السودان.. انتعاش عمليات تهريب البشر من معسكرات اللاجئين الإثيوبيين

تنطوي عمليات الاتجار بالبشر بين اللاجئين الإثيوبيين على مغامرة غير مأمونة تتطلب دفع أموال طائلة للمهربين، وتبدأ بتهريبهم برّا عبر الصحراء إلى ليبيا، ومنها ركوب البحر الأبيض المتوسط.

لاجئون من قومية التغراي في معسكر أم راكوبة بولاية القضارف
لاجئون إثيوبيون من قومية التيغراي بمعسكر "أم راكوبة" بولاية القضارف شرقي السودان (الجزيرة)

شرق السودان – في معسكر "أم راكوبة"، الذي يبعد 90 كيلومترا عن ولاية القضارف شرقي السودان، والذي أنشئ لاستقبال اللاجئين من مناطق النزاع بإثيوبيا منذ نهاية العام الماضي، ينشط سماسرة مهمتهم التنسيق مع شبكات لتهريب البشر.

ويروي مسؤول طبي في المعسكر، للجزيرة نت، أن حالات تهريب اللاجئين، خاصة الشباب والفئات المتعلمة، في تزايد مستمر، نظير أموال يدفعونها للمهربين تزيد أو تنقص تبعا لوجهة اللاجئ الذي يتسلل إلى ولايتي القضارف أو كسلا القريبتين، أو إلى العاصمة الخرطوم.

وتحدّث المسؤول الطبي -والذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول له التصريح لأجهزة الإعلام- عن لقائه بلاجئين من معسكر "أم راكوبة" يعملون في مطاعم بالخرطوم رووا له طريقة تهريبهم من المعسكر إلى العاصمة عبر طرق وعرة بسهل البطانة.

لكن لاجئين آخرين في المعسكر نفسه أسرّوا له بأنهم يسعون للهروب، إلا أن نقص المال أو الخوف على مصير زوجاتهم وأبنائهم يحول دون مغامرتهم.

وحسب مصادر محلية، تنتعش عمليات "الاتجار بالبشر" عن طريق شبكات مهربين وسماسرة داخل وحول مناطق إيواء اللاجئين شرقي السودان، وخاصة أوساط القادمين من إقليم تيغراي، وهؤلاء يفضّلون 3 وجهات عندما ينجحون في التسلل للخارج.

معسكر أم راكوبة "صورة عامة"
معسكر "أم راكوبة" للاجئين الإثيوبيين شرقي السودان (الجزيرة)

آلاف اللاجئين

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فرّ إلى ولاية القضارف "شرقي السودان" أكثر من 70 ألف لاجئ إثر حرب شنها الجيش الإثيوبي ومليشيات إقليم أمهرة على إقليم تيغراي، القريب من الحدود السودانية.

وكان معسكر "شجراب" للاجئين الإريتريين، في ولاية كسلا شرقي السودان، مرتعا للاتجار بالبشر. لكن ولاية القضارف المجاورة أصبحت المكان المفضل لهذه الأنشطة بعد استضافتها 3 معسكرات للاجئين الإثيوبيين.

ويستضيف معسكر "أم راكوبة" نحو 20 ألف لاجئ من التيغراي، ومعسكر "الطنيدبة" أكثر من 15 ألفا من الإقليم ذاته، فضلا عن 3 آلاف لاجئ من قومية الكومنت في معسكر باسندا الذي استقبلهم آخر موجة لجوء الشهر الماضي.

لاجئون على الحدود

في هذه الأثناء، ما زالت مراكز استقبال اللاجئين في حمداييت والهشابة على الحدود مع إقليم تيغراي تستضيف الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين أيضا.

وبحسب مدير مركز استقبال حمداييت يعقوب محمد يعقوب، للجزيرة نت، فإنه يستضيف حوالي 14 ألف لاجئ يرفضون ترحيلهم للمعسكرات الدائمة، على أمل العودة إلى بلداتهم على الضفة الشرقية لنهر سيتيت العابر للحدود الإثيوبية السودانية.

كما ذكر المدير التنفيذي لمحلية باسندا، مأمون الضو، أن ما لا يقل عن 5 آلاف لاجئ من قوميتي القّمز والكومنت ما زالوا عالقين في الحدود عند نقطة "تايا" المتاخمة لإقليم أمهرة الإثيوبي.

وتعاني السلطات السودانية من صعوبة ضبط الانتشار الكثيف للاجئين الإثيوبيين على امتداد ولايتي كسلا والقضارف المتاخمتين لإقليمي تيغراي وأمهرة على حدودها الشرقية، بجانب مراقبة 4 معسكرات للاجئين إثيوبيين وإريتريين.

