مسار جديد للأزمة في البرازيل.. مظاهرات ودعوات لعزل الرئيس بتهم فساد

إلى جانب تهم بفساده، جاء الإفراج عن لولا دا سيلفا، أبرز منافسي بولسونارو في الانتخابات القادمة، ليدفعه إلى التشكيك في نزاهتها، وطالب بآليات لمنع تزويرها.

(تظاهرات تطالب بعزل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو ومحاكمته بتهم فساد في ريو دي جانيرو)
متظاهرون برازيليون يطالبون بعزل الرئيس جايير بولسونارو ومحاكمته بتهم فساد (الجزيرة)

ريو دي جانيرو– "خرجنا هذه المرة ولدينا هدف واضح، نريد من رئيس مجلس النواب الاستجابة لطلبات عزل الرئيس، وإلا فهو شريك في الجريمة بحق الشعب"، بهذه الكلمات عبّرت المعلمة ماريانا سوزا عن مطالب البرازيليين، أثناء مشاركتها في واحدة من كبرى المظاهرات المعارضة للرئيس جايير بولسونارو بمدينة ريو دي جانيرو.

وتضيف سوزا "نطالب هذه المرة أيضا باللقاحات وبحل أزمة الجوع ". والحل بالتغيير الحقيقي هو العنوان الجديد للاحتجاجات في البرازيل.

فلقد جاءت المطالبات بعزل الرئيس برلمانيا ومحاكمته بتهم فساد -لأول مرة منذ بداية حكمه مطلع عام 2019- خلافا لما طالبت به المظاهرات السابقة من حيث إسقاطه على خلفية أسلوب إدارته للبلاد، خصوصا خلال جائحة كورونا التي تسببت بوفاة أكثر من نصف مليون برازيلي خلال فترة قياسية حتى منتصف عام 2021.

ووُضعت هذه الأزمة سابقا في سياق خلافات الرؤى السياسية بشأن التعامل مع الأزمات، والانقسام الأيديولوجي الحاد في المجتمع بين أقصى اليمين الذي ينتمي له الرئيس بولسونارو، وبين معارضيه الذين يغلب عليهم الانتماء إلى تيار اليسار الغائب عن السلطة منذ عام 2016، بعد أن حكم البلاد 15 عاما متواصلا.

صورة للمتظاهرة التي شاركت في مقدمة التقرير ماريانا سوزا.
البرازيلية ماريانا سوزا تطالب بدعم البرلمان لعزل الرئيس (الجزيرة)

بين الاتهام والنفي

ويواجه الرئيس البرازيلي، الذي أتى بشعارات محاربة الفساد وتفاخر مراراً بوقف السرقات في عهده، تحقيقا رسميا بأمر من المحكمة الفدرالية العليا بتهمة التقاعس عن مواجهة شبهة فساد رغم علمه بها. وهو ما ينفيه الرئيس ويؤكد في خطاباته أنه لا يعلم كل ما يجري في الوزارات.

وبدأت القضية عندما كشف مسؤول الموارد الطبية بوزارة الصحة البرازيلية، لويس ميراندا، أمام هيئة التحقيق العليا التابعة لمجلس الشيوخ البرازيلي، المخصصة لمحاسبة المسؤولين في إدارة جائحة كورونا، أنه لم يوقع على عقد شراء لقاح "كوفاكسين" الهندي المبرم بين شركة سنغافورية وسيطة وبين الحكومة البرازيلية، لاكتشاف شبهات فساد فيها.

وهو الأمر الذي دفع ميراندا وأخاه المقرب من الرئيس البرازيلي بولسونارو إلى إبلاغه الأمر، ووعد الرئيس بدوره أنه سيطلب من الشرطة الفدرالية فتح تحقيق في القضية، إلا أن ذلك لم يحدث، مما جعل معارضي الرئيس يعتبرون أن له مصلحة شخصية في التغطية على هذا الملف.

وتبع ذلك، الكشف عن طلب أحد المسؤولين الحكوميين الحصول على رشوة مقابل كل جرعة لقاح للفريق السياسي المقرب من الرئيس بولسونارو، الأمر الذي وضع الحكومة في دائرة الاتهام.

واعتبر رودريغو مادينا زاغني، المختص في الشؤون السياسية البرازيلية وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة ساوباولو الفدرالية، أن الرئيس البرازيلي "خسر آخر حصون الثقة لديه، وهم فريق الوسط في البرلمان البرازيلي، الذين كانوا يشكلون حاضنة سياسية له، بعد خلافاته مع مختلف القوى الأخرى".

