في ذكرى استعادة المدينة من قبضة تنظيم الدولة.. إليك أهم أخطاء معركة الموصل

استمرار مشاهد الدمار رغم مرور سنوات على انتهاء المعارك، يعود لقلة التخصيصات الحكومية وحجم رقعة البنى التحتية المتضررة.

بعد انتهاء المعركة تحولت الموصل إلى مدينة أشباح وكومة من الحجارة - الجزيرة نت
الموصل تحوّلت إلى مدينة أشباح وكومة من الحجارة بعد انتهاء المعركة (الجزيرة)

يستذكر العراقيون -في مثل هذا اليوم- مرور 4 سنوات على استعادة مدينة الموصل من قبضة مقاتلي تنظيم الدولة، بعد معارك عنيفة دامت أكثر من 9 أشهر.

وتعد معركة الموصل -التي انتهت في 10 يوليو/تموز 2017- واحدة من أعنف المعارك في تاريخ العراق، وقد تركت دروسا مهمة للأجيال القادمة من الناحية العسكرية والإنسانية والتخطيط الإستراتيجي وغير ذلك.

الفلاحي يرى أن التحديات في معركة الموصل كبيرة بسبب الطبيعة الجغرافية للمدينة - الجزيرة نت
الفلاحي يرى أن التحديات في معركة الموصل كانت كبيرة بسبب طبيعة المدينة الجغرافية (الجزيرة)

دروس عسكرية

ويبيّن الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية حاتم الفلاحي أن التحديات في معركة الموصل كانت كبيرة بسبب طبيعة المدينة الجغرافية، وخاصة في الجانب الأيمن الذي يتصف بتقارب المساكن وضيق الشوارع والحارات كونها أحياء قديمة وفقيرة، وكذلك أنها ذات كثافة سكانية عالية، وفي المقابل معظم القوات العراقية لم تكن مدربة بشكل جيد للقتال داخل المدن، بينما كان التنظيم يتمتع بقدرة عالية على التكيف السريع مع الأوضاع في المدينة، واستفاد من شبكة الأنفاق والانغماسيين والكمائن وغيرها.

وينبّه الفلاحي إلى أن القوات العراقية استخدمت الكثافة النارية في معاركها مع تنظيم الدولة لتجنب تكبد خسائر كبيرة، مما أدى إلى إلحاق دمار في بنية مدينة الموصل التحتية، وهذا الأسلوب يعطي دلالة واضحة على أنه الغاية كانت استعادة هذه المدينة مهما كان التدمير أو الخسائر.

ويرى أنه كان يمكن اعتماد الحكومة آنذاك على خطط مدروسة وعلى قوات قادرة على خوض حرب الشوارع والقتال في المناطق المبنية، وهذا يحتاج إلى تجهيزات خاصة، وكان يمكن أن تستخدم المدفعية والدبابات في مناطق محددة وأن تراعي وجود السكان المدنيين.

سعدون: كان من الممكن تجنب مأساة النازحين خلال معركة الموصل - الجزيرة نت
سعدون: كان من الممكن تجنب مأساة النازحين أثناء معركة الموصل (الجزيرة)

دروس إنسانية

وبشأن أزمة النزوح التي رافقت أحداث الموصل، يقول مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون إنه كان من الممكن للحكومة تجاوز تجنب مأساة النازحين دون أن يعانوا ما عانوه طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال وضع خطة حقيقية تضمن إبعاد ملف النازحين عن الفساد والفاسدين وعن الملف السياسي، وعدم التعامل مع ملف النازحين بطريقة عشوائية وارتجالية وفوضوية.

وفي حديثه للجزيرة، أعرب سعدون عن أسفه لاستخدام القصف العشوائي من قبل التحالف الدولي والشرطة العراقية وغيرها، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من المدنيين بسبب المعلومات غير الدقيقة والصواريخ غير الذكية.

وعزا سبب ارتفاع الخسائر البشرية والمادية إلى محاولة سرعة حسم العمليات العسكرية لاستعادة محافظة نينوى، وهذا أدى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين، وهناك عائلات كاملة أبيدت، وهذا التسرع كانت له أهداف سياسية وانتخابية، بحسب سعدون.