وحسب المصادر المحلية، لم توفّر المنظمات الإنسانية التي وفدت للمنطقة، مع وصول اللاجئين، سوى 7 دراجات نارية لملاحقة المتسللين من معسكرات اللجوء، خصصت 5 منها لمعسكر "أم راكوبة" لقربه من الحدود، حيث تكثر عمليات التسلل، واثنتان لمعسكر الطنيدبة.

ولاعتبارات أمنية، تتجنب الحكومة السودانية الحديث عن حالات التسلل المتزايدة من معسكرات ومراكز استقبال اللاجئين.

يعقوب محمد يعقوب مدير مركز استقبال اللاجئين بحمداييت
يعقوب محمد: اللاجئون من التيغراي يمثلون قلقا للسلطات السودانية (الجزيرة نت)

العودة للمقاومة

أحد خيارات اللاجئين هنا هي العودة إلى إقليم تيغراي للالتحاق بالمقاومة ضد القوات الحكومية الإثيوبية ضمن قوات جبهة "تحرير تيغراي" عقب نجاحها في استعادة السيطرة على مدينة "ميكيلي" عاصمة الإقليم في يونيو/حزيران الفائت.

وبحسب مدير مركز استقبال اللاجئين بحمداييت، فإن الجيش الإثيوبي نشر تعزيزات شديدة التسليح شملت دبابات ومدافع ثقيلة على الضفة الشرقية لنهر سيتيت مقابل حمداييت، والتي تُعد مثلث التقاء الحدود الإثيوبية الإريترية مع حدود السودان.

ويؤكد مدير المركز أن اللاجئين التيغراي يمثلون قلقا للسلطات السودانية التي تخشى عودتهم للانخراط في المعارضة المسلحة، إذ إن من شروط اللجوء عدم ممارسة أنشطة عسكرية.

وحسب نشرة أمنية اطلعت عليها الجزيرة نت، فإن 120 طالب لجوء من قوات حفظ السلام الإثيوبية، والذين كانوا يعملون بمنطقة "آبيي" المتنازع عليها بين السودان ودولة جنوب السودان، يقيمون تحت حراسة مشددة في معسكر منفصل بولاية القضارف يدعى "أم قرقور".

الهجرة إلى أوروبا

ويؤكد المسؤول الطبي بمركز "أم راكوبة" أن بعض اللاجئين، وبسبب الأوضاع السيئة في معسكرات اللجوء وضعف الدعم المقدم لهم، يفضلون الهجرة إلى أوروبا.

وتنطوي هذه الهجرة على مغامرة غير مأمونة تتطلب دفع أموال طائلة للمهربين، تبدأ بتهريب اللاجئين برا عبر الصحراء إلى ليبيا ومنها ركوبا في البحر الأبيض المتوسط.

ويقول المسؤول إنه يعرف مجموعة من 9 لاجئين هربوا من "أم راكوبة" وتمكنوا من الوصول إلى ليبيا في انتظار الهجرة، بشكل غير نظامي، إلى أوروبا.

تهريب الأسلحة

ومع دخول قوميات إثيوبية أخرى في الحرب ضد الحكومة الفدرالية في أديس أبابا، تتسع هموم السودان في كبح جماح طيف واسع من القوميات الإثيوبية التي لجأت إلى أراضيه.

وثمة لاجئون من إقليم بني شنقول الإثيوبي وصلوا ولاية النيل الأزرق السودانية منذ فبراير/شباط الماضي، ومنذ الشهر الفائت وصل لاجئون من قوميات القُمز والكومنت الإثيوبية إلى ولاية القضارف.

وفي محلية باسندا، جنوب شرق مدينة القضارف، تدير السلطات بموارد شحيحة شأنا إنسانيا لا يخلو من تبعات أمنية.

وبحسب مدير المحلية مأمون الضو، فإن قوة من الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني تمكنت من توقيف 40 لاجئا من الكومنت تسللوا من المعسكر المؤقت، والذي أقيم بمدرسة لإيواء الفارين من إقليم أمهرة.

وقال الضو للجزيرة نت إن تحريات تجري مع هؤلاء لمعرفة أسباب التسلل، وهل له علاقة بتهريب أسلحة، أم يعد هربا من الأوضاع اقتصادية الصعبة.

وتزايدت ضبطيات الأسلحة المهربة بين الحدود السودانية الإثيوبية بالتزامن مع موجات لجوء الإثيوبيين للسودان.

ورغم تشديد الإجراءات التي فرضتها السودان لمنح أذونات للاجئين بالمعسكرات لزيارة أقاربهم بالمدن، فإن محاولاتهم لمغادرة المخيمات مشيا على الأقدام لا تتوقف، وفقا لمدير مركز استقبال اللاجئين في حمداييت.

المصدر : الجزيرة