ما يحدث في كابل يسمع صداه في أربيل

محللون يرون أن أميركا تفكر بمصالحها في العراق التي جاءت من أجلها ولهذا لن تخضع بسهولة للضغوط

Iraq: 2 rockets land inside N.Iraq's Erbil airport
مطار أربيل الذي يضم قاعدة أميركية تعرض لهجمات متكررة على مدار الأشهر الماضية (الأناضول)

بغداد- أثار تمكن حركة طالبان من دخول العاصمة الأفغانية كابل دون قتال، وسط انهيار تام للجيش الأفغاني المجهز بأحدث الأسلحة الأميركية، مخاوف لدى قوى عراقية من تكرار السيناريو في العراق، وذلك مع مطالبات بعض الأطراف ولا سيما الشيعية بخروج القوات الأميركية من جميع قواعدها واستمرار هجماتها على السفارة الأميركية ببغداد وأربيل وقاعدة عين الأسد التي تضم قوات أجنبية في محافظة الأنبار غرب البلاد.

خروج القوات الأميركية قد يرسم تغييرات غير متوقعة لمستقبل العراق وخارطة طريق جديدة معقدة بعد أكثر من 18 عاما على الغزو الأميركي للبلاد.

علي البيدر / محلل سياسي
البيدر: الوجود الأميركي المسلح رهينة الموقف الأمني في العراق (الجزيرة)

الهشاشة الأمنية

وحول التغييرات المتوقعة في المستقبل القريب، يقول الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر إن الوجود الأميركي المسلح غير مرهون برغبة أميركية ولا بموقف حكومي عراقي بقدر ما هو رهينة الموقف الأمني، إذ يرى الطرفان أهمية الوجود لحماية مصالح البلدين ولا سيما أن هناك اتفاقية أمنية بينهما تقضي بذلك، وإن بقاء القوات الأميركية جاء بطلب رسمي من الحكومة العراقية لاستعادة مدن شمال وشمال غرب العراق من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويؤكد البيدر أن الشارع العراقي بشكل عام متخوف من فكرة الانسحاب لأسباب يتقدمها عدم جهوزية القوات الأمنية مع وجود أزمات سياسية قد تؤدي إلى نتائج كارثية، إذ إن المنطقة بشكل عام ما تزال هشة أمنيا وقد أدت تجربة الانسحاب الأميركي الأولى من المدن نهاية 2011 إلى سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء واسعة من مناطق شمال وشمال غرب البلاد.

وضعف الأجهزة الأمنية سبب يؤيده عضو برلمان إقليم كردستان العراق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ریبوار بابكه یي خاصة في بغداد والمحافظات خارج الإقليم، بينما يشير إلى أن الأمر مختلف مع الإقليم لكون قوات البيشمركة لها تجربة قتالية مع تنظيم الدولة عبر معارك استطاعت خلالها طرد التنظيم وبسط نفوذها على عدد من المناطق شمالي البلاد.

برواري أقر بوجود قلق حقيقي من تكرار ما حدث في أفغانستان في العراق (الجزيرة)

حقيقة القلق

ورغم تحذير مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني والرئيس السابق لكردستان العراق من تشبيه الحالة الأفغانية بالوضع في الإقليم، مشددا في بيان على أن "أي شخص ينوي بث خيبة الأمل، وزعزعة الثقة بالنفس، ونشر المقارنات غير المعقولة بين الشعب يبدو بأنه لم يتمكن حتى الآن من فهم إرادة وصمود شعب كردستان". لكن على الأرض لا يخلو الواقع من مخاوف لنسخ ما جرى بأفغانستان عراقيا.

ويؤكد تلك المخاوف والقلق المحلل والباحث السياسي عبد السلام برواري في حديثه للجزيرة نت قائلا "أميركا ذاتها من حاولت إقامة نظام مدني بأفغانستان ولكن تمخض عنه الفساد وضعف الخدمات، وهو ما يحدث في العراق منذ 2003″، مضيفا أن واشنطن نفسها صرفت المليارات وجهزت ودربت القوات الأفغانية والعراقية وبالنتيجة سقطت كابل ولربما يتكرر المشهد عراقيا وهناك تجربة سابقة بهذا الشأن بعد مذكرة الانسحاب الأميركي في 2011 ما أدى لاحقا لسقوط محافظات عراقية بيد تنظيم الدولة ولهذا يوجد هناك قلق حقيقي.