وشدد على ضرورة إغلاق هذا الملف الإنساني بشكل كامل من خلال تأهيل المناطق التي نزح منها الناس وتوفير الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، حيث إن بعض النازحين قاموا بنزوح عكسي بسبب عدم توفر حياة كريمة في المناطق التي خرجوا منها وعادوا إليها، لذلك وجدوا في حياة المخيم أكثر رحمة من مناطقهم التي هجروها.

المقدوني يرى أن معركة الموصل من أكبر معارك المدن بعد الحرب العالمية الثانية - الجزيرة نت
المقدوني يرى أن معركة الموصل من أكبر معارك المدن بعد الحرب العالمية الثانية (الجزيرة)

ما بعد المعركة

وتعتبر معركة الموصل واحدة من أكبر معارك المدن في التاريخ المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية، من حيث حجم الدمار والخسائر المادية في البنية التحتية بالإضافة إلى الخسائر البشرية، وهذا الدرس القاسي الذي شهده سكان الموصل والشعب العراقي بشكل عام إنما يدل على الضريبة العالية للحرب، والتي لن تخلف إلا الويلات والحرمان والمزيد من الذكريات المؤلمة، وربما ستلقي بظلالها على الأجيال القادمة، بحسب المصور الميداني أسامة المقدوني.

ويضيف المقدوني للجزيرة نت أن "هذه المعركة كانت درسا قاسيا استنبطنا من خلالها أنه لا يوجد مستقبل زاهر في ظل وجود النزاعات المسلحة والأوضاع السياسية غير المستقرة، فضلا عن تأخر عجلة التقدم في مختلف الأصعدة".

ويتابع المقدوني -المشارك في تغطية عمليات استعادة الموصل- "بعد انتهاء المعركة، تحولت الموصل إلى مدينة أشباح وكومة من الحجارة، بعد أن كانت زاهرة بتنوعها الديني والثقافي والعمراني عبر التاريخ"، مضيفا: "تخيل أنك ستمشي في أزقة وطرق مليئة بجثث الضحايا، والتي كان الإهمال الحكومي واضحا تجاه عمليات انتشالها لولا تدخل الشباب المتطوعين بذلك".

ويلفت إلى أن مافيات الفساد عملت جاهدة على استغلال غالبية موارد إعادة إعمار ما خلفته الحرب، وهذا يدل على عدم الاتعاظ من قبل بعض الأطراف السياسية، وهذا درس يؤكد عدم اكتراث الطبقة السياسية لمعاناة هذه المجتمعات.

ويشير المقدوني إلى أن بعض المنظمات الدولية حاولت سد عجز الحكومة العراقية، من خلال تغطية تكاليف إصلاح شبكات الكهرباء والماء وبعض الجوانب المتعلقة بالبنية التحية التي تسهم في عودة الحياة، ويرى أن "هذا درس في ضرورة عدم فسح المجال للفاسدين الذين كانوا من أسباب سقوط الموصل".

حمودات يعزو استمرار مشاهد الدمار في الموصل إلى قلة التخصيصات الحكومية وحجم رقعة الدمار - الجزيرة نت
حمودات: الجهود الأهلية وبرامج المنظمات الدولية جعلت مدينة الموصل تسير نحو الأفضل (الجزيرة)

مشهد الدمار

وعن أسباب استمرار مشاهد الدمار رغم مرور سنوات على انتهاء المعارك، يقول الباحث في العلوم السياسية عبد الله حمودات إن ذلك يعود لسببين، هما: قلة التخصيصات الحكومية، وحجم رقعة الدمار.

ويبيّن للجزيرة نت أن الجهود الأهلية وبرامج المنظمات الدولية جعلت مدينة الموصل تسير نحو الأفضل، داعيا إلى فتح المعابر والمطار وتسهيل دخول المدينة والاستثمار فيها، من أجل تحقيق نهضة سريعة تليق بها وبتاريخها.

