مدن عراقية بلا دعاية انتخابية ولا صور للمرشحين.. فما السبب؟

الدعاية الانتخابية في العراق كانت تنطلق قبيل موعدها في المواسم السابق حيث تعج الشوارع والساحات العامة بالصور والملصقات الدعائية، وتتجمع الجماهير في الساحات وفي الشوارع مناصرة لمرشحها، لكنها هذه المرة اختفت وكادت تقتصر التجمعات على محيط منازل المرشحين.

صورة لأحد المرشحين وقد تم تمزيقها (مواقع التواصل)

الناصرية – ما إن يضع المرشحون للانتخابات النيابية العراقية المزمعة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل دعاياتهم الانتخابية وصورهم في الأماكن العامة، حتى يجدونها ممزقة في اليوم التالي، وتكرر ذلك منذ إعلان انطلاق الدعاية الانتخابية في يوليو/تموز الماضي، وذلك في عدة مدن عراقية وكانت الناصرية الأبرز بينهم.

وسُجلت حالات التخريب ليس في الناصرية فحسب، بل في مدن ومحافظات أخرى، كالبصرة وميسان وواسط والقادسية. لكن الناصرية كانت الأكثر قسوة حيث ينشر الشباب بشكل مستمر على مواقع التواصل تهديداتهم بشأن الدعاية الانتخابية، مؤكدين أنهم لن يتوقفوا عن مساعيهم، الأمر الذي دعاهم لتشكيل فريق حمل اسم "فوج مكافحة الدعاية الانتخابية".

ينقسم المقاطعون للانتخابات إلى فريقين: الأول يدعو إلى المقاطعة ويطرح أفكاره وأسباب المقاطعة ومعارضته للعملية بشكل عام، وعادة ما يكون أفراده من قوى الحراك الشعبي إضافة إلى ناشطين ومدونين بارزين. والفريق الآخر يقاطع ويرفض وجود أي دعاية انتخابية في الشوارع، معتبرا إياها استغلالا لضحايا المظاهرات وأغلب جمهور هذا القسم من متظاهري الحراك.

الدعاية الانتخابية في العراق كانت تنطلق قبيل موعدها في المواسم السابق حيث تعج الشوارع والساحات العامة بالصور والملصقات الدعائية، وتتجمع الجماهير في الساحات وفي الشوارع مناصرة لمرشحها، لكنها هذه المرة اختفت وكادت تقتصر التجمعات على محيط منازل المرشحين.

لماذا المقاطعة؟

يرى الناشط المدني ماجد علي جابر بأن مقاطعة الانتخابات المقبلة -بكل بساطة- بسبب القناعة بأن الانتخابات القادمة لن تأتي بجديد أو تغيرات طالب بها المحتجون خلال العامين الماضيين.

وعن سبب هذه القناعة، يضيف جابر أن قانون الانتخابات الجديد تشكل وفق ما تريده الأحزاب السياسية، إضافة إلى تفشي السلاح المنفلت وعدم محاسبة قتلة المتظاهرين.

يتابع جابر -في حديثه للجزيرة نت- أن من أسباب المقاطعة أيضا المال السياسي واستغلال المناصب وموارد الدولة لصالح أشخاص وكتل سياسية متنفذة.

مدونون وناشطون في نقاش حول الانتخابات ومقاطعتها (الجزيرة نت)

فعل احتجاجي

ويرى الناشط والمدون أحمد اليساري أن قرار عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، يأتي لأن الحكومة لم تلتزم بواجبها بشأن تحقيق قواعد الديمقراطية الصحيحة مثل وجود قانون انتخابي عادل يمكنه أن يحقق منافسة متساوية، وبالتالي لم يكن هناك تغيير يوازي ما بذل من تضحيات.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف اليساري أن الوضع العراقي -لا سيما بعد احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019- عبارة عن تراكمات سابقة لعملية سياسية بدأت بنظام محاصصة مثقل بالأزمات والمشاكل، لهذا كانت المطالب واضحة بقانون انتخابي عادل، ومحاسبة قتلة الناشطين، وتوفير الأمن الانتخابي.

ووصف أحمد اليساري مقاطعة الانتخابات بفعل احتجاجي ديمقراطي يوازي المشاركة فيها.