ويتابع البيدر حديثه للجزيرة نت بأن هناك جهتين يمكن لهما السيطرة على مناطق معينة إذا ما تم الانسحاب الأميركي، وهما تنظيم الدولة والجماعات الشيعية المسلحة التي تحاول بشكل تدريجي ابتلاع الدولة بالكامل، بعد أن تمكنت من السيطرة على مفاصل مهمة فيها.

من جهته، اعتبر المراقب السياسي والأكاديمي الكردي ريبين سلام أن مطالبات بعض الجهات الشيعية إخراج القوات الأميركية مزايدة على الآخرين خاصة ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

سلام استبعد تكرار سيناريو أفغانستان في العراق بسبب ثروته النفطية (الجزيرة)

وضع مغاير

أسباب أخرى مجتمعة تجعل واقع العراق مختلفا عن أفغانستان بشكل شبه تام بسبب طبيعة الموقع والموارد وتعدد الطوائف.

ويقول سلام إن ما يحدث في أفغانستان لا يمكن أن يحدث بالعراق عازيا السبب لقوة البلد النفطية وأن انهياره سيؤثر على اقتصاد العالم بسبب ضرورة وأهمية كمية الصادرات النفطية ما يجعل الكثير من الدول العالمية والإقليمية داعمة له ضد أي انهيار مسلح يمكن أن يحصل بعكس أفغانستان التي تعتمد الزراعة وتستهلك قرابة الـ60% منها داخليا، إلى جانب الحاضنة الجماهيرية إذ تحظى حركة طالبان بقبول مجتمعي أكبر في أفغانستان لأسباب عقائدية بعكس العراق الذي يرفض مجتمعه تنظيم الدولة والتنظميات المسلحة الأخرى في العديد من المحافظات وخاصة بمدن كردستان العراق، وهو ما يجعل حاضناتها معدومة بالكامل في الإقليم.

ويعارض الأكراد الانسحاب الأميركي تحسبا لأي تطورات غير محسوبة، كما يقول برواري، ويشدد على ضرورة التفكير بواقعية أكثر من قبل الجهات الراغبة بخروج الأميركيين وأن تتساءل هل هناك دعم لوجستي ومخابراتي يمكن الاعتماد عليه في العراق، مطالبا القوى الراغبة بذلك مراجعة قرارها، مؤكدا أن بعض الجهات التي صوتت برلمانيا على سحب القوات الأميركية تبحث عن مخرج لها من الأزمة كونها لا تجرؤ على التنازل والانسحاب وأنها محرجة بسبب التصويت.

وأكد سلام عدم تصويت حكومة كردستان العراق على خروج الأميركيين لأنها تعرف المخاطر التي قد تعقب الانسحاب، فيما يرى البيدر أن الولايات المتحدة ذاتها لا تفكر بالانسحاب بسبب وجود رغبات سياسية ومجتمعية تتمسك بها خصوصا في إقليم كردستان العراق الذي يضم قاعدة عسكرية أميركية تقوم بمهام أمنية مشتركة مع قوات البيشمركة الكردية لمكافحة الإرهاب إلى جانب تأكيد الساسة في الإقليم على بقاء القوات الأميركية لحماية حدود الإقليم من كافة الأخطار المحتملة من تنظيم الدولة أو هجمات الجماعات الشيعية الموالية لإيران.

لا شك أن أميركا تفكر بمصالحها التي جاءت من أجلها ولهذا لن تخضع بسهولة للضغوطات، وبحسب سلام فإن الأميركيين أعطوا تطمينات بعدم الانسحاب كليا وإنما بشكل جزئي وتدريجي وعلى نحو لا يؤثر على الوضع الأمني مع إبقاء المشاورات والتواصل.

وهو الرأي ذاته الذي عبر عنه البيدر، مؤكدا أن الإقليم يعتبر حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة ويلقى دعما أوروبيا للقضية الكردية.

المصدر : الجزيرة