واستبعد حمودات خروج الموصل من دوامة الصراعات السياسية المزمنة، بسبب تعدد الأطراف والأطماع في المدينة، مؤكدا أن هناك أكثر من محور قوي يشتغل فيها، ولكن هناك إقبالا جيدا من الشباب للمشاركة السياسية، وهذا لم يكن سائدا قبل الحرب.

أسباب الأزمة ومستقبلها

وعن أبرز أسباب سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة، يقول النائب الفني لمحافظ نينوى حسن ذنون العلاف إنها تكمن في غياب التجانس بين القوات الأمنية والمواطنين في تلك الحقبة الزمنية عام 2014.

وأكد العلاف للجزيرة نت أن المناطق ذات الثغرات كان يستوجب أن تكون السيطرة عليها قوية جدا، وتحويل قطعات الجيش إلى المنطقة الحدودية، مشيرا إلى أن الخطأ الأكبر كان التواجد العسكري للجيش في الساحل الأيسر للموصل، في حين أن الساحل الأيمن كان أمس منه لذلك، لكونه يقع على جهة الصحراء والحدود مع سوريا.

ويلفت إلى أن المدينة بحاجة لالتفاتة الحكومة العراقية والمنظمات الدولية والدول الصديقة، قائلا إن موازنات 2019 و2020 كانت معدومة جدا، وبالتالي فإن الإعمار لم يكن بالمستوى المطلوب.

وبشأن ملف النازحين وتأخّر حسمه، بيّن العلاف للجزيرة نت أن الأسباب كثيرة، منها جزء سياسي وآخر أمني واجتماعي وكذلك اقتصادي وخدمي، وقال إن الكثير من النازحين ما زالوا غير قادرين على العودة، بسبب وجود خلاف سياسي ما بين أحزاب على أرض الواقع ترفض عودة هؤلاء، حيث لا تزال قوات حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" (PKK) موجودة في بعض شُعب جبل سنجار.

ويرتبط ملف النازحين بقضايا اجتماعية، حيث هنالك عداء ما بين عشائر وأخرى، ويصعب على النازحين العودة إلى مناطقهم، وكذلك مشكلة ذوي تنظيم الدولة من بعض النازحين، والذين حرموا من العودة بسبب الإجراءات الأمنية والمخاوف من الثارات، بحسب العلاف.

ويكمل العلاف حديثه بأن المشاكل الاقتصادية هي الأخرى كانت سببا في عرقلة عودة النازحين، حيث هنالك الكثير من الأقضية والنواحي التي ليست فيها بنى تحتية ومشاريع مياه ومؤسسات صحية، وفق حديثه.

الزاملي تحدث عن دور التنسيق العالي بين القوات الأمنية وأهالي الموصل في استعادة الموصل (الجزيرة نت)
        الزاملي تحدث عن التنسيق العالي بين القوات الأمنية وأهالي الموصل في تحرير المدينة (الجزيرة)

جهود ودروس وطنية

ومثلت عملية استعادة الموصل دروسا كثيرة، من أبرزها لحمة العراقيين وقدرتهم على الوقوف في خندق واحد للدفاع عن نينوى وباقي المحافظات، بوجه الهجمة الشرسة التي أصابت البلاد، بحسب النائب في مجلس النواب العراقي عباس الزاملي.

ففي وقت لم يكن فيه تنسيق عسكري وأمني من قبل الإدارة المحلية في الموصل، باعتبار أن المدينة كانت خارجة عن سيطرة الحكومة المحلية والمركزية لنحو 3 أعوام، يتحدث الزاملي عن دور التنسيق العالي بين القوات الأمنية وأهالي الموصل في تحرير المدينة.

ويوضح الزاملي الدروس التي عكست اللحمة الوطنية في نينوى بعد استعادة المدينة، والتي تمثلت بتضافر الجهود المحلية من أجل إعادة المحافظة إلى وضعها الطبيعي، ومحاربة الفساد واستثمار الموازنات الاستثمارية والأقاليم والدعم الدولي والمنظمات، من أجل إعادة الإعمار ودعم الموصل.

المصدر : الجزيرة