ويقول زاغني للجزيرة نت "إن القضايا المرتبطة بالفساد تتجه بالرئيس نحو العزلة السياسية أكثر فأكثر، الأمر الذي سيزيد من صعوبة إدارته للبلاد، ويعقّد الحالة البرازيلية".

RODRIGO-ZAGNI-GUEST صورة للضيف الدكتور رودريغو زاغني.
المختص بالشؤون السياسية البرازيلية رودريغو مادينا زاغني (الجزيرة)

دعاوى العزل

وبشأن دعاوى العزل، التي كان آخرها تقدُم تحالف القوى المعارضة للرئيس بولسونارو -من بينها شخصيات وأحزاب كانت من أنصاره عند انتخابه- بعريضة موحدة إلى مجلس النواب تحمل أكثر من 100 توقيع يطالب بعزله، يرى زاغني أن "العزل قد لا يكون متاحا بصورة كاملة في هذا التوقيت، نظراً لاقتراب موعد الانتخابات المرتقبة عام 2022".

لكنه قال إن هذه العرائض والمظاهرات في الشارع والقضية المرفوعة في المحكمة، ستضعف صورة الرئيس باعتباره مرشحا للانتخابات القادمة أمام منافسيه، "رغم أنه بدأ حملته الانتخابية مبكرا، وسعى دائما لتعزيز فرص إعادة انتخابه، لكن هذا الأمر قد لا يحدث مع التطورات الحالية".

(تظاهرات تطالب بعزل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو ومحاكمته بتهم فساد في ريو دي جانيرو)
مظاهرات في ريو دي جانيرو تطالب بعزل الرئيس البرازيلي ومحاكمته بتهم فساد (الجزيرة)

أزمة الانتخابات القادمة

واختار الرئيس البرازيلي التوقيت ذاته، الذي يهاجمه به معارضوه، لا ليرد بالنفي فحسب، بل ليفتح سجالا جديدا بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة يتمثل في تشكيكه بآلية التصويت الإلكترونية المعتمدة في البرازيل.

ويعبر بولسونارو عن شكوكه في تزوير نتائج الانتخابات القادمة في حال لم تتم إضافة آلية تزيد الثقة في نتائج الانتخابات، داعما خيار طباعة الأصوات، ومتوعدا بعدم تسليم السلطة إلى الرئيس القادم إن فاز بآلية "غير موثوقة" حسب قوله.

ويضع الرئيس التطورات التي شهدتها الساحة البرازيلية مؤخرا، مثل الإفراج عن منافسه الأبرز في الانتخابات القادمة الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا بعد إسقاط التهم عنه، في إطار العمل على إزاحته من الانتخابات عن طريق التزوير.

ويعتقد المختص بالشؤون السياسية زاغني أن بولسونارو يحاول تحريك قوى بالسلطة "كالجيش" إلى جانبه، "لكنها لن تجدي نفعا"، لأن الجيش "لن يدخل في معركة داخلية، ولن يضر بصورته باقتحام معترك السياسة من جديد".

لقطات لمسيرة دراجات مؤيدة للرئيس
مسيرة دراجات نارية مؤيدة للرئيس البرازيلي بولسونارو (الجزيرة)

الانقسام ينتقل إلى الشارع

وانتقلت التجاذبات السياسية الحادة والانقسام بين قطبي الصراع في البرازيل إلى الشارع، رغم استمرار انتشار فيروس كورونا وتأثيره الكبير على البرازيليين.

فمؤيدو الرئيس نظموا مسيرات بالدراجات بالآلاف تقدمها بولسونارو بنفسه في ولاياتٍ مثل: ساوباولو، وريو دي جانيرو، والعاصمة برازيليا. كما دعوا إلى مسيرات جديدة جنوبي البلاد لإثبات ولائهم وتأييدهم له. في حين نزل المعارضون إلى الشوارع خلال الشهرين الماضيين. وبعد قرار المحكمة العليا إطلاق التحقيقات، أعلنوا موعدا جديدا للحشد الأكبر في 24 يوليو/تموز الجاري.

ويطالب المعارضون بإسقاط حكم بولسونارو قبل عام من انتهاء ولايته الأولى، في مشهد يدل على أن الأيام القادمة في البرازيل لن تكون هادئة.

المصدر : الجزيرة