حفاة وبلا مأوى.. آلاف الإثيوبيين يفرون من الموت لمناطق تحت خط الفقر شرق السودان

تحتاج المحليات الحدودية لتدخل عاجل حتى تتهيأ لاستضافة آلاف اللاجئين الذين وصلوها، ونحو 3 آلاف لاجئ آخرين على الحدود، وعشرات الآلاف قد يصلونها في أي لحظة.

Ethiopian women who fled the ongoing fighting in Tigray region, gather in Hamdayet village near the Setit river on the Sudan-Ethiopia border in eastern Kassala state
آلاف اللاجئين الفارين من إقليم تيغراي الإثيوبي لجؤوا لمناطق تعاني شدة الفقر شرق السودان (الجزيرة)

القضارف (شرق السودان)- عراة وحفاة خاضوا في الوحل مسيرة يوم وصولا إلى "تايا" على الحدود السودانية الإثيوبية، من هذه النقطة الحدودية وبالعنت ذاته توغل اللاجئون الإثيوبيون من قوميتي الكومنت والقُمز مسافة 35 كيلومترا إلى باسنقا بولاية القضارف.

ورغم مرور 3 أسابيع من فرار اللاجئين الجدد من الحرب في إقليم أمهرة إلى السودان، فإنهم حتى الآن بلا مأوى دائم وبلا ملبس ومياه آمنة.

ويبث اللاجئ قنوتا (22 سنة) من قرية شنفا في أمهرة شكواه للجزيرة نت قائلا إنهم في حاجة للملابس والأحذية بشكل عاجل.

ويقول إنهم فروا من قريتهم (شنفا) دون أن يحملوا أي متاع بعد هجوم عنيف بالدبابات شنه الجيش الإثيوبي ومليشيات أمهرة على 7 قرى للكومنت.

ويضيف "سرنا ساعات طويلة في طرق وعرة أثناء المطر حتى وصلنا تايا على حدود السودان".

تمهيد الطريق الرابط بين معسكر أم راكوبة وطريق "القضارف ـ دوكة"
تمهيد الطريق الرابط بين معسكر أم راكوبة وطريق "القضارف ـ دوكة" من أجل تسهيل نقل اللاجئين (الجزيرة)

معاناة مستمرة

ولم يكن الوصول إلى حدود السودان نهاية لمعاناة اللاجئين الجدد، ففي ظل رداءة الطرق وصعوبة الترحيل خلال فصل الأمطار اضطرت سلطات محلية باسندة التابعة لولاية القضارف لنقل العجزة والنساء عبر الجرارات إلى باسنقا والطلب من الشباب المسير على الأقدام في الوحل مسافة 35 كيلومترا.

وبحسب مأمون ضو البيت المدير التنفيذي لمحلية باسندة -نحو 150 كيلومترا جنوب شرق مدينة القضارف و410 كيلومترات شرق العاصمة الخرطوم- فإن محليته شحيحة الموارد، وبمساعدة المنظمات تمكنت من نقل كبار السن والنساء فقط عن طريق الجرارات.

وينتظر المسؤول إيفاء المنظمات بالمزيد من الأموال لنقل نحو ألف لاجئ من الكومنت في باسنقا إلى رئاسة المحلية في باسندة على بعد 22 كيلومترا، ونحو 1500 لاجئ من القٌمز من تايا إلى باسندة أيضا لمسافة 35 كيلومترا.

ورغم أن المسافات تبدو قصيرة، فإن النقل عبرها مكلف للغاية بسبب الأمطار الغزيرة وانعدام الطرق الممهدة في أراض طينية وزراعية.

محال تجارية في معسكر أم راكوبة
محال تجارية في معسكر أم راكوبة حيث البنية التحتية والخدمات ضعيفة (الجزيرة)

معسكرات ومخيمات

وستضم بلدة باسندة ثالث معسكرات اللاجئين الإثيوبيين بعد مخيمي أم راكوبة (90 كيلومترا جنوبي القضارف) والطنيدبة (130 كيلومترا جنوب غرب القضارف).

لذا يرى المدير التنفيذي ضرورة رصف الطريق الذي يربطها بأم خرابيت على الطريق القاري (نحو 45 كيلومترا).

ويجد العاملون في الحقل الإنساني صعوبة في الوصول إلى اللاجئين في باسنقا، ويقفون عاجزين عن الوصول إلى آخرين على الحدود مع إثيوبيا ينتظر نقلهم إلى باسندة.

ورغم الفقر البادي على أهالي باسنقا، فإنهم يبذلون ما يستطيعون لاستضافة اللاجئين في المأوى المؤقت بمدرسة البلدة.

وكانت نساء من القرية المستضيفة يتجولن بطعام يحملنه بين اللاجئين بحثا عن لاجئة خاضت تجربة وضع قاسية لدى وصولها باسنقا.

