بعيدا عن حياة الصخب العامة، غير أن حياته الشخصية كانت أكثر صخبا حيث عاش تجربة الزواج 4 مرات منذ الإفراج عنه عام 2011.

ففي يونيو/حزيران 2021، وعبر حفلة خاصة اقتصرت على العائلة، احتفل شاليط، الذي غادر الخدمة العسكرية ويعمل موظفا بمصرف إسرائيلي، بزواجه من فتاة يهودية من أصول مغاربية تدعى نيتسان شبات، وهي عاملة اجتماعية.

وخلافا لسنوات سابقة، لم تتطرق وسائل الإعلام والمتحدثين الإسرائيليين الرسميين إلى حياة الجندي السابق جلعاد شاليط كما في ذكرى صفقة التبادل من كل عام. كما حاولت الابتعاد عن تناول الأخبار حول الصفقة الجديدة التي يجري التفاوض عليها منذ أسر المقاومة الفلسطينية جنديين إسرائيليين في العدوان على غزة عام 2014.

 

جلعاد شاليت Gilad shalit - الموسوعة
شاليط ترك الخدمة العسكرية وتزوج 4 مرات ويعمل موظفا في مصرف (الأوروبية)

الثمن الباهظ

وفي مؤشر للثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل في صفقة "وفاء الأحرار"، يكتب الباحث في معهد السياسات والإستراتيجيات بجامعة "ريخمان" الإسرائيلية، مايكل ميلتشين، إن "الأسير الذي أطلق سراحه أصبح زعيم حماس في قطاع غزة".

وبعد 11 عاما على تنفيذ صفقة "شاليط"، يقول ميلتشين في حديث للقناة 12 الإسرائيلية، "في وقت المفاوضات، كان هناك سجين واحد يجلس في السجون ويعرف على وجه اليقين أنه سيتم إطلاق سراحه، إنه يحيى السنوار، الزعيم اللاحق لحركة حماس في غزة".

والسبب في ذلك، يقول الباحث الإسرائيلي إن "شقيقه محمد السنوار من مختطفي الجندي شاليط، وكان من بين الذين احتجزوه، حيث اكتسب يحيى السنوار قوة غير عادية حتى ذلك الحين، ولاحقًا حدد هدفه وهو التدرج في قيادة حماس بغزة"، مضيفا أن "القيادة الكاملة لغزة اليوم كانت في ذلك الوقت في نفس الزنزانة وأفرج عنهم في الصفقة".

ويستدل من الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، أن حكومات إسرائيل المتعاقبة أجرت نحو 10 صفقات تبادل أسرى بين الأعوام 1978 و2011، تحرر خلالها آلاف الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب من السجون الإسرائيلية، مقابل جنود وأفراد إسرائيليين وقعوا في أسر المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

جدل سياسي وأمني

أضحت تجربة شاليط بالأسر لدى فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والثمن الباهظ الذي دفعته تل أبيب مقابل تحريره من قبضة "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة حماس، مثار جدل في المستويين السياسي والأمني بإسرائيل.

وبعد الانتقادات الحادة التي وجهت إلى حكومة بنيامين نتنياهو وقت الإفراج عن شاليط، يتكرر اليوم أيضا سؤال الثمن الذي تخشى تل أبيب دفعه مقابل صفقة تبادل مستقبلية مع حماس.

وبدت المؤسسة الإسرائيلية متوجسة من سيناريو قادم تكون مضطرة فيه إلى دفع ثمن "باهظ" مقابل الإفراج عن مدنييْن اثنين تعتبرهما على قيد الحياة، هما أبرا منغستو وهشام السيد، وعن الجنديين اللذين تعتبرهما في عداد القتلى، وهما هدار غولدين وأورون شاؤول، فيما تتكتم المقاومة الفلسطينية على مصيرهما وتحتفظ بذلك كورقة للمساومة لإنجاز صفقة جديدة.

أسير محرر في صفقة شاليط محمول على أكتاف شقيقه وبرفقة والديه لدى استقباله في معبر رفح.
أسير محرر في صفقة "وفاء الأحرار" محمولا على أكتاف شقيقه وبرفقة والديه لدى استقباله في معبر رفح (الجزيرة)

نتنياهو وخشية تكرار التبادل

وفي هذا السياق، كشف القناة الإسرائيلية الرسمية "كان" في أبريل/نيسان الماضي، عن وثيقة سرية صدرت عن أجهزة الأمن الإسرائيلية في أغسطس/آب 2018، وموقعة من كافة قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، منحوا فيها الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو للمضي قدما في إتمام صفقة تبادل أسرى مع حماس.

وجاءت الوثيقة في ظل وساطة مصرية قادت محاولة إتمام صفقة مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، عقب تصعيد عسكري استمرت ليومين، الأمر الذي أحبطه نتنياهو، خوفا من الثمن السياسي الذي سيدفعه في انتخابات الكنيست. وخصوصا بعد الانتقادات التي تعرض لها واتهامه بتقديم "تنازلات غير مسبوقة" لحماس ودفع الثمن الأعلى بين صفقات تبادل توصلت إليها حكومات إسرائيل مع فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية واللبنانية.

جنود أم مدنيون.. جثث أم أحياء؟

وانسحبت هواجس "الثمن الباهظ" أيضا على سلوك الائتلاف الحكومي الأخير برئاسة نفتالي بينيت ويائير لبيد، والذي امتنع بدوره عن المضي نحو صفقة تبادل جديدة مع حماس لتحرير المعتقلين والأسرى الإسرائيليين في غزة.

وتكشّف موقف حكومة لبيد عقب الفيديو المصور الذي نشره الجناح العسكري لحماس، في يونيو/حزيران الماضي، للأسير الإسرائيلي هشام السيد، حيث عاد النقاش في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي حول صفقات تبادل الأسرى والثمن الذي يمكن لإسرائيل أن تدفعه مقابل استعادة جنودها.

وطال هذا الجدل هوية الأسير، وإذا ما كان جنديا أو مدنيا، وكذلك الفرق بين الأسرى الأحياء وجثث الأسرى القتلى، وهو ما يؤكد عدم وجود أي إطار مرجعي أو قانوني للحكومات المتعاقبة، يمكن اعتماده في صفقات التبادل التي تخضع بالأساس لاعتبارات سياسية ولأولويات الحكومة وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حسب تقدير "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب.

ووسط السجال حول "أثمان الصفقات"، وتداعياتها الأمنية والاجتماعية والسياسية على المجتمع اليهودي وتركيبته وتكوينه، بادرت أحزاب يمينية إسرائيلية إلى محاولة تشريع قانون "الأسرى والمفقودين"، لكن دون أن تنجح  في المصادقة عليه بالقراءات الثلاث داخل الكنيست.

المصدر : الجزيرة