وبحسب مفوضية الانتخابات، نسبة المشاركين في العملية الانتخابية شهر مايو/أيار 2018 نحو 44%، لتكون النسبة الأقل في كل العمليات الانتخابية التي جرت بعد عام 2003.

تكاد تكون محافظة ذي قار المدينة الأبرز في العراق -تليها البصرة وميسان- في تخريب وتشويه الدعاية الانتخابية للمرشحين، فالساحات العامة التي اعتاد الناس على مشاهدة الدعاية الانتخابية فيها أصبحت مركزا للاحتجاجات. وبالتالي، لم يتجرأ المرشحون على تعليق أو نشر صورهم الدعائية في تلك الأماكن التي كانت موقعا بارزا لهم في كل فعالية انتخابية.

ورغم الدخول في العد التنازلي ليوم الانتخابات، فإن ساحة الحبوبي (وسط الناصرية) لا تزال فارغة، فلم يعلق عليها أي دعاية انتخابية في إشارة واضحة إلى أن كل من يضع صورته يتم تمزيقها.

مقاطعة بلا بديل

من جهة أخرى، يرى المدون والناشط أحمد حسين بأن المقاطعة خيار مطروح ووارد، ولكن ماذا عن البديل. فعند مقاطعة انتخابات عام 2018، كانت النتيجة أن جماهير الأحزاب ذهبت للانتخابات ففازت أحزابها وشكلوا حكومة وتقاسموا النفوذ والمناصب.

يؤكد حسين -للجزيرة نت- أنه سيشارك في الانتخابات هذه المرة، رغم وجود أسماء مجربة كثيرة، لكن لا خيار سوى الانتخابات سعيا للتغيير، مشيرا إلى أن التغيير لن يحصل في دورة انتخابية واحدة فقط.

التاريخ العراقي مليء بالدم والانقلابات والقتل في تغيير الأنظمة -كما يقول الناشط كرار التميمي- منذ العهد الملكي وحتى سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003. وشاهدنا كيف أن الحياة تنقلب رأسا على عقب، حينما يسقط النظام كي يأتي نظام جديد، كم نستغرق من الوقت والسنين حتى نكون قادرين على النهوض؟ المقاطعة بلا بديل لن تغير أي نتيجة بل تساعد الأحزاب على الاستمرار في الإمساك السلطة.

يتابع حديثه -للجزيرة نت- رغم أننا ليس لدينا قناعة بالنظام بشكل عام لكننا نقبل بمشاكله المتراكمة، وبالتالي فإن تغييره تدريجيا يحتاج إلى آليات وصبر ووعي كبيرين. الدعوات لإسقاط النظام هي بحد ذاتها دعوة إلى التخريب؛ نشارك في الانتخابات من أجل دعم الوعي والتثقيف لتعويد الناس على أن التغيير لا يأتي بالدم وإنما بصناديق الاقتراع فقط.

ساحة الحبوبي في الناصرية كانت مركزا رئيسيا للاحتجاجات العراقية (مواقع التواصل)

غضب

كانت الاحتجاجات التي انطلقت في عدة مدن عراقية نهاية 2019 والتي طالبت بالتغيير حدثا بارزا، لكن في ذي قار كان الموقف مختلفا مقارنة بالمحافظات الأخرى، حيث كانت البداية قاسية إذ تم حرق مقار الأحزاب بالكامل، إضافة إلى حرق مباني حكومية، وأعلن المتظاهرون حينها خلو المدينة من أي أحزاب.

هذا التطور في الأحداث جعل الناصرية على رأس هرم الاحتجاج؛ فكلما تهدأ المظاهرات، يقع حدث في المدينة يعيد تأزيم الموقف والمشهد السياسي بالكامل. فقد شهدت نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019 مجزرة الزيتون التي راح ضحيتها العشرات من الشباب والتي استقال بعدها رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي.

وقدمت الناصرية أكثر من ألفي جريح منذ انطلاق الاحتجاجات وأكثر من 130 قتيل، الغالبية العظمى منهم سقطوا في المواجهات الدامية المباشرة مع القوات الأمنية، وقسم آخر تم استهدافه بعبوات ناسفة أو إطلاق النار، وهو ما جعل المدينة لا تهدأ في الاحتجاج رغم رفع خيام الاعتصام من ساحة التحرير وساحات المحافظات الأخرى.

المصدر : الجزيرة