ويقول كل من عبد الله وإسحاق من لجان التغيير والخدمات بباسنقا إنه رغم التخوف من الأوضاع الصحية المترتبة من اكتظاظ نحو ألف لاجئ في مدرسة صغيرة، فإن اللجان تعاملت مع الوضع وفقا للإمكانات المتاحة.

ويرويان أن استضافة اللاجئين بمثابة "شرف إنساني" لكن ضعف الخدمات يجعل المنطقة بحاجة لتدخل المنظمات على وجه السرعة لتمهيد الطرق وتأهيل الخدمات الصحية خاصة تلك المتعلقة بالأمومة والطفولة.

اسحاق أبو وعبد الله أحمد من لجان التغيير الخدمات بباسنقا
عضوان في لجان التغيير والخدمات بباسنقا وشكوى من تباطؤ وصول المنظمات الإنسانية والدعم الحكومي (الجزيرة)

خبرات مع اللاجئين

ولأن البلدات السودانية القريبة من الحدود جربت استضافة لاجئين إثيوبيين عدة مرات في أوقات سابقة، فهم يجيدون استيعاب الصدمات الأولى للجوء بتوفير المأوى المؤقت والغذاء لحين تدخل المنظمات.

لكن ما يقلق المجتمعات المستضيفة هو تباطؤ المجتمع الدولي هذه المرة في التدخل والاستجابة لمتطلبات اللاجئين الذين يشكلون ضغطا على الخدمات، التي هي أصلا إما منعدمة وإما رديئة في هذه المناطق.

وبحسب رئيس لجنة الخدمات والتغيير في باسندة إبراهيم عمر فإنهم سبق أن استضافوا الإثيوبيين لاجئين في التسعينيات وفي العام 2017.

ويقول للجزيرة نت إن شباب باسندة جهزوا عاملات للطبخ ومدرسة البلدة لاستضافة اللاجئين الذين سيتم نقلهم من باسنقا لحين اكتمال تشييد المعسكر الدائم.

ويدعو رئيس اللجنة الحكومتين الاتحادية والولائية للمسارعة في توفير الإمداد الكهربائي خاصة بعد اكتمال الخطوط الناقلة.

استجابة بطيئة

وحتى الآن يبدو تدخل المنظمات بطيئا، فلنحو 3 أسابيع لم تتمكن من نقل اللاجئين من الكومنت والقُمز إلى المعسكر الدائم في باسندة.

ويؤكد المدير التنفيذي للمحلية أن المنطقة تحتاج لتدخل عاجل حتى تتهيأ لاستضافة الآلاف من اللاجئين، خاصة وأن هناك نحو 3 آلاف لاجئ على الحد الفاصل للحدود، و50 ألفا هم سكان 7 قرى بإقليم أمهرة الإثيوبي شردوا من قراهم ويهيمون الآن على وجوههم وربما يعبرون حدود محليته في أي لحظة.

ويقول إن الطريق القاري الرابط بين القضارف والقلابات نفسه يحتاج لمعالجات، مؤكدا أن الأمطار والسيول قد قطعت الطريق بجرفها جسر سرف سعيد على بعد 70 كيلومترا جنوب شرق مدينة القضارف.

وإلى جانب ذلك يقول إن باسندة التي تستعد لاستضافة ثالث المعسكرات الدائمة للاجئين الإثيوبيين بولاية القضارف، تحتاج على وجه السرعة لتأهيل محطة المياه و3 آبار بالمنطقة التي سيشيد عليها المخيم، وصيانة سد مياه موسمي تعرض للانهيار.

توزيع حصص غذائية على اللاجئين الإثيوبيين العالقين على الحدود السودانية الإثيوبية (الجزيرة)

انتظار الأمل

وينتظر المسؤولون والسكان بمحلية باسندة أن تمتد يد المنظمات الدولية لتمهيد الطرق وتأهيل الخدمات، على غرار ما حدث في المنطقة المحيطة بمعسكر أم راكوبة الذي استضاف اللاجئين التيغراي منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.

وعلى الرغم من أن باسندة لا تبعد سوى 45 كيلومترا من الطريق القاري "القضارف ـ القلابات"، فإن الطريق إليها يتسم بالصعوبة، ولا يمكن عبور بعض أودية الأمطار إلا عن طريق الجرار.

وبدا معسكر أم راكوبة للاجئين الإثيوبيين، بعد 9 أشهر من إنشائه، أقرب للمدينة، حيث كانت الموسيقى الإثيوبية تنبعث من المقاهي، كما أن المساكن أصبحت أكثر تنظيما.

ولتسهيل الوصول إلى منطقة أم راكوبة -التي تضم عدة قرى إلى جانب معسكر اللاجئين الذي يؤوي 20 ألف لاجئ- مهدت المنظمات الانسانية الطريق الذي يربط المنطقة ببلدة دوكة حيث طريق الأسفلت القادم من القضارف.

المصدر : الجزيرة